الفسفور الأبيض المحظور دولياً و«المفضَّل» إسرائيلياً... ما مضاره؟ وكيفية تقليل آثاره؟

تصاعد الدخان من مبنى مدمَّر جراء غارات جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
تصاعد الدخان من مبنى مدمَّر جراء غارات جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
TT

الفسفور الأبيض المحظور دولياً و«المفضَّل» إسرائيلياً... ما مضاره؟ وكيفية تقليل آثاره؟

تصاعد الدخان من مبنى مدمَّر جراء غارات جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
تصاعد الدخان من مبنى مدمَّر جراء غارات جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)

تداول الكثير من المستخدمين عبر مواقع التواصل الإجتماعي في لبنان، مساء الأربعاء، فيديوهات تُظهر مواد بيضاء اللّون تتساقط من السماء، وسط اتهامات للجيش الإسرائيلي باستخدام «الفوسفور الأبيض» في ضرباته الأخيرة على العاصمة بيروت.

وكانت إذاعة محلية قد نقلت عن مصدر أمني قوله إنه تم استخدام الفوسفور بالفعل في غارة على بيروت أمس، وإن رائحة كريهة تفوح في المنطقة.

وأسفرت ضربة إسرائيلية على مقرّ هيئة صحية تابعة لـ«حزب الله» في قلب بيروت ليل الأربعاء - الخميس عن مقتل سبعة أشخاص، بعد يوم شهد اشتباكات بين جنود إسرائيليين ومقاتلي الحزب في جنوب لبنان. والغارة التي استهدفت محلة الباشورة في غرب بيروت، الأربعاء، هي الضربة الأقرب إلى وسط العاصمة اللبنانية منذ بدء حملة القصف الإسرائيلية المدمّرة قبل نحو عشرة أيام على مناطق عدّة في البلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحدث عن استخدام الفوسفور الأبيض في لبنان منذ تصاعد التوتر على الحدود. وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في يونيو (حزيران) الماضي، إنها تحققت من استخدام الفوسفور الأبيض فيما لا يقل عن 17 بلدية، في جنوب لبنان، منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023: «خمس منها استخدمت فيها الذخائر المتفجرة جواً بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة».

وتحدثت تقارير عدة في السابق عن استخدام إسرائيل هذه المواد في قصفها أماكن مختلفة وسط حربها على غزة أيضاً.

ومن الجدير ذكره، أن ذخائر الفوسفور الأبيض ليست محظورة بوصفها سلاحاً كيمياوياً، ويمكن استعمالها في الحروب لصنع سواتر من الدخان، أو تحديد الأهداف، أو إحراق المباني. ولكن، نظراً لأنها قد تتسبب في حروق خطيرة ونشوب حرائق؛ فإن الاتفاقيات الدولية تحظر استخدامها ضد الأهداف العسكرية الواقعة وسط المدنيين.

ويظهر اللبنانيون اليوم مخاوف متجددة من المواد المستخدمة في الضربات، خاصة حال تأكد استعمال الفوسفور الأبيض؛ وذلك لما له من مضار على الصحة.

الدخان الأسود الكثيف يتصاعد جراء غارة إسرائيلية على الضاحية (إ.ب.أ)

أولاً، ما هو الفوسفور الأبيض؟

يشرح موقع منظمة الصحة العالمية أن الفوسفور الأبيض (يُطلق عليه أحياناً اسم الفوسفور الأصفر) عبارة عن مادة صلبة - بيضاء إلى صفراء - ذات رائحة تشبه الثوم.

تشتعل هذه المادة تلقائياً في الهواء عند درجات حرارة أعلى من 30 درجة مئوية وتستمر في الاحتراق حتى تتأكسد تماماً أو حتى تُحرم من الأكسجين. ينتج من احتراق الفوسفور دخان كثيف أبيض مزعج.

وعادة ما يُستخدم الفوسفور الأبيض للأغراض العسكرية في القنابل اليدوية وقذائف المدفعية لإنتاج الإضاءة، ولتكوين ستار دخاني وكمواد حارقة، بحسب منظمة الصحة العالمية. واستخداماته الصناعية الرئيسية تبرز في إنتاج حمض الفوسفوريك والفوسفات وغيرهما من المركبات.

ويحذّر المجتمع الطبي من استخدام الفوسفور الأبيض في الضربات العسكرية؛ لما له من مضار على صحة السكان.

كيف يؤثر الفوسفور على الصحة؟

ضمن هذا السياق، تشرح طبيبة الصحة العامة مايا البنا، التي تتخصص في الطب الداخلي وتعمل في أحد مستشفيات العاصمة بيروت، أن هذه المادة الخطيرة لديها الكثير من التداعيات الصحية السلبية حال تعرّض السكان لها.

وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن التعرّض للفوسفور الأبيض «يؤدي إلى حروق فورية قد تكون موجعة. وهناك 3 سيناريوهات قد يعيشها الفرد حال التعرض لهذه المادة: المرحلة الأولى ترتبط بالجهاز الهضمي، وقد تحدث بعد بضع دقائق إلى 8 ساعات من التعرض للمادة. قد تكون الصدمة خلال هذه المرحلة شديدة وتسبب الوفاة في غضون يوم إلى يومين. تتبع المرحلة الثانية (من دون أعراض) المرحلة الأولى وتستمر لمدة 8 ساعات إلى 3 أيام. قد تبدأ المرحلة الثالثة (فشل الأعضاء المتعددة وإصابة الجهاز العصبي المركزي) بعد 4 إلى 8 أيام من بدء المرحلة الثانية، وقد تنتهي بالوفاة».

وتعتمد الطبيبة في شرحها على مراجع من المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها «سي دي سي».

وتشرح: «يحترق الفوسفور الأبيض في الهواء ويسبب حروقاً شديدة عند ملامسته الجلد أو العينين. كما يتسبب في تهيج العين والجهاز التنفسي. وترتبط الآثار السلبية الأولية الأخرى بأضرار في الجهاز الهضمي».

مبانٍ متضررة جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)

آثار على العينين

من أشدّ الآثار السلبية للتعرض للفوسفور الأبيض هي الشعور بعدم الارتياح وإحساس بوجود جسم غريب في العين. ويؤدي هذا إلى إنتاج مفرط للدموع، وتشنج الجفن، وزيادة الحساسية للضوء، كما تؤكد البنا.

ومن المعروف أن جزيئات الفوسفور الأبيض مدمِّرة بشكل خطير عند ملامستها الأنسجة، وتسبب تلفاً للقرنية. ومن الأمثلة على ذلك ثقب والتهاب الجزء الداخلي من مقلة العين وانقلاب الجفن بشكل غير طبيعي، بحسب وصف «سي دي سي». وتتابع البنا: «من أصعب الأمور التي قد تسببها هذه المواد للعين هي حرق القرنية، وقد تؤثر أيضاً على عمل الأوعية الدموية للعين».

كيف يضر الفوسفور بالجلد؟

تشرح البنا: «الفسفور الأبيض ينجم عنه حروق شديدة الألم تتراوح من الدرجة الثانية إلى الثالثة. وقد يتصاعد الدخان من موقع الإصابة نتيجة الحرق المستمر للفوسفور الأبيض أو تكوين حمض الفوسفوريك».

وتضيف الطبيبة: «المادة قابلة للذوبان في الدهون بدرجة كبيرة، ويمتصها جلدنا بسرعة وسهولة؛ مما قد يكون له آثار على جسمنا كله».

وتوضح البنا أن تداعيات هذه المواد «ترتبط بما يعرف بـ(الآثار المنهجية)، أي تؤثر على عمل الأوعية الدموية بشكل منهجي؛ مما قد يشمل الجسم بالكامل وليس جزءاً محدداً منه فقط».

ما الأعراض المباشرة للتعرّض للفوسفور الأبيض؟

تستند الطبيبة اللبنانية إلى الأعراض التي تتحدث عنها المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أيضاً عند التحدث عن أبرز الأعراض التي قد يشعر بها المرء حال تعرضه للفوسفور الأبيض، وتُعدّد أبرز العلامات، وهي:

- شعور بالألم الحارق في الحلق والمعدة؛ مما يرافقه إحساس بالعطش الشديد

- الغثيان والقيء والإسهال وآلام البطن الشديدة

- بروز رائحة الثوم في التنفس والقيء والبراز

- تهيج العين والجهاز التنفسي

- القيء والبراز قد يسببان حروقاً عند ملامستهما الجلد

كيف نتصرف عند التعرّض للمادة؟

تؤكد الطبيبة على ضرورة محاولة الحصول على اهتمام طبي فوري، لكن عند التواجد في قلب الحدث، يجب على المصابين «وضع كمادات تحتوي على المياه على العينين وتغطيتهما بشكل جيد، إلى أن نبتعد عن مكان التعرض للمواد بشكل كبير».

وتتابع: «من ثم يجب وضع العينين تحت المياه لمدة تصل إلى 15 دقيقة».

وتوصي الطبيبة بضرورة «إزالة جزيئات الفوسفور الأبيض من العينين أو الجلد، قبل اللجوء إلى أي خطوة أخرى». وبعد القيام بالإسعافات الأولية الضرورية، من المهم الحصول على الاهتمام الطبي المناسب، والذي قد يتفاوت بحسب شدة الإصابة ونوعها.


مقالات ذات صلة

يوآف غالانت... العقل المدبّر وراء توسيع حرب غزّة إلى لبنان

شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (أ.ف.ب)

يوآف غالانت... العقل المدبّر وراء توسيع حرب غزّة إلى لبنان

يعد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الجنرال السابق الذي حدد معالم الحرب الإسرائيلية على "حماس" في غزة، القوة الأبرز وراء توسيع العمليات العسكرية إلى لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي أب وابنته غادرا لبنان على متن طائرة عسكرية يونانية (أ.ب)

أجانب يسارعون لمغادرة لبنان مع احتدام الهجوم الإسرائيلي

أجلى عدد متزايد من الدول رعاياها من بيروت، الخميس، وسط تكثيف إسرائيل قصفها للعاصمة اللبنانية، وحثّت حكوماتٌ في أنحاء العالم مواطنيها على المغادرة.

«الشرق الأوسط» (أثينا - لارنكا)
المشرق العربي قوات من لواء «عتصيوني» الإسرائيلي خلال عملية له بجنوب لبنان في صورة نشرها الجيش الإسرائيلي 3 أكتوبر 2024 (الجيش الإسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لجنود من احتياطه خلال عمليات في جنوب لبنان

نشر الجيش الإسرائيلي لقطات للواء الإسرائيلي «عتصيوني» خلال عملية له في جنوب لبنان في الأيام الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ جنود إسرائيليون في دورية راجلة بقطاع غزة (أ.ف.ب)

خبراء أميركيون يحذرون من عدم وجود نهاية واضحة للحرب على لبنان

المواجهة التي جرت الأربعاء، «كانت ضمن التوقعات، خصوصاً أن البنية البشرية لمقاتلي (حزب الله) لا تزال متحصنة في عدد من القرى على الشريط الحدودي.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: مقتل 28 موظفاً صحياً في لبنان خلال 24 ساعة

قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الخميس، إن 28 موظفاً بالقطاع الصحي قُتلوا في لبنان خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

بروكسل وباريس تنددان بعدّ إسرائيل غوتيريش «شخصاً غير مرغوب فيه»

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (إ.ب.أ)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (إ.ب.أ)
TT

بروكسل وباريس تنددان بعدّ إسرائيل غوتيريش «شخصاً غير مرغوب فيه»

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (إ.ب.أ)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (إ.ب.أ)

ندَّد الاتحاد الأوروبي وفرنسا، الخميس، بقرار إسرائيل عدِّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، «شخصاً غير مرغوب فيه»؛ على خلفية عدم إدانته بشكل صريح الهجوم الصاروخي الذي شنّته إيران على الدولة العبرية.

ودافع مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن غوتيريش، بينما عدَّت «الخارجية» الفرنسية القرار الإسرائيلي «غير مبرَّر».

وقال بوريل، في كلمة ألقاها في بونتيفدرا، شمال غربي إسبانيا: «علينا أن نرفض الهجمات على شخص الأمين العام للأمم المتحدة».

وأضاف: «نعم، كل شيء بدأ مع هجمات (حماس) التي ندينها، لكن هذه الهجمات، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، لم تأت من عدم. هي نتيجة أو أقله (...) فصل جديد في قصة بدأت منذ زمن طويل»، في إشارة إلى هجوم «حماس» على جنوب إسرائيل، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكان شرارة اندلاع الحرب المتواصلة في قطاع غزة.

وأشار إلى أن «قول ذلك يجب ألا يؤدي إلى تصنيف أي شخص بأنه مُعادٍ للسامية. يجب ألا نقلّل من وقع هذه الكلمة (...) فهي خطيرة جداً ومُوجعة جداً للصقها بشخص يعبّر عن رأي مغاير لرأي حكومة».

وأوضح أن الأمم المتحدة «الأداة الوحيدة المتاحة لضمان السلام في العالم». وخلص إلى قول: «حتى لو كانت أداة، ربما، غير كافية (...) فهي (الأداة) الوحيدة التي نملكها».

وشدد على أنه «نعم، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن لهذا الحق كما كل الحقوق، حدوده»، موضحاً: «السؤال الذي لا نريد، نحن الأوروبيين، أن نطرحه على أنفسنا، أو على الأقل الذي لا نريد الإجابة عنه، هو معرفة ما إذا جرى تجاوز هذه الحدود. جوابي هو: نعم، للأسف».

بدورها، قالت «الخارجية» الفرنسية، في بيان، إن باريس «تؤكد، من جديد، دعمها وثقتها بالكامل» بغوتيريش، مشددة على أن «الأمم المتحدة تلعب دوراً أساسياً في استقرار المنطقة»، في ظل توتر إقليمي يثير مخاوف من اندلاع حرب شاملة بالشرق الأوسط.

كذلك أكدت وزارة الخارجية الأردنية، اليوم الخميس، دعم الأردن الكامل للأمين العام للأمم المتحدة. وشدد الناطق الرسمي باسم الوزارة، السفير الدكتور سفيان القضاة، على ضرورة رفض المجتمع الدولي الإساءة للأمين العام للأمم المتحدة، وإلزام إسرائيل باحترام ميثاق الأمم المتحدة، وتطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقرارات منظمة الأمم المتحدة، وفق وكالة الأنباء الأردنية «بترا».

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد أعلن، الأربعاء، أن غوتيريش «شخص غير مرغوب فيه»، ما يعني منعه من دخول إسرائيل، منتقداً عدم إدانته الصريحة الهجوم الصاروخي الإيراني على الدولة العبرية.

وقال كاتس إن «أي شخص لا يمكنه إدانة الهجوم الإيراني الشنيع على إسرائيل، لا يستحق أن يُسمح بأن تطأ قدماه التراب الإسرائيلي. هذا أمين عام مُعادٍ لإسرائيل يدعم الإرهابيين والمغتصبين والقتلة».

وبعد الهجوم الصاروخي، مساء الثلاثاء، أدان غوتيريش «اتساع رقعة النزاع في الشرق الأوسط»، مندداً بـ«تصعيد وراء تصعيد» في المنطقة.

إلا أنه عاد وندّد بشدة بالهجوم الإيراني في أعقاب الانتقادات الإسرائيلية. وقال، في اجتماع طارئ لمجلس الأمن، الأربعاء: «كما كان ينبغي أن يكون واضحاً، أمس، في سياق الإدانة التي عبرتُ عنها... فإنني أدين بشدة مجدداً الهجمات الصاروخية الضخمة التي شنتها إيران، أمس، على إسرائيل».

ورداً على سؤال حول إعلان إسرائيل غوتيريش «شخصاً غير مرغوب فيه»، رأى المتحدث باسم «الخارجية» الأميركية، ماثيو ميلر، أن هذا الإجراء «ليس مفيداً، بأي شكل من الأشكال».