إسرائيل تفرض منطقة عازلة بالنار جنوب الليطاني... وتدفع سكانها لمسافة 60 كيلومتراً

حشد 4 ألوية إضافية... و«حزب الله» يستعد للتصدي للتوغّل البري

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري (أ.ب)
TT

إسرائيل تفرض منطقة عازلة بالنار جنوب الليطاني... وتدفع سكانها لمسافة 60 كيلومتراً

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري (أ.ب)

فرض الجيش الإسرائيلي منطقةً عازلةً بالنار في منطقة جنوب الليطاني بجنوب لبنان، تمنع عبور الناس من شمالها، وأرغم ما تبقى من السكان على النزوح إلى مسافة تبعد 60 كيلومتراً عن المنطقة الحدودية، في أوسع عملية إخلاء من نوعها تتزامن مع تضارب حول التوغل البري الذي قالت إسرائيل إنها بدأته، بينما نفى «حزب الله» و«الجيش اللبناني» أي عملية تقدم باتجاه الأراضي اللبنانية.

وأعلن الجيش الإسرائيلي إطلاق عملية برية «محدودة» في جنوب البلاد ضد «حزب الله»، وأمر بإخلاء نحو 30 قرية، بعد أسبوع من قصف مكثف طاول أهدافاً للحزب المدعوم من إيران، وأوقع مئات القتلى. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، فجر الثلاثاء، إن جنوده دخلوا جنوب لبنان في إطار «عملية برية محدودة وموضعية ومحدّدة الهدف» ضد «أهداف ومنشآت إرهابية» لـ«حزب الله»، من غير أن يوضح عدد الجنود المشارِكين فيها.

جنود إسرائيليون قرب مدرعة مقاتلة على الحدود مع لبنان (أ.ف.ب)

لكن «حزب الله» نفى دخول قوات إسرائيلية إلى جنوب لبنان، كما نفى الجيش اللبناني أي توغل. وأوضح الجيش، في بيان، أن «الوحدات العسكرية المنتشرة في الجنوب تنفّذ إعادة تموضع لبعض نقاط المراقبة الأمامية ضمن قطاعات المسؤولية المحددة لها»، مؤكداً أن قيادته «تُواصل التعاون والتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)».

مقاتلون معرّضون للاستهداف

وبدت دعوة الجيش الإسرائيلي لإخلاء أكثر من 30 قرية وبلدة تقع جنوب الليطاني، بمثابة دعوة لإخلاء المنطقة بالكامل من المدنيين، وتمهيد للتعامل مع الموجودين فيها بوصفهم «مقاتلين معرّضين للاستهداف»، حسبما قالت مصادر ميدانية في الجنوب لـ«الشرق الأوسط»، مضيفة أن مطالبة النازحين بالخروج إلى منطقة شمال نهر الأولي (المدخل الشمالي لمدينة صيدا والفاصل بين محافظة الجنوب ومحافظة جبل لبنان، على بعد نحو 60 كيلومتراً من الحدود) هي «غير مسبوقة، وتكشف عن نوايا إسرائيلية لتوسعة العملية البرية إلى كامل محافظتَي الجنوب والنبطية، ولن تقتصر على منطقة جنوب الليطاني أو تكون بمثابة عملية محدودة كما زعم الجيش الإسرائيلي».

مروحية إسرائيلية تطلق صواريخ باتجاه الأراضي اللبنانية (رويترز)

ومهّد القصف الإسرائيلي لقطع أوصال الجنوب، بغارات جوية قطعت طرقات رئيسية بين حاصبيا ومرجعيون في الشرق، وهو طريق يُقصف للمرة الثانية بعدما أعاد الجيش اللبناني فتحه في وقت سابق، فضلاً عن فصل قضاءي صيدا وصور في الغرب، عبر استهداف طريق القاسمية الذي أُعيد فتحه.

وتشمل جميع المناطق التي سمّاها الجيش الإسرائيلي، قرى وبلدات واقعة جنوب الليطاني، التي يتوقع أن تكون مسرح العمليات، ولا تلحظ المدن الواقعة جنوب الليطاني، مثل مدينة صور التي لا يزال يسكنها الآلاف من السكان والنازحين. وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بعد ظهر الثلاثاء: «لن نذهب إلى بيروت ولا مدن جنوب لبنان»، حسبما أفادت «رويترز».

تجارب بالنار

وتضاربت المعلومات حول طبيعة التوغل البري الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية، وقال الباحث بالشؤون العسكرية والاستراتيجية مصطفى أسعد: «لا يوجد اجتياح بري حقيقي ولا دروع متقدمة»، مشيراً إلى أن «ما يجري مجرد تجارب بالنار لمعرفة الطرفين نوعية المجموعات المتواجهة».

وقال أسعد لـ«الشرق الأوسط» إن الدخول إلى شبكة أنفاق، حسبما ظهر في الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي، يثبت أن هناك تجارب واستطلاعات ينفّذها الجيش للتيقن من الدفاعات، ونوع المجموعات التي ستقاتله، وهل القيادة والسيطرة لا تزالان موجودتَين، لافتاً إلى أن هذه التجارب «قد تستمر ليومين أو ثلاثة».

ورأى أنه إذا صحّ دخول الجيش في مرات سابقة إلى المنطقة، «فإنه سيكون أكثر حماسة للدخول؛ لأنه لا يجد مَن يواجهه بشكل فعلي».

حرائق ناتجة عن غارات إسرائيلية في العديسة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

عمليات توغل سابقة

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن عمليات التوغل ليست جديدة، وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري: «إن القوات الإسرائيلية تنفّذ عمليات في جنوب لبنان منذ أشهر، وكشفت عن أنفاق ومخابئ أسلحة لـ(حزب الله) أسفل منازل، وعن خطط للجماعة اللبنانية لشنّ هجمات»، مشيراً إلى أنها «المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن هذه التفاصيل».

وأضاف أن العشرات من هذه العمليات «كشفت عن خطط تفصيلية لـ(حزب الله) لدخول إسرائيل وتنفيذ هجوم على غرار ما قامت به حركة (حماس) في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي». وقال هاغاري إن النتائج والأدلة التي تم اكتشافها تحت المنازل في قرى بجنوب لبنان خلال العمليات «سيتم تقديمها إلى المجتمع الدولي». كما عرض خرائط ومقاطع مصورة التقطتها كاميرات مثبتة على أجساد الجنود.

قذائف مدفعية حارقة تستهدف منطقة العديسة في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

تحشيدات إضافية

وبموازاة تلك الإعلانات، واصل الجيش تحضيراته للتوغل، إذ قال (الثلاثاء) إنه استدعى 4 ألوية إضافية للمشارَكة في مهمات على طول الحدود الشمالية، وقال الجيش في بيان: «سيتيح ذلك مواصلة النشاط العملياتي ضد (حزب الله)، وتحقيق الأهداف العملياتية، بما فيها العودة الآمنة لسكان شمال إسرائيل إلى منازلهم»، من غير تقديم تفاصيل بشأن استدعاء الألوية الجديدة، علماً بأن لواء المشاة الإسرائيلي يضم عادة من ألف إلى ألفَي جندي، في حين يضم لواء الدبابات المدرعة نحو 100 دبابة.

رجل أمن إسرائيلي يتفقد موقع سقوط صاروخ أطلقه «حزب الله» على طريق سريع قرب كفر قاسم في إسرائيل (رويترز)

استعدادات «حزب الله»

في المقابل، يستعد «حزب الله» للتصدي للغزو البري، وقال مقربون منه إنه «أنهى التعيينات وملأ الشواغر في المواقع القيادية لتشكيلاته» بعد اغتيال مجموعة من القادة العسكريين على مدى أسبوعين بضربات إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية. وقال هؤلاء إن عناصره «منتشرون على الحدود، وفي جهوزية واستعداد كاملَين للتعامل مع أي تطور»، في إشارة إلى العملية البرية المتوقعة.

ووسط قصف إسرائيلي متواصل على مناطق في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت خلال الساعات الأخيرة، أعلن «حزب الله» حتى ظهر الثلاثاء تنفيذ 8 عمليات عسكرية، بينها «صليات صاروخية من نوع (فادي 4) ‏على قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200، ومقر الموساد الذي يقع في ‏ضواحي تل أبيب، وتجمع لقوات العدوّ ‏في ثكنة دوفيف بصاروخ (فلق 2)، وتجمعات لجنود إسرائيليين قرب شتولا وفي المطلة».

ونقلت وسائل إعلام «حزب الله» عن مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب، محمد عفيف، قوله إن «استهداف قاعدة (غليلوت) ومقر (الموساد) بضواحي تل أبيب ليس سوى البداية».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» وافق على وقف لإطلاق النار يوم مقتل نصر الله وفق مصدر حكومي لبناني

العالم العربي الموقع الذي استهدفته الغارات الجوية على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت التي أسفرت عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)

«حزب الله» وافق على وقف لإطلاق النار يوم مقتل نصر الله وفق مصدر حكومي لبناني

أفاد مصدر حكومي لبناني اليوم بأن حزب الله كان أبلغ السلطات اللبنانية موافقته على وقف لإطلاق النار مع إسرائيل في اليوم الذي قتل فيه حسن نصرالله بغارات إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان فوق جنوب لبنان وسط القصف الإسرائيلي المستمر (أ.ف.ب)

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: «حزب الله» يحاول التغطية على خسائره الكبيرة

قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، اليوم (الأربعاء)، إن جماعة «حزب الله» اللبنانية تحاول إخفاء خسائرها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري آثار غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الأحد الماضي (أ.ب)

تحليل إخباري «أقرب إلى التمنيات»... ماذا يمنع توفر شروط وقف النار في لبنان؟

العناصر الضرورية للتوصل إلى وقف جدي لإطلاق النار لا تزال غير متوافرة... والدعوات إلى تطبيق القرار 1701 «أقرب إلى التمنيات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)

أسئلة حول حصر تكليف قاسم لـ«الأخ الأكبر» بوقف النار؟

يسجّل عدد من أصدقاء «حزب الله» عتبه على الشيخ نعيم قاسم لحصر تأييده لنبيه برّي في حراكه لوقف النار دون أن يتبنّى كامل الموقف اللبناني الذي سبق لبرّي أن أعلنه.

محمد شقير (بيروت)
شؤون إقليمية أنقاض مبنى بعد غارة جوية إسرائيلية على منطقة الضاحية في بيروت (إ.ب.أ)

من هو الإسرائيلي الذي اعتُقل بالضاحية الجنوبية في بيروت؟

تم اعتقال إسرائيلي في لبنان دخل بصفته الصحافية ويحمل الجنسية البريطانية، بحسب تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

لبنان يدرس إقامة بيوت جاهزة لإيواء النازحين في «بعض الأراضي العامة المفتوحة»

عائلة تجلس في مدرسة تحولت إلى مأوى مؤقت للنازحين في بيروت (رويترز)
عائلة تجلس في مدرسة تحولت إلى مأوى مؤقت للنازحين في بيروت (رويترز)
TT

لبنان يدرس إقامة بيوت جاهزة لإيواء النازحين في «بعض الأراضي العامة المفتوحة»

عائلة تجلس في مدرسة تحولت إلى مأوى مؤقت للنازحين في بيروت (رويترز)
عائلة تجلس في مدرسة تحولت إلى مأوى مؤقت للنازحين في بيروت (رويترز)

أعلنت الحكومة اللبنانية، الأربعاء، أنّها تدرس إقامة بيوت جاهزة لإيواء النازحين في أراض عامة مفتوحة، بالتعاون مع جهات مانحة بينها دول عربية، بعدما هجّر القصف الإسرائيلي أكثر من 1.2 مليون شخص، غالبيتهم الساحقة في الأسبوعين الأخيرين.

وقال رئيس لجنة الطوارئ الحكومية وزير البيئة ناصر ياسين، بعد اجتماع للجنة ترأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: «هناك ورقة عمل حول الخيارات المتاحة لمراكز إيواء، منها ما يتعلق بإقامة بيوت جاهزة في بعض الأراضي العامة المفتوحة».

وأضاف وفق بيان عن رئاسة الحكومة: «هناك خرائط باتت موضوعة، لكن الأمر يعتمد على عدة معايير... لها علاقة بموضوع البنية التحتية، وكذلك بالموضوعين الاجتماعي والأمني».

وهذه أول مرة تعلن فيها الحكومة عن مناقشة اقتراح مماثل، بعدما أسفرت الغارات الإسرائيلية منذ عام عن دمار الآلاف من الوحدات السكنية وتسوية أبنية كاملة بالأرض.

ويأتي عبء النزوح في وقت يرزح لبنان منذ خمس سنوات تحت انهيار اقتصادي متماد، باتت معه مؤسسات الدولة عاجزة عن توفير الاحتياجات الرئيسية للسكان البالغ عددهم قرابة ستة ملايين. وتشكل إعادة الإعمار في مرحلة لاحقة تحدياً هائلاً تعجز السلطات وفق إمكانياتها الراهنة عن إدارته وتحمل تكلفته.

وأشار ياسين إلى وجود مكانين «يمكن إقامة بيوت جاهزة عليهما بالتعاون مع الدول الصديقة ومنها دول عربية أبدت استعدادها لتغطية إنشاء هذه القرى»، من دون أن يحدد موقعهما أو هوية الدول المتوقع مساهمتها في المشروع.

وبعد تبادل إطلاق النار عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية بين «حزب الله» وإسرائيل لمدة عام، كثّفت الدولة العبرية منذ 23 سبتمبر (أيلول) غاراتها على مناطق تعتبر معاقل للحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية. كما تسفر الغارات عن دمار واسع، مما دفع ذلك أكثر من 1.2 مليون شخص للنزوح، وفق السلطات.

ويوجد نحو نصف النازحين في مراكز إيواء في بيروت ومحافظة جبل لبنان المجاورة، في وقت بلغت 807 مراكز إيواء من إجمالي ألف قدرتها الاستيعابية القصوى، وفق السلطات.

ويتوزع الآخرون لدى أقاربهم أو في شقق مستأجرة، ويبيت البعض في مساحات عامة في بيروت.

ويرتّب وجود النازحين ضغطاً كبيراً على البنى التحتية المتداعية.