إسرائيل تعبر الحدود بعد انسحاب الجيش اللبناني

مقتل عسكري لبناني وقائد «حماس» في لبنان

TT

إسرائيل تعبر الحدود بعد انسحاب الجيش اللبناني

جنود إسرائيليون بالقرب من دبابات وناقلات جند مدرعة في شمال إسرائيل وسط أنباء عن عملية برية وشيك داخل لبنان 30 سبتمبر 2024 (أ.ب)
جنود إسرائيليون بالقرب من دبابات وناقلات جند مدرعة في شمال إسرائيل وسط أنباء عن عملية برية وشيك داخل لبنان 30 سبتمبر 2024 (أ.ب)

قُتل عسكري في الجيش اللبناني للمرة الأولى منذ بدء المواجهات الواسعة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، في ظل تقارير عن إبلاغ تل أبيب لواشنطن بأن قواتها تستعد لعملية برية قريباً داخل لبنان.

وذكر مسؤولون أميركيون لوكالة «أسوشيتد برس» أن إسرائيل تنفذ حالياً عمليات برية محدودة عبر الحدود في لبنان وأن عملية برية كبيرة لا تزال قيد التخطيط. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، يوم (الاثنين)، إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بالعمليات، التي وصفها «بالمحدودة» وتستهدف البنى التحتية لـ«حزب الله» بالقرب من الحدود. ولم يتضح ما إذا كانت إسرائيل قد اتخذت قرارًا نهائيًا بشأن عملية أوسع نطاقًا.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الثلاثاء) المناطق المحيطة بتجمعات المطلة ومسكاف عام وكفار جلعادي السكنية في شمال إسرائيل بالقرب من الحدود مع لبنان منطقة عسكرية مغلقة، ومنع الدخول إلى تلك المناطق.وقال الجيش الإسرائيلي إن القرار اتخذ بعد تقييم للوضع.

وذكرت وكالة «رويترز» للأنباء نقلاً عن سكان محليين انسحاب الجيش اللبناني من عدة مواقع على الحدود الجنوبية مع إسرائيل.

وقال مصدر أمني لبناني للوكالة إن القوات انسحبت لمسافة خمسة كيلومترات على الأقل شمال حدودها الجنوبية مع إسرائيل، فيما تحدث «وكالة الصحافة الفرنسية» أن الجيش اللبناني اعاد التمركز قرب الحدود في جنوب لبنان على وقع تهديدات اسرائيلية بتوغّل محتمل.

جاء ذلك في وقت واصلت فيه إسرائيل استكمال حرب الاغتيالات، واستهدفت فجر الاثنين، للمرة الأولى، قلب بيروت في ضربة أودت بحياة 3 أعضاء في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، بينما أدت غارة جوية على مخيم فلسطيني جنوب لبنان، إلى مقتل قائد كبير في حركة «حماس».

كما طال القصف الإسرائيلي مبنى في محيط معبر جديدة يابوس الحدودي بين لبنان وسوريا، الذي يكتظ بالمواطنين الهاربين من لبنان.

واستمرت في الساعات الماضية الهجمات الإسرائيلية على لبنان، وتركزت بشكل أساسي في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث لا يزال هناك مئات الأشخاص العالقين تحت الأنقاض.

آليات إسرائيلية تتجمع قرب الحدود مع لبنان الاثنين (إ.ب.أ)

التهديد بالاجتياح البري

وفي خضم ذلك، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، لمح الاثنين، إلى عملية برية محتملة ضد «حزب الله» في لبنان.

ونقل بيان للجيش عن غالانت قوله خلال زيارته جنوداً من وحدة مدرّعة منتشرة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، إنّ «القضاء على (زعيم «حزب الله» حسن) نصر الله خطوة مهمة، لكنّها ليست الأخيرة. ولضمان عودة سكان شمال إسرائيل، سنستخدم كلّ قدراتنا».

وأضاف أمام الجنود: «سنستخدم كلّ القدرات المتوفّرة لدينا، وإذا لم يفهم أي شخص على الجانب الآخر ما تنطوي عليه تلك القدرات، فإنّنا نعني كل القدرات، وأنتم جزء من هذا الجهد».

وفي حين لم يسجّل على الجانب اللبناني أي تبدل في التحركات العسكرية، تضاربت المعلومات الاثنين حول توغّل بري إسرائيلي محتمل. إذ أفادت تقارير ببدء عمليات لقوات الكوماندوز الإسرائيلية في مناطق لبنانية قريبة من الخط الأزرق، بينما كشف مسؤول أميركي أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة، أنها تخطط لتنفيذ عملية برية وشيكة في لبنان.

ونقلت وسائل إعلام أميركية عن هذا المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، أن إدارة الرئيس جو بايدن تبلغت من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن التوغل البري «سيكون محدوداً».

غير أن العملية العسكرية ستذهب إلى أبعد من الغارات الهادفة إلى اغتيال قيادة «حزب الله» والمسؤولين الميدانيين لديه، كما كان المسؤولون الإسرائيليون قد أبلغوا نظراءهم الأميركيين خلال الأسبوع الماضي.

لكن المسؤول الأميركي أفاد بأن الولايات المتحدة «لا تعتقد» أن النية تشبه عملية إسرائيل التي استمرت 34 يوماً في لبنان عام 2006، بل «نسخة مخففة بشكل كبير من ذلك».

طفل لبناني يتلقى علاجه بأحد المستشفيات بعدما أصيب في قصف إسرائيلي أدى إلى مقتل والده (رويترز)

ومع ذلك، حذّر المصدر الأميركي من أن المسؤولين في إدارة بايدن قلقون من أن ما قد يبدأ توغلاً محدوداً يمكن أن يتحول إلى عملية أكبر على المدى الأطول.

وقال إن هذه المخاوف تجري مناقشتها مع الجانب الإسرائيلي، الذي يدّعي أن التوغل البري المحدود من شأنه أن يستهدف البنية التحتية لـ«حزب الله» قرب الحدود مع إسرائيل، وسيركز على تطهير البنية التحتية المسلحة على طول الحدود لإزالة التهديد للمجتمعات الحدودية الإسرائيلية.

وتبلغت الولايات المتحدة بأن القوات الخاصة الإسرائيلية نفذت بالفعل غارات صغيرة داخل الأراضي اللبنانية في الأيام الأخيرة كجزء من الاستعدادات لهجوم بري إسرائيلي محتمل. ويتوقع أن تنسحب القوات الإسرائيلية بعد التوغل.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن 6 ضباط ومسؤولين إسرائيليين ومسؤول غربي واحد، أن الغارات ركزت على جمع المعلومات الاستخبارية حول مواقع «حزب الله» بالقرب من الحدود، فضلاً عن تحديد أنفاق «حزب الله» والبنية التحتية العسكرية، استعداداً لمهاجمتها جواً أو براً.

وقال 3 من المسؤولين إن الغارات تأتي بعد أشهر من المهمات السرية المماثلة التي عبرت فيها القوات الخاصة الإسرائيلية لفترة وجيزة الحدود اللبنانية للاستطلاع، لكنها زادت في الكثافة في الأيام الأخيرة، حيث استعد القادة لمناورة أوسع.

وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، من جهتها، أن اجتياح إسرائيل للبنان «بات مسألة أيام».

سيارات الإسعاف تنقل جثث قتلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في منطقة الكولا ببيروت (رويترز)

مقتل عسكري لبناني وقائد «حماس» في لبنان

والاثنين، أعلن الجيش اللبناني عن مقتل عسكري جراء ضربة من مسيّرة إسرائيلية استهدفت دراجة نارية لدى مرورها على حاجز في جنوب لبنان، ليكون بذلك أول جندي يقتل منذ بدء إسرائيل شن غارات كثيفة على مناطق عدة.

وقال الجيش في منشور على منصة «إكس»: «استُشهد أحد العسكريين نتيجة استهداف مسيّرة تابعة للعدو الإسرائيلي دراجة نارية أثناء مرورها عند حاجز» في منطقة الوزاني الحدودية مع إسرائيل.

وكانت «الوكالة الوطنية للإعلام» أفادت بوقوع 3 غارات شنتها مسيّرات، استهدفت الأولى دراجة نارية عند مفترق الخيام، مما أدى إلى سقوط قتيلين سوريين، واستهدفت الثانية مركزاً للجيش في الوزاني، ما أدى إلى إصابة عسكري بشظايا، نقل على أثرها إلى المستشفى للعلاج، أما الثالثة فاستهدفت دراجة نارية على أطراف بساتين وأدت إلى جرح سوريين.

وقبل ذلك، كانت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» قد أعلنت أن عدداً من أعضائها قتلوا في غارة إسرائيلية استهدفت شقة في منطقة الكولا ببيروت، وهي الأولى من نوعها التي تستهدف قلب العاصمة اللبنانية منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.

والأعضاء القتلى بحسب البيان؛ هم محمد عبد العال، عضو المكتب السياسي للجبهة ومسؤول الدائرة العسكرية الأمنية، وعماد عودة، عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة وقائدها العسكري في لبنان، والمقاتل عبد الرحمن عبد العال.

وأظهرت لقطات فيديو عرضتها قنوات تلفزيونية شقة مهدمة جزئياً، بسبب الغارة على مبنى في حي الكولا ذي الغالبية السنية، والواقع قرب الطريق التي تربط العاصمة بمطار بيروت.

والجبهة الشعبية هي منظمة فلسطينية يسارية مصنفة إرهابية من قبل إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وقد ساندت «حزب الله» اللبناني في عملياته العسكرية التي ينفذها في شمال إسرائيل «دعماً» لغزة.

من جهتها، أعلنت حركة «حماس» الفلسطينية مقتل قائدها بلبنان في غارة جوية بجنوب البلاد. وقالت الحركة في بيان: «ننعى (...) الشهيد القائد فتح شريف أبو الأمين قائد حركة المقاومة الإسلامية - حماس في لبنان وعضو قيادة الحركة في الخارج»، الذي قتل في «عملية اغتيال إرهابية وإجرامية» استهدفت منزله في مخيم البص قرب صور بجنوب لبنان، مشيرة إلى أنه قتل في الغارة مع زوجته وابنه وابنته.

وأشارت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن هذه المرة التي يتم فيها استهداف المخيم الفلسطيني.

ويأتي هذا الاستهداف بعدما كان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، قُتل في 2 يناير (كانون الثاني) الماضي بضاحية بيروت الجنوبية، في ضربة نُسبت إلى إسرائيل.

الدخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية على قرية إبل السقي بجنوب لبنان الاثنين (أ.ف.ب)

وفجر الاثنين أيضاً، كان القصف قد استهدف مبنى في محيط معبر جديدة يابوس الحدودي مع لبنان، ما أسفر عن إصابة 7 مقاتلين موالين لإيران؛ 5 منهم غير سوريين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويشهد معبر جديدة يابوس، أكبر المعابر بين سوريا ولبنان، ازدحاماً شديداً منذ أيام، إثر تدفق آلاف اللاجئين السوريين واللبنانيين هرباً من الغارات الإسرائيلية الكثيفة على لبنان.

قصف مستمر على البقاع والجنوب

إلى ذلك، ساد الهدوء الحذر في الضاحية الجنوبية لبيروت الاثنين، في حين استمر القصف الإسرائيلي على البقاع اللبناني والجنوب، حيث أعلنت وزارة الصحة ارتفاع عدد القتلى الذين سقطوا في المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في منطقة عين الدلب، شرق صيدا، إلى 45 شخصاً و70 جريحاً.

ونعت وزارة الصحة 6 عناصر من «الدفاع المدني» في «الهيئة الصحية الإسلامية»، بعد استهداف الطائرات الإسرائيلية مراكز لها في بلدة سحمر بالبقاع الغربي، كما سقط 3 قتلى في غارة على محيط ساحة بنعفول في قضاء صيدا.

كما شهدت منطقة الهرمل في البقاع مجزرتَين جديدتَين نتيجة القصف الإسرائيلي، حيث أُطلق صاروخان باتجاه المنازل السكنية عند منتصف الليل، واستهدف منزلَان في محلّتَي الشلمان وحوش السيد علي، ممّا أسفر عن سقوط 10 قتلى، بالإضافة إلى إصابة 20 فرداً من عائلة واحدة.

وشنت الطائرات الإسرائيلية غارتين على بلدتي كفرشوبا وكفر حمام في قضاء حاصبيا، وغارتين على شقرا وبرعشيت في الجنوب.

صواريخ «حزب الله»

في المقابل، أعلن «حزب الله» في بيانات متلاحقة، قصف قاعدة الناعورة الإسرائيلية بصواريخ «فادي 2»، وقصف مدينة صفد ومستعمرة جيشر هزيف ومستعمرة كابري بـ«صلية ‏صاروخية». ‏

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض مسيّرة اخترقت منطقة المياه الاقتصادية في شمال البلاد. ونشر فيديو قال إنه للمسيرة التي كانت تستهدف حقل غاز كاريش في الشمال.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» مُلوّحاً بالرد على إسرائيل: أمامهم فترة اختبار... والوضع الحالي لن يستمر

المشرق العربي النائب حسن فضل الله

«حزب الله» مُلوّحاً بالرد على إسرائيل: أمامهم فترة اختبار... والوضع الحالي لن يستمر

لوّح «حزب الله» بالرد على الخروقات الإسرائيلية، محذراً، على لسان النائب حسن فضل الله، بأن الوضع الحالي في جنوب لبنان لن يستمر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع يحذّر من «تهريب رئيس» في جلسة 9 يناير

يسود الترقب في لبنان مع بدء العد العكسي لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي عبد الرحمن القرضاوي (وسائل التواصل الاجتماعي)

القضاء اللبناني يستجوب نجل يوسف القرضاوي ويبقيه موقوفاً

مثل الناشط السياسي المصري عبد الرحمن القرضاوي، أمام النيابة العامة في لبنان، وخضع لاستجواب مطوّل حول مذكرة «الإنتربول» الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان اللبناني خلال اجتماع سابق مع الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين (أ.ف.ب)

«اجتياح» إسرائيل الهدنة يرفع منسوب الخوف اللبناني

يقلق تمادي إسرائيل في تدميرها البلدات اللبنانية رئيس البرلمان نبيه بري المترافق مع تلويحها بتمديد حالة الطوارئ بذريعة عدم جاهزية الجيش اللبناني.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي صورة لحسن نصر الله أمام أنقاض مبنى دمّره الطيران الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)

تفكيك «حزب الله»... سنوات من الجهد الاستخباراتي الإسرائيلي

في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي، وبينما كان أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، مختبئاً داخل معقل للحزب على عمق 40 قدماً تحت الأرض، حثَّه مُساعدوه على الذهاب إلى…

مارك مازيتي (تل أبيب - القدس) شيرا فرينكيل (تل أبيب - القدس) رونين بيرغمان (تل أبيب - القدس)

حزب «البعث» السوري يتداعى

بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
TT

حزب «البعث» السوري يتداعى

بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)

بعد أيام قلائل من إطاحة «هيئة تحرير الشام» في سوريا بالرئيس بشار الأسد، أعلن «حزب البعث» الحاكم تجميد أنشطته، ما يمثل تغييراً صادماً في حظوظ الجماعة السياسية، التي حكمت لأكثر من 6 عقود، حسب تقرير وكالة «أسوشييتد برس».

ولجأ الكثيرون من أعضاء قيادة الحزب إلى الاختباء، بينما فر البعض الآخر إلى خارج البلاد. وفي خطوة رمزية، حوّل حكام سوريا الجدد المقر السابق للحزب في العاصمة دمشق، إلى مركز يصطف داخله أعضاء سابقون بالجيش وقوات الأمن، لتسجيل أسمائهم وتسليم أسلحتهم، فيما يعرف بـ«مراكز المصالحة والتسوية».

في الوقت ذاته، تتصاعد الدعوات لحل «حزب البعث العربي الاشتراكي»، الذي حكم سوريا رسمياً منذ عام 1963. ويرى الكثير من السوريين - بما في ذلك أعضاء سابقون بالحزب - أن حكمه أضر بالعلاقات مع الدول العربية الأخرى، وساعد في تفشي الفساد الذي أدى إلى انهيار الدولة التي مزقتها الحرب.

من بين هؤلاء، محمد حسين علي، 64 عاماً، الذي عمل في شركة نفط حكومية، وكان عضواً في الحزب لعقود حتى استقال في بداية الانتفاضة السورية المناهضة للحكومة عام 2011، التي تحولت إلى حرب أهلية. وقال: «لا ينبغي حل الحزب فحسب، بل يجب أيضاً أن يذهب إلى الجحيم».

يذكر أن علي لم يغادر البلاد قط، وقد أكد أنه سعيد بانتهاء حكم «البعث».

هويات معتقلين في فرع أمني بدمشق بعد سقوط الأسد (أ.ف.ب)

من جهته، قال مسؤول في «هيئة تحرير الشام»، التي قادت أطاحت بالأسد، إنه لم يجر بعد اتخاذ قرار رسمي بشأن ما يجب فعله مع «حزب البعث».

وأشار المسؤول، الذي اشترط عدم كشف هويته، لأنه غير مخول له بالتحدث عن الأمر، إلى أن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، قال إن المسؤولين الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب السوري على مدى العقود الماضية، سيمثلون أمام العدالة. وألمح إلى أن هذا يشمل أعضاء «حزب البعث».

أكبر تمثال لحافظ الأسد كما بدا أمس بعد نحو 3 أسابيع من إسقاطه في بلدة ديرعطية شمال دمشق (أ.ف.ب)

يذكر أن الحزب، الذي كان هدفه توحيد الدول العربية في أمة واحدة، تأسس على يدي اثنين من القوميين العرب السوريين، ميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار، عام 1947. وفي فترة ما، حكم الحزب بلدين عربيين، العراق وسوريا.

واشتعلت حالة من التنافس بين الفرع السوري تحت حكم الأسد ووالده الراحل حافظ، والفرع العراقي تحت حكم صدام حسين، الذي أطاح به الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وأصبح «حزب البعث» داخل سوريا، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً للغاية بعائلة الأسد التي تولت السلطة منذ عام 1970. وعلى امتداد عقود، استغلت العائلة الحاكمة الحزب وآيديولوجيته القومية العربية للسيطرة على البلاد.

وشغل الكثيرون من أبناء الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها آل الأسد، وظائف عسكرية عليا، وجرى استغلال عضوية الحزب كغطاء لمنحه طابعاً وطنياً، بدلاً من الطابع الطائفي.

عناصر من أجهزة الجيش والشرطة والأمن قدموا لتسوية أوضاعهم في مركز المزة بدمشق (الشرق الأوسط)

من جهته، قال عبد الرحمن علي، جندي سابق، ظل عضواً في «حزب البعث» لعقود، وحرص على القدوم إلى مقر الحزب لقطع علاقاته العسكرية به، إنه لم يكن لديه أي فكرة عن تأسيس الحزب على يد عفلق وبيطار، وذكر أنه «لطالما اعتقد أن حافظ الأسد هو المؤسس».

أضاف علي، (43 عاماً): «أشعر بالسعادة. لقد تحررنا من الخوف. حتى الجدران كانت لها آذان. لم نجرؤ على التعبير عن آرائنا مع أي شخص»، في إشارة إلى أجهزة الأمن والاستخبارات المخيفة، التي اعتقلت وعذبت الأشخاص الذين عبروا عن انتقادهم للأسد أو المسؤولين الحكوميين.

منظمة «طلائع البعث» في سوريا فرضت تجديد الولاء اليومي للحزب وقائده قبل بدء ساعات الدراسة (متداولة)

جدير بالذكر أن الكثير من السوريين كانوا ملزمين بالانضمام إلى «طلائع البعث» و«شبيبة الثورة»، الفرعان الخاصان بالأطفال والشباب بالحزب، أثناء وجودهم في المدرسة الابتدائية، وذلك بغرض التأكيد على الآيديولوجية القومية العربية والاشتراكية.

وكان من الصعب على الأشخاص الذين لم يكونوا أعضاء بالحزب، الحصول على وظائف حكومية أو الانضمام إلى الجيش أو أجهزة الأمن والاستخبارات.

صورة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على غلاف تقرير فوق مكتب بمقر «حزب البعث» حيث ينتظر جنود سابقون تسجيل أسمائهم في «عملية المصالحة» في دمشق الاثنين (أ.ب)

عام 2012، بعد عام من اندلاع الانتفاضة السورية، جرى إلغاء فقرة من الدستور تنص على أن «حزب البعث» زعيم الأمة والمجتمع، في خطوة سعت إلى تهدئة مطالب الجمهور بالإصلاح السياسي. إلا أنه على صعيد الممارسة العملية، ظل الحزب مسيطراً، حيث شغل أعضاؤه مقاعد الأغلبية في البرلمان والحكومة.

عناصر من أجهزة الجيش والشرطة والأمن قدموا لتسوية أوضاعهم في مركز المزة بدمشق الثلاثاء (الشرق الأوسط)

جندي سابق آخر، لم يذكر سوى اسمه الأول، غدير، خوفاً من تعرضه للانتقام باعتباره من أبناء الطائفة العلوية، قال إنه جاء من عائلة فقيرة، وانضم إلى الحزب حتى يتمكن من دخول الجيش للحصول على دخل ثابت. وقال: «لا يمكنك الحصول على أي وظيفة إذا لم تكن بعثياً».

وفي حين أن قِلة من الناس يتباكون على سقوط الحزب في سوريا، فإن البعض يخشون أن الأغلبية السنية التي تسيطر الآن على البلاد، قد تشن حملة تطهير مماثلة لتلك التي حصلت في العراق بعد سقوط صدام حسين.

وقد جرى تشكيل لجنة لاجتثاث «حزب البعث» في العراق، وكانت مهمتها الرئيسة التخلص من الموالين لصدام داخل أروقة الحكومة والمؤسسات العسكرية. واعتبرت الأقلية السنية أن هذا الأمر وسيلة لتصفية الحسابات الطائفية من قبل الأغلبية الشيعية في البلاد. وأسهم الاستياء السني والحرمان من الحقوق الذي أعقب ذلك، في صعود جماعات متطرفة في البلاد، بما في ذلك تنظيما «القاعدة» و«داعش» في العراق.

طابور أمام مركز المزة للمصالحة والتسويات أمس (الشرق الأوسط)

في سوريا، دعا بيان لـ«حزب البعث»، صدر بعد 3 أيام من سقوط الأسد، جميع الأعضاء إلى تسليم أسلحتهم وسياراتهم العامة للسلطات الجديدة.

وفي 24 ديسمبر (كانون الأول)، كان عضو الحزب والعقيد السابق في الجيش، محمد مرعي، من بين مئات الأشخاص الذين اصطفوا في المقر السابق للحزب وسلموا الأسلحة.

وقال مرعي إنه ينبغي منح الحزب فرصة أخرى؛ لأن مبادئه جيدة، لكن أسيء استغلالها على مدى عقود. ومع ذلك، أوضح أنه ربما يرغب في الانضمام إلى حزب آخر، إذا أصبحت سوريا ديمقراطية متعددة الأحزاب في المستقبل.

وقد سلم مسدسه سوفياتي الصنع «ماكاروف»، وتسلّم وثيقة تفيد بأنه يستطيع الآن التحرك بحرية في البلاد، بعد المصالحة مع السلطات الجديدة. وقال: «أريد أن أصبح مواطناً سورياً عادياً مرة أخرى، وأن أعمل على بناء سوريا جديدة».