«السيدة زينب» تتخلص من «الصبغة الإيرانية» بفرح كبير

إزالة صور الخميني وخامنئي ونصر الله... والإشراف على المقام عاد لأبناء المنطقة

مقام السيدة زينب يعود إلى أهل المنطقة (الشرق الأوسط)
مقام السيدة زينب يعود إلى أهل المنطقة (الشرق الأوسط)
TT

«السيدة زينب» تتخلص من «الصبغة الإيرانية» بفرح كبير

مقام السيدة زينب يعود إلى أهل المنطقة (الشرق الأوسط)
مقام السيدة زينب يعود إلى أهل المنطقة (الشرق الأوسط)

تبدل المشهد كثيراً في منطقة «السيدة زينب» التي كانت تعدّ المعقل الرئيس لإيران في جنوب دمشق، عقب سيطرة قوات المعارضة على العاصمة السورية وسقوط حكم الرئيس بشار الأسد.

فالمنطقة تخلصت خلال ساعات، وبفرح «كبير» من الصبغة الإيراني التي ألبست بها خلال سنوات كانت توصف خلالها بأنها «مدينة إيرانية» وليست سورية. في غضون يومين اختفى منها النفوذ الكبير الذي رسخته فيها إيران وميليشياتها و«حزب الله» اللبناني، وانتهت سيطرتهم عليها؛ وهو ما ترك ارتياحاً واسعاً لدى أهلها؛ لأن منطقتهم «عادت إلينا»، وفق ما قال بعضهم لـ«الشرق الأوسط» التي زارت المنطقة الثلاثاء.

مسلح مع المعارضة في منطقة السيدة زينب بعد إزالة حاجز «حزب الله» (الشرق الأوسط)

في سوق «بهمن»، التي تعدّ من أكبر وأهم الأسواق في «السيدة زينب»، لا يخفي صاحب محال تجارية سعادته بتبدل الأوضاع خلال ساعات، ويقول بفرحة كبيرة بدت واضحة على وجهه: «إسقاط الأسد تم بسواعد أولادنا الذين أعادوا (السيدة زينب) إلى أهلها الطيبين، وفرحتنا عارمة». ويضيف: «لقد اختفت إيران، وأغلب عائلات من جلبتهم ترحل والباقي منهم منزوٍ في منازله»، مؤكداً أن الوضع في المنطقة الآن «أفضل بكثير».

اختفاء الصور الإيرانية

في قلب سوق «بهمن»، بدا التغيّر في مشهده جلياً؛ إذ أُزيل حاجز «حزب الله» من بدايتها، واختفت بشكل شبه تام منها المظاهر المسلحة واليافطات التي كانت تُكتب عليها عبارات مذهبية، وكذلك صور الخميني وخامنئي وأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي قُتل في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية سبتمبر (أيلول) الماضي، بعدما كانت تلك الصور تعلق بشكل مكثف في السوق وعلى واجهات المحال التجارية.

الرجل الستيني يروي لـ«الشرق الأوسط»، وهو جالس أمام واجهة أحد المحال المختصة ببيع السكاكر، جانباً من تاريخ المنطقة: «أنا من أهالي المنطقة الأصليين، وقد خٌلقت وعشت فيها، وإيران منذ ما قبل اندلاع الثورة (السورية في 2011)، وهي تعمل للسيطرة عليها بحجة وجود مقام (السيدة زينب) فيها».

أحى الأسواق المجاورة لمقام السيدة زينب جنوب دمشق (الشرق الأوسط)

ويضيف: «زاد ذلك بعد نشوب الثورة؛ إذ جلبت إيران إليها آلاف المقاتلين التابعين لها من كل الدول وشكلت منهم ميليشيات وملّكتهم ووطنتهم فيها، وقد استولوا على أملاك مقاتلي المعارضة بعد تهجيرهم قسراً من منطقتهم. كما غيرت إيران أسماء الطرق والحارات والأسواق والمحال والفنادق وانتشرت صور رموزها ورفعت أعلامها ورايات ميليشياتها في كل مكان حتى تغيّر وجه المنطقة بشكل كلي وباتت كأنها (إيرانية)، وأصبحنا نحن أقلية والغرباء أكثرية، وباتوا يتحكمون فينا بالصغيرة والكبيرة، ويفرضون ما يريدون ويضيّقون علينا لشراء أملاكنا بأرخص الأسعار، والنظام البائد الذي ولّى، لم يكن يقوم بأي شيء لإيقاف ذلك لأنهم ساعدوه على شعبه».

إدارة أهلية للمقام

ويذكر الرجل أن وفداً من فصائل المعارضة عقد الأحد الماضي اجتماعاً مع وجهاء المنطقة في مقر البلدية، أوضح خلاله أن مقام «السيدة زينب» الذي تحججت إيران في بداية الثورة بحمايته، وجلبت بتلك الحجة آلاف المسلحين إلى البلاد، فسيتم الإشراف عليه من أهل المنطقة، بعدما كانت الميليشيات الإيرانية، خصوصاً «حزب الله» يقومون بذلك.

ويضيف: «سنقدم له كل ما يحتاج إليه وسنطوّره، وأهلاً وسهلاً بكل من يريد زيارته من سوريا وغير سوريا. نحن لسنا ضد (أتباع) أي طائفة أو مذهب، بل نحن ضد كل من يريد سلبنا أملاكنا ومدننا وتغيير طبيعتها، ونحن ضد الظلم والاستبداد».

عناصر من المعارضة في أحد الطرق المؤيدة إلى مقام السيدة زينب (الشرق الأوسط)

«مشهد (السيدة زينب) حالياً ترك راحة نفسية كبيرة لدى أهلها»، بهذه العبارة عبّر عما حدث صاحب محل آخر، وهو أيضاً من أهل المنطقة الأصليين، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أساءوا جداً إلى المنطقة وأهلها، ومن دونهم (السيدة زينب) ستكون بخير وأهلها أفضل بكثير».

ويضيف الرجل: «كنا نقدم الخدمات لهم، ونتجنب الاحتكاك بهم، ورغم كل ذلك كانوا يدخلون إلى محالنا بحجة الشراء ويتحدثون بعبارات مسيئة استفزازية. تصور أننا كنا نقدم لهم الخدمة وفي اليوم التالي يعتقلون أولادنا بحجج كاذبة، وكل ذلك من أجل تطفيشنا، لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، فقد استيقظنا صباح الأحد ولم نرهم». وتوقع صاحب المحل، أن يقوم أصحاب المحال التجارية المسماة بأسماء مذهبية، بتغيّر تلك الأسماء.

ترتيبات جديدة

ومع الوصول إلى مدخل مقام «السيدة زينب» الشرقي والواقع في نهاية السوق من الجهة الشرقية، يوجد أشخاص سوريون بلباس مدني غير مسلحين ينظمون الدخول إلى المقام، بعدما كان مقاتلو «حزب الله» يقومون بذلك وهم مسلحون.

عَلم الثورة السورية في منطقة السيدة زينت (الشرق الأوسط)

وفي قلب المقام، تمت إزالة صور الخميني وخامنئي ونصر الله والرموز المذهبية، التي كانت تنتشر في أرجائه كافة، بينما كان رجال دين شيعة يتبادلون الحديث مع وفد من «إدارة العمليات العسكرية» عند مدخل أحد الأقسام، ويٌعتقد أن الحديث كان يدور حول الترتيبات الجديدة للإشراف على المقام وعملية الدخول إليه.

وخلال دردشة قصيرة لمراسل «الشرق الأوسط» مع فتاة موظفة في المقام، شككت في أن تكون «سوريا أفضل» مع الوضع الجديد.

كما تمت إزالة كل رايات الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» التي كانت مرفوعة على السور الخارجي للمقام، وصور الرموز الإيرانية المذهبية من على جدرانه.

طريق بلا حواجز

ويتم الدخول إلى «السيدة زينب»، الواقعة على بعد نحو 8 كيلومترات جنوب شرقي العاصمة دمشق، عبر طريقين رئيستين: الأولى «مفرق المستقبل» على الجانب الغربي من طريق مطار دمشق الدولي، والأخرى من داخل دمشق، ويبدأ من حي القزاز على المتحلق الجنوبي، ومن ثم بلدة ببيلا فـبلدة حجيرة، وصولاً إلى «السيدة زينب».

وبخلاف ما اعتاد عليه أهالي المنطقة وزوارها طيلة سنوات الحرب الـ13 كانت الطريق الممتدة من مفرق المستقبل حتى مدخل «السيدة زينب» الشرقي والبالغ طولها أربعة كيلومترات، خالية من حواجز «حزب الله» و«الفرقة الرابعة» التابعة لجيش الأسد والتي كان ينتشر فيها العشرات من عناصرهم، وكذلك من صور الأسد الفار.

أحد الأسواق المجاورة لمقام السيدة زينب جنوب دمشق (الشرق الأوسط)

على طول هذه الطريق شوهد عدد من السيارات التابعة لفصائل المعارضة متوقفة على جانب الطريق وتفصل بين كل واحدة وأخرى مئات الأمتار، وكذلك مقاتلون منها ومن أهل المنطقة، وذلك من أجل حماية الطريق والسيارات والمارة فيها، من دون إزعاجات، وتحسباً لأي طارئ قد يحدث.

عَلم الثورة

ويلاحظ عند الوصول إلى مشارف «منطقة الروضة»، وهي المدخل الشرقي لـ«السيدة زينب»، رفع عَلم الثورة السورية في منتصف «دوار الروضة»، في حين أُزيلت صور الخميني وخامنئي ونصر الله التي كانت تعلق بكثافة في المنطقة.

وينتشر عند ذلك المدخل بشكل مكثف مقاتلون من فصائل المعارضة، على مسرب الخروج منها المنطقة، ويقومون بعمليات تفتيش دقيقة للسيارات الخارجة منها.

عَلم الثورة السورية في منطقة السيدة زينت (الشرق الأوسط)

وأوضح مقاتل من المعارضة، أن عمليات التفتيش تهدف إلى ضبط أي أشياء تم «تعفيشها» خلال حالة الفوضى التي حدثت ليلة سقوط الأسد.

وأكدت مصادر أهلية من المنطقة، أنه وبمجرد انتشار خبر سقوط حكم الأسد وفراره ودخول فصائل المعارضة ليلة السبت - الأحد الماضية، علت تكبيرات «الله أكبر» من مآذن المساجد، وسُمعت أصوات الزغاريد فرحاً بالخلاص من نظام الظلم والاستبداد، وذلك بعد أن كانت إيران وميليشياتها أخلوا مقارهم قبل يوم أو يومين.


مقالات ذات صلة

سوريا: الأمن العام ينتشر في جرمانا بعد رفض متورطين بمقتل عنصر بالدفاع تسليم أنفسهم

المشرق العربي سيارات تتنظر على حاجز المسلحين المحليين (درع جرمانا) على مدخل المدينة الشمالي (الشرق الأوسط)

سوريا: الأمن العام ينتشر في جرمانا بعد رفض متورطين بمقتل عنصر بالدفاع تسليم أنفسهم

هدوء حذر في جرمانا... و«الهيئة الروحية» أكدت لـ«الشرق الأوسط» حرصها على تفعيل دور المؤسسات والشرطة، لكن بالتشارك مع أبناء المدينة.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي وليد جنبلاط خلال اللقاء مع الرئيس السوري أحمد الشرع في ديسمبر الماضي

جنبلاط يحذّر من المكائد الإسرائيلية في جبل العرب وسوريا

حذّر رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط من المكائد الإسرائيلية في جبل العرب وسوريا، معلناً أنه سيزور دمشق للمرة الثانية قريباً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مقاتلون تابعون للقيادة السورية الجديدة في نقطة تفتيش عند مدخل قاعدة حميميم العسكرية بمحافظة اللاذقية يوم 29 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

مصادر: سوريا تسعى للحصول على مقابل لإبقاء القاعدتين الروسيتين مثل إسقاط ديون

مصادر سورية وروسية تحدَّثت عن تفاصيل لم تنشر عن أول اجتماع رفيع المستوى بين الشرع ومبعوث بوتين، بينها إعادة أموال سورية يقال إنها في روسيا.

«الشرق الأوسط» (اللاذقية (سوريا))
قائد القيادة الأميركية الوسطى «سينتكوم» الجنرال مايكل كوريلا (أ.ب) play-circle

 واشنطن تعلن مقتل قائد عسكري بفرع تنظيم «القاعدة» في سوريا

قالت القيادة المركزية الأميركية «سينتكوم»، إن القوات الأميركية قتلت قائداً عسكرياً بارزاً من جماعة «حراس الدين»، أحد فروع تنظيم «القاعدة»، في شمال غربي سوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال انتشارهم في مناطق سورية (الجيش الإسرائيلي)

إسرائيل تهدد بالتدخل عسكرياً في سوريا «إذ تعرض النظام للدروز»

هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بالتدخل عسكرياً في سوريا ضد قوات دمشق «إذا أقدم النظام على المساس بالدروز».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إسرائيل تُصعّد لتسييد مقترح الهدنة الأميركي

شاحنات متوقفة على الجانب المصري من معبر رفح أمس بعد تعليق إسرائيل إدخال المساعدات لغزة (أ.ف.ب)
شاحنات متوقفة على الجانب المصري من معبر رفح أمس بعد تعليق إسرائيل إدخال المساعدات لغزة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تُصعّد لتسييد مقترح الهدنة الأميركي

شاحنات متوقفة على الجانب المصري من معبر رفح أمس بعد تعليق إسرائيل إدخال المساعدات لغزة (أ.ف.ب)
شاحنات متوقفة على الجانب المصري من معبر رفح أمس بعد تعليق إسرائيل إدخال المساعدات لغزة (أ.ف.ب)

في مسعى لتسييد مقترح هدنة دعا إليه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، صعّدت إسرائيل ضد قطاع غزة، وأغلقت المعابر الخاضعة لسيطرتها لمنع إدخال المساعدات كافة، كما نفذت غارات أسفرت عن مقتل 4 فلسطينيين.

وجاءت الضغوط الإسرائيلية بعد رفض حركة «حماس» القبول بمقترح ويتكوف، الرامي إلى تمديد وقف النار نحو 50 يوماً مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، من دون التطرق إلى إنهاء الحرب بشكل كامل وانسحاب إسرائيل من القطاع، وهما بندان تتمسك بهما «حماس».

بدورها، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي وقف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، واستخدامها كأداة لـ«الابتزاز والعقاب الجماعي»، وقالت إن ذلك يُعد «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ومساساً مباشراً بقواعد القانون الدولي الإنساني، في ظل الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الشقيق». وجدّدت المملكة دعوتها للمجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة وتفعيل آليات المحاسبة الدولية وضمان الوصول المستدام للمساعدات.

وتبدأ في القاهرة، اليوم، اجتماعات لوزراء الخارجية العرب تمهيداً لانعقاد القمة العربية الطارئة بشأن فلسطين (الثلاثاء). ومن المقرر أن يناقش الوزراء «خطة إعادة إعمار قطاع غزة، تمهيداً لعرضها على رؤساء وقادة الدول والحكومات العربية في القمة الطارئة».