نصائح دولية للبنان بطلب وقف إطلاق النار من جانب واحد

الحكومة تتريث في الإجابة وموقف إسرائيل يكتنفه الغموض

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو (الأمم المتحدة)
TT

نصائح دولية للبنان بطلب وقف إطلاق النار من جانب واحد

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو (الأمم المتحدة)

تنشط الاتصالات الدولية لإخراج وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل من المراوحة القاتلة، لئلا يدخل في «إجازة» مديدة يمكن أن تمتد إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مع تراجع منسوب الاهتمام الأميركي بالضغط على تل أبيب لملاقاة الحكومة اللبنانية في منتصف الطريق، بعد أن أجمعت في جلستها الأخيرة على تأييد وقف إطلاق النار، ونشر الجيش في جنوب الليطاني، تمهيداً لخلق الأجواء السياسية المواتية لتطبيق القرار 1701، وسارعت إلى إيداع مجلس الأمن الدولي رسالة في هذا الخصوص.

ويأتي إجماع الحكومة على وقف إطلاق النار استجابة للنصائح الدولية التي أُسديت لها، ويُفترض بأنه حظي بموافقة «حزب الله» من خلال وزيريه علي حمية ومصطفى بيرم، اللذين وافقا بلا تردد على الإجماع الذي توصلت إليه جلسة مجلس الوزراء.

نصيحة دولية

لكن الجديد في الاتصالات الدولية يكمن في أن هناك مَن نصح لبنان بأن يبادر إلى إحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي، ويطالب بوقف إطلاق النار من جانب واحد، وبذلك يكون قد أبطل ذريعتها بأن البادئ بإشعال جبهة الجنوب هو مَن يطلب وقف إطلاق النار، في إشارة إلى «حزب الله»، بتفرّده في إسناد غزة في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على مدخل قصر الإليزيه (إ.ب.أ)

وتردد أن مجموعة من الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا، هي من نصحت لبنان بطلب وقف إطلاق النار من جانب واحد، مع أن رد إسرائيل لم يكن واضحاً ويكتنفه الغموض. ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين أن لديهم ملء الحرية في الاستجابة لطلب لبنان أو في مواصلة تل أبيب التصدي للحزب لتدمير بنيته التحتية العسكرية ومخزونه من الصواريخ الدقيقة.

وكان جواب الذين ينصحون لبنان بطلب وقف إطلاق النار من جانب واحد، أن موافقة الحكومة اللبنانية تسمح لهم بالتأسيس لموقف دولي ضاغط لإقناع إسرائيل بالتجاوب من جهة، وحث واشنطن للانخراط في الاتصالات لتليين الموقف الإسرائيلي على نحو يؤدي لوقف إطلاق النار بقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، من جهة ثانية.

«حزب الله» لا يوافق

إلا أن لبنان لم يعطِ جواباً قاطعاً، وهو لا يزال يدرس الموقف ويزين ردود الفعل عليه، بدءاً بـ«حزب الله» الذي يبدو أنه ليس في وارد الموافقة، لأن مجرد حصر طلب وقف إطلاق النار بالجانب اللبناني سيرتد سلباً عليه ويعرّضه، أي الحزب، إلى مساءلة، ليس من قِبَل خصومه فحسب، وإنما من حاضنته بتحميله مسؤولية ما يترتب على إسناده لغزة من أكلاف بشرية ومادية تفوق قدرة لبنان في ظروفه الراهنة على استيعابها، وبالتالي كان من الأفضل له عدم الدخول في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل، طالما أنه سيوافق على طلب وقف إطلاق النار من جانب واحد.

رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي (رويترز)

فالحزب يفضّل أن يصدر قرار وقف إطلاق النار عن مجلس الأمن الدولي، ويدعو فيه الجانبين، أي إسرائيل ولبنان بالإنابة عن الحزب، للالتزام به، لئلا يسجل عليه تراجعه أمام العدو الإسرائيلي في ظل الحرب المشتعلة، وانكفائه عن المواجهة.

لذلك لا مجال لطلب وقف إطلاق النار من جانب لبنان، رغم أن ردود الفعل، أكانت عربية أو دولية، لا تبدي تأييداً للحزب، ويكاد دعمه يقتصر على إيران وبعض أذرعها في المنطقة التي أخلّت بإسنادها لغزة، فيما يلقى لبنان الرسمي أوسع تأييد عربي ودولي في مطالبته بوقف إطلاق النار.

الحكومة تفضل قراراً دولياً

فلبنان الرسمي يفضّل التوصل إلى وقف إطلاق النار بقرار دولي يلزمه وإسرائيل بتنفيذه لتفادي الوقوع في شرك خلاف مع الحزب يمكن أن يؤدي إلى إقحام البلد في سجالات تؤدي إلى انقسام سياسي هو في غنى عنه، فيما هو بحاجة إلى تحصين الداخل في احتضانه لمئات الألوف من النازحين، ولم يكن المسؤولون في «حزب الله» مضطرين لتجاهل الدعوة لوقف إطلاق النار، مع أن أمين عام الحزب حسن نصر الله كان قد أعطى قبل اغتياله الضوء الأخضر لتوجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى نيويورك، بناء على رغبة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، للمشاركة في اللقاءات التي جرت على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أمل أن تتوج هذه الخطوة بوقف إطلاق النار، الأمر الذي اصطدم بانقلاب واشنطن على الوعد الذي قطعته للحكومة اللبنانية في هذا الخصوص.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة حيث صدر البيان الثلاثي (إ.ب.أ)

وعليه، فإن خروج «حزب الله» من الإرباك الذي أصابه باغتيال نصر الله لا يكفي ما لم يقرر وقوفه خلف الحكومة في مفاوضاتها لوقف إطلاق النار، لأن اللبنانيين في حاجة إلى هدنة مديدة تتيح لهم التقاط أنفاسهم، وتؤمّن الممر الآمن لعودة النازحين إلى قراهم مع اقتراب حلول فصل الشتاء.

مطلوب من «حزب الله»

فالحزب بتفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، في ملف الجنوب، مطلوب منه، اليوم قبل الغد، الإجابة بوضوح، منعاً للالتباس، على مجموعة من الأسئلة أبرزها: هل يوافق على وقف إطلاق النار؟ وأين يقف من إصرار إيران على ربط غزة بالجنوب؟ علماً بأن اللقاء الثلاثي الذي عقد بين بري وميقاتي والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لم يأتِ على ذكر التلازم بين الجبهتين، كما أن وحدة الساحات لم تعد قائمة، وباتت تقتصر على الحزب الذي يواجه إسرائيل وحيداً في ظل ظروف دولية وعربية محيطة بلبنان ليست لمصلحته، وتأخذ عليه تفرده بقرار السلم والحرب من دون العودة إلى الدولة صاحبة القرار فيه.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صواريخ أُطلقت نحو حيفا

المشرق العربي رشقة من الصواريخ تنطلق من لبنان في اتجاه إسرائيل (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صواريخ أُطلقت نحو حيفا

قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض ثلاثة صواريخ كانت موجهة نحو منطقة خليج حيفا، في الوقت الذي دوت فيه صافرات الإنذار بمدينة عكا.

المشرق العربي متظاهرون مؤيدون لجماعة «الحوثي» في اليمن يرفعون أسلحة وصور زعيم «حماس» يحيى السنوار في صنعاء (رويترز)

إسرائيل و«حزب الله» و«حماس» تتوعد بمواصلة القتال بعد مقتل السنوار

توعدت إسرائيل وحركة «حماس» وجماعة «حزب الله» اللبنانية بمواصلة القتال في غزة ولبنان وهو ما بدد الآمال في أن يساعد موت يحيى السنوار على إنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي رئيس حكومة لبنان ونظيرته الإيطالية خلال المؤتمر الصحافي المشترك في بيروت (أ.ف.ب)

تأكيد لبناني - إيطالي على أن الحل الدبلوماسي يجب أن يتقدم على الحرب والعنف

أكد كل من رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، أن الحل الدبلوماسي يجب أن يكون له الأولوية على العنف.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي خلال مراسم دفن القتلى الذين سقطوا قبل يومين في مدينة النبطية إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى البلدية وأدى إلى مقتل رئيسها وعدد من أعضائها ومن الموظفين (إ.ب.أ)

إسرائيل تستقدم لواء إضافياً إلى حدود لبنان و«حزب الله» يطلق مرحلة جديدة

أعلن الجيش الإسرائيلي استقدامه لواءً إضافياً من قوات الاحتياط من أجل مهام عملياتية في الشمال، وذلك بعد ساعات على إعلان «حزب الله» إطلاق «مرحلة جديدة وتصاعدية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (يمين) خلال لقائه رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف (يسار) خلال زيارته بيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

ميقاتي يواجه إيران: نرفض تدخلها الفاضح في الشأن اللبناني

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي رفضه موقف رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف لجهة قوله إن طهران مستعدة للتفاوض لتطبيق القرار 1701.

كارولين عاكوم (بيروت)

الأمم المتحدة: مستوطنون قطعوا أشجار زيتون بأساليب «تشبه الحرب» بالضفة الغربية

جنود إسرائيليون يأمرون فلسطينيين ومتطوعين أجانب بمغادرة أحد الحقول خلال قطف الزيتون في قرية جنوب نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يأمرون فلسطينيين ومتطوعين أجانب بمغادرة أحد الحقول خلال قطف الزيتون في قرية جنوب نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: مستوطنون قطعوا أشجار زيتون بأساليب «تشبه الحرب» بالضفة الغربية

جنود إسرائيليون يأمرون فلسطينيين ومتطوعين أجانب بمغادرة أحد الحقول خلال قطف الزيتون في قرية جنوب نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يأمرون فلسطينيين ومتطوعين أجانب بمغادرة أحد الحقول خلال قطف الزيتون في قرية جنوب نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

اتهم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إسرائيل، الجمعة، باستخدام أساليب «تشبه الحرب» ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مشيراً إلى وقوع عمليات قتل على أيدي جنود إسرائيليين، وهجمات شنّها مستوطنون على بساتين الزيتون في الأراضي الفلسطينية.

وقال المكتب إنه تلقّى، منذ بداية هذا الشهر، تقارير عن تنفيذ مستوطنين 32 هجوماً ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، منها هجمات على المزارعين، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأضاف أن تقريراً أولياً ذكر أن القوات الإسرائيلية قتلت امرأة، خلال قطف الزيتون، بالقرب من مدينة جنين في الضفة الغربية، أمس الخميس.

فلسطينيون يحملون جثمان سيدة فلسطينية قتلتها القوات الإسرائيلية خلال موسم قطف الزيتون بالضفة الغربية (رويترز)

وذكر المتحدث باسم المكتب، ينس لايركه، في مؤتمر صحافي بجنيف: «من المثير للقلق بشدة، بصراحة، أنها ليست هجمات على الأشخاص فحسب، بل هجمات على بساتين الزيتون أيضاً».

وتابع قائلاً: «موسم قطف الزيتون هو شريان حياة اقتصادي لعشرات الآلاف من الأُسر الفلسطينية في الضفة الغربية». وقال الجيش الإسرائيلي إنه بدأ تحقيقاً في الهجوم الذي وقع بجنين، وأوقف الضابط المسؤول في المنطقة، في انتظار نتائج التحقيق. وأوضح الجيش أنه يعمل على تأمين المنطقة للسماح بإتمام الحصاد، كما يفعل سنوياً.

وأضاف: «جرى التخطيط لموسم الحصاد، وتنسيقه مع جميع الأطراف ذات الصلة، وتوفر قوات جيش الدفاع الإسرائيلي الأمن في المناطق المحددة».

فلسطينيون ومتطوعون أجانب يقطفون الزيتون في قرية جنوب نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

وتصاعد العنف في جميع أنحاء الضفة الغربية، منذ اندلاع الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل في قطاع غزة. وقُتل مئات الفلسطينيين، منهم مسلّحون وشباب يُلقون الحجارة ومدنيون، في اشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية. كما قُتل عشرات الإسرائيليين في هجمات شنّها فلسطينيون بالشوارع، خلال العام الماضي.

وقال المكتب، في تقرير، إن نحو 600 شجرة زيتون تعرضت للحرق أو القطع أو السرقة على أيدي مستوطنين إسرائيليين، منذ بداية موسم الحصاد.

وأظهر التقرير رجلاً فلسطينياً يقف بجوار جذع شجرة زيتون وقد قُطعت أغصانها.

وقال لايركه: «القوات الإسرائيلية تستخدم أساليب فتاكة تشبه الحرب في الضفة الغربية، مما يثير مخاوف شديدة من الاستخدام المُفرط للقوة ويفاقم الاحتياجات الإنسانية للناس».

جنود إسرائيليون يأمرون فلسطينيين ومتطوعين أجانب بمغادرة أحد الحقول خلال قطف الزيتون في قرية جنوب نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

وقال برنامج الأغذية العالمي، في وقت سابق من هذا الشهر، إن أعمال العنف وتداعيات حرب غزة تسببت في زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في الضفة الغربية ليبلغ 600 ألف شخص، منذ أوائل العام الماضي.

وأصدرت مجموعة من الدول الغربية؛ منها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بياناً مشتركاً، في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قالت فيه إن حصاد الزيتون أصبح «خطيراً» بسبب عنف المستوطنين، ودعت إسرائيل إلى السماح للفلسطينيين بإتمامه.

ويشكل عنف المستوطنين مصدر قلق متزايداً بين حلفاء إسرائيل من الدول الغربية. وفرضت عدد من الدول؛ منها الولايات المتحدة، عقوبات على مستوطنين بسبب أعمال عنف، وحثّت إسرائيل على بذل مزيد من الجهود لوقف العنف.