«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي

واشنطن لا تقطع الأمل في حل دبلوماسي واجتماعات حاسمة السبت

«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي
TT

«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي

«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي

سادت أجواء تشاؤمية أروقة الأمم المتحدة، رغم استمرار الجهود الدبلوماسية للجم التصعيد الخطير في العمليات العسكرية عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، والمساعي المتواصلة لتطبيق المبادرة الأميركية - الفرنسية، المدعومة دولياً وعربياً، من أجل إقرار هدنة تهدئ المخاوف من شبح مواجهات بريّة بين إسرائيل و«حزب الله».

وعلمت «الشرق الأوسط» من دبلوماسيين كبار يشاركون في أعمال الدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والمنسق الخاص للبيت الأبيض للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة آموس هوكستين، والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، عبّروا عن «استياء شديد» من «انقلاب» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على «مبادرة الهدنة» المؤقتة لـ21 يوماً، بعدما كان قد أعطى موافقته عليها، واضعاً «شروطاً جديدة» فيما يتعلق بطريقة التعامل مع «حزب الله» وعمل القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» لتطبيق القرار رقم 1701.

ومع ذلك، واصل المسؤولون الأميركيون مشاوراتهم مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، من جهة، وعدد من المسؤولين الإسرائيليين، ومن بينهم وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، من جهة أخرى، أملاً في التوصل إلى صيغة جديدة مقبولة من الطرفين، علماً أن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، يعتزم التوجه إلى بيروت خلال الساعات المقبلة في سياق الجهود ذاتها.

وأكد دبلوماسيون أن «واشنطن لا تقطع الأمل في حل دبلوماسي»، وأن «اجتماعات حاسمة ستعقد السبت». وكان عبد الله بوحبيب قد ألقى، الخميس، كلمة لبنان على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقال: «لبنان يعيش أزمة تهدد وجوده ومستقبل شعبه، وتتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، وتتساقط أحجار الدومينو المترابطة، ويتحول عجز احتوائها وإطفائها إلى ثقب أسود يبتلع السلم والأمن الإقليميين والدوليين».

وحذر من أن الوضع المتأزم في لبنان «ينذر بالأسوأ لكل الشرق الأوسط» في حال استمرار الأمور على حالها، كما رحب مجدداً بالمبادرة الأميركية - الفرنسية التي تهدف إلى «إتاحة الفرصة لإرساء الهدوء طويل الأمد، بما يعطي استقراراً على الحدود، ويعيد النازحين إلى منازلهم»، مطالباً باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ.

وكذلك عبّر بوحبيب عن أسفه لـ«عجز الأمم المتحدة عن حماية لبنان من العدوان الإسرائيلي»، وأضاف: «سنبقى متمسكين بدور المنظمة الأممية بصفتها خط دفاع في وجه الاحتلال والبطش والعنف والدمار». وأكد أن لبنان ملتزم بتطبيق القرار رقم 1701 «الذي أثبت قدرته على إرساء استقرار نسبي» في الجنوب اللبناني منذ نهاية حرب يوليو (تموز) 2006، وحتى 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وشدد على أن القرار ليس مجرد وثيقة أو إطار عمل، «بل يمثل التزاماً من المجتمع الدولي بالحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي». وقال إن بلاده تعول على دعم المجتمع الدولي لتعزيز انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، ومساعدته وتوفير ما يحتاجه من عتاد بعد أن أعلنت الحكومة فتح الباب لحملة تجنيد جديدة، رغم الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، «كالتزام واضح منها بالقرار رقم 1701، بحيث لا يكون هناك سلاح دون موافقة حكومة لبنان، ولا تكون هناك سلطة غير سلطة حكومة لبنان». وشدد على أن أهم بنود القرار رقم 1701 إظهار حدود لبنان «المعترف بها دولياً والمرسمة بين لبنان وفلسطين عام 1923، والمؤكد عليها في اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية الموقعة عام 1949 بإشراف ورعاية الأمم المتحدة».

وقال إن ذلك يتم من خلال استكمال عملية الاتفاق على النقاط 13 الحدودية المختلف عليها، وبموجب ذلك تنسحب إسرائيل من جميع المناطق اللبنانية التي لا تزال تحتلها. وأضاف أن لبنان ملتزم بالتفاوض لحل النزاعات بالطرق السلمية، وأثبت قدرته على أن يكون «شريكاً موثوقاً في بناء التفاهمات، كما حدث في أكتوبر 2022 في ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل».

وقال وزير الخارجية اللبناني، إن إسرائيل «تجنح أكثر فأكثر نحو التطرف»، مشيراً إلى اتساع رقعة الحرب لتطال العمق اللبناني، والنموذج «القبيح والمقزز» في تحويل أجهزة إلكترونية مخصصة للاستخدام المدني «إلى قنابل موقوتة»، والتدمير «الممنهج» الذي تتعرض له القرى الحدودية اللبنانية، و«العقاب الجماعي للسكان وحرق الأراضي الزراعية بالفوسفور الأبيض وجعلها غير قابلة للاستثمار لسنوات طويلة».

وأضاف: «من على هذا المنبر نجدد تحذيرنا من العدوان المتزايد واللعب بالنار ومحاولة جر الشرق الأوسط برمته إلى الانفجار الكبير. كما نكرر مجدداً رفضنا للحرب، وحقنا المشروع في الدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وذلك بالتزامن مع السعي الدؤوب من خلال اتصالاتنا أو لقاءاتنا لتجنب الوقوع في شباك التهور الإسرائيلي الساعي إلى استمرار الحرب وتوسيعها».

وأكد بوحبيب أن عودة النازحين الإسرائيليين إلى «بلداتهم أو مستوطناتهم لن تتحقق بالحرب والقصف والقتال وتهجير أوسع للبنانيين، فأقصر الطرق إلى عودتهم هي الوقف الشامل والفوري لإطلاق النار، وفقاً للبيان الأميركي - الفرنسي». وقال إن لبنان والدول العربية اختاروا السلام «بصورة واضحة لا لبس فيها» من خلال مبادرة السلام العربية الصادرة في بيروت عام 2002، «والآن على إسرائيل، كل إسرائيل، حكومة وشعباً أن تريد فعلاً السلام وتختاره بدلاً من الحرب، وأن تتخطى هواجسها الأمنية».



صهر قاسم سليماني... من هو هاشم صفي الدين أبرز مرشح لخلافة نصر الله؟

هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

صهر قاسم سليماني... من هو هاشم صفي الدين أبرز مرشح لخلافة نصر الله؟

هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

مع التقارير غير المؤكدة عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله بغارة إسرائيلية على بيروت، الجمعة، بعد 32 عاماً على رأس جماعته، تزايدت التساؤلات عن خليفته المرتقب.

ورغم السرية والغموض اللتين تكتنفان عملية اختيار القيادات في التنظيمات الشبيهة بـ«حزب الله»، يتصدر الأسماء المرشحة لقيادة التنظيم الحليف لإيران في حال تأكد الاغتيال، هاشم صفي الدين، ابن خالة نصر الله وصهر قاسم سليماني، القائد السابق لـ«فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني.

يشبه صفي الدين ابن خالته في الشكل والجوهر وحتى في لثغة الراء. أُعد لخلافته منذ 1994، وجاء من قم إلى بيروت، ليتولى رئاسة المجلس التنفيذي الذي يعتبر حكومة الحزب. أشرف على عمله القائد الأمني السابق للحزب عماد مغنية.

كان صفي الدين «ظل» نصر الله بامتياز، والرجل الثاني داخل الحزب. وعلى مدى ثلاثة عقود، امسك الرجل بكل الملفات اليومية الحساسة، من إدارة مؤسسات الحزب الى إدارة أمواله واستثماراته في الداخل والخارج، تاركاً الملفات الاستراتيجية بيد نصر الله.

هاشم صفي الدين في صورة تعود إلى عام 2015 (أ.ف.ب)

ويعد صفي الدين، المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية منذ عام 2017، من كبار مسؤولى الحزب الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الجناح العسكري، إلى جانب علاقاته الوثيقة جداً مع الجناح التنفيذي.

مصاهرة إيرانية

تربطه كذلك بطهران علاقات ممتازة، فهو قضى سنوات في حوزة قم يتعلم فيها، إلى أن استدعاه نصر الله إلى بيروت لتحمل مسؤوليات في الحزب. كما تزوج ابنه رضا في 2020 بزينب سليماني، ابنة العقل المدبر للمشروع الإقليمي لإيران قاسم سليماني الذي اغتالته غارة أميركية في بغداد في العام نفسه.

اسم صفي الدين طرحته صحيفة إيرانية لخلافة نصر الله قبل 16 عاماً. لكن المطلعين على كواليس الحزب يقولون إن القرار اتخذ قبل ذلك بكثير. فوفقاً لما أكده قيادي سابق بارز في «حزب الله» لـ«الشرق الأوسط» آنذاك، فإن اختيار صفي الدين تم بعد نحو سنتين من تولي نصر الله منصب الأمين العام في 1992، خلفاً لعباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل.

يحدد القيادي السابق توقيت الاختيار بلحظة «استدعاء» صفي الدين من مدينة قم في إيران إلى بيروت على وجه السرعة عام 1994 لتسلم مركزه الذي مكنه السيطرة على كل المفاصل المالية والإدارية والتنظيمية في الحزب.

وما يزيد من حظوظ اختيار صفي الدين لخلافة نصر الله، هو المسار المتشابه إلى حد الغرابة بين الرجلين داخل الحزب. غير أن نصر الله الذي لا يكبر ابن خالته بأكثر من عامين، يبدو أكبر منه بكثير من حيث الشكل، ناهيك من الحضور السياسي والشعبي.

صفي الدين خلال مشاركته في تشييع قيادي في الحزب قتل في إدلب بسوريا (أ.ف.ب)

ولا يوجد الكثير من المعلومات عن صفي الدين، فهذا الرجل ظل لفترة طويلة شبه مجهول في الأوساط السياسية اللبنانية، إلى أن دفعته الإجراءات الأمنية المشددة المحيطة بحسن نصر الله، إلى الظهور محله في مناسبات الحزب، خصوصاً جنازات عناصره وقياداته الذين قتلوا في لبنان أو خلال قتال الحزب في سوريا ضد المعارضة إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، أو في مناطق انتشاره الأخرى لمساندة البرنامج الإقليمي الإيراني.

لكن المعلومات القليلة التي تتوفر عنه تقول إن صفي الدين من مواليد عام 1964، من بلدة دير قانون النهر في منطقة صور جنوب لبنان، ومن عائلة «لها حضور قوي» بالمعيار الاجتماعي، وهي عائلة قدمت أحد أشهر نواب المنطقة في الستينات والسبعينات وهو محمد صفي الدين، بالإضافة إلى العديد من رجال الدين البارزين.

وسعى صفي الدين، وهو لا يزال في عمر صغير نسبياً إلى الزواج قبل السفر إلى الدراسة الدينية في مدينة قم الإيرانية التي كانت تشهد في تلك الفترة اتساعاً متزايداً في طلابها ونفوذها السياسي والديني بعد الثورة الإيرانية عام 1979 كرديف لمدارس النجف الدينية التي تدهور دورها نسبياً خلال حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وأراد صفي الدين أن يكون زواجه من عائلة متدينة، وأن يصاهر أحد رجال الدين، فكان أن تزوج من ابنة السيد محمد علي الأمين، عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

رعاية عماد مغنية

غادر صفي الدين إلى قم ملتحقاً بابن خالته نصر الله. ويقول بعض معارف العائلة إن صفي الدين كان أحد ثلاثة كانوا موضع عناية واهتمام عماد مغنية، المسوؤل الأمني البارز لـ«حزب الله»، والذي اغتيل في دمشق في فبراير (شباط) 2008 في ظروف ما زالت غامضة. هؤلاء الثلاثة هم حسن نصر الله، ونبيل فاروق أحد أبرز قادة الحزب، وصفي الدين نفسه، موضحين أن مغنية هو من أرسل هذا الثلاثي إلى قم وسهّل أمورهم هناك.

صفي الدين متحدثاً خلال تشييع عنصرين من الحزب قتلا بتفجيرات أجهزة الاتصالات منتصف الشهر الجاري (أ.ف.ب)

كُتب لهؤلاء الثلاثة أن يكونوا من أبرز قادة «حزب الله» أوائل التسعينات. فأصبح نصر الله أميناً عاماً، وصفي الدين مديراً تنفيذياً للحزب بالمقياس المؤسساتي، وبمثابة رئيس حكومة «حزب الله»، أما فاروق فأصبح قائداً عملياً لمنطقة الجنوب ذات الأهمية الكبيرة لدى قيادة الحزب وموقع قوته العسكرية الكبرى.

إدارة استثمارات الحزب

وإضافة إلى الشؤون اليومية للحزب، يدير المجلس التنفيذي الذي ترأسه صفي الدين أيضاً مجموعة استثمارات هائلة الحجم، تهدف إلى تأمين الاستقلالية المالية للتنظيم وتمويل جسده الهائل الذي لا يخضع لتمويل «الأموال الشرعية» المرصودة أساساً للعمل العسكري.

وفيما يقدر البعض هذا الرقم بمليارات الدولارات، تشكك أوساط مطلعة على أوضاع الحزب في هذا رغم اعترافها بضخامة حجم استثمارات الحزب والتي تنتشر في لبنان والعالم العربي وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية. وكان المجلس التنفيذي يضم تحت إدارته العمل العسكري، قبل أن يتم إنشاء «المجلس الجهادي» وفصل صلاحياته عن المجلس التنفيذي.

صفي الدين خلال جنازة قيادي من الحزب في يونيو الماضي (غيتي)

انبهار بولاية الفقيه

أثرت السنوات التي قضاها صفي الدين بقم في أفكاره السياسية، فهو مثلاً من الداعمين لفكرة ولاية الفقيه، بالرغم من أن الكثير من شيعة لبنان لا يؤمنون بها. ففي إحدى كتاباته يتطرق صفي الدين من بعيد إلى تجربة رجال الدين الشيعة في قم وأهميتها مقارنة بتجربة النجف، وتأثيرها على الفكر السياسي لدى الشيعة بلبنان، فيقول إن «الساحة الإسلامية الشيعية اللبنانية كان الغالب عليها الانحياز الكبير لمنتجات الفكر الآتي من النجف ولتجربته في كثير من الأحيان بينما غاب عنها إلى حد كبير الخصوصيات القمية إلا في بعض الحالات النادرة، وبشكل مفاجئ وخلافاً للتوقعات المعيشة في عموم الساحة الإسلامية أطل فجر الانتصار للثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني ليحقق حلماً كبيراً للنهج الإسلامي المتحرر معلناً نجاحاً باهراً وصاعقاً».

ويرى أن «نظرية ولاية الفقيه من أهم النظريات التي أخرجها الإمام الخميني من الأدلة الشرعية والعقلية لتكون مشروعاً كاملاً يعالج أهم المشكلات التي واجهت الحركات الإسلامية والتي أدت إلى حالة التشرذم».

عاجل الجيش الإسرائيلي: ضربنا أكثر من 140 هدفا لـ"حزب الله" في لبنان منذ الليلة الماضية خامنئي يقول إن لبنان سيجعل إسرائيل "تندم على أفعالها"