حماة... مفتاح السيطرة على زمام العمليات العسكرية

عقدة الطرق بين جهات سوريا الأربع

TT

حماة... مفتاح السيطرة على زمام العمليات العسكرية

مقاتلون من الفصائل المسلحة على مدخل مدينة حماة الثلاثاء (أ.ف.ب)
مقاتلون من الفصائل المسلحة على مدخل مدينة حماة الثلاثاء (أ.ف.ب)

تتركز الأنظار على مدينة حماة السورية مع اشتداد المعارك في ريفها الشمالي وإصرار الجيش السوري على صد تقدم الفصائل المسلحة التي تنوي دخولها من ثلاثة محاور هي: خطاب، شمال غرب، ومعردس، شمالاً، ومعر شحور، شمال شرق.

وحماة التي تتوسط سوريا، وتربط بين جهاتها الأربع شرق - غرب وشمال - جنوب، تكتسب أهمية عسكرية كونها تضم مقرات عسكرية وأمنية حساسة منها مطار حماة العسكري، ورحبات عسكرية، ومستودعات أسلحة، وألوية للجيش ومدارس، مثل «مدرسة المجنزرات»، عدا فرع الأمن العسكري، وغيرها مقرات.

معارك عنيفة بين الجيش السوري والفصال المسلحة في حماة (أ.ب)

كما تكتسب أهمية سياسية ورمزية حساسة من أنها مدينة غالبيتها العظمى من المسلمين السنة، ومنها انطلقت عام 1982 أكبر التحركات المناهضة لنظام حزب «البعث» منذ تسلمه السلطة في الستينيات، وتعرضت حينها لحملة عسكرية جرى خلالها قتل وتشريد عشرات الآلاف من سكانها، في حدث ظل حياً في الذاكرة الجمعية، وكان له الدور الأبرز في انضمام حماة عام 2011 للاحتجاجات الشعبية على نحو واسع النطاق، قبل أن يتم إخماد الحراك والتحول نحو الصراع المسلح.

ورغم سيطرة الحكومة على حماة، ظلت بيئة تضمر العداء للموالين للحكومة، ولا يمكن للموالين للسلطة التحرك بأريحية داخل المدينة، ويكاد يقتصر حضورهم على الدوائر الحكومية، رغم وجود مساعٍ لتعزيز هذا الحضور في الحياة العامة من خلال الأنشطة والفعاليات الرسمية.

ومن اللافت أن مدينة حماة تكاد تكون الأقل بين المدن السورية، من حيث المظاهر العسكرية والأمنية في الشارع، على عكس العاصمة دمشق ومدينة حمص التي يبدو فيها الأمنيون والعسكريون وعناصر الميليشيات أكثر حضوراً من المدنيين في الشارع.

وقالت مصادر أهلية في حماة لـ«الشرق الأوسط» إن المجتمع الحموي ظل عصياً على الاختراق، لكن في السنوات الأخيرة بدأت الأمور تتغير وحصلت خروقات، لا سيما من جانب إيران و«حزب الله»، عبر الاقتصاد والمال وأمراء الحرب، مشيرة إلى أن إيران «عززت وجودها في ريف حماة وعملت على نشر المذهب الشيعي فيه، مستغلة فقر الناس هناك. كما حاولت التغلغل في مدينة حماة لكنها لم تحقق سوى خروقات محدودة».

وبحسب المصادر تكمن الأهمية الحساسة لمحافظة حماة في أنها تشكل طريق إمداد بين حلب والساحل وقرى الريف الغربي «الفقيرة» التي كانت تاريخياً خزاناً بشرياً للأجهزة الأمنية والمتصلة مع مناطق الساحل التي يتحدر منها غالبية كبار المسؤولين في الأمن والدولة.

وتسعى الفصائل المسلحة للسيطرة على حماة، لأنها بوابة للتقدم باتجاه ريف حماة الجنوبي وحمص الشمالي، والذي يمكن الفصائل المسلحة في حال سيطرتها على حمص من عزل دمشق عن مناطق الساحل وقطع طريق الإمداد (m5) وهو الطريق الدولي الرابط بين دمشق وحمص وحماة وحلب.

أهمية خاصة لمدينة حماة الواقعة في وسط سوريا (أ.ف.ب)

ومنذ بدء تسارع الأحداث في حلب وبدء هجوم الفصائل المسلحة، تعيش مدينة حماة في حالة من القلق والتوتر الشديدين. ومع اقتراب الفصائل من مشارف حماة السبت الماضي، بدأت حالة من حظر التجول تفرض نفسها على المدينة مع انتشار النازحين من حلب في شوارعها وحدائقها، حيث يقيم العشرات منهم في السيارات وعلى الأرصفة وتغلق معظم المحلات التجارية أبوابها وتعمل الأفران ومحلات بيع الأطعمة لعدة ساعات لتلبية الإقبال الشديد على تموين الأغذية.

مصادر في حماة قالت لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع مخيف جداً، هناك خوف من سقوط القذائف، لا سيما الأحياء القريبة من المطار العسكري، إذ سقطت قذيفة قبل يومين في حي البعث وقتلت ثمانية أشخاص، وأمس سقطت أخرى في شارع الجلاء، وهناك مخاوف من حملات السوق إلى العسكرية الإلزامية، ومخاوف من انقطاع الخبز وارتفاع الأسعار والخوف من الانفلات الأمني والفوضى».

وخلال الأيام القليلة الماضية عزز الجيش السوري خطوط دفاعاته بحشود عسكرية ضخمة، في ريف حماة الشمالي، ويستميت في تثبيتها لمنع تقدم الفصائل المسلحة، لأن السيطرة على حماة هي إمساك بزمام العمليات العسكرية، في ظل احتمالات خطيرة لانتهاز الفرصة وبدء تحرك في القلمون بريف دمشق وفي جنوب سوريا درعا والسويداء وفرض واقع عسكري جديد.


مقالات ذات صلة

نتنياهو: سقوط بشار الأسد «يوم تاريخي»

المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

نتنياهو: سقوط بشار الأسد «يوم تاريخي»

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم (الأحد) سقوط الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «يوم تاريخي» جاء بعد ضربات وجهتها إسرائيل لإيران و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مواطنون في ساحة الأمويين في دمشق (الشرق الأوسط)

سكان دمشق يحتفلون ببداية عهد جديد

لم ينتظر سكان مدينة دمشق شروق شمس الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، فقد خرجوا مع ساعات الفجر الأولى إلى الشوارع مع سماع أصوات كثيفة لإطلاق النار ابتهاجاً بانتهاء…

المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي عناصر من المعارضة السورية المسلحة تحتفل بسقوط بشار الأسد (أ.ب)

«حزب الله» سحب كل قواته من سوريا قبل ساعات من سقوط النظام

قال مصدران أمنيَّان لبنانيان لوكالة «رويترز» للأنباء، إن «حزب الله» سحب كل قواته من سوريا أمس (السبت) لدى اقتراب قوات من المعارضة السورية من دمشق.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي زعيم مقاتلي المعارضة السورية أبو محمد الجولاني (أ.ف.ب)

الجولاني: لا مجال للتراجع... والمستقبل لنا

قال زعيم «هيئة تحرير الشام»، في بيان بثه التلفزيون السوري الرسمي، إنه لا مجال للعودة إلى الوراء وإن الهيئة عازمة على مواصلة المسار الذي بدأته في 2011.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

سكان دمشق يحتفلون ببداية عهد جديد

مقاتلون من المعارضة يحتفلون بسيطرتهم على دمشق الأحد (أ.ب)
مقاتلون من المعارضة يحتفلون بسيطرتهم على دمشق الأحد (أ.ب)
TT

سكان دمشق يحتفلون ببداية عهد جديد

مقاتلون من المعارضة يحتفلون بسيطرتهم على دمشق الأحد (أ.ب)
مقاتلون من المعارضة يحتفلون بسيطرتهم على دمشق الأحد (أ.ب)

لم ينتظر سكان مدينة دمشق شروق شمس الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، فقد خرجوا مع ساعات الفجر الأولى إلى الشوارع مع سماع أصوات كثيفة لإطلاق النار ابتهاجاً بانتهاء مرحلة طويلة أتعبت كل السوريين، وبداية عهد جديد.

ومع سماع أصوات إطلاق نار كثيف بعد منتصف الليل من كل الجهات المحيطة بدمشق ومن قلبها، دب الرعب في قلوب سكان عاصمة الأمويين لاعتقادهم أن ما يجري هي اشتباكات بين فصائل المعارضة المسلحة وجنود الجيش السوري، لكن سرعان ما انقلب خوف السكان إلى فرح مع تأكُّدهم أن إطلاق النار كان احتفالاً وابتهاجاً بسقوط النظام الحاكم، وانتهاء المرحلة السابقة بكل مآسيها، وأن البلاد باتت في بداية عهد جديد.

وبينما كانت مكبرات الصوت في مساجد حيي التضامن ودف الشوك ومنطقة الزاهرة جنوب دمشق، تصدح بتكبيرات «الله أكبر»، علا صوت أذان الفجر، خرجت الناس بمختلف فئاتها رجالاً ونساءً وشباباً وفتياناً وأطفالاً إلى الشوارع بكثافة يرددون هتافات النصر، في وقت كان فيه مقاتلون من فصائل المعارضة المسلحة ينتشرون راجلين، ويطلقون النار في الهواء، وبعضهم في سيارات تجوب الشوارع رافعين شارات النصر، ويطلقون الرصاص بكثافة ابتهاجاً.

رجل سوري يدخن «الشيشة» في أحد أحياء دمشق بعد ساعات من إعلان الإطاحة بالأسد (إ.ب.أ)

وعلى طول الطرقات شاهدت «الشرق الأوسط» ملابس عسكرية ملقاة على جوانب الشوارع، يعتقد أنها لعناصر من الجيش السوري النظامي وعناصر كانوا على الحواجز التي بدت فارغة تماماً.

سيدة سورية تلوح بعلامة النصر وتحمل باقة ورود في ساحة الأمويين بدمشق احتفالاً بإعلان الإطاحة بالأسد (أ.ف.ب)

وتجمع في الساحة المقابلة لمخبز الزاهرة الاحتياطي، المئات من الأهالي يتبادلون التهاني ببزوغ فجر العهد الجديد، وسط انتشار مكثف لمقاتلين من الفصائل المعارضة، بينما قام عدد من الأهالي بإحراق ملابس عسكرية ملقاة في الشوارع، بينما كان آخرون يحرقون صوراً معلقة لبشار الأسد على مبنى حكومي مجاور للحاجز المسمى «حاجز بركة» المؤدي إلى حيي التضامن ودف الشوك.

على أوتوستراد الزاهرة الجديدة المؤدي إلى منطقة الصناعة، ومن ثم إلى منطقة المجتهد وصولاً إلى منطقة كفر سوسة، ومن ثم ساحة الأمويين، كانت الطرق الرئيسية فارغة إلا من قلة قليلة من السيارات العامة التي كانت تمر مسرعة، وسط انتشار لمقاتلين من المعارضة وسيارات تُقل بعضهم، من دون أن يعترضون أي سيارة عامة أو مواطنين متوجهين سيراً على الأقدام إلى ساحات وسط المدينة.

مواطنون في ساحة الأمويين في دمشق (الشرق الأوسط)

التجمع الأكبر كان في ساحة الأمويين وسط دمشق، حيث احتشد المئات من الأهالي ومقاتلي فصائل المعارضة مع سيارتهم وسط إطلاق نار كثيف في الهواء وهتافات النصر وزغاريد النساء، بينما كان مزيد من مواطنين يتوجهون إلى الساحة من الطرقات الفرعية المؤدية إليها.

ولم ترصد «الشرق الأوسط» أي حوادث في شوارع حيي التضامن ودف الشوك ومنطقة الزاهرة وأحياء وسط دمشق، حيث كانت فيها الأغلبية العظمى من المحال التجارية مغلقة، على حين كانت الأفران تبيع مادة الخبز للمواطنين كالمعتاد.