الضاحية الجنوبية... إخلاء الأثاث يسابق موعدها الليلي مع الغارات

إسرائيل تختار وقت ذروة استخدام الإنترنت لبثّ الذعر

TT

الضاحية الجنوبية... إخلاء الأثاث يسابق موعدها الليلي مع الغارات

الدخان يتصاعد نتيجة غارات جوية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
الدخان يتصاعد نتيجة غارات جوية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

في وسط النهار، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنذاراً لقصف مبنى في الطيونة، على المدخل الشمالي للضاحية الجنوبية لبيروت، المحاذي لأحياء بيروت المكتظة. هرع المصورون والمؤثرون في مواقع التواصل الاجتماعي، لتثبيت الكاميرات ونقل الصورة. شوهدت القنبلة أثناء سقوطها إلى مبنى مؤلف من عدة طبقات، ووثقت العدسات انهياره بالكامل. كان المشهد أشبه بفيلم سينمائي جرى تدويره على مدى يومين لاحقين، في محاولة لبث الذعر، وبث رسائل تخويف نفسي، كما يقول متخصصون.

المشهد الأخير جزء من استراتيجية إسرائيل في استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي خطة لا تقتصر على تحقيق الأهداف العسكرية فحسب، بل تتوسع لتحقيق أهداف نفسية، عبر سلسلة إنذارات تبدأ مساء كل يوم، وتنتهي بقصف عمارات في الضاحية باتت ركاماً، وتمتد على مساحات واسعة داخل الأحياء الداخلية والواقعة على أطراف المنطقة، حسبما عاينت «الشرق الأوسط».

من آثار الدمار في المريجة بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

ورفعت تلك الضربات المتكررة مستوى المخاوف لدى السكان الذين بدأوا بنقل أثاثهم من المنطقة إلى مواقع نزوحهم. في منطقة المشرفية؛ تصطف سبع شاحنات نقل صغيرة، يسأل سائقوها العابرين في الضاحية عما إذا كانوا يريدون نقل آثاث منازلهم وبضائعهم. ويتجمع أكثر من عشرين عاملاً، يعبرون عن استعدادهم للعمل. يجري الاتفاق على سعر النقل، وهي أسعار لا تتجاوز ما كان سارياً قبل الحرب. يقول أحد العمال: «لا نريد ابتزاز الناس بحاجتهم. نحن أيضاً بحاجة للعمل في هذه الظروف».

دمار «هائل»

لم يخلُ حي في الضاحية إلا وتعرض لتدمير واسع. في منطقة الطيونة، على مدخل الضاحية الشمالي، ثلاث عمارات قُصفت، وتمّ إنزال إحداها بالكامل على الأرض، بينما تضرر مركز «المديرية العامة للأمن العام» جراء القصف، وتحطم الزجاج في نوافذه، فيما تناثرت الأحجار على حاجز الجيش الواقع في المنطقة، وذلك بعد إخلائه من قبل العسكريين.

قضت الغارات الإسرائيلية على مربعات سكنية كاملة في الضاحية الجنوبية (رويترز)

وعلى بُعد نحو مائتي متر من موقع الغارة، يتراكم الحطام الناتج عن استهداف فرع لجمعية «مؤسسة القرض الحسن». أما على الجهة الأخرى من المدخل على طريق صيدا القديمة، فهناك أربعة أبنية على الأقل تعرضت للتدمير والأضرار، وسرعان ما يتوسع مشهد التدمير في العمق.

بنايتان تكومتا على بعضهما البعض في حي معوض التجاري، وأخرى في بئر العبد، وبناية احترقت وتدمر جزء منها على مدخل حارة حريك. في الرويس، يكبر الدمار، فقد تعرضت الأبنية في محيط «مجمع سيد الشهداء» الذي كان يستضيف احتفالات «حزب الله» لأضرار كبيرة نتيجة القصف، كذلك في الحي الأبيض قرب مجمع القائم (تابع للحزب أيضاً)، وصعوداً في أحياء الجاموس والميكانيك والسان تيريز وحي الأميركان الواقعة إدارياً ضمن نطاق بلدية الحدت. هناك، يُوصف المشهد بـ«المهول». مربعات سكنية كاملة سُوّيَت إلى الأرض، وهي منطقة لم تتعرض في حرب 2006 لتدمير مشابه.

لبنانيون يتفقدون الدمار في مباني الضاحية الجنوبية بعد غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

يتكرر المشهد قرب دوار الكفاءات وفي محيطه. أبنية كاملة تلاشت، وباتت أثراً بعد عين. أما إلى الجنوب والغرب، في حارة حريك وبرج البراجنة والشويفات، فقد شاهد اللبنانيون على مدار ثلاثة أسابيع الانفجارات التي تستهدف المباني وتسقطها، وعاشوا تفاصيلها بعد الإنذارات التي كان يطلقها الجيش الإسرائيلي في كل ليلة، قبل أن تنقل شاشات التلفزة ومجموعات «التواصل الاجتماعي»، مشاهد الغارات العنيفة.

أحد مباني «القرض الحسن» المُدمرة في منطقة الشياح (أ.ف.ب)

موعد ثابت لـ«بثّ الذعر»

وبدا أن التدمير الهائل ليس التكتيك الوحيد الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي في استهداف الضاحية. يقول متخصصون في التواصل الاجتماعي والأمن الرقمي، إن إسرائيل «تعمل ضمن الحرب النفسية على إثارة المخاوف والذعر». ويقول خبير بالأمن الرقمي، رفض الكشف عن اسمه، إن الجيش الإسرائيلي «اختار وقت الذروة التلفزيونية وذروة استخدام الإنترنت في لبنان»، بين الساعة التاسعة مساء ومنتصف الليل يومياً، لبث إنذارات الإخلاء وبدء القصف، وذلك «بهدف تحويل الأنظار عن العادات اليومية لدى اللبنانيين في متابعة البرامج التلفزيونية، أو ارتياد مواقع التواصل الاجتماعي، باتجاه الانشغال بالقصف والإنذارات».

النيران تتصاعد نتيجة غارة جوية استهدفت منطقة الليلكي في الضاحية (أ.ف.ب)

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن شاشات التلفزة «تعلق برامجها وتتحول إلى متابعة الإنذارات والقصف، فيما يتابع اللبنانيون في محيط الضاحية (الذي يستقطب أكبر عدد من النازحين) مشاهد الحريق ودويّ الانفجارات التي ينتج عنها قلق وتوتر»، مؤكداً أن ذلك «يندرج ضمن إطار حرب نفسية تُخاض إلى جانب المعركة العسكرية». ويشير إلى أن هذا التكتيك «يؤدي إلى قطع أحداث النهار والتطورات الميدانية، عن أحداث الليل، وتحول الأنظار فقط باتجاه هذه الوجهة».

وبالفعل، تركز القصف في الليل، ولم تخترقه إلا ضربة الطيونة، حين بث الجيش الإسرائيلي الإنذارات، فتجمع الصحافيون ونقل الناس سقوط المبنى مباشرة في مواقع التواصل، وهو يندرج أيضاً ضمن الإطار نفسه، ذلك أنه تزامن مع مؤتمر صحافي عقده مسؤول الإعلام في «حزب الله» محمد عفيف في مكان قريب.


مقالات ذات صلة

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت ذات طابع عسكري فقط؛ بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثل في ضرب منطقة أضحت بيئة مؤيدة لـ«حزب الله».

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

قتيل و18 جريحاً من الجيش اللبناني في قصف إسرائيلي على حاجز أمني

أفادت وسائل إعلام لبنانية اليوم (الأحد)، بإصابة عدد من العسكريين بعدما استهدفت إسرائيل حاجز العامرية الأمني على طريق الناقورة في جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)

ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 3670 قتيلاً

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، أن حصيلة الضحايا جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق مختلفة في البلاد ارتفعت إلى 3670 قتيلاً، و15413 مصاباً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي 
مواطن لبناني يغادر منطقة البسطا في بيروت بعد ضربة إسرائيلية أمس (رويترز)

مجازر إسرائيلية جوالة في لبنان

وسعَّت إسرائيل مجازرَها الجوالة داخل الأراضي اللنبانية بين بيروت والجنوب والبقاع، بالتزامن مع زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايك كوريلا إلى

نذير رضا ( بيروت)

بوريل من بيروت: لبنان بات على شفير الانهيار

مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)
مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)
TT

بوريل من بيروت: لبنان بات على شفير الانهيار

مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)
مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اليوم الأحد، من بيروت من أن لبنان بات «على شفير الانهيار» بعد شهرين من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل. وحثّ على «وقف فوري» لإطلاق النار بين الجماعة اللبنانية واسرائيل.

وصعّدت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول) غاراتها الجوية على معاقل «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، ثم بدأت نهاية الشهر ذاته عمليات توغل بري جنوباً، بعد أكثر من عام على فتح «حزب الله» الجبهة في جنوب لبنان دعماً لحليفته حركة «حماس» في قطاع غزة.

وقال بوريل، خلال مؤتمر صحافي بعد لقائه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، «نرى سبيلاً واحداً للمضي قدماً: وقف فوري لإطلاق النار، وتطبيق كامل لقرار مجلس الأمن الدولي 1701» الذي أرسى وقفاً لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل في العام 2006.

وأضاف بوريل «ينبغي زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية ومواصلة الضغط على حزب الله للقبول بالمقترح الأميركي لوقف إطلاق النار».

وتقود فرنسا والولايات المتحدة جهوداً للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين لبنان واسرائيل. وخلال زيارة إلى بيروت (الثلاثاء) في إطار هذه الجهود، قال المبعوث الأميركي آموس هوكستين إن ثمة «فرصة حقيقية» لإنهاء النزاع، قبل أن يتوجه إلى إسرائيل في اليوم التالي.

وينصّ القرار الدولي 1701 على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.

ويكرر لبنان على لسان مسؤوليه تمسكه بتطبيق القرار 1701 واستعداده لفرض سيادته على كامل أراضيه فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل.

وحذّر بوريل كذلك من أن لبنان بات «على شفير الانهيار» بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

وقال خلال المؤتمر الصحافي «في سبتمبر/أيلول، كنت هنا وكان لدي أمل بأنه من الممكن تفادي حرب مفتوحة تشنّها إسرائيل على لبنان. وبعد شهرين، بات لبنان على شفير الانهيار».

وأعلن كذلك أن الاتحاد الأوروبي مستعدّ لتقديم 200 مليون يورو (نحو 208 ملايين دولار) إلى الجيش اللبناني.

ومنذ بدء تبادل القصف بين «حزب الله» وإسرائيل في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قُتل أكثر من 3670 شخصاً على الأقل في لبنان، وفق وزارة الصحة اللبنانية، ونزح نحو 900 ألف شخص داخل البلاد.