كثفت إسرائيل في الأيام القليلة الماضية من هجماتها بمناطق متفرقة من قطاع غزة، وذلك قبيل اتفاق الهدنة المحتمل التوصل إليه في مرحلته الأولى ربما مع نهاية الشهر الحالي، ووسط تكثيف المفاوضات التي تجري بعيداً عن وسائل الإعلام في محاولة لإنجاحها.
ولوحظ أن الاستهدافات تركز بشكل أساسي على مراكز الإيواء، خصوصاً المدارس التي تم استهداف ما لا يقل عن 9 منها في 5 أيام، بينها 4 مدارس في أقل من 12 ساعة شرق وغرب مدينة غزة قبل 4 أيام، ومدرستان أخريان في جنوب المدينة في يوم آخر، ومدرستان في شمال القطاع، وأخرى في خان يونس جنوب القطاع، ما خلّف نحو 50 ضحية.
ووفق ما رصدته «الشرق الأوسط»، فإن التركيز كان كبيراً على استهداف طوابق بأكملها داخل تلك المدارس، ولم يكن التركيز على صفوف مدرسية محدودة كما في بعض الهجمات التي كانت قد وقعت أثناء الأسابيع القليلة الماضية بعمليات مركزة.
وقتل ما لا يقل عن 14 فلسطينياً مساء الأحد الماضي، في آخر غارة طالت الطابق الثالث بأكمله في مدرسة أحمد عبد العزيز، قرب مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ثم أقدمت قوة إسرائيلية على التوغل داخل بلدة بيت شمال قطاع غزة، ومحاصرة مدرسة خليل عويضة في البلدة، وقتل ما لا يقل عن 17 فلسطينياً، عثر لاحقاً بعد انسحاب تلك القوات من المدرسة على جثث أخرى متفحمة داخل بعض الصفوف المدرسية.
وتتذرع إسرائيل في كل مرة تقصف فيها مراكز الإيواء بأنها تقتل عناصر مسلحة لحركتي «حماس» أو «الجهاد الإسلامي»، إلا أنه في كثير من المرات تبين أن غالبية الضحايا هم من النساء والأطفال، بعضهم عوائل لعناصر نشطة في تلك الفصائل، ولم يكونوا بينهم، في عملية عدت أنها «انتقامية» بشكل أساسي.
وتحولت المدارس في قطاع غزة، منذ بداية الحرب الإسرائيلية إلى مراكز إيواء في ظل فقدان عشرات الآلاف من المواطنين لمنازلهم. ووفق وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإن 425 مدرسة حكومية وجامعة تابعة للوزارة، و65 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» تعرضت للقصف والتخريب في قطاع غزة، ما أدى إلى تعرض 171 منها لأضرار بالغة، و77 للتدمير بالكامل.
وقالت الوزارة إن عدد الطلبة الذين قتلوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان وصل إلى أكثر من 12 ألفاً و681 طالباً، والذين أصيبوا 20 ألفاً و311 طالباً، مشيرة إلى أن 788 ألف طالب ما زالوا محرومين من الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم منذ بدء العدوان، فيما يعاني معظم الطلبة صدمات نفسية، ويواجهون ظروفاً صحية صعبة.
كما استهدفت القوات الإسرائيلية في غضون 24 ساعة، ثلاثة صحافيين، بينهم مصور قناة «الجزيرة» الفضائية أحمد اللوح، ومراسل قناة «المشهد» محمد بعلوشة، ومحمد القريناوي، وهو صحافي متعاون مع عدة جهات، وذلك خلال ثلاث غارات في مناطق متفرقة من قطاع غزة.
ولم يعلق الجيش الإسرائيلي سوى على استهداف اللوح، حيث ادعى في بيان له أنه ناشط في حركة «الجهاد الإسلامي»، وهو الأمر الذي نفته عائلته وكذلك قناة «الجزيرة» التي طالبت بمحاسبة إسرائيل على استمرار استهدافها للصحافيين، ونادت مؤسسات صحافية كثيرة في العالم نادت بحماية الصحافيين في قطاع غزة، في وقت علقت فيه الخارجية الأميركية على الأمر، بأنها طلبت توضيحات من إسرائيل حول تلك الحوادث.
واستنكرت نقابة الصحافيين الفلسطينيين في بيان لها، الاستهدافات المتكررة للعاملين في مجال الإعلام، الذين يغطون الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عادّةً أن تلك الاستهدافات تكشف أن الاحتلال يستهدف الصحافيين بشكل متعمد في إطار حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أنه وصل عدد الشهداء من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام إلى أكثر من 190 صحافياً.
ولم تكن تلك الاستهدافات هي التركيز الوحيد، حيث كان مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، يتعرض لهجمات متكررة على مدار الأيام الأخيرة، ما أدى لمقتل كثير من الفلسطينيين، إلى جانب إلحاق أضرار كبيرة، يضاف إلى ذلك عمليات النسف الكبيرة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية للمنازل والمباني المحيطة بالمستشفى، في محاولة لتحويل المنطقة إلى مكان غير قابل للحياة، كما يُفعل تماماً بباقي مناطق شمال القطاع.
ووفقاً لمصادر ميدانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن إسرائيل منذ انتهاء الحرب مع لبنان، وتقليص عملياتها في سوريا وربما جبهات أخرى، عادت لتزيد من هجماتها في قطاع غزة.
وأشارت إلى أنه حتى على صعيد العمليات البرية، فإن هناك توسيعاً للعمليات في شمال وجنوب القطاع، حيث باتت تتوسع العملية في بيت حانون، وكذلك في رفح حتى أصبحت على بُعد عشرات الأمتار من المواصي التي يوجد بها الآلاف من المواطنين.
وبينت أن الاحتلال يكثف من عمليات النسف في إطار محاولاته تدمير أكبر قدر ممكن من المنازل والمباني، إلى جانب توسيع محوري فيلادلفيا ونتساريم، وإقامة مناطق عازلة في شمال وشرق القطاع، وهو الأمر الذي سيؤثر على مستقبل جغرافيا قطاع غزة، وحرية الحركة العسكرية لإسرائيل.
ووفق تقرير للمرصد الأورومتوسطي، فإن إسرائيل تتوسع في إبادة المدن في قطاع غزة في تجسيد لجريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ 14 شهراً، مشيرة وفق بيانات وإفادات إلى أن الجيش الإسرائيلي ينتهج بشكل واسع منذ هجومه البري الثالث في شمال قطاع غزة منذ 5 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عمليات محو شامل وتدمير كامل للمنازل والأحياء السكنية والبنى التحتية.
وأشار التقرير إلى أن المعطيات الأولية التي أمكن الحصول عليها من رفح عبر إفادات من السكان وصور للأقمار الاصطناعية ومقاطع فيديو نشرها جنود إسرائيليون تظهر أن المحافظة تم محوها بصورة شبه تامة.
وذكر أن أحياء في خان يونس مسحت بالكامل، ومربعات سكنية في حيي الشجاعية والزيتون جنوب غزة وشرقها، وكذلك المنطقة الواقعة على امتداد محور نتساريم من الجنوب والشمال.
ورغم كل هذه الأحداث الجارية، فإنه حتى اللحظة ما زالت تتكبد إسرائيل خسائر بفعل المقاومة المستمرة لقواتها، والتي كان آخرها مساء الاثنين بمقتل جنديين، وفق وسائل إعلام عبرية، إثر تفجير مبنى في رفح، بينما قتل قبل أيام 4 جنود في عملية أخرى في جباليا التي يوجد فيها الجيش الإسرائيلي منذ ما يزيد على 70 يوماً.