العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

أسئلة عن الحرب والطوائف والدولة في «تشاتام هاوس»

«تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)
«تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)
TT

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

«تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)
«تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

يوم قصير في لندن، وطويل جداً في بغداد. صناع قرار وباحثون جمعهم معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، للإجابة عن أسئلة معقدة عن العراق الحائر بين حافتين: الانهيار أو الاستقرار.

المعهد اختار توقيت الأسئلة؛ حيث حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط، وعودة درامية لدونالد ترمب إلى البيت الأبيض، والمكان؛ إذ يتموضع العراق في مسرح المواجهة بين إيران وإسرائيل. والمفاجأة أن كثيرين قدّموا التفاؤل على أشياء أخرى، من بينها انهيار النظام.

تحدّث مسؤولون وباحثون عراقيون، خلال 3 طاولات متخصصة، عن «خطوط الصدع السياسية والأمنية التي تهدد استقرار العراق قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2025»، لكن الميليشيات التي تشنّ هجمات مسلحة عابرة للحدود، تُخيم على المسار، دون أن يقول أحد إنها تمتلك القدرة على «هدم المعبد»، حتى رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، القلق من اليوم التالي للحرب.

ترمب المنتصر... والعراق ملفٌ إيراني

أطلّ العبادي على «تشاتام هاوس» من دائرة تلفزيونية. كان في منزله؛ لأن السلطات العراقية فرضت حظراً للتجول بسبب عمليات نشطة، يومها، لإحصاء السكان في عموم البلاد. العبادي استخدم ذلك مثالاً على فرصة واعدة لانتقال العراق إلى وضع إداري أكثر نضجاً.

العبادي «متشائم ومتفائل في هذه اللحظة»، يقول إن ذلك يعتمد على ما سيحدث تالياً في ساحات مختلفة من العالم؛ حيث الجميع حذر، ويترقب واقعاً جديداً من جنوب شرقي آسيا، مروراً بالشرق الأوسط، البؤرة الأخطر على الأمن والسلام الدولي.

في هذه اللحظة أيضاً، جاء الأميركي «المنتصر القوي والنوعي»، هكذا وصف العبادي ترمب. ومن وجهة نظره فإن تأثير وصوله إلى البيت الأبيض يعتمد كلياً على «ردود الفعل والسياسات المتماهية أو الاحتوائية أو المضادة لمراكز القوى الدولية والإقليمية المتعاطية مع واشنطن».

يقترح العبادي على بغداد، وهو جزء من «إطار» شيعي يحكمها، «خلق نواة صلبة للحكم، تفرض مصالح الدولة بقوة القانون، وتحُول بحزم دون الفوضى أو الاجتهاد أو المغامرة أو التبعية لأي استراتيجية أجنبية».

كان العبادي حذراً في شرح «التبعية»، رغم أن إيران تقفز من عباراته المتحفظة، وبدلاً من ذلك، نصح الأميركيين بعدم التعاطي مع العراق على أنه ملف في رف إقليمي: «من الخطأ التعامل مع العراق بوصفه بلداً هامشياً، ومن الخطيئة ربطه بنيوياً بملفات شائكة، كالملف الإيراني أو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي».

حاول العبادي إعادة تعريف «لماذا العراق مهم؟». يرى أنه «بلد محوري في الشرق الأوسط بسبب موقعه الجيوسياسي الرابط بين أمم ثلاث؛ العربية والإيرانية والتركية، ومآله النهائي سيؤثر على تماسك أو تداعي الجغرافيا السيادية لهذه الأمم».

داخلياً، يُحذّر العبادي من تاريخ يكتب بالمنافسة، فالأقطاب الداخلية تستثمر الاحتكاك بين الاستراتيجيات الدولية والإقليمية، وقد بلغ هذا المسار مستوى خطيراً، وإن الثمن وجود العراق نفسه.

العبادي رفض ربط العراق بملفات إقليمية شائكة في إيران وفلسطين وإسرائيل (الشرق الأوسط)

الاستقرار الناجز بالإقصاء والسلاح

قدّم العبادي صورة عامة للصراع؛ كانت الاستراتيجية طاغية على رسالته تلك، لكن الباحثين أكثر اهتماماً بالتفاصيل؛ إذ تكمن مفاتيح اللعبة.

سجاد جياد، باحث في مؤسسة القرن الدولية، وريناد منصور، باحث في «تشاتام هاوس»، كانا يعترفان بأن «الاستقرار سمة راهنة في بغداد هذه الأيام (...) هذا الانطباع ستحصل عليه حين تستقل سيارة أجرة وتتجول في الشوارع».

مع ذلك، فإن «الإطار التنسيقي» الشيعي وصل إلى هذه الصيغة شبه المتماسكة بعد حوادث إقصاء.

بدأ الأمر حين جرى قمع احتجاج أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وإسقاط مشروع أغلبية مقتدى الصدر عام 2021، وطرد محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان عام 2023، واليوم العمل حثيث لتقييد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.

يقول سجاد جياد: «إن جزءاً من هذا الجهد لتحقيق الاستقرار ناجمٌ عن معاقبة مراكز قوى ناشئة في المسار السياسي (...) اللعبة كانت تقوم على أساس رمي لاعبين مشاكسين من القطار السريع».

خلال العامين الماضيين، وهي فترة ذهبية لـ«الإطار التنسيقي»؛ إذ تمكن من الانخراط أكثر في مؤسسات الحكومة ضمن محاولات واضحة للنضج السياسي، لكن المحبط في هذه القصة، أن القوى الفاعلة تنجح لأنها تمتلك أسلحة ذات حدين. يقول سجاد جياد: «إن كلمة السر تكمن في امتلاك السلاح والمال والإعلام».

تشارك القوة وامتصاص الصدمة

ما حدث «درس سياسي عن تشارك القوة» بين الفاعلين. يقول ريناد منصور، إن أهم ما يُميز «الإطار التنسيقي» هو خطته لامتصاص الصدمات. «هكذا تجاوز احتجاج الشباب، وتمرد الصدر بمشروع الأغلبية، وسيطر على كل شيء تقريباً».

من المستبعد أن تنتهي هذه الصيغة بانهيار سهل لـ«الإطار التنسيقي»، حتى الانتخابات لن تكون حلاً.

ريناد منصور يصف ذلك: «كل 4 سنوات يجلس الجميع للتفاوض قبل الانتخابات، مَن يحصل على ماذا، وكم سيحصل»، وإلى حد ما، فإن الاستقرار الظاهري يكمن في هذه المفارقة.

الحال، ومن هذه المعادلة التي يبدو أن الإطار يتقنها جيداً، فإن «ما نراه في بغداد، وكيف أن الحياة مستقرة، يُخفي اشتباكَ مصالح حرجاً، قائماً على تقاسم الموارد، وحجبها عن آخرين».

في الصورة الأكبر، يقول ريناد منصور: «إن العراق عُزل عن الصراع في المنطقة»، لكن هذا الخبر الجيد قد ينتهي سريعاً حينما نعود لأصل المشكلة في أن هذا البلد «يتحمل أن يكون أرضية للصراع الإيراني - الأميركي».

صيغة الاستقرار الراهن في العراق محل شك بسبب تمكن السلاح المنفلت وسياسة الإقصاء (الشرق الأوسط)

«مع الميليشيات لن نذهب إلى مكان»

مينا العريبي، وهي رئيسة تحرير صحيفة «ناشيونال»، لا ترى «على الإطلاق» أن العراق سيتقدم نحو أي مكان بوجود الميليشيات. «الفكرة الأساسية تتعلق بالطريقة التي ترى فيه القوى الحاكمة فكرة الدولة القوية المستقرة».

اللاعبون من حول العراق يبحثون عن فرص النجاح، وبالنظر إلى الديناميكيات الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط، فإن استقرار هذا البلد مهم لهم. تقول مينا العريبي: «كل هذا قد يفشل بسبب استمرار النزاعات المحلية، وطغيان سلاح اللاعبين».

من الصعب الاستمرار على هذا المنوال، «كل فريق تتملكه المخاوف من الآخر، ويحتاج إلى ذراع مسلحة (...) نهاية هذا المسار شلل في وظائف الدولة».

بين المتحدثين كان فلاح مصطفى، وهو مساعد رئيس إقليم كردستان؛ كان قلقاً من عبارات متحدثين في «تشاتام هاوس». أظهر حساسية من «الدولة القوية» بدلاً من «الدولة الفيدرالية»، والإشارة إلى «المحيط العربي» دون التذكير بدور الكرد في المعادلة.

رغم هذا، فإن مصطفى الذي جاء من أربيل التي أنجزت أخيراً انتخابات برلمانية ناجحة، كما يقول، فإنه يرجح كفّتها على بغداد بتجربة سياسية تعود إلى عام 1991، ويقترح صيغة لربط المكونات في العراق بوصفهم «شركاء فيدراليين».

في «تشاتام هاوس»، وبعد سجال بشأن المآلات العراقية، كان من الواضح أن ترمب العائد سيواجه بنية تحتية سياسية في بغداد، مختلفة تماماً عما كان يعرفها خلال ولايته الأولى. الأرجح أن «الإطار التنسيقي» يستعد هذه المرة لسياسة «الضغط الأقصى»، في لحظة حرب، بخبرة عامين من تشبيك المصالح، سوى أن اليوم التالي لحربي لبنان وغزة يزاحم طريق بغداد إلى انتخابات 2025.


مقالات ذات صلة

قائد عسكري عراقي: حدودنا مؤمنة ولا مجال لاختراقها

العالم العربي وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي برفقة وفد أمني رفيع المستوى إلى قاطع عمليات غرب نينوى في سنجار (واع)

قائد عسكري عراقي: حدودنا مؤمنة ولا مجال لاختراقها

قال محمد السعيدي، قائد قوات الحدود العراقية، اليوم (السبت)، إن الحدود العراقية «مُؤمنَّة، ولا مجال لاختراقها».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي خلال تفقده الحدود العراقية السورية 15 نوفمبر 2024 (قناته على تطبيق «تلغرام»)

ثابت العباسي: الجيش جاهز ويواصل حماية حدود العراق وسمائه من أي خطر

قال وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، إن الجيش بكافة تشكيلاته جاهز، ويواصل مهامه لحماية حدود العراق وسمائه من أي خطر.

المشرق العربي مهاجرون يعبرون بحر المانش (القنال الإنجليزي) على متن قارب (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle 00:32

العراق وبريطانيا يوقعان اتفاقاً أمنياً لاستهداف عصابات تهريب البشر

قالت بريطانيا، الخميس، إنها وقعت اتفاقاً أمنياً مع العراق لاستهداف عصابات تهريب البشر، وتعزيز التعاون على الحدود.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي تحالف «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاته في بغداد (إكس)

العراق: أحكام غيابية بالسجن لمتهمين في «سرقة القرن»

عاد ملف «سرقة القرن» إلى الواجهة بالعراق، بعد صدور أحكام غيابية بالسجن بحق متهمين فيها، بينما يتصاعد الجدل حول تسريبات صوتية منسوبة لمسؤولين بالحكومة.

المشرق العربي عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

العراق يرحب بوقف النار في لبنان ويتأهب لهجمات محتملة

في وقت رحبت فيه الحكومة العراقية بقرار وقف إطلاق النار في لبنان، أعلنت أنها «في حالة تأهب قصوى»؛ لمواجهة «أي تهديد خارجي».

حمزة مصطفى (بغداد)

الجيش السوري يعترف بدخول الفصائل المسلحة حلب... ويعلن مقتل عشرات الجنود

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)
دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)
TT

الجيش السوري يعترف بدخول الفصائل المسلحة حلب... ويعلن مقتل عشرات الجنود

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)
دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)

أعلن الجيش السوري، اليوم (السبت) في بيان، أن العشرات من جنوده قُتلوا في هجوم للمعارضة بشمال غربي البلاد، وأن الفصائل السورية المسلحة تمكّنت من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب؛ ما اضطر الجيش إلى إعادة الانتشار.

ويشكِّل البيان أول اعتراف علني من الجيش بدخول الفصائل السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» مدينة حلب، التي تسيطر عليها الحكومة، في هجوم مباغت بدأ الأسبوع الماضي.

وقال الجيش في البيان: «إن الأعداد الكبيرة للإرهابيين، وتعدد جبهات الاشتباك، دفعا بقواتنا المسلحة إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع؛ بغية امتصاص الهجوم، والمحافظة على أرواح المدنيين والجنود، والتحضير لهجوم مضاد».

ويمثل الهجوم الذي قادته «هيئة تحرير الشام» أكبر تحدٍ منذ سنوات للرئيس بشار الأسد، إذ يجدِّد المواجهات في الحرب الأهلية السورية التي توقفت إلى حد كبير منذ عام 2020.

وذكر بيان الجيش السوري أن قوات المعارضة لم تتمكَّن من «تثبيت نقاط تمركز... بفعل استمرار توجيه قواتنا المسلحة لضربات مركزة وقوية».

وقال مصدران عسكريان، في وقت سابق، إن طائرات حربية روسية وسورية استهدفت معارضين بمدينة حلب اليوم.

ونشرت روسيا قوات جوية في سوريا في 2015؛ لمساعدة الأسد في الحرب الأهلية السورية التي اندلعت في 2011.

وشنَّت فصائل المعارضة المسلحة هجوماً مفاجئاً عبر قرى وبلدات تسيطر عليها الحكومة قبل أيام، ووصلت إلى حلب بعد نحو 10 سنوات من إخراج القوات السورية، المدعومة من روسيا وإيران، الفصائل المسلحة من المدينة.

وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين أمس (الجمعة)، إن روسيا تعدّ الهجوم انتهاكاً لسيادة سوريا.

وأضاف: «نؤيد إعادة السلطات السورية النظام إلى المنطقة، والعودة إلى النظام الدستوري بأسرع ما يمكن».