العراق: «المجمع الفقهي» و«ديوان الوقف السني» يرفضان تعديل «الأحوال الشخصية»

قالا إنه لا مسوغات شرعية... وتماشياً مع طلب الاتحاد الأوروبي

رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)
رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)
TT

العراق: «المجمع الفقهي» و«ديوان الوقف السني» يرفضان تعديل «الأحوال الشخصية»

رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)
رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)

أظهر «المجمع الفقهي»، وهو أرفع مرجعية دينية سنية في العراق، وكذلك «ديوان الوقف السني»، موقفاً حاسماً حيال تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي أثار ولا يزال الكثير من الاعتراضات منذ طرحه على البرلمان قبل نحو خمسة أشهر. ومن شأن الموقف الجديد الرافض للتعديل والصادر عن أرفع مؤسستين دينيتين سنيتين، عرقلة إقرار التعديل الذي تطالب به بعض قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية.

ويواجه التعديل المقترح معارضة شديدة من الجماعات المدنية والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والطفل، وكذلك من قبل العديد من المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، ويعترض على إقراره البرلمان الأوروبي.

وشرح «المجمع الفقهي» العراقي و«ديوان الوقف السني»، في بيان مشترك ومطول، أسباب رفضهما مشروع التعديل، ووجدا أنه «لا مسوغ لاستبدال بالقانون مدونتين منفصلتين شيعية وسنية»، في إشارة إلى أن التعديل الجديد يستند في تطبيقه على مدونتين تصدران عن الوقفين الشيعي والسني بعد 6 أشهر من التصويت على القانون داخل البرلمان.

وقال الجانبان في البيان المشترك، إن «قانون الأحوال الشخصية يُعدّ صمام الأمان لحفظ الأسرة العراقية؛ إذ يشمل في مواده 94 مادة حول كل ما يتعلق بفقه الأسرة؛ من زواج وطلاق وحقوق زوجية، وعدة ونسب، وحضانة ونفقة، ووصية ومواريث، مع الرجوع للأحكام الشرعية والفقه الإسلامي في المسائل غير المنصوص عليها، مع مراعاة القضاء لطبيعة المرجعية الفقهية للعقدين من خلال فقرة استحقاق المهر المؤجل».

ورأى الجانبان أن القانون النافذ الذي يراد تعديله «اعتمد في اختيار الآراء الفقهية ما يلائم طبيعة المجتمع العراقي المتنوع وظروفه».

وأضاف أن «الفقرتين (ث) و(ج) من المادة (أولاً) من قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية تضمنتا اعتماد رأي المجلس العلمي للوقف الشيعي في حال تعذر الحكم وفق الفقه الشيعي الجعفري، على أن يتم الرجوع إلى رأي المرجع الديني الذي يقلده غالبية الشيعة في العراق».

ويرى المجمع والديوان، أن «هذا التوجه (الآنف) يتفق مع نص الفقرة الثانية من المادة 4 من قانون ديوان الوقف الشيعي رقم 57 لسنة 2012، في حين اعتمد رأي المجلس العلمي والإفتائي للوقف السني دون اعتبار لمرجعية (المجمع الفقهي) العراقي لكبار العلماء، والتي نصت عليها الفقرة (ثانياً) من المادة الرابعة من قانون (ديوان الوقف السني) رقم 56 لسنة 2012».

واعتبر البيان أن في ذلك «إقصاءً غير مبرر لمرجعية الوقف السني التي تتمتع بغطاء قانوني، وازدواجية في التعامل مع القوانين المتعلقة بحقوق مكونات المجتمع العراقي».

وفيما يخص المادة الثانية وإلغاء الفقرة 5 من المادة 10 من القانون المتعلقة بإجراءات ضبط عقود الزواج، أشار البيان إلى أن «توسيع التخويل في إبرام هذه العقود من قبل ديوانَي الوقف الشيعي والسني قد يؤدي إلى فوضى في بناء الأسرة، والتفريط بحقوق الزوجة والأبناء، واستغلال الفئات المستضعفة».

أطفال عراقيون يشاركون في ماراثون أقيم في «شارع أبو نواس» وسط بغداد ضمن فعالية لحماية الأيتام ودمجهم اجتماعياً (إ.ب.أ)

وشدد بيان الجانبين على أنه «لا توجد مسوغات شرعية لاستبدال بالقانون مدونتين شيعية وسنية»، وأنه «بالإمكان تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية رقم 188 بما يتناسب مع تطور المجتمع، وأن تُصاغ المواد ذات الخلاف الجوهري بين الفقهين السني والشيعي بما يمنح القاضي مرونة لاختيار النص الأنسب لمذهب العاقدين».

وسلك «المجمع الفقهي» و«ديوان الوقف السني» طريقاً آخر في حال «إصرار بعض أعضاء مجلس النواب على تعديل قانون الأحوال الشخصية»، ويتمثل هذا الطريق في «البقاء على القانون الحالي، وإضافة المدونتين لتمكين العاقدين من حرية الاختيار بين القانون أو إحدى المدونتين، مع عدم سريان أي أثر رجعي للعقود السابقة وفق قاعدة استصحاب الأصل».

وفي العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، طالب البرلمان الأوروبي، البرلمان العراقي بالرفض الكامل والفوري للتعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية.

وحذر أعضاء في البرلمان الأوروبي من عواقب التعديل «الذي ينتهك التزامات العراق الدولية بشأن الحقوق الأساسية للمرأة».

ورأوا أن «قانون العقوبات الحالي لا يحمي النساء والأطفال ضحايا العنف المنزلي في العراق، وبالتالي من شأن التعديلات المقترحة على قانون الأحوال، إذا سُنت، أن تؤدي إلى تطبيق أكثر راديكالية للقانون».


مقالات ذات صلة

«اجتثاث البعث» يلاحق زعيم حزب سُنّي في العراق

المشرق العربي رئيس حزب السيادة العراقي خميس الخنجر (إكس)

«اجتثاث البعث» يلاحق زعيم حزب سُنّي في العراق

عاد ملف «اجتثاث البعث» إلى الواجهة بعد استدعاء زعيم سُنّي للتحقيق حول صِلاته بالحزب المحظور في العراق ما دفعه إلى تقديم استقالته من رئاسة حزب السيادة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي موظفو «المفوضية المستقلة للانتخابات» بالعراق يفرزون الأصوات مع نهاية الانتخابات البرلمانية بمركز اقتراع في أربيل الأسبوع الماضي (أربيل)

«الحزب الديمقراطي» الحاكم يفوز بانتخابات برلمان كردستان العراق

قالت «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» بالعراق، الأربعاء، إن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الحاكم تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية بإقليم كردستان العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي ألينا رومانوسكي سفيرة الولايات المتحدة لدى العراق (إكس)

واشنطن: العراق يسيطر على أجوائه

أفادت السفيرة الأميركية في بغداد بأن بلادها لا تسيطر على الأجواء العراقية، وشددت على أن القوات الأميركية لم تشترك في الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران.

حمزة مصطفى (بغداد)
شؤون إقليمية قصف تركي على مواقع «قسد» في شرق سوريا (أ.ف.ب)

مباحثات تركية - أميركية على خلفية التصعيد في شمال سوريا ضد «قسد»

بحث وزير الدفاع التركي يشار غولر، مع نظيره الأميركي لويد جيمس أوستن، قضايا الدفاع والأمن، والتطورات الأخيرة في المنطقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي ألينا رومانوسكي سفيرة الولايات المتحدة لدى العراق (إكس)

واشنطن: لم نشترك في الهجوم الإسرائيلي على إيران

قالت السفيرة الأميركية في بغداد إن قوات بلادها لا تسيطر على الأجواء العراقية، وإنها لم تشترك في الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران.

حمزة مصطفى (بغداد)

رغم تلقيه «المليارات» من واشنطن... الجيش اللبناني «مكبَّل» وغير قادر على القتال

جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
TT

رغم تلقيه «المليارات» من واشنطن... الجيش اللبناني «مكبَّل» وغير قادر على القتال

جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

خلال مؤتمر دولي عُقد في باريس الأسبوع الماضي، أشار زعماء أوروبيون إلى القوات المسلحة اللبنانية بوصفها مفتاح استقرار البلاد. وأعلنوا عن مساهمات بنحو 200 مليون دولار، بما في ذلك مبالغ قدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن «للجيش اللبناني دوراً حاسماً اليوم أكثر من أي وقت مضى».

ووفق تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن المشكلة الوحيدة تكمن في أن الجيش اللبناني ظل لسنوات بعيداً عن تحقيق تطلعات الغرب، حيث خنقته الموارد المحدودة والواقع السياسي الهش في لبنان.

وعلى الرغم من تمويل الولايات المتحدة له بنحو 3 مليارات دولار منذ عام 2006، فإن الجيش اللبناني غير مجهَّز بشكل جيد لتأمين حدود البلاد واحتواء «حزب الله».

الجيش اللبناني أقل عدداً وتسليحاً من الجيش الإسرائيلي. فهو يضم ما يقرب من 70 ألفاً إلى 80 ألف جندي في الخدمة الفعلية، مقارنةً بتقديرات تصل إلى 100 ألف عنصر لـ«حزب الله». ويفتقر الجيش اللبناني إلى أنظمة دفاع جوي متقدمة ولا يمتلك سوى خمس طائرات مقاتلة عاملة وقدرات صاروخية محدودة، وفقاً للقوات المسلحة اللبنانية، في حين يمتلك «حزب الله» عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار.

قالت أمل سعد، المحاضرة السياسية في جامعة «كارديف» والخبيرة في الشؤون اللبنانية، إن «الجيش اللبناني هو أحد أضعف الجيوش في الشرق الأوسط»، مضيفةً: «هذا جزء من السبب وراء ظهور (حزب الله) في الثمانينات -لم يكن الجيش اللبناني قادراً على الوقوف في وجه إسرائيل»، في إشارة إلى الغزو الإسرائيلي السابق للبنان الذي ساعد على تحفيز إنشاء «حزب الله» بوصفه قوة معارضة.

كان من المفترض أن ينزع الجيش اللبناني سلاح «حزب الله» بمساعدة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل)، كجزء من اتفاق الأمم المتحدة لعام 2006 الذي أنهى حرباً سابقة بين إسرائيل و«حزب الله». ولكن الحزب استورد مزيداً من الأسلحة عبر سوريا في انتهاك للقرار. كما حافظت الجماعة المسلحة على وجودها جنوب نهر الليطاني في لبنان، وهي المنطقة التي كان من المفترض أن تخليها.

وقد أسهمت هذه الظروف في غزو إسرائيل للبنان. بدأ الغزو في سبتمبر (أيلول)، عندما عبر جنود إسرائيليون الحدود كجزء من هجوم لمنع «حزب الله» من إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، وهو ما فعلته يومياً خلال العام الماضي للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين في غزة.

وقال مسؤولون عسكريون لبنانيون إن القوات المسلحة اللبنانية انسحبت من الحدود، متجنبةً المواجهة التي قد تضعها في مواجهة قوة إسرائيلية مجهَّزة بشكل أفضل بكثير.

يقول الجيش اللبناني إنه كان ينفّذ مهامه، التي تشمل التنسيق مع «يونيفيل» لتنفيذ اتفاق عام 2006 والدفاع عن السيادة الوطنية للبنان، بما في ذلك من إسرائيل.

يقول مقربون من الجيش إن هناك مجموعة من الأسباب التي جعلت القوات المسلحة غير قادرة على الوفاء بالتفويضات.

بادئ ذي بدء، كان عليها أن تتأرجح بين الانقسامات الطائفية المعقدة في البلاد، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والسنية والشيعية والدرزية.

لطالما ترددت الولايات المتحدة في توفير الأسلحة المتقدمة والتمويل لأن الجيش اللبناني يرى إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، عدواً. وتتطلب هيمنة «حزب الله» المستمرة على البلاد من القوات المسلحة اللبنانية التنسيق مع المجموعة.

ولكن إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يريدون لبنان مستقراً، فليس لديهم خيار سوى العمل مع الجيش اللبناني، كما يقول المدافعون عنه.

وقال رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل: «الجيش اللبناني هو البديل العسكري الوحيد لحزب الله. وينبغي تعزيزه. ومن دونه، سيكون (حزب الله) مسيطراً على البلاد بأكملها».

منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، عملت القوات المسلحة اللبنانية إلى حد كبير كقوة موحَّدة. فقد ساعدت في نزع سلاح مختلف الجهات الفاعلة غير الحكومية، ومصادرة معداتها الحربية، ولعبت دور الوسيط بين الفصائل السياسية المتنافسة.

ولكن على مر السنين، برز «حزب الله» لاعباً قوياً بدعم من إيران. واستغل نجاحه كقوة قتالية لتولي دور سياسي رسمي في لبنان، مع مقاعد في البرلمان اللبناني وعملية رعاية اجتماعية كبيرة.

توفر الولايات المتحدة وأوروبا الكثير من الأموال والتدريب للجيش اللبناني. عندما تسببت الأزمة المالية في تدمير ميزانية القوات المسلحة، تدخلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، العام الماضي، للمساعدة في دفع رواتب الجنود.

بلغ الإنفاق العسكري في لبنان العام الماضي 241 مليون دولار، وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام. شكَّلت الأموال الأميركية أكثر من نصف الإنفاق من عام 2021 إلى عام 2023، مع طلب 150 مليون دولار للعام المقبل.

يقول مؤيدو التمويل إنه حقق فوائد للبنان والمصالح الأميركية في المنطقة. لقد شن الجيش حملة صارمة على تهريب المخدرات والجريمة المنظمة. وفي بعض الأحيان بالتعاون مع «حزب الله»، هزم مقاتلي تنظيم «داعش».

في العام الماضي، قبل بدء الحرب الأخيرة، ساعد الجيش على إقناع «حزب الله» بهدم الخيام التي أقامها أعضاؤه على الأراضي المتنازع عليها التي تسيطر عليها إسرائيل، مما منع اندلاع اشتباك مسلح، وفقاً لجنرال سابق.

كل هذا يترك المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أمام قرارات صعبة بشأن حجم دعمهم للجيش اللبناني.

في المؤتمر الذي عُقد الأسبوع الماضي، قال زعماء غربيون إن الجولة الأخيرة من التمويل كانت تهدف إلى شراء الوقود والأسلحة وتجنيد 6000 جندي جديد.

في الأسبوع الماضي، قال المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستاين، إن القوات المسلحة اللبنانية يجب أن يُسمح لها «بالانتشار فعلياً في جنوب لبنان وأداء وظيفتها، ولهذا فهي تحتاج إلى دعم من المجتمع الدولي».

لكنَّ المسؤولين الأميركيين جادلوا أيضاً حول مقدار الدعم الذي يجب تقديمه على مر السنين، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من أن المساعدة الأميركية قد تقع في أيدي خصوم أميركا. وفي عام 2011، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن المسؤولين الإسرائيليين ضغطوا في الماضي على الولايات المتحدة لوقف نقل الأسلحة إلى لبنان، خوفاً من استخدامها ضدهم.

وقال جنرال لبناني سابق للصحيفة إنه عندما طلب الجيش من الولايات المتحدة سفناً مجهزة بقاذفات صواريخ في السنوات الأخيرة، رُفض الطلب. وأضاف: «بدلاً من ذلك، أعطونا القارب فقط، ولم يُسمح لنا بتركيب الصواريخ».

وعلى الرغم من إخفاقات الجيش في الماضي، فإن هذه المرة قد تكون مختلفة، كما تقول رندا سليم، مديرة برنامج حل النزاعات والحوارات في معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة.

وأضافت: «اليوم (حزب الله) ضعيف، مع القضاء على معظم قياداته، وخسارة جزء كبير من ترسانته، وتدمير معاقله، وتهجير 1.2 مليون من أنصاره» بسبب القصف الإسرائيلي. ولفتت إلى أن «الجيش اللبناني مختلف أيضاً. إنه أكثر قدرة وأفضل تدريباً بفضل سنوات من الدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي».