تركيا وإيران اختلفتا حول «عملية حلب» واتفقتا على تعاون ضد القوات الكردية

اجتماع قريب لوزراء خارجية «أستانة»… والبحرة يطالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة

آخر اجتماع لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في إطار أستانة عقد على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)
آخر اجتماع لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في إطار أستانة عقد على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)
TT

تركيا وإيران اختلفتا حول «عملية حلب» واتفقتا على تعاون ضد القوات الكردية

آخر اجتماع لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في إطار أستانة عقد على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)
آخر اجتماع لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في إطار أستانة عقد على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)

​تباين موقفا تركيا وإيران بشأن التطورات في سوريا والهجوم الذي شنته الفصائل المسلحة وقاد إلى سيطرتها على حلب ثاني كبرى المدن السورية. فيما اعتبر رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا، هادي البحرة، أن الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة، لا يزال «الوحيد القابل للتطبيق والاستدامة» للصراع في البلاد.

وعبر وزيرا خارجية تركيا، هاكان فيدان، وإيران، عباس عراقجي، عن هذا التباين في تفسيرهما لأسباب تحرك «هيئة تحرير الشام» والفصائل الأخرى ضد القوات السورية، وبينما عد فيدان أن تفسير هذا التطور من خلال التدخل الخارجي يشكل خطأ كبيراً، تمسك عراقجي بأن الأحداث الأخيرة جاءت بدفع من أميركا وإسرائيل.

واتفق الوزيران على عقد اجتماع عاجل في إطار مسار أستانة على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) لبحث الأحداث الأخيرة في شمال سوريا.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الإيراني عباس عراقجي خلال مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة الاثنين (أ.ف.ب)

وبالتزامن أعلنت موسكو أنه يجري التشاور مع تركيا وإيران لعقد اجتماع لوزراء الخارجية.

تركيا: لا تدخلات خارجية

وأكد فيدان، في مؤتمر صحافي مشترك مع عراقجي عقب مباحثاتهما في أنقرة الاثنين، أن تركيا لا تريد للحرب الداخلية في سوريا أن تتصاعد أكثر، لافتاً إلى أنه «من الخطأ في هذه المرحلة محاولة تفسير الأحداث في سوريا بوجود تدخل خارجي».

وأرجع فيدان التحرك الأخير للفصائل المسلحة إلى رفض الحكومة السورية الحوار ، قائلاً: «التطورات الأخيرة تظهر مرة أخرى أن دمشق يجب أن تتوصل إلى تسوية مع شعبها ومع المعارضة».

وأضاف فيدان أنه تبادل الآراء مع نظيره الإيراني حول التطورات الأخيرة في سوريا وأكد أن محاولة شرح ما يجري في سوريا من خلال التدخلات الخارجية سيكون خطأ، وأن من يتحدثون عن التدخل الخارجي لا يفهمون ما يجري في سوريا أو لا يريدون أن يفهموا.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال المؤتمر الصحافي (الخارجية التركية)

وتابع وزير الخارجية التركي: «لقد استهدفنا تحقيق التواصل بين الأطراف في سوريا من خلال مسار أستانة، هذه المشكلة لم يتم حلها منذ ما يزيد على 13 عاماً، التغاضي عن الحقوق المشروعة للمعارضة وعدم قيام النظام بخطوات إيجابية في هذا الإطار أديا إلى اشتعال نار الحرب في سوريا مرة أخرى، لقد حذرت تركيا وقامت بالإخطارات اللازمة لجميع الأطراف المعنية قبل اندلاع هذه الأحداث».

حوار وطني ضروري

وقال إن «التطورات أظهرت مرة أخرى أن على النظام أن يقوم بالمصالحة الوطنية مع المعارضة، وتركيا مستعدة للقيام بكل مساهمة في هذا الصدد».

وأضاف أنه «ضمن مراحل مسار أستانة قمنا بتنسيق مع إيران وسنواصل هذا، نحن دائماً دعمنا وحدة الأراضي السورية وسندعمها بعد ذلك أيضاً، وهناك أمر آخر أريد أن أؤكد عليه بشكل واضح وصريح، وهو أن تركيا لن تتغاضي أبداً عن كل من يحاول استغلال ما يجري حالياً، وأننا سنقضي على أي تهديد إرهابي على بلدنا في مصدره».

وتابع فيدان أن تركيا وإيران ستواصلان التعاون في مكافحة الإرهاب وعلينا أن نبذل كفاحاً مشتركاً ضد هذا العدو المشترك، المتمثل في حزب «العمال» الكردستاني وذراعه في سوريا (وحدات حماية الشعب الكردية)، ويجب أن تكون هناك سياسات ومساعٍ واضحة ضدهما.

وأكد التطابق في المواقف بين تركيا وإيران فيما يخص تصفية هذه المنظمة (العمال الكردستاني) وأذرعها في المنطقة، ولا نود أن نخسر مزيداً من الوقت لتحويل هذا إلى واقع على الأرض.

وقال فيدان إننا نواصل تعاوننا مع إيران ومشاوراتنا حول مختلف القضايا في المنطقة وحول التطورات في سوريا.

وأضاف: «مؤسساتنا المعنية كلها في عمل مشترك ليل نهار لمتابعة التطورات في سوريا ويتم اتخاذ التدابير اللازمة بحسب التطورات».

حطام مروحية تابعة للجيش السوري وفي الخلف الدخان يتصاعد من مطار حلب العسكري (إ.ب.أ)

ولفت وزير الخارجية التركي إلى أن الحرب الداخلية في سوريا أمكن إيقافها عند نقطة معينة وكان هذا نجاحاً مهماً للغاية وكان لتركيا وروسيا وإيران (الدول الضامنة لمسار أستانة) دور مع الحكومة والفصائل لوضع إطار وصل إلى تحقيق مرحلة من الاستقرار على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وأضاف: «رئيس جمهوريتنا (رجب طيب إردوغان) مد يد الصداقة على أعلى مستوى إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لأن المشكلات التي يتم التعامل معها كانت تخرج عن السيطرة ونصف سكان سوريا، أي 10 ملايين إنسان تقريباً، ابتعدوا عن مساكنهم الأصلية، كما أن التنظيمات الإرهابية والأوضاع في المنطقة كانت تحيل المسألة إلى وضع أصعب من حيث إدارته وإيصاله إلى الحل».

جانب من مباحثات فيدان وعراقجي بالخارجية التركية في أنقرة الاثنين (الخارجية التركية)

وتابع فيدان: «لدينا تواصل مكثف في المنطقة بشأن سوريا مع إيران ونرى أن التعبير عن المواقف بوضوح أمر مهم، ونقيم مسار أستانة أيضاً مع روسيا، وأجرينا اتصالات مع السعودية والولايات المتحدة وقطر، وأبلغنا الأمم المتحدة قبل الأحداث الأخيرة بالمعلومات من منظور تركيا وكان هذا أمراً مهماً للغاية».

وشدد فيدان على أن بلاده لا تريد أن ترى ما جرى من أحداث مؤلمة في الماضي في سوريا يتكرر مرة أخرى، ولا تريد أن يقتل المدنيون أو أن تدمر البنى التحتية وأن يهجر الناس من مساكنهم، بل على العكس من ذلك تريد عودة اللاجئين إلى بلادهم.

وأضاف: «موقفنا من الإرهاب مستمر، ويجب ألا يكسب الإرهاب أرضاً جديدة باستغلال ما يحدث الآن في سوريا، وما يجب القيام به هو فتح قنوات الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة وما يجب أن تقوم به إيران ومختلف دول المنطقة هو العمل على تحقيق ذلك».

تفسير إيراني مختلف

بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إننا بحثنا المخاوف المشتركة بشأن التطورات في سوريا ومن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات أو تباين في الآراء، وهذا أمر طبيعي.

ووصف المباحثات مع نظيره التركي بأنها كانت «سريعة ومباشرة وودية وبناءة ومثمرة».

وفي تباين واضح مع رفض وزير الخارجية التركي النظر إلى الأحداث الأخيرة في سوريا من منظور التدخل الخارجي، وهو ما تتبناه إيران، قال عراقجي: «بحسب ما اتضح لدينا فإن الجماعات (الإرهابية والتكفيرية) في سوريا لديها تنسيق واضح مع أميركا وإسرائيل، وهذه المجموعات تحاول أن تحول الانتباه عما تقوم به إسرائيل في فلسطين ولبنان، وتخلق بيئة من عدم الأمن في سوريا لهذا السبب».

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال المؤتمر الصحافي (أ.ف.ب)

وأضاف أن عودة نشاط ما سماه بـ«الجماعات التكفيرية» في شمال سوريا ومهاجمتها حلب، على وجه الخصوص، هو أمر مقلق ويشكل خطراً علن أمن واستقرار سوريا، ولا شك في أن جميع دول المنطقة، ولا سيما جيران سوريا، سيتأثرون بهذا الوضع الخطير، مشدداً على أن «التغاضي عن دور النظام الصهيوني في تصعيد التوتر في المنطقة سيكون خطأ كبيراً».

وقال إنه ناقش مع نظيره التركي سبل تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا والعودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، مضيفاً أن مواقفهما تطابقت بشأن الحفاظ على المكاسب التي تحققت من خلال مسار أستانة وأنهما قررا أن يعقد الاجتماع المقبل لمسار أستانة على نحو عاجل على مستوى وزراء الخارجية، وأنه يجب منع وصول هذا المسار إلى طريق مسدود.

دعم لدمشق

وأضاف أن تحول سوريا إلى عدم الاستقرار سيكون ضربة لأمن المنطقة، وأن قتل المدنيين السوريين سيكون ضربة للاقتصاد السوري أيضاً، وبالنسبة للجميع يجب ألا تكون سوريا مركزاً للإرهاب، وموقفنا مع تركيا متطابق في هذا الإطار.

وتابع أن «سوريا يجب ألا تكون مركزاً للتنظيمات والجماعات الإرهابية (التكفيرية وغير التكفيرية) وإن مشروع تحويلها إلى منطقة غير مستقرة لهو مشروع صهيوني ويجب ألا يتغاضى أحد عن دور الصهاينة هنا، ونحن كدولتين شقيتين (تركيا وإيران) علينا أن نقوم بدورنا وأن نقوم بتدخلات سريعة مؤثرة لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا».

وأكد عراقجي أن إيران تعلن دعمها الكامل للحكومة السورية والشعب السوري كما كنا حتى اليوم، وستواصل الوقوف إلى جانب الحكومة والجيش السوري لحماية الأمن والاستقرار في سوريا، وهو أمر مهم لصالح استقرار وأمن المنطقة.

وقال إن إيران تواصل اتصالاتها ومشاوراتها مع تركيا والعراق والسعودية ومصر وغيرها من دول المنطقة، ونثق بأن هذه المشاورات الإقليمية سيكون لها دور مهم في إيقاف تدهور الوضع في سوريا

عناصر من الفصائل المسلحة خلال التقدم في حلب (إ.ب.أ)

وتقف تركيا وإيران على طرفي نقيض في الأزمة السورية، حيث تدعم تركيا المعارضة السورية، فيما تقدم إيران دعمها لدمشق، ورغم ذلك فإنهما تعملان معاً من خلال مسار أستانة مع روسيا والأطراف السورية من أجل التوصل إلى حل سياسي.

وأكدت إيران أنها تعتزم الإبقاء على وجود «المستشارين العسكريين» الإيرانيين في سوريا لمساندة جيشها في مواجهة الهجوم الواسع الذي تشنّه «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها في شمال البلاد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحافي بالتزامن مع زيارة عراقجي لأنقرة إن «وجود المستشارين الإيرانيين ليس أمراً جديداً، بل كان قائماً في الماضي وسيستمر في المستقبل بالتأكيد، بحسب رغبة الحكومة السورية».

كما أعلنت موسكو أنها على اتصال وثيق مع تركيا وإيران بشأن الوضع في سوريا، ولم تستبعد إمكانية عقد اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا بشأن سوريا.

الفصائل والحل السياسي

في السياق، أكد رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا، هادي البحرة، أن الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة هو «الوحيد القابل للتطبيق والاستدامة» للصراع في البلاد.

وأضاف، في مؤتمر صحافي الاثنين، أن «من حقنا استخدام كل السبل الممكنة للدفع نحو تحقيق الحل السياسي»، مشدداً على أن المعارضة لا تسعى «لعمل عسكري دون أهداف سياسية».

رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة السورية هادي البحرة خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول الاثنين (رويترز)

وأوضح أن العملية العسكرية التي بدأتها فصائل مسلحة قبل عدة أيام في شمال غربي سوريا «مستمرة حتى انخراط الحكومة في العملية السياسية كاملة وصولاً لتحقيق الانتقال السياسي».

وأعلن الائتلاف الوطني، الأحد، تأييده للعملية العسكرية الجديدة (فجر الحرية) التي أعلنتها الفصائل السورية الموالية لتركيا في شمال غربي سوريا ضد تنظيمات مسلحة كردية والقوات السورية.

وجاء في بيان لـ«الحكومة السورية المؤقتة» أنها أطلقت عملية «فجر الحرية» بهدف «تحرير المناطق المغتصبة من قبل قوات الأسد ومسلحي حزب العمال الكردستاني».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: 50 ألف نازح في سوريا خلال بضعة أيام

المشرق العربي نازحون سوريون (أرشيفية - د.ب.أ)

الأمم المتحدة: 50 ألف نازح في سوريا خلال بضعة أيام

أعلنت الأمم المتّحدة، الإثنين، أنّ التصعيد الحاصل منذ بضعة أيام في النزاع في شمال غرب سوريا أدّى إلى فرار ما يقرب من 50 ألف شخص.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة)
المشرق العربي وزير خارجية إيران عباس عراقجي (أرشيفية - أ.ف.ب)

عراقجي: عملية آستانة ستنعقد على الأرجح في الدوحة لبحث سوريا

ذكرت وسائل إعلام حكومية إيرانية نقلا عن وزير الخارجية عباس عراقجي، اليوم الاثنين، أن وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا من المرجح أن يجتمعوا في إطار عملية أستانا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي أثار الدمار  عقب غارة روسية على أدلب شمال سوريا 2 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ) play-circle 01:27

تقدم للفصائل في ريف حماة... وقصف سوري ــ روسي على حلب وإدلب

شنّ الجيش السوري والطيران الروسي غارات دامية على مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في شمال غربي سوريا، مع السعي لاستعادة مناطق استحوذت عليها «هيئة تحرير الشام».

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق- بيروت)
الولايات المتحدة​ المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا تغيير فيما يتعلق بسياستنا تجاه الرئيس السوري

حضّت الولايات المتحدة، اليوم (الاثنين)، «كل الدول» على «استخدام نفوذها» لخفض التصعيد في سوريا، حيث تشنّ فصائل مسلحة تدعمها تركيا هجوماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري دورية تركية وروسية بالقرب من بلدة الدرباسية في سوريا، الجمعة 1 نوفمبر 2019 (أ.ب)

تحليل إخباري من يقاتل في سوريا ولماذا؟

بعد الهجوم المباغت الذي شنّته فصائل سورية مسلّحة ضد الجيش السوري في مناطق بشمال سوريا، يعود إلى الواجهة الحديث عن الأطراف المتحاربة في البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تقدم للفصائل في ريف حماة... وقصف سوري ــ روسي على حلب وإدلب

TT

تقدم للفصائل في ريف حماة... وقصف سوري ــ روسي على حلب وإدلب

أثار الدمار  عقب غارة روسية على أدلب شمال سوريا 2 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)
أثار الدمار عقب غارة روسية على أدلب شمال سوريا 2 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

شنّ الجيش السوري والطيران الروسي غارات دامية على مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في شمال غربي سوريا، (الاثنين)، مع السعي لاستعادة مناطق استحوذت عليها «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها، في هجوم واسع بدأته الأسبوع الماضي.

وسيطرت فصائل عملية «ردع العدوان» التي تقودها «هيئة تحرير الشام» على قرى الجبين وتل ملح وجلمة والجبين وبريديج، واستعادت سيطرتها على بلدة كرناز في ريف حماة الشمالي.

ووصلت الفصائل المسلحة إلى مدخل قلعة المضيق بعد السيطرة على قرية الكركات؛ حيث تدور اشتباكات عنيفة وقصف متبادل بين القوات الحكومية من جهة، وقوات «ردع العدوان» من جهة أخرى التي تحاول إحراز تقدم على محور قلعة المضيق الاستراتيجية للسيطرة على سهل الغاب، بعد فشل هجوم متطرفين في كسر الخطوط الأمامية للجيش النظامي في سهل الغاب.

وشنّ الطيران الحربي أكثر من 32 غارة في ريف حماة الشمالي، بالإضافة إلى ضربات جوية من الطائرات المروحية تركزت على كرناز والقرى التي تمكنت قوات «ردع العدوان» من السيطرة عليها.

وفي ريف حماة الشرقي، حقّقت «هيئة تحرير الشام» والفصائل تقدماً ميدانياً في بادية حماة؛ حيث تمكّنت من السيطرة على قرية قصر أبو سمرة، تزامناً مع غارات جوية من الطيران الحربي على قرية سنجار. واستهدفت «الهيئة» والفصائل المشتركة معها، بواسطة عدد من الطائرات المسيّرة، تجمعاً كبيراً لقيادات عسكرية من القوات السورية في منطقة جبل زين العابدين شمال مدينة حماة، وسط معلومات عن وقوع قتلى وجرحى في صفوفهم. وتستخدم «الهيئة» سلاح المسيّرات بشكل مكثف خلال معاركها مع قوات الحكومة، مستهدفة مواقع عسكرية وآليات.

وعدّ الرئيس السوري بشار الأسد الذي تلقّى دعماً متجدداً من حليفتيه روسيا وإيران، أن الهجوم -وهو الأوسع منذ أعوام- محاولة «لإعادة رسم خريطة» المنطقة. في حين قالت تركيا الموجودة عسكرياً في شمال سوريا والداعمة لفصائل مسلّحة، إن الهجوم ليس «تدخلاً أجنبياً».

أحد عناصر «الخوذات البيضاء» يركض بعد قصف قوات الجيش السوري مدينة إدلب (أ.ب)

وبدأت «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة») وفصائل حليفة لها، هجوماً واسعاً، الأربعاء، أسفر عن خروج حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، بالكامل عن سيطرة القوات الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في البلاد عام 2011. وقُتل 11 مدنياً على الأقل، بينهم خمسة أطفال، الاثنين، جراء غارات نفّذها سلاحا الطيران، الروسي والسوري، على محافظة إدلب (شمال غرب)، أبرز معاقل الفصائل المسلحة، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

وأفاد المرصد بأن الغارات استهدفت «مناطق عدة، بينها مدينة إدلب ومخيم للنازحين شمالها»، مما أسفر عن مقتل «11 مدنياً، بينهم خمسة أطفال وسيدتان، وإصابة العشرات بجروح».

وقال المدرّس حسن أحمد خضر (45 عاماً)، المقيم في المخيّم قرب مدينة إدلب: «كنت وجيراني نقف في الشمس، لنحصل على بعض الدفء وسط الجو البارد... عندما حصل القصف»، مضيفاً أنه استهدف «عائلات مهجرة تقطن عند أطراف المخيم»، مما أسفر عن مقتل طفل من تلاميذه مع شقيقاته الأربع، في حين نُقل الوالدان إلى المستشفى للعلاج.

في حماة التي تسيطر عليها الحكومة، قال «المرصد» إنّ هجوماً صاروخياً نفّذه المسلّحون أسفر عن مقتل 6 مدنيين، الاثنين. وأظهرت مقاطع فيديو لـ «وكالة الصحافة الفرنسية» مسلّحين يتقدّمون باتجاه محافظة حماة في وسط سوريا. كذلك، أشار «المرصد» إلى أنّ غارة على مدينة حلب أسفرت عن مقتل أربعة مدنيين، بينهم طفلان، مضيفاً أنّ الغارات الجوية استهدفت أيضاً حياً تقطنه غالبية مسيحية.

وأفاد الجيش السوري، من جهته، في بيان، بأن قواته تتحرّك «على عدة محاور في أرياف حلب وحماة وإدلب؛ للالتفاف على الإرهابيين وطردهم من المناطق التي دخلوها وتأمينها بالكامل، وتثبيت نقاط تمركز جديدة، للتحضير للهجوم التالي، مع استمرار وصول مزيد من التعزيزات العسكرية».

وأدّت المعارك والقصف، منذ الأربعاء، إلى مقتل 514 شخصاً، غالبيتهم من المسلحين، بالإضافة إلى 92 مدنياً، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان». في مدينة حلب، أظهرت فيديوهات لـ «وكالة الصحافة الفرنسية» مقاتلين مسلحين يجوبون الشوارع في سيارات عسكرية أو سيراً على الأقدام. وأحرق بعضهم العلم السوري، في حين رفع آخرون «علم الثورة».

صورة دمار من موقع غارة في إدلب بسوريا نُشرت في 2 ديسمبر 2024 (رويترز)

وكان القيادي في الفصائل السورية المسلحة، حسن عبد الغني، قد قال، الاثنين، إن مقاتلي الفصائل يتقدّمون على أكثر من محور في ريف حماة، وإنهم سيطروا على سبع مناطق هناك، في الوقت الذي تستمر فيه الغارات على مواقع «الفصائل» في ريفي حلب وإدلب. وقال «تلفزيون سوريا»، التابع للفصائل المسلحة، إن قذائف صاروخية سقطت على حي البعث بمدينة حماة؛ مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. ولم يُعرف على الفور عدد ضحايا القصف.

وفي وقت سابق من يوم الاثنين، قالت القوات المسلحة السورية إنها قتلت أكثر من 400 مسلح في ريفي حلب وحماة في آخر 24 ساعة، وذلك في عمليات مشتركة مع القوات الروسية.

وشنّت فصائل مسلحة في شمال غربي سوريا، بقيادة «هيئة تحرير الشام»، هجوماً عسكرياً على مدينتي حلب ومعرة النعمان، وتواصل التقدم باتجاه مدينة حماة. وتؤمّن الفصائل الموالية لتركيا مواقعها في تلك المنطقة، وشنّت عملية عسكرية ضد تنظيمات مسلحة كردية والقوات الحكومية.

«حزب الله» ينأى بنفسه

في الأثناء، ذكرت ثلاثة مصادر مطلعة على تفكير «حزب الله» اللبناني، الاثنين، أن الجماعة لا تنوي حالياً إرسال مقاتلين إلى شمال سوريا لدعم الجيش السوري هناك. وقالت المصادر لوكالة «رويترز»، إن «حزب الله» لم يُطلب منه ذلك بعد، وإن الجماعة «ليست مستعدة لإرسال قوات إلى سوريا في هذه المرحلة»، بعد أن أنهى وقف إطلاق النار عاماً من الأعمال القتالية مع إسرائيل، بما في ذلك اشتباكات برية مكثفة في جنوب لبنان.

في سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع السورية، الاثنين، مقتل عشرات المسلحين في قصف سوري - روسي على تجمعاتهم في أرياف حلب وإدلب. كما ذكر بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء في سوريا أن سلاحَي الجو، السوري والروسي، قصفا مواقع تسيطر عليها الفصائل السورية المسلحة في ريف حلب الشرقي؛ مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من قواتها.

وجاء في البيان أن «الطيران الحربي السوري - الروسي المشترك يوجّه ضربات متتالية على تجمعات الإرهابيين ومحاور تحركهم على أطراف بلدة السفيرة في ريف حلب الشرقي، مُوقعاً عشرات القتلى والجرحى في صفوفهم، بالإضافة إلى تدمير عدة عربات وآليات كانت بحوزتهم».