السلطة الفلسطينية تطلق حملة أمنية ضد المسلحين في الضفة

في مسعى لـ«استعادة المبادرة» وسط التغييرات في المنطقة... وإسرائيل تراقب

عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)
عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية تطلق حملة أمنية ضد المسلحين في الضفة

عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)
عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

أطلقت السلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة، في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، ضد مسلحين في المخيم الشهير، مخيم جنين، في بداية تحرك هو الأقوى والأوسع من سنوات طويلة، ويفترض أن يطول مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.

وأعلن الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطيني، العميد أنور رجب، أن الأجهزة الأمنية بدأت، فجر السبت، حملة «حماية وطن» لحفظ الأمن والسلم الأهلي، وبسط سيادة القانون، وقطع دابر الفتنة والفوضى في مخيم جنين.

وأكد رجب، في بيان، أن هدف هذه الجهود استعادة مخيم جنين من سطوة الخارجين على القانون، الذين نغصوا على المواطن حياته اليومية، وسلبوه حقه في تلقي الخدمات العامة بحرّية وأمان. وتعهد بالمضي وبلا هوادة في إنفاذ وتنفيذ القانون.

أحد أفراد قوات الأمن الفلسطينية ينظر من داخل مركبة خلال دورية وسط اشتباكات في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

واندفعت قوات الأمن الفلسطيني إلى مخيم جنين في واحدة من المرات القليلة، قبل أن تندلع اشتباكات واسعة بين عناصر الأمن ومسلحين فلسطينيين تابعين للفصائل هناك. وأظهرت مقاطع فيديو تبادلاً للرصاص وانفجارات وحرائق ودخاناً في أزقة المخيم، قبل أن تعلن الفصائل أن السلطة قتلت أحد قادة «كتيبة جنين» التابعة لـ«الجهاد الإسلامي».

ونعت «الجهاد» يزيد جعايصة «الذي ارتقى برصاص أجهزة السلطة في جنين»، متهمة السلطة «بملاحقة المقاومين والمطلوبين للاحتلال» في استهداف متصاعد ومتعمد «يتماهى بشكل تام مع عدوان الاحتلال وإجرامه».

ودعت «الجهاد» الفصائل لاتخاذ موقف حاسم ضد السلطة، فلاقتها حركة «حماس» التي رأت «ما تنفذه أجهزة السلطة بالضفة الغربية استهدافاً واضحاً للمقاومة المتصاعدة». وطالبت «حماس» قيادة السلطة بـ«لجم سلوك أجهزتها وتصحيح بوصلتها الأخلاقية والوطنية نحو خيار الوحدة والمقاومة لردع الاحتلال وصد عدوانه».

لكن موقفي «حماس» و«الجهاد» لم يلقيا آذاناً مصغية في رام الله، باعتبار أن الحركتين متهمتان بالسعي إلى تقويض السلطة الفلسطينية.

وأطلقت السلطة حملتها على قاعدة أن ثمة مخططاً لنشر الفوضى في الضفة الغربية، وصولاً إلى تقويض السلطة وإعادة احتلال المنطقة.

وأكد مصدر أمني كبير لـ«الشرق الأوسط» أن الحملة تستهدف إنقاذ الضفة من مصير مشابه لمصير قطاع غزة. وقال: «إسرائيل تتربص بالضفة، وتدعم الفوضى حتى تبرر العالم في وقت لاحق خطتها لاستكمال ما بدأته في غزة؛ تدميراً وتهجيراً، ومن ثم تقويض السلطة الفلسطينية».

وأضاف المصدر أن السلطة على علم بمخططات إسرائيلية واضحة وصلت حد التنفيذ، لإغراق الضفة في الفوضى، مشيراً إلى أن «ما حدث في غزة لن يحدث في الضفة. لقد تعلمنا الدرس جيداً».

وبدأت الحملة الفلسطينية في جنين، التي تحولت إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين، بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا (انهيار نظام الأسد)، ضمن وضع تعرّفه الأجهزة بأنه «تدحرج حجارة الدومينو». وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن التقديرات في أجهزة الأمن بأن تدهوراً محتملاً في الضفة قد يقود كذلك إلى انهيار السلطة. وتصف إسرائيل المواجهات في جنين بأنها «غير عادية».

أحد أفراد قوات الأمن الفلسطينية يوجه سلاحه خلال اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

وجاءت التقديرات الإسرائيلية الجديدة، وهي متكررة منذ سنوات، وتزايدت جديتها بعد هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في ذروة الاشتباكات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومسلحي جنين.

والاشتباكات بين مسلحين وقوات أمنية فلسطينية في جنين تعد ترجمة لحرب أخرى أشرس على منصات التواصل الاجتماعي. ويمكن رصد تحريض كبير على السلطة الفلسطينية في منصة «تلغرام» بوصفها (أي السلطة) شريكاً للإسرائيليين في مواجهة المقاتلين في الضفة.

وهدد مسلحون في جنين ومناطق أخرى في الشمال قيادة وعناصر السلطة بأنهم سيدفعون ثمن «أفعالهم»، لكن السلطة أكدت أنها ماضية، بل حققت إنجازات في يومها الأول.

وفي رسالة حول جديتها هذه المرة، اجتمع رئيس الوزراء محمد مصطفى بقادة المؤسسة الأمنية في جنين، وقال مصطفى من هناك إن «هدف ما بجري إنقاذ المخيم وحماية المواطن، ووقف المعاناة... نعمل على استعادة زمام المبادرة في كافة محافظات الوطن، والنتيجة ستكون إيجابية للجميع».

وحضر مصطفى على رأس قادة الأجهزة الأمنية فيما كانت الاشتباكات مندلعة في مخيم جنين القريب.

عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

وقال الناطق الأمني إن عناصر الأجهزة الأمنية نجحوا في إعطاب عشرات العبوات المفخخة في شوارع مدينة جنين، واعتقلوا مسلحين، وسيطروا على مركبة مفخخة كانت مُعدّة لمهاجمتهم.

وحصلت السلطة على الدعم من «منظمة التحرير» وحركة «فتح». وأكد نائب أمين سر اللجنة المركزية لـ«ـفتح» صبري صيدم، أن المرحلة الحالية تتطلب مواجهة مظاهر الفلتان الأمني، وقطع الطريق أمام من يريد زعزعة السلم الأهلي والمجتمعي.

وأكد عضو اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، أحمد مجدلاني، ضرورة أن تكون هناك سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح شرعي واحد. وقال: «لا للفلتان الأمني تحت شعار المقاومة».

والحملة في جنين مؤجلة منذ فترة طويلة، تجنبت فيها السلطة الدخول في مواجهات داخلية فيما هي محاصرة من قبل إسرائيل سياسياً ومالياً. لكن الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة، والتغييرات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وضعتا السلطة على المحك.

ويعمل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على إحداث أوسع تغيير ممكن في السلطة، استجابةً لمطالب دولية بإجراء إصلاحات وتغييرات، تمكن السلطة من تسلم قطاع غزة. وأجرى خلال الشهور الماضية تغييراً حكومياً، وعين محافظين جدداً، وأجرى تنقلات لقادة الأجهزة الأمنية، وفي السفارات الفلسطينية، وأصدر مرسوماً يحدد فيه من يتسلم منصبه في حال شغوره فجأة.

ووجدت السلطة نفسها في مواجهة مستعجلة مع المسلحين، بعدما بدأت تشعر أنهم بدأوا يدخلون إلى الفراغ، ويهددون بقاءها في أعقد ظرف ممكن. وتراقب إسرائيل ما يحدث في جنين عن كثب. وقالت «القناة الـ12» إن السلطة تلقت رسالة ساخنة من إسرائيل قبل فترة وجيزة مفادها: «ابدأوا بالتحرك وإلا فسنضطر إلى الدخول بأنفسنا». لكن السلطة لا تربط بين إسرائيل وعمليتها في جنين، والتي ستتوسع إلى مناطق أخرى لاحقاً.

وقال الناطق باسم الأجهزة الأمنية: «للأسف نواجه فئة باعت نفسها لصالح امتيازات دنيوية رخيصة، تقوم بأفعال داعشية، لا تمثل الشعب الفلسطيني»، وأضاف: «سنجتث هذه الفئات الخارجة على القانون، وأفعالها الإجرامية».

ورد مسلحون على السلطة وهددوها بدفع الثمن، وخرج أحد الملثمين من وسط مخيم جنين ملوحاً بيده صارخاً: «مقابل يزيد (الذي قتلته السلطة في اليوم الأول للاشتباكات) سيكون هناك مائة عسكري من السلطة».


مقالات ذات صلة

قوات الأمن الفلسطينية تشتبك مع مسلحين في جنين

المشرق العربي رجال أمن فلسطينيون في مخيم جنين (رويترز)

قوات الأمن الفلسطينية تشتبك مع مسلحين في جنين

قال سكان ومسعفون إن شخصا واحدا على الأقل قُتل عندما اشتبكت قوات الأمن الفلسطينية مع مسلحين فلسطينيين في جنين.

«الشرق الأوسط» (جنين (الضفة الغربية))
المشرق العربي صورة من لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي (متداولة)

عباس يلتقي ميقاتي في روما لبحث آخر التطورات على الساحتين الفلسطينية واللبنانية

التقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مساء الخميس، في مقر إقامته، خلال زيارته إلى روما، رئيس وزراء لبنان، نجيب ميقاتي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عربات إسرائيلية خلال غارة في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية الخميس (أ.ب) play-circle

الأمن الإسرائيلي يحذّر من سقوط السلطة الفلسطينية مثل سوريا

تقديرات في القيادات العليا والميدانية، تشير إلى احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، بتأثير من سقوط نظام بشار الأسد.

الولايات المتحدة​ خلال لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع البابا فرنسيس في الفاتيكان 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

الرئيس الفلسطيني ومسؤولون بالفاتيكان يبحثون «الاحتياجات العاجلة» لسكان غزة

التقى البابا فرنسيس مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالفاتيكان الخميس لمناقشة «الوضع الإنساني الخطير للغاية في غزة».

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
شؤون إقليمية فلسطيني يحمل العلم ويسير في جنين في أثناء إضراب عام الثلاثاء (أ.ف.ب)

إسرائيل تخشى فوضى في الضفة تؤدي لانهيار السلطة

حذرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا.

كفاح زبون (رام الله)

«ضغوط وعراقيل» تكبح التفاؤل بـ«هدنة غزة»

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)
إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

«ضغوط وعراقيل» تكبح التفاؤل بـ«هدنة غزة»

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)
إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

رغم تواصل جهود الوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، بتحفيز أميركي قوي، عاد الحديث عن «ضغوط وعراقيل»، ما يفتح تكهنات كثيرة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام، عبر جولات سابقة عادةً «ما تعثَّرت في محطاتها الأخيرة».

قد لا يصل الأمر إلى تعثر كامل، بل إلى تأخير ومماطلة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفع توقيت الاتفاق إلى أقرب ما يمكن من سقف 20 يناير (كانون الثاني)، موعد تنصيب دونالد ترمب رئيساً لأميركا، آملاً في تحقيق مزيد من المكاسب ومواصلة الاستهداف العسكري لغزة و«حماس»، التي أكدت أمس انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان... وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».