عبث إسرائيل بـ«الخطّ الأزرق» يعيد أزمة الحدود إلى نقطة الصفر

قلق لبناني من خلط أوراق الترسيم برّاً وبحراً

«الخط الأزرق» الذي رسمته الأمم المتحدة للفصل بين لبنان وإسرائيل عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب عام 2000 (أ.ف.ب)
«الخط الأزرق» الذي رسمته الأمم المتحدة للفصل بين لبنان وإسرائيل عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب عام 2000 (أ.ف.ب)
TT

عبث إسرائيل بـ«الخطّ الأزرق» يعيد أزمة الحدود إلى نقطة الصفر

«الخط الأزرق» الذي رسمته الأمم المتحدة للفصل بين لبنان وإسرائيل عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب عام 2000 (أ.ف.ب)
«الخط الأزرق» الذي رسمته الأمم المتحدة للفصل بين لبنان وإسرائيل عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب عام 2000 (أ.ف.ب)

أثار تلاعب الجيش الإسرائيلي بـ«الخطّ الأزرق»، الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، قلقاً واسعاً في لبنان حيال فرض أمر واقع إسرائيلي جديد يعيد أزمة الحدود إلى نقطة الصفر، وينسف معالم «الخطّ الأزرق» المعترف به دولياً؛ إذ أعلنت «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)» أن جنودها «وثقوا مشاهد تُظهر قوات إسرائيلية تزيل إحدى علامات الحدود».

ووجهت القوات الدولية اتهاماً مباشراً إلى الجيش الإسرائيلي بـ«استهداف مواقعها وجنودها عمداً عند (الخط الأزرق) وفي محيطه، في محاولة لإضعاف مهمتها في الجنوب».

يأتي العبث بـ«الخطّ الأزرق» على وقع المعارك المتصاعدة بين إسرائيل و«حزب الله»، خصوصاً في المناطق الممتدة من رأس الناقورة إلى القطاع الشرقي.

طبّارة: جزء من مخطط أوسع

وعدّ سفير لبنان الأسبق في واشنطن، رياض طبّارة، أن «إزالة إسرائيل نقاطاً حدودية تعدّ تفصيلاً لمخططها الأوسع، وهو تحويل منطقة جنوب الليطاني إلى أرض محروقة وغير قابلة للحياة». ورأى طبارة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «ليست واضحة خلفيات إزالة بعض النقاط على (الخط الأزرق)، لكن ذلك يصبّ حتماً في سياق تسهيل حركة قواتها للخروج والدخول من وإلى المنطقة العازلة، التي تريدها إسرائيل خالية تماماً من المنازل والبنى التحتيّة».

عناصر من قوات «يونيفيل» لحفظ الأمن قرب «الخط الأزرق» الحدودي مع إسرائيل خلال زيارة أنصار «حزب الله» إلى المنطقة (إ.ب.أ)

وقال طبّارة: «بغضّ النظر عن خطورة ما تفكّر فيه الدولة العبرية لجهة التلاعب بالحدود البرية، فإنه يبقى الأهم أنها أفرغت مناطق الشريط الحدودي من سكانها وجعلتها تحت سيطرتها ومراقبتها، سواء من الجوّ والمرتفعات، وإن كانت لا تريد البقاء على الأرض، فإنها لن تسمح بعودة الناس إلى هذه المنطقة في المدى المنظور».

شحادة: خلق أمر واقع جديد

من جانبه، رأى المنسّق السابق للحكومة اللبنانية مع قوات «اليونيفيل»، العميد المتقاعد منير شحادة، أن «العبث بـ(الخطّ الأزرق) من قبل إسرائيل، هدفه خلق أمر واقع جديد، ومحاولة قضم أراضٍ لبنانية جديدة، وإعادة التفاوض على تظهير الحدود من نقطة الصفر». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الفعل الإسرائيلي ينسف كلّ ما كان يسعى (المبعوث الأميركي) آموس هوكستين إلى ترسيخه في السابق، لجهة اعتماد (الخطّ الأزرق) حدوداً دولية بين لبنان وفلسطين المحتلّة، حيث صرح بذلك مرات عدّة بهدف تمرير هذه الفكرة، وذلك خلال الأشهر الأولى من الحرب، وقد جوبهت برفض لبناني».

قائد «يونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو يزور مواقع عدة لقواته بالقرب من «الخط الأزرق» في نهاية ديسمبر 2023 (قناة يونيفيل على تلغرام)

وأشار شحادة إلى أن إسرائيل «ستحاول الانطلاق بالترسيم البرّي بدءاً من الحدود البحرية، يعني بطريقة معاكسة، مع أنها صرحت، وعلى لسان أكثر من مسؤول، بأنها تسعى للتفتيش عن ثغرة لإلغاء اتفاق الترسيم البحري أيضاً، وتحديداً من (خط الطفافات) الذي تُرِك أمر البت فيه خارج الترسيم البحري من خلال معالجة ملاحظات الحدود البرية»، مؤكداً أن إسرائيل «ستحاول قضم أراضٍ لبنانية شاسعة جديدة، وغايتها من ذلك السيطرة على مرتفعات داخل الأراضي اللبنانية تشكّل نقاطاً استراتيجية تشرف على مناطق لبنانية واسعة وعلى أراض في فلسطين المحتلّة».

نسف الحدود البرية وربما البحرية

وعمد الجيش الإسرائيلي في الأيام الماضية إلى إزالة عدد من البلوكات الإسمنتية الواقعة على «الخطّ الأزرق»، بهدف إدخال دبابات ومدرعات إلى الأراضي اللبنانية عند بدء العملية العسكرية البرية منذ نحو 40 يوماً، كما طلب من القوات الدولية إخلاء جميع مواقعها بمحاذاة «الخطّ الأزرق» والتوجّه إلى شمال مجرى نهر الليطاني، وهو ما رفضته قيادة القوات، وأكدت البقاء في مراكزها وممارسة مهامها.

ويبدو أن الاعتداءات الإسرائيلية آخذة في التطوّر يوماً بعد يوم لنسفّ كل ما كان متفقاً عليه في السابق. وحذّر العميد شحادة بأن «إسرائيل تسعى إلى نسف الحدود البرّية، وربما الحدود البحرية التي رسّمت قبل عامين... وتخفّض سقف الشروط اللبنانية التي كانت موجودة حول النقاط الـ13 المتنازع عليها، والأراضي المحتلة في خراج بلدة الماري (الجزء الشمالي لقرية الغجر)، ومنها امتداداً إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».


مقالات ذات صلة

مقتل 12 في قصف إسرائيلي على مركز دفاع مدني ببعلبك شرق لبنان

المشرق العربي مسعفون ينقلون مصابين جراء غارة إسرائيلية استهدفت بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)

مقتل 12 في قصف إسرائيلي على مركز دفاع مدني ببعلبك شرق لبنان

قال محافظ بعلبك لوكالة «رويترز» إن 12 شخصاً قتلوا في قصف إسرائيلي لمركز للدفاع المدني في مدينة بعلبك اللبنانية، اليوم (الخميس)، مضيفاً أن عمليات الإنقاذ جارية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية إسرائيل تقول إنها ستهاجم أي محاولة لتهريب الأسلحة إلى جماعة «حزب الله» (إ.ب.أ)

إسرائيل: سنهاجم أي محاولة لتهريب الأسلحة إلى «حزب الله» من سوريا

قال متحدث عسكري إسرائيلي، اليوم الخميس، إن إسرائيل ستهاجم أي محاولة لتهريب الأسلحة إلى جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية 14 نوفمبر 2024 (د.ب.أ)

أميركا تُسلّم برّي مسودة لمقترح هدنة

ذكر وسائل إعلام لبنانية، اليوم (الخميس)، أن السفيرة الأميركية، ليزا جونسون، سلّمت رئيس البرلمان، نبيه بري، ورقة خطية تتضمن اقتراحاً لوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يوثّقون الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت بجوَّالاتهم (أ.ف.ب)

واشنطن أبلغت بري استمرار وساطة هوكستين بـ«مباركة» الإدارة الجديدة

كثّف الجيش الإسرائيلي غاراته على الضاحية الجنوبية لبيروت، بموازاة الترويج لتسوية وشيكة مع لبنان، تقوم على احتفاظ إسرائيل بحرّية تنفيذ العمليات داخل لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية قصف إسرائيلي على الضاحية الجنوبية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي وإصابة آخر في معارك بجنوب لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الخميس، مقتل أحد جنوده وإصابة آخر بجروح خطيرة في المعارك الدائرة في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جعجع: على «حزب الله» إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

جعجع (القوات اللبنانية)
جعجع (القوات اللبنانية)
TT

جعجع: على «حزب الله» إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

جعجع (القوات اللبنانية)
جعجع (القوات اللبنانية)

قال سمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية»، إن «حزب الله» المدعوم من إيران يجب أن يلقي أسلحته في أسرع وقت ممكن لإنهاء حربه المستمرة منذ عام مع إسرائيل، وتجنيب لبنان مزيداً من الموت والدمار.

وتحدث جعجع، وهو أشد معارض سياسي لـ«حزب الله» في لبنان، لـ«رويترز»، اليوم (الخميس)، في منزله ومقر حزبه بمنطقة معراب الجبلية بشمال بيروت، في وقت كانت إسرائيل تنفذ فيه سلسلة ضربات على مناطق يسيطر عليها «حزب الله».

وقال جعجع: «مع تدمير كل البنى التحتية لـ(حزب الله) والمخازن سيتدمر قسم كبير من لبنان. هذا هو الثمن».

ويقول منتقدو «حزب الله» في لبنان، مثل جعجع، إن الجماعة جرّت لبنان من جانب واحد إلى حرب جديدة، بعد أن بدأت في إطلاق النار على إسرائيل تضامناً مع حركة «حماس» في أعقاب هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل الذي أشعل فتيل الحرب في غزة.

وتعهدت جماعة «حزب الله» بمواصلة القتال، وقالت إنها تدافع عن لبنان ضد العدوان الإسرائيلي، وإنها لن تلقي سلاحها ولن تسمح لإسرائيل بتحقيق مكاسب سياسية على خلفية الحرب.

وقال جعجع إن الضغوط الشديدة التي فرضتها الحملة العسكرية الإسرائيلية التي تصاعدت، وتوسعت منذ أواخر سبتمبر (أيلول) لتشمل التوغلات البرية في جنوب لبنان، قدّمت فرصة لإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح.

وأضاف: «إذا التحديات والأثمان الكبيرة يللي (التي) ندفعها، ممكن نستفيد منها لنرجع الوضع الطبيعي».

ودعا جعجع «حزب الله» والدولة اللبنانية إلى تطبيق الاتفاقات المحلية والقرارات الدولية سريعاً وحلّ الفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة.

وأضاف: «هذا أقصر طريق لإنهاء الحرب. وأقل طريق تكلفة على لبنان وعلى الشعب اللبناني هذا الطريق».

وتركزت الجهود الدبلوماسية المتعثرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار على قرار الأمم المتحدة 1701، الذي أنهى آخر صراع دموي بين «حزب الله» وإسرائيل في عام 2006.

وأكدت إسرائيل أنها هذه المرة تريد مواصلة تنفيذ الضربات ضد تهديدات «حزب الله» حتى لو تم الاتفاق على هدنة.

وقال جعجع إنه يعارض منح إسرائيل هذا الخيار، لكنه قال إن لبنان لا يملك سوى القليل من القوة لمنعها، خاصة إذا بقيت الذريعة في شكل الوجود المسلح لـ«حزب الله».

وعلى الرغم من معارضته المستمرة منذ عقود لجماعة «حزب الله»، قال جعجع (72 عاماً) إنه يعارض أن ينزع الجيش اللبناني سلاح الجماعة قسراً.

وقال: «أنا صراحة غير متخوف من الحرب الأهلية التي البعض عم يحكي فيها وما بعرف ليش عم يحكوا فيها. يعني إذا بتطلع على الوقائع وبتتابع كل الضيع وكل المناطق... أنا صراحة مش شايف».

ومع ذلك، أشار إلى أن النزوح الجماعي للبنانيين الشيعة في الغالب إلى المناطق ذات الأغلبية السنية والمسيحية يمكن أن يثير مشاكل هنا أو هناك في بلد يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية قبل الحرب.

وقال: «شايف من النزوح الكبير ومن اللي قال لي يكون في مشكلة هون وهون بس مشاكل مثل المعتاد».

ومن بين هؤلاء آلاف فرّوا لمناطق تعد معاقل لحزب جعجع. وفي بيروت، رُفعت أعلام «القوات اللبنانية» خلال الليل في الأحياء التي تحظى فيها الجماعة بدعم قوي، لكن لم ترد أنباء عن وقوع اشتباكات.

وفرّ أكثر من 1.2 مليون شخص من الضربات الإسرائيلية العنيفة على جنوب لبنان وسهل البقاع الشرقي والضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، قامت القوات الإسرائيلية بعمليات توغل في جنوب لبنان وطوّقت قرى بأكملها بالمتفجرات وفجّرتها تاركة مدناً حدودية في حالة خراب.

ويقول «حزب الله» إنه تمكن من إبعاد القوات الإسرائيلية عن طريق منعها من السيطرة على أي أرض في جنوب لبنان.

لكن جعجع اختلف مع تلك القراءة، قائلاً إن العقيدة العسكرية الجديدة لإسرائيل هي دخول المناطق وتنفيذ العمليات والمغادرة، وإن المرحلة التالية من الحرب قد تشهد ضرب قرى أعمق في لبنان.

وقال إن القوة العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية ستمنحها دائماً ميزة على جماعة «حزب الله»، حتى لو أعادت الجماعة تسليح نفسها.

وتساءل: «هل لديك القدرة على دخول سباق التسلح هذا؟».