سوريون يعودون إلى منازلهم فيجدون ذكرياتهم مدفونة تحت الأنقاض

غياب تام للحياة المدنية منذ سنوات ومخاوف من القصف الجوي وهجمات مضادة

سوريان يشاهدان المعارك في سراقب 28 نوفمبر (أ.ف.ب)
سوريان يشاهدان المعارك في سراقب 28 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

سوريون يعودون إلى منازلهم فيجدون ذكرياتهم مدفونة تحت الأنقاض

سوريان يشاهدان المعارك في سراقب 28 نوفمبر (أ.ف.ب)
سوريان يشاهدان المعارك في سراقب 28 نوفمبر (أ.ف.ب)

بعد انسحاب قوات الجيش السوري من مدن وبلدات كثيرة في محافظتي حلب وإدلب شمال غربي سوريا، سعى عدد من سكان المنطقة، بينهم نشطاء وإعلاميون، إلى العودة إلى منازلهم وتفقُّد ممتلكاتهم، غير أن مَن وصل إليها فوجئ بالدمار الهائل الذي طال الأبنية والشوارع التي شهدت معارك عنيفة بين القوات الحكومية و«هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة.

وعادَ كثير من أهالي أرياف حلب وإدلب إلى مناطقهم وبلداتهم بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة بعد عملية «ردع العدوان»، وهؤلاء اضطُروا لمغادرتها قبل أعوام هرباً من ويلات الغارات الجوية الروسية والسورية. وشهدت الطرقات الرئيسية حركة سير بمئات العائدين إلى ديارها لتفقُّد منازلهم، من بين هؤلاء الإعلامي فؤاد بصبوص، المتحدر من مدينة سراقب بريف محافظة إدلب.

مدينة سراقب التابعة لريف محافظة إدلب الجنوبية (أرشيفية الشرق الأوسط)

ونقل فؤاد في حديث لـ«الشرق الأوسط» كيف صُدم من مشهد الخراب الجزئي، وأثار الدمار الذي طال منزله، وقسماً كبيراً من الحي الذي كان يسكن فيه، وعبَّر عن مشاعره بالقول: «كان المشهد صادماً من الدمار والخراب الذي طال منزلنا والحي الذي كنت أعيش فيه، حيث سُوِّي قسم من البيوت بالأرض، وتَحَوَّلَ إلى كومة ركام».

مدينة أشباح

ووصف سراقب بأنها تحولت لمدينة أشباح بعدما كانت تنبض بالحياة سابقاً، ليضيف: «ما توقعت أن تكون البلد موحشة لهذه الدرجة، العشب طالع بالطرقات والشوك غزا الشوارع قبل المنازل».

وهذا الإعلامي يقيم في مدينة إدلب بعد نزوحه من مسقط رأسه بداية 2020، وتواكب ذلك مع حملة عسكرية نفذها الجيش السوري ودعمتها روسيا، واستهدفت مناطق سيطرة الهيئة والفصائل المسلحة، وفرضت كل من موسكو وأنقرة اتفاقية «سوتشي» ورسمت حدود منطقة خفض التصعيد، وضمت سراقب ومدن سورية ثانية.

مدينة سراقب التابعة لريف محافظة إدلب الجنوبية (أرشيفية الشرق الأوسط)

ولفت بصبوص إلى أن «منزلي، كحال معظم المنازل، مدمَّر حتى البلاط والسيراميك سرقوها، لا أبواب ولا شبابيك حتى كابلات الكهرباء سُرقت بالكامل، وشبكة الصرف الصحي»، موضحاً أن غالبية سكان البلدة لم يعودوا إليها على الرغم من خروجها من سيطرة القوات النظامية.

وتعود أهمية سراقب إلى أنها نقطة تقاطع الطريقين الدوليين (إم 5) الذي يربط العاصمة دمشق بحلب، و(إم 4) الذي يوصل مدينتي حلب واللاذقية.

معرة النعمان

وذكر آخرون عادوا إلى مدن وبلدات معرة النعمان وخان شيخون وكفرنبل أن مشاهد الدمار هناك كانت صادمة، فكتل المباني التي كانت تمثل ملامح الحياة اليومية قبل الحرب تحولت إلى إطلالات خاوية، بينما تكسرت الجدران، وتهدمت الأسطح، ولم يعد بالإمكان التعرف إلى باب أو شباك، وتهالكت بنيتها التحتية، وتناثر كابلات الخط الرئيسي للتيار الكهربائي في قارعة الطرقات.

وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي صور وتسجيلات لنشطاء وأهالٍ في مشهد يعيد إلى الذاكرة النزوح المعاكس المماثل قبل 4 سنوات، ونشر العائدون صوراً تظهر فرحتهم وهم يذرفون الدموع على الرغم من الدمار الهائل الذي أصاب بلداتهم، كما أطلقوا أبواق سياراتهم يسمعون أغاني وطنية تتغنى بالعودة إلى الأرض والديار.

سرقة التاريخ

أما وائل المتحدر من بلدة معرة النعمان بريف إدلب ويعمل ناشطاً مدنياً في كثير من المنظمات الإنسانية والإغاثية، حين عاد إلى بيتهم المدمّر وجد كل شيء مسروقاً ومنهوباً، ليقول: «لم أقرر العودة بعد، لكن جئت لأتفقد منزلي بسبب القصف والهجمات، لكن سرقوا منزلنا وذكرياتنا وتاريخنا».

ووصف آخرون شوارع بلداتهم التي كانت تعج بالحياة والحركة المرورية بأنها أصبحت خالية تماماً من المدنيين، وتكسوها أكوام الأنقاض وبقايا الركام، في وقت شوهدت فيه قطع الحديد المتفحمة والمركبات المحترقة في مشهد عكس ضراوة الحرب وشراسة المعارك التي دارت فيها قبل سنوات.

بدوره، نقل أحمد الشيخ أحمد من فريق «ملهم» التطوعي، وهو منظمة خيرية وإغاثية، كيف قرر العودة لمسقط رأسه سراقب، بغية تفقُّد منزل عائلته والشارع الذي وُلد ونشأ فيه، ليقول: «منذ 5 سنوات وأنا مهجر ونازح عن سراقب وعن منزلي ودياري. ومن فرحتي نزلت فوراً عليها، مشاعر مختلطة من الفرح والحزب والقهر لكل السنوات التي قضيتها خارجها»، على الرغم من عدم انتهاء المعارك القتالية في محيط المنطقة.

رائحة الأرض

نشرت منصات ومعرفات الفريق التطوعي مقاطع فيديو تظهر لحظة وصول أعضائها إلى منازلهم ومدنهم، وكيف قبَّلوا ترابها، واحتضنوا جدرانها المتهالكة، وأخبر الناشط أحمد بأن سبب عودته بالدرجة الأولى هو: «كنت أريد أن أشمّ راحة أرضنا، وأرجع (أشوف) أهلنا وجيراننا، نعم مشاهد الدمار تدمي القلب والروح، لكن عندما التقيت بالناس العائدين مثلنا على الطرقات، ونهنئ بعضنا بالسلامة، وقتها أيقنت أننا سنعود».

مدينة سراقب التابعة لريف محافظة إدلب الجنوبية (أرشيفية الشرق الأوسط)

ومثل أحمد يخطط كثيرون من السوريين للأمر نفسه بعدما أجبرتهم سنوات الحرب على ترك بلداتهم ومنازلهم، وأكدوا أنهم لن يقبلوا أن تستمر رحلة النزوح، وينوون العودة والبقاء بالقرب في منازلهم المدمرة، ونصب خيام فوق الركام للإقامة فيها، وطيّ رحلة الاغتراب وقساوة سنوات الشتات.


مقالات ذات صلة

لماذا كان الصفدي أول وزير خارجية عربي يزور دمشق للقاء الشرع؟

تحليل إخباري الشرع مستقبِلاً الصفدي في دمشق الاثنين (إكس) play-circle 00:37

لماذا كان الصفدي أول وزير خارجية عربي يزور دمشق للقاء الشرع؟

يدعم ساسة أردنيون سرعة الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، أمام جملة ملفات مشتركة تبعث على القلق.

محمد خير الرواشدة (عمان)
المشرق العربي إعلان مسرحية «اللاجئان» للأخوين ملص في دمشق (حساب «فيسبوك»)

حراك أهلي يعيد «إقلاع» الحياة الفكرية في العاصمة السورية

استضاف «النادي العربي» بدمشق جلسة نقاش البيان التأسيسي لمبادرة «بداية» وكذلك النقاشات في مواقع أخرى تشكل إقلاعاً للحياة الفكرية بالعاصمة السورية بعد صمت طويل.

سعاد جرَوس (دمشق)
المشرق العربي عناصر من الجيش الوطني السوري في شرق حلب (أ.ف.ب)

​اشتباكات عنيفة حول عين العرب ومخاوف من تفاقم الوضع الإنساني

وقعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة بين «قسد» وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا بعد هجومين متزامنين نفذتهما الفصائل على محوري سد تشرين وجسر قره قوزاق

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
خاص حثّّت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي لاعتماد قواعد ملزمة قانوناً بشأن منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل (الصليب الأحمر)

خاص «الصليب الأحمر»: الوضع في غزة مروّع... ولن نكون بديلاً لـ«أونروا»

في المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، تؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أهمية التمسك بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين، باعتبارهما حجر الزاوية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص حاجز أمني للنظام السابق على طريق القزاز - ببيلا إلى «السيدة زينب» وقد خلا من المظاهر المسلحة (الشرق الأوسط)

خاص فكُّ عزلة «السيدة زينب» عن محيطها مع البلدات المجاورة

العزلة المحكمة التي فرضها «الحرس الثوري» الإيراني على بلدة «السيدة زينب» جنوب دمشق انتهت، بحسب جولة «الشرق الأوسط» فيها وفي البلدات المجاورة.

موفق محمد (دمشق )

الأمم المتحدة: نشهد انهيار القانون والنظام في قطاع غزة والنهب المسلح لإمداداتنا

من شبه المستحيل إدخال حتى ولو جزء بسيط من المساعدات الضرورية إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة (إ.ب.أ)
من شبه المستحيل إدخال حتى ولو جزء بسيط من المساعدات الضرورية إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة: نشهد انهيار القانون والنظام في قطاع غزة والنهب المسلح لإمداداتنا

من شبه المستحيل إدخال حتى ولو جزء بسيط من المساعدات الضرورية إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة (إ.ب.أ)
من شبه المستحيل إدخال حتى ولو جزء بسيط من المساعدات الضرورية إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة (إ.ب.أ)

حذر المنسق الجديد للشؤون الإنسانية الطارئة التابع للأمم المتحدة، توم فليتشر، من انتشار الجريمة الخارجة عن السيطرة في قطاع غزة.

ووفقا لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، قال فليتشر اليوم الاثنين، خلال زيارة قام بها للشرق الأوسط: «إننا نشهد الآن انهيار القانون والنظام والنهب المسلح المنظم لإمداداتنا من جانب عصابات محلية».

وأوضح أنه من شبه المستحيل إدخال حتى ولو جزء بسيط من المساعدات الضرورية إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة، محذرا من أن ظروف المعيشة في القطاع الساحلي لا يمكن تحملها.

ويشار إلى أن شمال قطاع غزة محاصر منذ أكثر من شهرين، وتقول الأمم المتحدة إنه يوجد خطر حدوث مجاعة هناك.

وأفاد فليتشر، الذي يترأس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بأن إسرائيل رفضت منذ السادس من أكتوبر (تشرين الأول) أكثر من 100 طلب للسماح لها بتوصيل مساعدات الأمم المتحدة.

وقال إن إسرائيل تواصل هجماتها على المناطق المكتظة بالسكان، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة.