ثقة مفقودة بين «حزب الله» والإعلام اللبناني

تهديدات واعتداءات على صحافيين... ومكاري: نرفض لغة التخوين

خلال تشييع قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدة السكسكية في جنوب لبنان الأربعاء (أ.ب)
خلال تشييع قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدة السكسكية في جنوب لبنان الأربعاء (أ.ب)
TT

ثقة مفقودة بين «حزب الله» والإعلام اللبناني

خلال تشييع قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدة السكسكية في جنوب لبنان الأربعاء (أ.ب)
خلال تشييع قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدة السكسكية في جنوب لبنان الأربعاء (أ.ب)

تتسم العلاقة بين «حزب الله» والإعلام اللبناني بـ«التوتر» وعدم الثقة في نقل مجريات الحرب الدائرة اليوم، وبشكل أساسي مع وسائل الإعلام التي لطالما كانت تُعَدّ معارِضة للحزب، بحيث وصل الأمر إلى حد رفع دعاوى قضائية والاعتداء على الصحافيين.

البداية كانت مع هجوم شنه مسؤول الإعلام في «حزب الله» محمد عفيف، على الإعلام المحلي والعربي، منتقداً نقل الرواية الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، ومتهماً بعض الوسائل «بإعطاء إحداثيات للعدو»، قاصداً بذلك قناة «إم تي في»، إثر نشرها تقريراً عن «القرض الحسن» قبل استهدافه بأيام، ما أدى إلى تعرضها لحملة ممنهجة، لتقوم بعدها القناة برفع دعوى قضائية ضد «كل من قاموا بهدر الدماء بحق المحطة».

ومع استمرار الحرب تتكشف أكثر عدم الثقة المتبادلة بين الحزب والإعلام المعارض، التي وصلت إلى منع إعلاميين من نقل الأحداث والتغطية المباشرة حتى من يُعدّون في خانة «الحلفاء»، وصولاً إلى الاعتداء عليهم، وهو ما حصل، الأربعاء، مع الصحافيين محمد البابا (مراسل قناة الحدث)، ونبيل مملوك، الصحافي الذي اتخذ القرار بالبقاء في مدينة صور التي تتعرض للقصف ونقل الأحداث.

سيدة تصوّر مباني مدمرة في الشياح بالضاحية الجنوبية إثر غارات عنيفة استهدفت المنطقة (إ.ب.أ)

ومملوك معروف بمواقفه المعارضة لـ«حزب الله»، وكان قد تعرض للتهديد في وقت سابق من قبل شبان في مدينة صور على خلفية منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيه أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم. والثلاثاء، تم الاعتداء عليه بالضرب من قِبل عدد من الشبان أمام والده في الصيدلية التي يملكها، كما ظهر واضحاً في الفيديو الذي انتشر، متّهمين إياه بإعطاء إحداثيات للجيش الإسرائيلي عبر إرساله خبر التصدي لمسيّرة إسرائيلية من مكان محدد في المدينة.

وبعدما تعرض مراسل «الحدث» في البقاع محمود شكر في أثناء قيامه بعمله، في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للاعتداء والضرب من قبل شبان عرفوا عن أنفسهم بأنهم «من البيئة الحاضنة لـ(حزب الله)»، مُنع زميله محمد البابا، الأربعاء، من التغطية في بلدة جون في جبل لبنان، إثر تعرض أحد المباني فيها لغارة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى. ويقول البابا لـ«الشرق الأوسط»: «بعدما كنت قد تواصلت مع المعنيين في المنطقة، وتحديداً البلدية ومخابرات الجيش لأقوم بمداخلة مباشرة من موقع الانفجار، منعني أربعة شبان من القيام بعملي إثر وصولي إلى الموقع، طالبين مني المغادرة، ومهددين بتكسير الكاميرا ما اضطرني إلى الخروج من الموقع برفقة أعضاء من البلدية»، ويتّهم البابا صحافياً في قناة محسوبة على «المقاومة»، بأنه مَن كان خلف التحريض ضدّه، قائلاً: «المشكلة أن يصدر فعل كهذا من إعلامي زميل».

كذلك تعرض الإعلامي هشام حداد لحملة تخوين، على خلفية طرحه سؤالاً حول «معايير الهزيمة»، متحدثاً عن «بدء تحضير إعلام المحور الشعب للانتصار»، وسأل: «أيمتى نهزم؟»، بعدما عدّد كل الخسائر الناتجة عن الحرب من الدمار إلى النزوح وغيرها. وهو ما استدعى حملة تخوين ضدّه أدت إلى هدر دمه، وفق ما قال.

وفي حين يبدو الإعلام موحّداً في نقل المجازر والعدوان الإسرائيلي، فإن الاختلاف يظهر بشكل واضح في مقاربة «حرب الإسناد» التي اتخذ «حزب الله» القرار بفتح جبهتها لا سيما مع الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي نتجت عنها، وهنا يظهر الاختلاف الذي يصل إلى حدّ تخوين الرأي الآخر.

وفي هذا الإطار، يصف وزير الإعلام زياد مكاري أداء الإعلام خلال هذه الحرب بالـ«احترافي رغم بعض الشوائب»، رافضاً اتهامات التخوين من أي جهة كانت، ومؤكداً العمل بكل الوسائل لتأمين حرية التغطية لكل الصحافيين.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحاول حل الحوادث، كلٍّ على حدة، وأتواصل في هذا الشأن مع القضاء والقوى الأمنية ومع الجهة الحزبية إذا كان لها علاقة بما يحدث»، مؤكداً أن «هناك تواصلاً مع العلاقات الإعلامية في (حزب الله)، وهم حريصون على حل الأمور».

ويصف مكاري أداء الإعلامي والصحافيين اللبنانيين في تغطية الحرب بـ«الاحترافي»، مضيفاً: «لا شك أن البلد منقسم، وهناك وجهات نظر مختلفة، ودورنا أن نحمي هذا التنوع، مع التأكيد على أننا ضد لغة التخوين من أي جهة كانت».

وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري

كذلك، تُثني رلى مخايل، المديرة التنفيذية لـ«مؤسسة مهارات» (التي تُعنى بقضايا الإعلام وحرية التعبير)، على دور الإعلام اللبناني في هذه المرحلة، رافضة أن يطلب من الجميع الخضوع لما يملى عليهم، كما تخوين الإعلاميين.

لكن في المقابل، تتّهم مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» وسائل الإعلام بـ«عدم المهنية»، وترى «أن الدولة مسؤولة عن محاسبتها على أخطائها»، مذكّرة «بما سبق أن قاله عفيف لجهة الرقابة العسكرية على الإعلام الإسرائيلي، وتشير إلى أن الاعتداء على الإعلاميين هو تصرف شخصي من قبل بعض الشبان لا علاقة لـ«حزب الله» به.

وتؤكد مخايل لـ«الشرق الأوسط» أن الإعلام اللبناني يلعب دوره في هذه الحرب، رغم كل المخاطر والصعوبات المتعلقة بالتغطية الإعلامية، وبالوصول إلى المعلومات، خاصة أن الإعلاميين يعملون في ظروف خطرة جداً؛ لذا المطلوب حمايتهم وحماية عملهم، وليس التهجم عليهم وتخوينهم»، مؤكدة: «في مثل هذه الأوقات مطلوب الفكر النقدي، ومطلوب حماية مساحة الانتقاد والاختلاف في الرأي».

وترى أنه «من غير المقبول أن يطلب من الجميع أن يتبنوا الرأي الواحد، وأن يخضعوا للإملاءات تحت أي حجة، أو أن يتم تخوينهم، كما يحصل اليوم عند انتقاد التفرد بقرار الحرب المدمرة وفتح جبهة لبنان».

وفيما تشير إلى تكرار حوادث الاعتداء على الصحافيين نتيجة خطاب الكراهية والتحريض والتي كان آخرها ما حصل مع مملوك، تشدد على أن «الخطاب التخويني للآخر وغير المنضبط تحت سقف خطاب (حزب الله) غير مبرر، ويعطي غطاء للاعتداءات على الصحافيين ويحرض عليهم».


مقالات ذات صلة

محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني جورج عبد الله

المشرق العربي جورج إبراهيم عبد الله لدى اقتياده إلى محكمة في مدينة ليون الفرنسية عام 1986 (متداوَلة)

محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني جورج عبد الله

وافقت محكمة فرنسية، الجمعة، على الطلب الحادي عشر للإفراج المشروط عن الناشط اللبناني جورج إبراهيم عبد الله.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي المستشار الإيراني علي لاريجاني (يسار) يلتقي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (يمين) في بيروت (أ.ف.ب)

ميقاتي لمستشار خامنئي: ندعو لعدم اتخاذ مواقف تولد حساسيات لدى أي فريق لبناني

دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، الجمعة، إيران لعدم اتخاذ مواقف تولد حساسيات لدى أي فريق من اللبنانيين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سحابة دخان تظهر بالقرب من القصير غرب سوريا (سانا)

القصير... «دويلة» «حزب الله» السورية تحت النار الإسرائيلية

عمّقت إسرائيل غاراتها إلى الريف الغربي لمحافظة حمص، وتركّزت في الأيام الأخيرة على مدينة القصير وجوارها، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً على الحدود اللبنانية.

يوسف دياب
المشرق العربي مسعفون ينقلون مصابين جراء غارة إسرائيلية استهدفت بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)

مقتل 12 في قصف إسرائيلي على مركز دفاع مدني ببعلبك شرق لبنان

قال محافظ بعلبك لوكالة «رويترز» إن 12 شخصاً قتلوا في قصف إسرائيلي لمركز للدفاع المدني في مدينة بعلبك اللبنانية، اليوم (الخميس)، مضيفاً أن عمليات الإنقاذ جارية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع: على «حزب الله» إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

قال سمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية»، إن «حزب الله» المدعوم من إيران يجب أن يلقي أسلحته في أسرع وقت ممكن لإنهاء حربه المستمرة منذ عام.

«الشرق الأوسط» (معراب)

إسرائيل تصعّد حربها ضد لبنان... وتضرب دمشق

سكان ورجال أمن يعاينون الأضرار بعد غارة إسرائيلية على حي المزة في دمشق أمس (أ.ف.ب)
سكان ورجال أمن يعاينون الأضرار بعد غارة إسرائيلية على حي المزة في دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تصعّد حربها ضد لبنان... وتضرب دمشق

سكان ورجال أمن يعاينون الأضرار بعد غارة إسرائيلية على حي المزة في دمشق أمس (أ.ف.ب)
سكان ورجال أمن يعاينون الأضرار بعد غارة إسرائيلية على حي المزة في دمشق أمس (أ.ف.ب)

شنت إسرائيل «أوسع محاولة توغل» في لبنان، في تصعيد لحربها في هذا البلد، وضربت موقعين في العاصمة السورية دمشق، متسببة في مقتل 20 شخصاً على الأقل.

ونفذ الجيش الإسرائيلي توغله في الجنوب اللبناني، عبر ثلاثة محاور أساسية، تمكن في أحدها من الوصول إلى تخوم بلدة شمع في المحور الغربي على بُعد نحو 4 كيلومترات عن الحدود.

واندلعت اشتباكات بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية، أمس، قبل أن تنسحب الأخيرة مساء أمس، وذلك في اليوم الأول من عملية برية لم تتضح معالمها أو حجمها على الفور. وتزامن ذلك مع مروحة واسعة من القصف الجوي الإسرائيلي المكثف على المنطقة.

وأبلغت السفيرة الأميركية في بيروت، ليزا جونسون، رئيس البرلمان اللبناني، نبيه برّي، باستمرار وساطة الموفد الرئاسي آموس هوكستين، مؤكدة أن هذا الحراك «يحظى بمباركة من الإدارة الأميركية الجديدة». وعلمت «الشرق الأوسط» أن جونسون أبلغت برّي أن ما تم الاتفاق عليه (بين برّي وهوكستين) سابقاً ما يزال العمود الفقري للحراك الأميركي، مشيرة إلى وجود «صياغات» إضافية تريد الإدارة الأميركية استمزاج رأي برّي فيها «من دون استعجال».

في سياق ذي صلة، أعلنت وسائل إعلام سورية، سقوط 20 قتيلاً أمس من جراء قصف للطيران الإسرائيلي استهدف حي المزة الواقع في العاصمة دمشق، ومقراً لحركة «الجهاد الإسلامي»، في قدسيا القريبة. وأوضح «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن القصف الإسرائيلي استهدف شقة ضمن بناء سكني مؤلف من 3 طوابق بالقرب من «دوار السرايا» في حي المزة - فيللات، وأيضاً بناية سكنية قرب «مسجد الصحابة» في قدسيا بريف دمشق.