وزير الدفاع اليمني يستبعد توقف الهجمات الحوثية حتى لو انتهت حرب غزة

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه متفائل رغم الصعوبات أمام اللجان العسكرية

TT

وزير الدفاع اليمني يستبعد توقف الهجمات الحوثية حتى لو انتهت حرب غزة

وزير الدفاع اليمني الفريق ركن محسن الداعري (الشرق الأوسط)
وزير الدفاع اليمني الفريق ركن محسن الداعري (الشرق الأوسط)

لا يعتقد وزير الدفاع اليمني، الفريق ركن محسن الداعري، أن العمليات الحوثية ضد سفن الملاحة في البحرين الأحمر والعربي ستتوقف بمجرد توقف حرب غزة، كما يحذّر من خطورة الأوضاع في المنطقة واحتمال نشوب حرب إقليمية غير مسبوقة.

وتحدث الفريق الداعري، في حوار موسع مع «الشرق الأوسط»، عن تنسيق وصفه بأنه عالي المستوى بين القوات اليمنية وقيادة العمليات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن، مشيداً بالدور المحوري الذي تلعبه السعودية قائدة التحالف، وبيّن أنها لم تتوانَ يوماً عن تقديم أشكال الدعم كافة للجمهورية اليمنية على الصعد كافة.

وفي سياق حديثه عن جهود توحيد القوات العسكرية التابعة للشرعية، أشار وزير الدفاع اليمني، إلى أن اللجان التي شكَّلها مجلس القيادة الرئاسي حققت تقدماً ملموساً، حيث تم تشكيل هيئة للعمليات المشتركة، مبدياً تفاؤله رغم الصعوبات، بأن تستمر هذه الجهود لتوحيد القيادة العسكرية في مواجهة العدو المشترك، المتمثل في الميليشيات الحوثية.

الوزير اليمني شدد على أن استمرار الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، يشكل خطراً على اليمن والمنطقة، وأن الميليشيا استغلت ذلك هروباً من الوضع السيئ الذي كانت تواجهه في الداخل، وعليه حاولت أن تبتدع فكرة المشاركة في دعم غزة لاستغلال تعاطف اليمنيين مع فلسطين.

ولفت الفريق محسن الداعري إلى أن الميليشيات الحوثية لن تتوقف عن استهداف الملاحة الدولية حتى في حال توقف الحرب في غزة، مشيراً إلى أنها تبحث دوماً عن تحالفات جديدة مع جهات إرهابية، وتستغل الصراعات في المنطقة لإثبات وجودها.

وزير الدفاع اليمني الفريق ركن محسن الداعري (الشرق الأوسط)

واتهم وزير الدفاع اليمني إيران بلعب دور سلبي في اليمن عبر دعم الميليشيات الحوثية منذ سنوات طويلة، من خلال تهريب السلاح والخبراء، محاولة إشعال الفوضى دون النظر إلى المصالح المشتركة أو استقرار اليمن والمنطقة.

وفيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، أشار الفريق الداعري إلى أن العلاقات جيدة، إلا أن التعاون العسكري بين البلدين ما زال محدوداً، حيث توقفت المساعدات العسكرية الأميركية منذ عام 2014، ولم تعد إلى المستوى نفسه حتى الآن.

تنسيق وثيق

أكد الفريق ركن محسن الداعري، وزير الدفاع اليمني، أن زيارته للمملكة تأتي في إطار التنسيق والتشاور المستمرَين مع المسؤولين في قيادة العمليات المشتركة ووزارة الدفاع السعودية، وتعزيز التعاون المشترك بين البلدين.

ولفت الفريق محسن إلى أنه التقى خلال زيارته التي وصفها بـ«المثمرة»، الكثير من القيادات في العمليات المشتركة وهنأ قائدها الجديد الفريق فهد السلمان، بالإضافة إلى لقائه مسؤولين في وزارة الدفاع السعودية، وقيادة التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.

تعاون دفاعي

شدد الوزير على أن التعاون والتنسيق مع السعودية في أعلى المستويات، لا سيما خلال فترة الحرب التي عصفت باليمن خلال السنوات الماضية، وأضاف: «كل ذلك كان بمشاركة إخواننا في التحالف العربي في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والدول الأخرى التي شاركت في هذه العمليات، كانت درجات التنسيق عالية، وإضافة نوعية لجاهزية القوات في المنطقة بشكل عام».

الفريق فهد السلمان قائد القوات المشتركة خلال استقبال وزير الدفاع اليمني الفريق محسن الداعري في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)

الداعري أكد أن «هذه العلاقات تزداد تطوراً كل يوم، ونحن على أعلى درجات التنسيق، ونعمل على قدم وساق لتنفيذ المهام وإنجازها بالشكل الذي يجب في المنطقة».

ووصف الوزير اليمني التعاون الدفاعي بين بلاده والسعودية بأنه في أعلى مستوياته، مبيناً أن السعودية بكونها قائدة التحالف تعلب دوراً كبيراً وتقدم الإمكانات كافة، وقال: «المملكة لم تبخل يوماً من الأيام عن تقديم الدعم سواء العسكري أو المادي أو المعنوي، ولأنها القوة الأقوى في المنطقة لم تبخل على أشقائها في الجمهورية اليمنية بتقديم كامل الدعم، ليس فقط النواحي المادية، بل قدموا الخبرات والتجارب الاستراتيجية وشاركوا على الأرض وقدموا دماءهم وأرواحهم في سبيل نصرة القضية التي نقاتل من أجلها في اليمن».

وأشار وزير الدفاع إلى أن الميليشيات الحوثية استغلت فترة الهدنة وما بعدها بعد المبادرة السعودية التي تحولت أممية، لتقوم بأعمال عدائية ومحاولة إثبات وجودها على الأرض في حين عملت على تكوين سجن كبير لملايين اليمنيين الذين لا يريدون البقاء في مناطقها، على حد تعبير الوزير.

»حرب غير مسبوقة»

وصف الفريق الداعري الوضع في المنطقة بالخطير، مشيراً إلى أن الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان تشير إلى تصاعد التوترات. وحذَّر من حرب إقليمية غير مسبوقة في ظل تصاعد العنف والصراعات.

الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارة إسرائيلية في 8 أكتوبر 2024 (رويترز)

وقال: «ما يجري في المنطقة أصبح مقلقاً كثيراً، خصوصاً تسارع الأحداث في الفترة الأخيرة، بداية من ميليشيات إرهابية في اليمن، وحرب إبادة غير مقبولة في غزة منذ عام، وكذلك ما يجري الآن في جنوب لبنان، ما يجري في المنطقة ينذر بحرب غير عادية».

الحسم «سلماً أو حرباً»

تحدث الفريق الداعري عن جاهزية القوات اليمنية لجميع الخيارات، سواء الحرب أو السلام، مشيراً إلى أن هناك جهوداً كبيرة لتحقيق السلام، لكن لا يستبعد تجدد الحرب في أي لحظة. ولفت إلى استفزازات الميليشيات الحوثية المستمرة، والتي تسفر عن سقوط شهداء وجرحى.

وأضاف: «نحن جاهزون لكل الخيارات ولدينا خطط استراتيجية كاملة لاستخدام القوات بشكل عام، لكن السنتين الأخيرتين شهدتا الهدنة، وهنالك مساعٍ كبيرة من التحالف لتحقيق السلام أفضل من لغة الحرب، لكن لا يعني ذلك أن الحرب قد لا تتجدد، يمكن أن تتجدد في أي يوم من الأيام».

وتابع: «رغم هذه الهدنة وتواجد القوات ورغم توقف القوات الشرعية عن إطلاق النار، نجد الميليشيات تستفز كل يوم في اتجاه، ويسقط شهداء وجرحى ولكن الصبر ما زال شيمة السلطة الشرعية في اليمن بقيادة الدكتور رشاد العليمي القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانه أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وقيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، وهو صبر واستعداد وجاهزية إلى أن تحين ساعة الصفر، سواء للسلام أو للحرب نحن جاهزون».

توحيد القوات

أشار وزير الدفاع اليمني إلى أن لجان توحيد القوات العسكرية التي شكلها مجلس القيادة الرئاسي حققت تقدماً ملحوظاً، حيث تم تشكيل هيئة العمليات المشتركة. مبدياً تفاؤله رغم الصعوبات، بأن تستمر هذه الجهود لتحقيق توحيد القيادة العسكرية في مواجهة العدو المشترك، المتمثل في الميليشيات الحوثية.

وقال: «هذه اللجان بدأت أعمالها وقطعت شوطاً كبيراً، صحيح أنها لم تصل للمستوى المطلوب خلال فترة وجيزة، لكن رافقتها الكثير من الصعوبات واستطاعت أن تنجز الكثير ومن ضمنها تشكيل هيئة العمليات المشتركة التي تحوي كل المكونات، وهي ناجحة جداَ وفيها ضباط من أكفأ القيادات الموجودة في كل المكونات العسكرية».

وأضاف الداعري بقوله: «نحن في قيادة وزارة الدفاع نسعى إلى أن تكون هذه المكونات العسكرية كلها تحت قيادة واحدة بحيث تستطيع أن توحد قرارها، لا يوجد لدينا في المرحلة الحالية غير عدو واحد وهو الميليشيات الحوثية (...)، اللجنة أنجزت ما يصل إلى 70 في المائة ويبقى التنفيذ».

تهديدات الحوثيين للبحر الأحمر

وفي ملف البحر الأحمر، أوضح الفريق محسن الداعري أن استمرار الميليشيات الحوثية استهدافها الملاحة الدولية في البحر الأحمر، يشكل خطراً على اليمن والمنطقة.

وعدّ الداعري الهجمات الحوثية على الملاحة هروباً من الوضع السيئ الذي كانت تواجهه الميليشيا في الداخل، وقال: «جاءت أحداث 7 أكتوبر بغزة في وقت كان الحوثي يعيش رمق المواجهة الأخير في أكثر من منطقة، سواء في ذمار وصنعاء وعمران وغيرها من المناطق، وعليه حاولت الجماعة أن تبتدع فكرة المشاركة في دعم غزة لاستغلال تعاطف اليمنيين مع فلسطين، لكنها كانت تضر الشعب اليمني ودول المنطقة وحتى الفلسطينيين أنفسهم».

الحرائق مستمرة على سطح ناقلة النفط اليونانية «سونيون» بسبب هجمات الحوثيين (المهمة الأوروبية أسبيدس)

وألمح وزير الدفاع اليمني إلى وجود أطراف «تريد تصوير الميليشيات الحوثية على أنها أصبحت قوة إقليمية في المنطقة، لكنها في الحقيقة لا تساوي شيئاً، نحن نعرفهم على الأرض لم يستطيعوا أن يتقدموا على الإطلاق، وهم يحاولون انتهاج سياسة الابتزاز للدول التي تمر في البحر الأحمر».

وأوضح الفريق الداعري أن الميليشيات الحوثية لن تتوقف عن استهداف الملاحة الدولية حتى في حال توقف الحرب في غزة، كما تصور هي للعالم، مشيراً إلى أنها تبحث دوماً عن تحالفات جديدة مع جهات إرهابية، وتستغل الصراعات في المنطقة لتحاول إثبات وجودها، لكنها في النهاية ستزول، بحسب وصفه.

وأضاف: «الميليشيا الإرهابية ليس لها حدود ولا أمان في توقفها يوماً من الأيام؛ فهي تبحث كل يوم عن التحالف مع أي جهات إرهابية أخرى، كانت تدعي أنها تحارب (داعش) و(القاعدة) وهما تنظيمان إرهابيان، لكننا وجدناها في الفترة الأخيرة هي من تتخادم معهما وتقدم لهما الدعم والتدريب والتجهيز، كما أن لهم علاقات بالتنظيمات الإرهابية في الطرف الآخر من البحر الأحمر، وأماكن أخرى».

صنعاء هي الهدف

أكد وزير الدفاع اليمني أن الجيش اليمني جاهز للتحرك باتجاه صنعاء في أي لحظة، مشيراً إلى أن الميليشيات الحوثية تضعف يوماً بعد آخر. وتابع: «نحن في الجيش والقوات المسلحة اليمنية ووزارة الدفاع وكل المكونات اليمنية والمقاومة هدفنا الأساسي هو صنعاء، هذه الميليشيات مشروع غير مستمر ووقتي يمكن أن ينتهي في أي لحظة، وبالتالي نحن جاهزون بأن نكون في تلك الأماكن اليوم أوغداً أو بعد غدٍ، هذه الميليشيات لا تلتزم بالعهود والاتفاقيات، وعندما تضعف تستخدم أساليب عدة للحصول على تعاطف الآخرين».

إيران وتصدير الموت

يرى الوزير الداعري أن إيران تلعب دوراً سلبياً في دعم الميليشيات الحوثية منذ سنوات طويلة، من خلال تهريب السلاح والخبراء، محاولة إشعال الفوضى دون النظر إلى المصالح المشتركة أو استقرار اليمن والمنطقة.

شحنة أسلحة صادرتها القيادة المركزية الأميركية في بحر العرب يعتقد أنها قادمة من إيران باتجاه الحوثيين في اليمن (القيادة المركزية الأميركية)

وقال: «إيران منذ القيادات السابقة في اليمن تقدم الدعم وتسلط الميليشيات لتنفيذ عمليات عدائية في المنطقة، ما هو مشروعهم وماذا يريدون لا نعلم، لم يأتوا إلينا يوماً من الأيام ويقولوا لدينا مصالح مشتركة، هم فقط يصدرون الموت لليمن وللمنطقة ويعتقدون أنهم بهذا المشروع سيسيطرون على كل شيء، لكن بالعكس، لا يمكن لشعوب المنطقة أن تستسلم».

توقف المساعدات العسكرية الأميركية

تحدث الوزير عن علاقات طيبة للحكومة اليمنية مع الدول الصديقة، مشدداً على أن السعودية والإمارات كانتا الداعمين الأساسيين لليمن في الحرب الأخيرة. في حين أشار إلى أن المساعدات العسكرية الأميركية توقفت منذ عام 2014، ولم تُستأنف بالوتيرة نفسها حتى الآن.

وأضاف: «دائماً نقول من يقف إلى جانبنا في قضية مثل هذه فهو صديقنا، ومن يتركنا نواجه مصيرنا بأنفسنا فليس صديقنا، وحقيقةً لم نجد من وقف معنا بصدق وقدَّم أرواحاً ودماءً وسلاحاً وكل أوجه الدعم كما كان أشقاؤنا في المملكة العربية السعودية والإمارات ودول الخليج ودول العربية مثل مصر والسودان وغيرهم».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
TT

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بسبب الحرب في غزة، أثارت غضباً عارماً بين مختلف أطياف الساحة السياسية في إسرائيل، ولكن على المدى البعيد، لا يبدو هذا الأمر جيداً بالنسبة لرئيس الوزراء.

وأضافت أنه كلما تم تصوير نتنياهو على أنه منبوذ دولياً، بدا أن كثيراً من الإسرائيليين يحتضنونه على الرغم من الاستقطاب الداخلي العميق.

وقال المحللون إنه من المرجح أن يتجمع معظم الإسرائيليين حول رفض نتنياهو قرار المحكمة، الذي ندد به بوصفه «معادياً للسامية».

وذكر ميتشل باراك، وهو خبير استطلاعات رأي عمل مساعداً لنتنياهو في التسعينات: «هذا يساعده». ووصفه بأنه «الرجل الوحيد الذي يقف ضد كل الشر في العالم».

وقال باراك: «إن هذا يحوله إلى الضحية التي يحب أن يكونها، والشخص الذي يقاتل من أجل حقوق إسرائيل»، مضيفاً أن الإسرائيليين كانوا موحَّدين إلى حد كبير في دعمهم للحرب.

وجاءت مذكرة الاعتقال في الوقت الذي تآكلت فيه صورة نتنياهو المحلية في الأشهر الأخيرة، ومع ازدياد اللوم الدولي على الأزمة الإنسانية في غزة، حيث قُتل أكثر من 44 ألف فلسطيني، وفقاً لمسؤولي الصحة المحليين.

وانخفضت ثقة الإسرائيليين في قيادة نتنياهو، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنَّته حرك «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واتهمه كثير من الإسرائيليين بإطالة أمد الحرب في غزة لأسباب سياسية: للحفاظ على ائتلافه الحاكم اليميني، والبقاء في السلطة حتى مع معركته ضد اتهامات الفساد.

ووفقاً لمسؤول حكومي إسرائيلي متقاعد، أخيراً، عمل على قضايا تتعلق بالشؤون الدولية لإسرائيل لسنوات، وطلب عدم الكشف عن هويته، فمن المحتمل أيضاً أن نتنياهو لا يقلق بسبب أوامر الاعتقال، لأمر واحد، لأن الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأكثر أهمية، رفضت القضية ضد القادة الإسرائيليين. ومن ناحية أخرى، إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الدولية ولا تعترف بولايتها القضائية في إسرائيل أو غزة.

وقالت الصحيفة إن عدداً قليلاً من الإسرائيليين أعربوا علناً عن تعاطفهم مع المدنيين في غزة، وألقوا باللوم على «حماس» في معاناتهم. ومع تجنيد معظم الشباب، يجد معظم الإسرائيليين صعوبة في تصور الجنود مجرمي حرب.

ويدرك الإسرائيليون أنه لا يزال من الممكن إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد الضباط والجنود، مما يزيد من عدائهم للمحكمة، ولكن في الوقت نفسه فإنهم معزولون، إلى حد كبير، عن العداء لإسرائيل في الخارج.

وحتى خصوم نتنياهو السياسيين يقولون ما يبدو أن معظم الإسرائيليين يفكرون فيه، حيث كتب يائير لبيد، زعيم المعارضة، على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس: «تدافع إسرائيل عن حياتها ضد المنظمات الإرهابية التي هاجمت وقتلت واغتصبت مواطنينا»، مضيفاً: «أوامر الاعتقال مكافأة للإرهاب».

وتأتي أوامر الاعتقال في وقت مضطرب، يعيشه نتنياهو وإسرائيل، التي على وشك التوصل إلى اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار بشأن الصراع مع «حزب الله» في لبنان، في حين لا يزال نحو 100 رهينة، من المفترض أن يكون ثلثهم على الأقل قد لقوا حتفهم، في غزة.

وأقال نتنياهو، أخيراً، يوآف غالانت من منصب وزير الدفاع؛ بسبب الخلافات حول استمرار الحرب في غزة والسياسات الداخلية؛ مما أدى إلى تقويض الثقة في الحكومة.

كما تعرَّض مكتب نتنياهو للتدقيق بشكل متزايد بشأن سلسلة من التحقيقات التي ركزت على سوء التعامل مع المواد الاستخباراتية.

ويوم الخميس، اتهم المدعون الإسرائيليون أحد مساعديه بتسريب معلومات سرية عن «حماس» بطريقة يقول المدعون إنها من المرجح أن تضر بالأمن القومي، وتضع الناس في خطر يهدد حياتهم في وقت الحرب.

وفي الشهر المقبل، من المتوقع أن يقف نتنياهو في محاكمة بعدما وُجِّهت إليه اتهامات بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، في 3 قضايا منفصلة ولكنها مترابطة يتم الاستماع إليها بالتوازي.

وقد نفى ارتكاب أي مخالفات في القضايا التي تركز على اتهامات بأنه رتب خدمات لرجال أعمال مقابل هدايا، وتغطية إخبارية متعاطفة له ولأسرته.

وحرصاً على تجنب أي لوم شخصي تجاه نتنياهو على تلك الإخفاقات، ومع اقتراب الوقت المناسب للإدلاء بشهادته في قضايا الفساد، ضاعف أنصاره هجماتهم ضد النظام القضائي الإسرائيلي وربما شجعهم فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على ذلك، فقد تغذوا على فكرة أن نتنياهو يتعرَّض للاضطهاد من قبل القوى الليبرالية في الداخل والخارج.

ويتوقع الإسرائيليون أن تكون إدارة ترمب الجديدة أكثر استيعاباً للحكومة الإسرائيلية، الأكثر يمينية ومحافظة دينياً في تاريخ البلاد.

وعلى الرغم من الرفض الإسرائيلي الواسع النطاق لقرار إصدار أوامر الاعتقال، فإن التعاطف مع نتنياهو قد يتضاءل في الأمد البعيد، كما يقول بعض المحللين.

نتنياهو وغالانت خلال مؤتمر صحافي سابق في قاعدة «كيريا» العسكرية في تل أبيب (رويترز)

وقال باراك، خبير استطلاعات الرأي، إن كون المرء «شخصية دبلوماسية غير مرغوب فيها» ليس مظهراً جيداً لرئيس الوزراء، خصوصاً أن مكانة نتنياهو الدولية الضخمة كانت ذات يوم واحدة من دعاياته الانتخابية.

ولا يواجه نتنياهو وغالانت أي خطر للاعتقال في إسرائيل بسبب أوامر الاعتقال. ومع ذلك، يمكن احتجازهما إذا سافرا إلى إحدى الدول الأعضاء في المحكمة، البالغ عددها 124 دولة، والتي تشمل معظم الدول الأوروبية ولكن ليس الولايات المتحدة.

وحتى السفر جواً إلى الولايات المتحدة قد يكون محفوفاً بالمخاطر إذا احتاج شخص ما على متن الطائرة، على سبيل المثال، إلى علاج طبي عاجل، مما يضطره إلى الهبوط اضطرارياً في الطريق.

وفي إشارة إلى القيود الجديدة على قدرة نتنياهو على السفر إلى الخارج، قال باراك: «لا يمكنك أن تكون رئيس وزراء على تطبيق زووم».