«أكراد حلب» يذوقون مرارة التهجير مجدداً

تقديرات بنزوح أكثر من 120 ألفاً منهم باتجاه مناطق «قسد»

نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)
نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)
TT

«أكراد حلب» يذوقون مرارة التهجير مجدداً

نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)
نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

يروي أكراد حلب (ثانية كبريات المدن السورية) كيف حملوا أرواحهم على أكفهم، وحقائب سفر وأمتعة قليلة، رُتّبت على عجل، خارجين من خيامهم ومآويهم المؤقتة، في تغريبة نزوح جديدة ورحلة شاقة ومتعبة، بصمتٍ يشوبه قهر للمرة الثالثة، وربما لن تكون الأخيرة...

فهم اضطروا إلى الفرار بعد اتفاق الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا مع «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» على إخلاء بلدة تل رفعت الاستراتيجية في ريف حلب الشمالي، تاركين خلفهم كلّ ماضي وذكريات النزوح، بعدما خرجوا أول مرة من مدينة عفرين الكردية في مارس (آذار) 2018، ولا يساورهم في هذه اللحظات سوى تلمس الأمان مع استمرار الحرب الدائرة في بلدهم منذ 13 عاماً.

ومع دخول معركة حلب أسبوعها الثاني، وتضارب الأنباء حول اتفاق بين الفصائل المسلحة و«هيئة تحرير الشام»، بشأن انسحاب «قسد» من معاقلها داخل حيي الشيخ مقصود والأشرفية، فقد وصل آلاف العائلات الكردية على دفعات، ممن كانوا يقطنون مخيمات قرى «الشهباء» (حلب) ومناطق بلدة تل رفعت، إلى بلدة الطبقة الواقعة في الريف الجنوبي لمحافظة الرقة (شمالي شرق)، والخاضعة لسيطرة قوات «قسد».

نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

وقالت هيفدار مامي (35 عاماً)، التي وصلت مع زوجها ووالدتها وكل أفراد عائلتها المؤلفة من 11 شخصاً، منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء إلى معبر البوعاصي في الطبقة، قادمة من بلدة تل رفعت: «منذ الهجوم على مدينة حلب، لم نعرف طعم الأمان والاستقرار، وكنا نتوقع هذا المصير، فنحن على هذه الحال منذ خروجنا من عفرين قبل 6 سنوات؛ نرحل من مكان إلى آخر».

وسبقت دموعها كلماتها الممزوجة بالحزن والقهر، لتقول لـ«الشرق الأوسط» بحسرة: «جئت بخيمتنا معنا وبعض الحاجات الضرورية، وما يمكن نقله من أمتعة، في رحلة نزوح جديدة، ولن تكون الأخيرة، ولا نعرف كيف ستكون فصول نهايتها».

نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

وشاهدت «الشرق الأوسط» مئات العائلات الكردية في سيارات وعلى متن شاحنات وآليات زراعية، يصلون إلى معبر البوعاصي تباعاً في أفواج، بعد وصول 3 دفعات منذ ليل الاثنين، ليكملوا طريقهم نحو مراكز الإيواء المؤقتة التي أعدتها «الإدارة الذاتية» في الطبقة والرقة لاستقبال هؤلاء الهاربين.

مرارة النزوح

وبكلمات مبعثرة وصوت منخفض لا يكاد يُسمع، عبر سعدو حسو (55 عاماً) عن قساوة الحرمان ومرارة النزوح من مأواهم المؤقت في قرية فيفين، وقبل ذلك كيف خسر أرضه وأشجار الزيتون بناحية راجو في عفرين عند نزوحه الأول سنة 2018. وقال حسو، الذي رافقه والداه وزوجته وأطفالهما الأربعة: «نزحنا 5 مرات خلال سنوات الحرب، وهذه هي الرحلة السادسة. أنهكنا التعب والترحال، وأخشى أن أقضي بقية عمري على هذه الحال. سيبقى حلمنا بالعودة إلى عفرين أكبر طموحاتنا».

البعد عن عفرين

وذكر كثير من الفارين أنهم ناموا على مدار يومين متتاليين في قارعات الطرق، وسط درجات حرارة دون الصفر. وقالت ميرفانا (48 سنة)، وقد بدت على وجهها ملامح التعب والحزن وقلة النوم: «استجبنا لأوامر الإخلاء، ونزحنا حفاظاً على كرامتنا وأرواحنا، خوفاً من مرتزقة الفصائل الموالية لتركيا». وبعدما وصلتْ إلى بلدة الطبقة عقب رحلة نزوح صعبة، وصفتْ ما حدث معها بالقول: «توتر الوضع هناك، وقرر جميع سكان المخيمات الهروب والخلاص بأرواحنا. ضاقت بنا الدنيا، ثم توجهنا إلى مناطق الرقة، عسى أن نشعر بقليل من الراحة».

نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ويبحث كثير من الفارين الأكراد، الذين وصلوا إلى معبر البوعاصي في الطبقة، عن مأوى لهم بعد أن أمرتهم الفصائل المسلحة الموالية لتركيا بإخلاء منطقتَي تل رفعت وقرى الشهباء، وهو ما قاله «مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان؛ إذ أوضح أنه «حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نزح أكثر من 50 ألف شخص»، مشيراً إلى أنّ «وضع النزوح لا يزال شديد التقلّب، والشركاء يتحققون يومياً من أرقام جديدة».

قساوة الاغتراب

أما جيهان ذات الثلاثين عاماً، والمتحدرة من ناحية باسوطة بريف عفرين وكانت تقطن بلدة تل رفعت، فتروي كيف علمت بالإخلاء من الجيران، وتقول إنها رأت مئات الأشخاص وأرتال السيارات يمرون خارج المنطقة التي يعيشون فيها، وهم يحملون بعض الأمتعة وأغطية للنوم، والبعض الآخر لا يحمل سوى حقائب ظهر صغيرة... «أدركت آنذاك أن ساعة الرحيل قد جاءت، وحان بدء رحلة اغتراب ثانية. ما يعتصر قلبي أنني كنت بالقرب من عفرين، أما اليوم فتفصلنا مئات الكيلومترات».

وأضافت هذه النازحة الكردية: «لم نحمل الكثير هذه المرة؛ لأننا متعبون للغاية، لدرجة عدم قدرتنا على نقل أي شيء من خيمة إلى ثانية، ولم يعد معنا مال يكفي ولا مدخرات تحمينا من قساوة الأيام المقبلة».

120 ألف نازح

ووفق القادمين من مناطق حلب، فقد انتظر هؤلاء النازحون، ومن بينهم نساء وأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، ساعات طويلة في طقس بارد وظروف إنسانية قاسية قبل السماح لهم من قبل مقاتلي الفصائل المسلحة بالعبور والمرور.

نازحون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء ووصلوا إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة للريف الجنوبي لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

بدوره؛ أوضح شيخموس أحمد، رئيس «مكتب شؤون النازحين واللاجئين والمنكوبين» في «الإدارة الذاتية»، لـ«الشرق الأوسط»، أن «نحو 120 ألف مهجّر ونازح سيصلون إلى مناطق (الإدارة)، والقسم الأكبر وصل بالفعل، والآخرون في طريقهم ضمن أفواج، وجهزنا مراكز إيواء مؤقتة، ووفرنا الرعاية الصحية اللازمة». ودعا في ختام حديثه المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية العاملة في المنطقة إلى «تقديم الدعم المطلوب للمهجّرين قسراً من مناطق الشهباء، وعفرين المحتلة، وبلدات تل رفعت وأحرص وفافين وشيخ عيسى».


مقالات ذات صلة

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
شؤون إقليمية عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

قلق أميركي من سعي إيران لإعادة حضورها العسكري في سوريا

تخشى الولايات المتحدة من محاولات إيران لاستعادة حضورها العسكري في سوريا، بما في ذلك خط إمداد «حزب الله»، حسبما أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
المشرق العربي وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة أسعد حسن الشيباني يتحدث خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في عمّان يوم 7 يناير 2025 (رويترز)

الشيباني: سنتريث في عقد المؤتمر الوطني السوري حتى يتسنى تمثيل الجميع

نقلت وسائل إعلام رسمية عن وزير خارجية الإدارة السورية، أسعد الشيباني، قوله، اليوم الثلاثاء، إن سوريا ستتريث في تنظيم المؤتمر الوطني حتى يتسنى تمثيل الجميع.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية عراقجي يلقي خطاباً في مؤتمر لـ«الحرس الثوري» حول قاسم سليماني في طهران اليوم (تسنيم)

عراقجي: هزيمة الجيش السوري جرس إنذار لنا

عدّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي «هزيمة» الجيش السوري والإطاحة بنظام بشار الأسد «جرس إنذار» لبلاده وقواتها المسلحة.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

ميقاتي يعتزم زيارة دمشق قريباً

يعتزم رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي زيارة دمشق في وقت قريب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

نداء أممي لجمع 370 مليون دولار لمساعدة المتضررين من الحرب في لبنان

نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)
نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

نداء أممي لجمع 370 مليون دولار لمساعدة المتضررين من الحرب في لبنان

نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)
نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)

أطلقت الأمم المتّحدة والحكومة اللبنانية، الثلاثا،ء نداء جديدا لجمع تبرّعات بقيمة 371.4 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكّان المتضرّرين في لبنان من النزاع الأخير بين إسرائيل و«حزب الله».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) تمّ إطلاق نداء أوّل لجمع 426 مليون دولار لمساعدة النازحين من الحرب التي دارت بين الدولة العبرية والحزب الشيعي في لبنان، وقد تمّت تلبيته بمقدار 250 مليون دولار، وفقا للأمم المتّحدة. والثلاثاء، قال عمران رضا، منسّق الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية في لبنان إنّه «على الرّغم من أنّ وقف الأعمال العدائية يبعث ببارقة أمل، إلا أنّ أكثر من 125 ألف شخص ما زالوا نازحين، ومئات آلاف آخرين يواجهون تحدّيات هائلة في إعادة بناء حياتهم».

وأضاف في بيان أنّه في ظلّ هذه الظروف هناك حاجة إلى مبلغ إضافي قدره 371.4 مليون دولار «لدعم الجهود المبذولة لإنقاذ الأرواح ومنع تدهور الوضع المروّع أصلا».

ويهدف هذا النداء بشكل أساسي إلى توفير مساعدة لغاية مارس (آذار) لمليون لاجئ ونازح لبناني وسوري وفلسطيني هم من الأكثر تضررا من الأزمة الإنسانية. وفي سبتمبر (أيلول)، كثّفت إسرائيل قصفها على لبنان وشنّت هجوما برّيا محدودا وذلك بعد ما يقرب من عام من المعارك عبر الحدود مع «حزب الله».

ومنذ دخول وقف إطلاق النار بين الطرفين حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، تمكّن أكثر من 800 ألف شخص نزحوا في لبنان بسبب النزاع من العودة إلى ديارهم، وفقا للأمم المتّحدة.