إسرائيل تعبر الحدود بعد انسحاب الجيش اللبناني

مقتل عسكري لبناني وقائد «حماس» في لبنان

TT

إسرائيل تعبر الحدود بعد انسحاب الجيش اللبناني

جنود إسرائيليون بالقرب من دبابات وناقلات جند مدرعة في شمال إسرائيل وسط أنباء عن عملية برية وشيك داخل لبنان 30 سبتمبر 2024 (أ.ب)
جنود إسرائيليون بالقرب من دبابات وناقلات جند مدرعة في شمال إسرائيل وسط أنباء عن عملية برية وشيك داخل لبنان 30 سبتمبر 2024 (أ.ب)

قُتل عسكري في الجيش اللبناني للمرة الأولى منذ بدء المواجهات الواسعة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، في ظل تقارير عن إبلاغ تل أبيب لواشنطن بأن قواتها تستعد لعملية برية قريباً داخل لبنان.

وذكر مسؤولون أميركيون لوكالة «أسوشيتد برس» أن إسرائيل تنفذ حالياً عمليات برية محدودة عبر الحدود في لبنان وأن عملية برية كبيرة لا تزال قيد التخطيط. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، يوم (الاثنين)، إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بالعمليات، التي وصفها «بالمحدودة» وتستهدف البنى التحتية لـ«حزب الله» بالقرب من الحدود. ولم يتضح ما إذا كانت إسرائيل قد اتخذت قرارًا نهائيًا بشأن عملية أوسع نطاقًا.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الثلاثاء) المناطق المحيطة بتجمعات المطلة ومسكاف عام وكفار جلعادي السكنية في شمال إسرائيل بالقرب من الحدود مع لبنان منطقة عسكرية مغلقة، ومنع الدخول إلى تلك المناطق.وقال الجيش الإسرائيلي إن القرار اتخذ بعد تقييم للوضع.

وذكرت وكالة «رويترز» للأنباء نقلاً عن سكان محليين انسحاب الجيش اللبناني من عدة مواقع على الحدود الجنوبية مع إسرائيل.

وقال مصدر أمني لبناني للوكالة إن القوات انسحبت لمسافة خمسة كيلومترات على الأقل شمال حدودها الجنوبية مع إسرائيل، فيما تحدث «وكالة الصحافة الفرنسية» أن الجيش اللبناني اعاد التمركز قرب الحدود في جنوب لبنان على وقع تهديدات اسرائيلية بتوغّل محتمل.

جاء ذلك في وقت واصلت فيه إسرائيل استكمال حرب الاغتيالات، واستهدفت فجر الاثنين، للمرة الأولى، قلب بيروت في ضربة أودت بحياة 3 أعضاء في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، بينما أدت غارة جوية على مخيم فلسطيني جنوب لبنان، إلى مقتل قائد كبير في حركة «حماس».

كما طال القصف الإسرائيلي مبنى في محيط معبر جديدة يابوس الحدودي بين لبنان وسوريا، الذي يكتظ بالمواطنين الهاربين من لبنان.

واستمرت في الساعات الماضية الهجمات الإسرائيلية على لبنان، وتركزت بشكل أساسي في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث لا يزال هناك مئات الأشخاص العالقين تحت الأنقاض.

آليات إسرائيلية تتجمع قرب الحدود مع لبنان الاثنين (إ.ب.أ)

التهديد بالاجتياح البري

وفي خضم ذلك، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، لمح الاثنين، إلى عملية برية محتملة ضد «حزب الله» في لبنان.

ونقل بيان للجيش عن غالانت قوله خلال زيارته جنوداً من وحدة مدرّعة منتشرة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، إنّ «القضاء على (زعيم «حزب الله» حسن) نصر الله خطوة مهمة، لكنّها ليست الأخيرة. ولضمان عودة سكان شمال إسرائيل، سنستخدم كلّ قدراتنا».

وأضاف أمام الجنود: «سنستخدم كلّ القدرات المتوفّرة لدينا، وإذا لم يفهم أي شخص على الجانب الآخر ما تنطوي عليه تلك القدرات، فإنّنا نعني كل القدرات، وأنتم جزء من هذا الجهد».

وفي حين لم يسجّل على الجانب اللبناني أي تبدل في التحركات العسكرية، تضاربت المعلومات الاثنين حول توغّل بري إسرائيلي محتمل. إذ أفادت تقارير ببدء عمليات لقوات الكوماندوز الإسرائيلية في مناطق لبنانية قريبة من الخط الأزرق، بينما كشف مسؤول أميركي أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة، أنها تخطط لتنفيذ عملية برية وشيكة في لبنان.

ونقلت وسائل إعلام أميركية عن هذا المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، أن إدارة الرئيس جو بايدن تبلغت من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن التوغل البري «سيكون محدوداً».

غير أن العملية العسكرية ستذهب إلى أبعد من الغارات الهادفة إلى اغتيال قيادة «حزب الله» والمسؤولين الميدانيين لديه، كما كان المسؤولون الإسرائيليون قد أبلغوا نظراءهم الأميركيين خلال الأسبوع الماضي.

لكن المسؤول الأميركي أفاد بأن الولايات المتحدة «لا تعتقد» أن النية تشبه عملية إسرائيل التي استمرت 34 يوماً في لبنان عام 2006، بل «نسخة مخففة بشكل كبير من ذلك».

طفل لبناني يتلقى علاجه بأحد المستشفيات بعدما أصيب في قصف إسرائيلي أدى إلى مقتل والده (رويترز)

ومع ذلك، حذّر المصدر الأميركي من أن المسؤولين في إدارة بايدن قلقون من أن ما قد يبدأ توغلاً محدوداً يمكن أن يتحول إلى عملية أكبر على المدى الأطول.

وقال إن هذه المخاوف تجري مناقشتها مع الجانب الإسرائيلي، الذي يدّعي أن التوغل البري المحدود من شأنه أن يستهدف البنية التحتية لـ«حزب الله» قرب الحدود مع إسرائيل، وسيركز على تطهير البنية التحتية المسلحة على طول الحدود لإزالة التهديد للمجتمعات الحدودية الإسرائيلية.

وتبلغت الولايات المتحدة بأن القوات الخاصة الإسرائيلية نفذت بالفعل غارات صغيرة داخل الأراضي اللبنانية في الأيام الأخيرة كجزء من الاستعدادات لهجوم بري إسرائيلي محتمل. ويتوقع أن تنسحب القوات الإسرائيلية بعد التوغل.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن 6 ضباط ومسؤولين إسرائيليين ومسؤول غربي واحد، أن الغارات ركزت على جمع المعلومات الاستخبارية حول مواقع «حزب الله» بالقرب من الحدود، فضلاً عن تحديد أنفاق «حزب الله» والبنية التحتية العسكرية، استعداداً لمهاجمتها جواً أو براً.

وقال 3 من المسؤولين إن الغارات تأتي بعد أشهر من المهمات السرية المماثلة التي عبرت فيها القوات الخاصة الإسرائيلية لفترة وجيزة الحدود اللبنانية للاستطلاع، لكنها زادت في الكثافة في الأيام الأخيرة، حيث استعد القادة لمناورة أوسع.

وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، من جهتها، أن اجتياح إسرائيل للبنان «بات مسألة أيام».

سيارات الإسعاف تنقل جثث قتلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في منطقة الكولا ببيروت (رويترز)

مقتل عسكري لبناني وقائد «حماس» في لبنان

والاثنين، أعلن الجيش اللبناني عن مقتل عسكري جراء ضربة من مسيّرة إسرائيلية استهدفت دراجة نارية لدى مرورها على حاجز في جنوب لبنان، ليكون بذلك أول جندي يقتل منذ بدء إسرائيل شن غارات كثيفة على مناطق عدة.

وقال الجيش في منشور على منصة «إكس»: «استُشهد أحد العسكريين نتيجة استهداف مسيّرة تابعة للعدو الإسرائيلي دراجة نارية أثناء مرورها عند حاجز» في منطقة الوزاني الحدودية مع إسرائيل.

وكانت «الوكالة الوطنية للإعلام» أفادت بوقوع 3 غارات شنتها مسيّرات، استهدفت الأولى دراجة نارية عند مفترق الخيام، مما أدى إلى سقوط قتيلين سوريين، واستهدفت الثانية مركزاً للجيش في الوزاني، ما أدى إلى إصابة عسكري بشظايا، نقل على أثرها إلى المستشفى للعلاج، أما الثالثة فاستهدفت دراجة نارية على أطراف بساتين وأدت إلى جرح سوريين.

وقبل ذلك، كانت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» قد أعلنت أن عدداً من أعضائها قتلوا في غارة إسرائيلية استهدفت شقة في منطقة الكولا ببيروت، وهي الأولى من نوعها التي تستهدف قلب العاصمة اللبنانية منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.

والأعضاء القتلى بحسب البيان؛ هم محمد عبد العال، عضو المكتب السياسي للجبهة ومسؤول الدائرة العسكرية الأمنية، وعماد عودة، عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة وقائدها العسكري في لبنان، والمقاتل عبد الرحمن عبد العال.

وأظهرت لقطات فيديو عرضتها قنوات تلفزيونية شقة مهدمة جزئياً، بسبب الغارة على مبنى في حي الكولا ذي الغالبية السنية، والواقع قرب الطريق التي تربط العاصمة بمطار بيروت.

والجبهة الشعبية هي منظمة فلسطينية يسارية مصنفة إرهابية من قبل إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وقد ساندت «حزب الله» اللبناني في عملياته العسكرية التي ينفذها في شمال إسرائيل «دعماً» لغزة.

من جهتها، أعلنت حركة «حماس» الفلسطينية مقتل قائدها بلبنان في غارة جوية بجنوب البلاد. وقالت الحركة في بيان: «ننعى (...) الشهيد القائد فتح شريف أبو الأمين قائد حركة المقاومة الإسلامية - حماس في لبنان وعضو قيادة الحركة في الخارج»، الذي قتل في «عملية اغتيال إرهابية وإجرامية» استهدفت منزله في مخيم البص قرب صور بجنوب لبنان، مشيرة إلى أنه قتل في الغارة مع زوجته وابنه وابنته.

وأشارت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن هذه المرة التي يتم فيها استهداف المخيم الفلسطيني.

ويأتي هذا الاستهداف بعدما كان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، قُتل في 2 يناير (كانون الثاني) الماضي بضاحية بيروت الجنوبية، في ضربة نُسبت إلى إسرائيل.

الدخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية على قرية إبل السقي بجنوب لبنان الاثنين (أ.ف.ب)

وفجر الاثنين أيضاً، كان القصف قد استهدف مبنى في محيط معبر جديدة يابوس الحدودي مع لبنان، ما أسفر عن إصابة 7 مقاتلين موالين لإيران؛ 5 منهم غير سوريين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويشهد معبر جديدة يابوس، أكبر المعابر بين سوريا ولبنان، ازدحاماً شديداً منذ أيام، إثر تدفق آلاف اللاجئين السوريين واللبنانيين هرباً من الغارات الإسرائيلية الكثيفة على لبنان.

قصف مستمر على البقاع والجنوب

إلى ذلك، ساد الهدوء الحذر في الضاحية الجنوبية لبيروت الاثنين، في حين استمر القصف الإسرائيلي على البقاع اللبناني والجنوب، حيث أعلنت وزارة الصحة ارتفاع عدد القتلى الذين سقطوا في المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في منطقة عين الدلب، شرق صيدا، إلى 45 شخصاً و70 جريحاً.

ونعت وزارة الصحة 6 عناصر من «الدفاع المدني» في «الهيئة الصحية الإسلامية»، بعد استهداف الطائرات الإسرائيلية مراكز لها في بلدة سحمر بالبقاع الغربي، كما سقط 3 قتلى في غارة على محيط ساحة بنعفول في قضاء صيدا.

كما شهدت منطقة الهرمل في البقاع مجزرتَين جديدتَين نتيجة القصف الإسرائيلي، حيث أُطلق صاروخان باتجاه المنازل السكنية عند منتصف الليل، واستهدف منزلَان في محلّتَي الشلمان وحوش السيد علي، ممّا أسفر عن سقوط 10 قتلى، بالإضافة إلى إصابة 20 فرداً من عائلة واحدة.

وشنت الطائرات الإسرائيلية غارتين على بلدتي كفرشوبا وكفر حمام في قضاء حاصبيا، وغارتين على شقرا وبرعشيت في الجنوب.

صواريخ «حزب الله»

في المقابل، أعلن «حزب الله» في بيانات متلاحقة، قصف قاعدة الناعورة الإسرائيلية بصواريخ «فادي 2»، وقصف مدينة صفد ومستعمرة جيشر هزيف ومستعمرة كابري بـ«صلية ‏صاروخية». ‏

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض مسيّرة اخترقت منطقة المياه الاقتصادية في شمال البلاد. ونشر فيديو قال إنه للمسيرة التي كانت تستهدف حقل غاز كاريش في الشمال.


مقالات ذات صلة

ضبط أسلحة بريف حمص مخبأة في حافلة قادمة من لبنان

المشرق العربي أحد عناصر الأمن العام السوري يحمل أسلحة مضادة للدروع عقب ضبط مخزن أسلحة في ريف دمشق (أرشيفية - الأمن العام)

ضبط أسلحة بريف حمص مخبأة في حافلة قادمة من لبنان

أفادت قناة «الإخبارية» السورية، السبت، بضبط شحنة أسلحة في ريف حمص كانت مخبأة في حافلة قادمة من لبنان.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي آلية لـ«اليونيفيل» تسير بمحاذاة الخط الأزرق الحدودي بين لبنان وإسرائيل خلال دورية (اليونيفيل)

إصرار لبناني - دولي على مواصلة دوريات «اليونيفيل» رغم اعتراض إحداها بالجنوب

حسمت الحكومة اللبنانية وبعثة «اليونيفيل» القرار بأن الدوريات مستمرة، وستكمل البعثة الدولية مهامها، وذلك بعد اعتراض إحدى دورياتها في بلدة طيردبا.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي ناخبات أمام قلم اقتراع للتصويت في الانتخابات البلدية عام 2016 (أرشيفية - أ.ف.ب)

لبنان يستعد لدخول مرحلة الانتخابات المحلية

يستعد لبنان للدخول في مرحلة الانتخابات البلدية والاختيارية التي تنطلق الأحد 4 مايو (أيار) 2025 وتمتد على أربع مراحل بدءاً من محافظة جبل لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص خضر عواضة أمام ركام منزله الجاهز الذي استهدفته إسرائيل ليلة عيد الفطر (الشرق الأوسط)

خاص الاستهدافات الإسرائيلية للمنازل الجاهزة بجنوب لبنان تحرم السكان من «المأوى المؤقت»

نشطت في الفترة الأخيرة الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت المنازل الجاهزة في القرى الحدودية الجنوبية، إذ اختارها جنوبيون كثر للسكن المؤقت.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي طلاب يتجمعون على درج المتحف الوطني في بيروت (رويترز)

المناصفة الطائفية في انتخابات بلدية بيروت يكتنفها الغموض ومخاوف من خلط الأوراق

أحدثت اقتراحات القوانين الرامية إلى تعديل قانون البلديات لحماية المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لبيروت إرباكات.

محمد شقير (بيروت)

اختيار حسين الشيخ نائباً للرئيس الفلسطيني

حسين الشيخ خلال اجتماع «المجلس المركزي» 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
حسين الشيخ خلال اجتماع «المجلس المركزي» 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
TT

اختيار حسين الشيخ نائباً للرئيس الفلسطيني

حسين الشيخ خلال اجتماع «المجلس المركزي» 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
حسين الشيخ خلال اجتماع «المجلس المركزي» 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

تولى حسين الشيخ (أبو جهاد)، رسمياً، منصب نائب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يوم السبت، بعدما صادقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على اقتراح عباس بتسميته، ليكون بذلك أول نائب لرئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، منذ تأسيسها عام 1964. وبالتالي أول نائب لرئيس السلطة الفلسطينية.

وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تمت المصادقة على اختيار الرئيس لنائبه، في جلسة خُصّصت لمناقشة مخرجات المجلس المركزي الفلسطيني الذي استحدث منصب نائب الرئيس، من بين قرارات أخرى اتخذها، نهاية الأسبوع الماضي.

وأضاف أبو يوسف: «بحسب التعديل الذي أقره المجلس المركزي، رشح الرئيس، الأخ (أبو جهاد)، نائباً له، وصادقت اللجنة التنفيذية على ذلك».

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن، أثناء خطابه، في دورة المجلس المركزي الـ32، التي انعقدت في مقر الرئاسة برام الله، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، أن استحداث منصب نائب له، كان غاية تراوده لأكثر من 20 عاماً، مضيفاً: «إنك ميت وإنهم لميتون (...). يجب أن تستمر السلطة. وإذا حدث فراغ تضيع».

والمرة الأولى التي أعلن عباس فيها عن نيته استحداث المنصب كانت أثناء القمة العربية الطارئة في القاهرة، 4 مارس (آذار) الماضي، عندما أكد أنه سيستحدث ويعين منصب نائب رئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين ضمن إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخ دماء جديدة في المنظمة وحركة «فتح» وأجهزة الدولة.

أغلبية كبيرة

صور من ترشيح عباس للشيخ وقرار مصادقة التنفيذيه عليه (وزعتها حركة فتح)

وبناءً على قرار عباس، قرر «المجلس المركزي» استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك وفق التفويض من «المجلس الوطني»، عام 2018، بتولي مسؤولياته باعتباره البرلمان والمرجعية للمنظمة والسلطة معاً. ونص القرار على أن يُعيّن نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة ومصادقة أعضائها، فيما يحق للرئيس أن يكلف نائبه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، أو يقبل استقالته.

وصوَّت لصالح القرار أغلبية كبيرة: 170 عضواً من الأعضاء الحاضرين في القاعة والمشاركين عبر تقنية «الزووم»، بينما صوَّت عضو واحد بالرفض، وامتنع آخر عن التصويت. ومسألة تعيين نائب للرئيس الفلسطيني كانت مثار نقاش منذ سنوات طويلة، بعدما سيطرت حركة «حماس» على المجلس التشريعي الفلسطيني، وأيضاً بسبب تقدُّم عباس في العمر. وينص النظام الأساسي للسلطة الفلسطينية على أنه في حال شغور منصب الرئيس لأي سبب كان، مثل الوفاة أو فقدان الأهلية، يتولى رئيس المجلس التشريعي منصب الرئيس لمدة 60 يوماً تجري في نهايتها انتخابات عامة للرئاسة.

لكن عباس حل المجلس التشريعي قبل سنوات، وأصدر، نهاية العام الماضي، مرسوماً دستورياً نص على أنه في حال شغور منصب الرئيس يتولى رئيس «المجلس الوطني» المنصب لمدة 90 يوماً تجري في نهايتها انتخابات عامة للرئاسة. وكان يمكن أن يستمر هذا الوضع، لولا حرب غزة التي قلبت كل الموازين، ووضعت السلطة في زاوية صعبة وضيقة، تحت وابل من الاتهامات الإسرائيلية والأميركية والعربية كذلك التي طالبتها بإجراء إصلاحات وتغييرات واسعة، قبل تقديم أي دعم أو تمكينها في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، في «اليوم التالي» للحرب.

وتعيين نائب للرئيس عباس، البالغ من العمر 90 عاماً، يمثل أوضح رسالة على أن السلطة تتغير فعلاً.

صلاحيات واسعة

محمود عباس خلال الدورة الـ32 للمجلس المركزي لمنظمة «التحرير» الفلسطينية في رام الله 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الشيخ ستكون له صلاحيات واسعة. وأضافت المصادر: «من قبل تعيينه يُعتبر الرجل الطباخ الرئيسي في المطبخ السياسي والأمني الفلسطيني، وتعيينه نائباً للرئيس سيعطيه الشرعية، وبالتالي نفوذاً أوسع».

جاء الشيخ بعد سلسلة تغييرات كبيرة داخل السلطة، بدأت، العام الماضي، بإقالة عباس لحكومته، وتشكيله حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء محمد مصطفى.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، قاد عباس عاصفة طالت جميع قادة الأجهزة الأمنية تقريباً، وعيَّن رؤساء جدداً لأهم الأجهزة، جاء غالبيتهم هذه المرة من حرس الرئيس الخاص. ولم يكتفِ عباس بذلك، بل تخلَّص، في بداية الشهر الحالي، من مئات الضباط برتبة عميد، وأحالهم إلى التقاعد بمرسوم رئاسي. وجاء في نص القرار أنه يهدف إلى إعادة هيكلة الموارد البشرية في قوى الأمن الفلسطيني بما يتلاءم مع خطط تطوير الأجهزة الأمنية وعملها.

وقالت المصادر إن الشيخ كان المحرك الرئيسي لخطة الإصلاحات. وأصبح الشيخ في العامين الماضيين أقرب شخص للرئيس عباس، وقاد كثيراً من الحوارات مع الإسرائيليين والأميركيين والعرب في جميع القضايا المصيرية المتعلقة بالسلطة الفلسطينية، ويُعدّ اليوم أحد المؤثرين في صنع القرار المركزي إلى جانب عباس.

والقرار الذي اتخذته اللجنة التنفيذية، يوم السبت، يقربه كذلك من رئاسة السلطة الفلسطينية. وعملياً يتم اختيار رئيس السلطة بالانتخاب، مثلما حدث مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، والحالي محمود عباس، وكلاهما رُشّح من قبل حركة «فتح». وقبل اجتماع المجلس المركزي أعطت اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس، حرية اختيار نائبه، الذي كان معروفاً أنه سيكون حسين الشيخ.

قضية المناصب الثلاثة

وقال مسؤول في السلطة الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن الشيخ بهذا الاختيار أصبح عملياً نائباً لعباس في السلطة، حتى إن لم يكن ذلك موجوداً في نص واضح.

وأضاف: «بإعلانه نائب رئيس اللجنة التنفيذية فقد أصبح نائب رئيس الدولة بتفويض من المجلس المركزي الذي كان قد وافق على تكليف رئيس اللجنة التنفيذية برئاسة الدولة أول مرة مع ياسر عرفات في عام 1989، والثانية مع محمود عباس عام 2008، وبناء عليه، فإن نائب عباس في اللجنة التنفيذية سيكون نائب رئيس الدولة».

وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير قرر، في عام 2018، تحويل السلطة الفلسطينية إلى «دولة قائمة»، وكلف اللجنة التنفيذية للمنظمة العمل على تجسيدها. لكن لا يعني كل ذلك بالضرورة أن يتزعم الشيخ السلطة وحركة فتح والمنظمة معاً. وثمة مقترح داخل الحركة بتوزيع المناصب بعد عباس، أي تولي 3 مسؤولين كبار من «فتح» 3 مواقع يشغلها عباس الآن، وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات يشغلها كذلك، وهي: رئيس السلطة، ورئيس منظمة التحرير، ورئيس حركة فتح. وبحسب مصادر، فإن ذلك سيكون مثار نقاشات واسعة وعاصفة في مرحلة لاحقة.