الفوضى تعمّ طريق الجنوب مع خروج مئات الآلاف «من تحت القنابل»

عائلات تفرّقت... وأخرى نزحت «من دون وجهة واضحة»

لبناني يرفع شارة النصر خلال نزوحه من الجنوب إلى مكان أكثر أماناً (أ.ب)
لبناني يرفع شارة النصر خلال نزوحه من الجنوب إلى مكان أكثر أماناً (أ.ب)
TT

الفوضى تعمّ طريق الجنوب مع خروج مئات الآلاف «من تحت القنابل»

لبناني يرفع شارة النصر خلال نزوحه من الجنوب إلى مكان أكثر أماناً (أ.ب)
لبناني يرفع شارة النصر خلال نزوحه من الجنوب إلى مكان أكثر أماناً (أ.ب)

اضطر جواد (42 عاماً) الذي يتحدر من بلدة الشعيتية في قضاء صور بجنوب لبنان، للمبيت في بلدة الصرفند في قضاء الزهراني، بعدما توقف السير على أوتوستراد بيروت على مسافة 65 كيلومتراً من وجهته في العاصمة اللبنانية: «لم أستطع إكمال طريقي بسبب الزحمة الخانقة»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، قبل أن يقرر استكمال رحلته في اليوم التالي.

متطوعون يؤمنون احتياجات النازحين من الجنوب في أحد مراكز الإيواء المؤقتة في بيروت (الشرق الأوسط)

وحال جواد، مثل حال مئات الآلاف من سكان جنوب لبنان، الذين وضّبوا أغراضهم على عجل يوم الاثنين، بعد بدء الغارات الإسرائيلية العنيفة التي استهدفت عشرات القرى فجأة. خرج مئات الآلاف ظهر الاثنين دفعة واحدة باتجاه بيروت والشمال والجبل، وغصّت الطرقات المؤدية إلى بيروت بالسيارات، ما ألزم النازحين بالبقاء ساعات طويلة امتدت إلى نحو 16 ساعة على الطريق.

آلاف السيارات تسير على الأوتوستراد الساحلي في رحلتها من الجنوب إلى بيروت (إ.ب.أ)

الخروج من الخطر

وسجّلت «الشرق الأوسط» على أوتوستراد الغازية (جنوب صيدا) عشرات آلاف السيارات عالقةً، وقد أُقفِلَت مسارب الذهاب والإياب وتحوّلت في اتجاه واحد. ويقول نازحون قادمون من قرى صور إن الزحمة وصلت إلى مشارف دير الزهراني في النبطية شرقاً، وإلى أبو الأسود على طريق صور.

وسط الزحمة في منطقة صيدا، يسأل رجل سبعيني قادم من بلدة الشهابية في قضاء صور عن الوقت المتوقع للوصول إلى بيروت. يجيبه أحد المارة العائدين جنوباً: «تحتاج إلى 6 ساعات على الأقل». يرد الرجل الكهل: «حتى لو استغرق الأمر 3 أيام، المهم أننا خرجنا من منطقة الخطر. الباقي لا يهمّ».

ويقول عائدون من الجنوب إن بعضهم قضى الليل بأكمله على الطريق. وصلت لينا وعائلتها في الثامنة صباحاً إلى دوحة الحص في جبل لبنان (جنوب بيروت)، علماً أن العائلة انطلقت من بلدة معركة (قضاء صور) في الثالثة من بعد ظهر الاثنين: «لم يكن أمامنا أي خيار آخر»، تقول لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن حجم الهجوم الإسرائيلي «لم يترك مكاناً آمناً، بما فيها القرى والبلدات التي لطالما كانت محيدة عن القصف»، وتضيف: «ما نشهده هو جنون»!

لبناني يرفع شارة النصر خلال نزوحه من الجنوب إلى مكان أكثر أماناً (أ.ب)

لبنانيون وسوريون

ولم تبقَ أي منطقة في جنوب صيدا محيدة عن القصف. على الطريق، يمكن مشاهدة سيارات بلا زجاج، أو سيارات مهشمة بفعل ضغط الانفجارات الناتجة عن الغارات الإسرائيلية العنيفة. حجم الخوف دفع الناس للخروج بأي وسيلة نقل. يمكن للمارة أن يشاهدوا جراراً زراعياً محملاً بالأبقار، أو شاحنة نقل صغيرة محملة بالأغنام، أو سيارات من طراز السبعينات يُعتقد أنها خرجت من الخدمة منذ سنوات وما كانت لتخرج من مرآبها، لولا الحاجة إلى آليات للخروج من المنطقة.

ومثل اللبنانيين، هناك سوريون استأجروا شاحنات وحافلات للانتقال إلى مناطق أكثر أماناً، بينهم مجموعة مؤلفة من 5 عائلات تعمل في القطاع الزراعي، قالت إنها تتوجه إلى مدينة بشري في شمال لبنان، حيث ستسكن لدى أقاربها.

عمال سوريون ينزحون في شاحنة من الجنوب باتجاه منطقة أكثر أماناً وتبدو الأغنام أسفل الشاحنة (الشرق الأوسط)

فوضى

ساهمت الفوضى وغياب العناصر الأمنية الكافية لتنظيم السير، بإغلاق الطرقات. فهذه الأزمة تعد الأولى من نوعها التي يشهدها لبنان بهذا الحجم، لناحية حجم الغارات التي تُعد بالمئات، ولأعداد الضحايا الذين تجاوزوا 500 في اليوم الأول، إضافة إلى أكثر من 1500 مصاب، فضلاً عن إجلاء مئات الآلاف دفعة واحدة خلال 3 ساعات. لذلك، أغلقت الطرقات بالكامل، وبات النازحون ليلتهم في العراء، أو اختاروا المبيت لدى أصدقاء، مثل علي مزهر (46 عاماً) الذي يتحدر من بلدة صريفا (قضاء صور).

قضى ليلته في إحدى قرى الزهراني، بعدما تعطلت سيارته في رحلة النزول إلى بيروت، وأكمل رحلته صباح الثلاثاء. يقول: «مثلي مثل هؤلاء البشر. هربنا من الموت والصواريخ... البقاء على الطرقات أقل تكلفة من الموت في منطقة تتعرض لعشرات الغارات يومياً، ولا تفرق فيها إسرائيل بين مدني وعسكري».

لبنانيون يسيرون قرب موقع غارة إسرائيلية استهدفت قيادياً في «حزب الله» بضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تفرّق العائلات

ظهرت على أوتوستراد الجنوب باتجاه بيروت، صباح الثلاثاء، عشرات السيارات المركونة إلى جانب الطريق، تركها أصحابها ليلاً، بعدما تعطلت أو نفدت من الوقود. يعمل بعضها على صيانتها، بغرض استكمال الطريق، فيما تقف عائلات تحت جسر الغازية على مدخل صيدا الجنوبي، أو جسر الأولى على مدخل صيدا الشمالي، بانتظار من يقلها إلى «مناطق أكثر أماناً».

وبدا لافتاً أن قسماً من النازحين يسير من غير وجهة واضحة. انتشر النازحون على الطرقات بانتظار فرصة للمغادرة، أو لتقسيم أبنائها على عدد من المنازل لدى أصدقاء، في عدد من البلدات، وتحدثت امرأة جنوبية عن أن عائلتها الصغيرة انقسمت إلى 4 مواقع في ساحل الشوف وبيروت وبعبدا، مشيرة إلى أن الحرب المفاجئة «فرّقت» عائلتها وشتّتها بين المناطق.

نازحون من الجنوب في مركز إيواء مؤقت في بيروت (الشرق الأوسط)

واستقطبت مدينتا صيدا وبيروت عدداً كبيراً من النازحين، حيث أقام البعض لدى أقاربهم، واختار آخرون الإقامة في مراكز الإيواء المؤقتة. وفيما يُنظر إلى صيدا على أنها محطة الإيواء الأقرب، اختار آخرون بيروت للإقامة لدى أقاربهم، كما أقام البعض في قرى إقليم الخروب على ساحل الشوف وفي جبل لبنان الجنوبي، كما أقام آخرون في قضاءي بعبدا وعالية بدءاً من خلدة وعرمون، وصولاً إلى بحمدون في جبل لبنان. واختار البعض الذهاب إلى مواقع أبعد في طرابلس والكورة وزغرتا، وتجنب كثيرون الإقامة في المتن وكسروان «تجنباً لأي إشكال مع السكان، إذ بعضهم يرفض استقبال النازحين».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعلق القصف على قرية في جنوب لبنان بناء على طلب الجيش اللبناني

المشرق العربي بلدة العديسة بجنوب لبنان كما تظهر من مستوطنة المطلة الإسرائيلية (إ.ب.أ)

إسرائيل تعلق القصف على قرية في جنوب لبنان بناء على طلب الجيش اللبناني

قال متحدث عسكري إسرائيلي إن إسرائيل علقت هجوماً كانت تخطط لشنه على قرية في جنوب لبنان اليوم السبت بعد أن طلب الجيش اللبناني الوصول إلى الموقع

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي آليات لقوات «اليونيفيل» خلال دورية على طريق الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

إجراءات الجيش اللبناني بالجنوب تجبر إسرائيل على تجميد قصف مبنى «مؤقتاً»

حال تدخل الجيش اللبناني دون قصف جوي لمنزل هدده الجيش الإسرائيلي بإنذار إخلاء، حيث دخل الجيش إلى المبنى الواقع في بلدة يانوح بجنوب لبنان وفتشه مرة أخرى

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)

خاص «حزب الله» يهرب من الضغوط علي «القرض الحسن» بإنشاء مؤسسات جديدة

بدأت مؤسسة «القرض الحسن» الذراع المالية لـ«حزب الله» في لبنان بخطة تحويل جزء من خدماتها نحو مؤسسة تجارية كجزء من «سياسة تموضع قانوني» في ظل الضغوط لإغلاقها

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي عائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت (إ.ب.أ)

توثيق 23 أسيراً لبنانياً لدى إسرائيل

طالبت «هيئة ممثلي الأسرى والمحررين اللبنانيين»، الدولة اللبنانية بتحريك ملف الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل، ووضعه في صدارة الأولويات

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع يتّهم بري بضرب المهل الدستورية للاستحقاقات اللبنانية

تفاقم الخلاف السياسي حول تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان، مع انتقال السجال من إطار تقني - إجرائي إلى مواجهة مفتوحة تمسّ جوهر العمل البرلماني.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
TT

تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)

قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، اليوم السبت، إن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تستمد جرأتها من إسرائيل، مشيراً إلى أنها لم تتحرك يوماً مع المعارضة ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

ونقلت وكالة «الأناضول» للأنباء عن فيدان قوله إن ما يجري في جنوب سوريا «ربما يشكل حالياً أكبر منطقة خطر بالنسبة لنا. فالمشكلة في الجنوب لا تكمن بحد ذاتها في حجمها، بل في تحوّل إسرائيل إلى طرف متدخل، ما يخلق منطقة خطر».

وأكد فيدان أن ملف إلقاء تنظيم حزب العمال الكردستاني للسلاح «يسير بشفافية عالية وبشكل جيد جداً من جانب تركيا... لكن لا نسمع أي جملة عما يعتزم التنظيم القيام به».

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية ذكي آق تورك، أمس الجمعة، إن بعض الدول تشجع قوات «قسد» على رفض إلقاء السلاح وعدم الاندماج في صفوف الجيش السوري، نافياً نية بلاده شن عملية عسكرية في سوريا.

وأكد المتحدث خلال مؤتمر صحافي في أنقرة أنه «لا جدوى من محاولات قسد لكسب الوقت ولا خيار آخر أمامها غير الاندماج بالجيش السوري»، مؤكداً أن أنشطة قوات سوريا الديمقراطية تضر بجهود تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا.

ونفى المتحدث ادعاءات بأن الجيش التركي يستعد لعملية عسكرية في سوريا، مؤكداً أن التحركات الأخيرة للجيش التركي كانت في إطار «عمليات تناوب اعتيادية للوحدات».

وأشار المتحدث إلى أن تركيا سبق أن أعربت عن تطلعها لاندماج «قسد» في الجيش السوري أفراداً، وشدد على أنه يجب متابعة تحركات «تنظيم قسد وأنشطة الجيش السوري».

كان الرئيس السوري أحمد الشرع وقع اتفاقاً مع مظلوم عبدي قائد «قسد» في العاشر من مارس (آذار) الماضي لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا لكن لم يتم التنفيذ حتى الآن.


الشرع: سوريا لا تحمل أي نزعات إقصائية أو ثأرية تجاه أي طائفة

الرئيس السوري أحمد الشرع (أرشيفية - رويترز)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أرشيفية - رويترز)
TT

الشرع: سوريا لا تحمل أي نزعات إقصائية أو ثأرية تجاه أي طائفة

الرئيس السوري أحمد الشرع (أرشيفية - رويترز)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أرشيفية - رويترز)

أكد الرئيس السوري، أحمد الشرع، اليوم (السبت)، أن الدولة لا تحمل أي نزعات إقصائية أو ثأرية تجاه أي مكوّن.

وقال الشرع، في لقاء بقصر الشعب مع وجهاء وأعيان محافظتي اللاذقية وطرطوس، إن سوريا تدخل مرحلة جديدة من إعادة بناء الدولة على أساس الاستقرار ومشاركة الشعب.

الرئيس السوري أحمد الشرع (رويترز)

وقالت الرئاسة السورية، في بيان، إن الشرع شدد على أن سوريا «دولة مواطنة تضمن العدالة وتحفظ حقوق جميع السوريين».

وأضافت الرئاسة أن وجهاء وأعيان المحافظتين أكدوا «أهمية ترسيخ السلم الأهلي وسيادة القانون، وطرحوا ضرورة إعداد خريطة استثمارية في الساحل لدعم التنمية وتوفير فرص العمل».


«الصحة العالمية»: وفاة 10 أشخاص في غزة جرّاء الأمطار الغزيرة خلال 24 ساعة

نفّذ «مركز الملك سلمان للإغاثة» تدخلات إغاثية ميدانية عاجلة لصالح الأسر النازحة في مخيمات جنوب قطاع غزة (واس)
نفّذ «مركز الملك سلمان للإغاثة» تدخلات إغاثية ميدانية عاجلة لصالح الأسر النازحة في مخيمات جنوب قطاع غزة (واس)
TT

«الصحة العالمية»: وفاة 10 أشخاص في غزة جرّاء الأمطار الغزيرة خلال 24 ساعة

نفّذ «مركز الملك سلمان للإغاثة» تدخلات إغاثية ميدانية عاجلة لصالح الأسر النازحة في مخيمات جنوب قطاع غزة (واس)
نفّذ «مركز الملك سلمان للإغاثة» تدخلات إغاثية ميدانية عاجلة لصالح الأسر النازحة في مخيمات جنوب قطاع غزة (واس)

قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، السبت، إن ما لا يقل عن 10 أشخاص توفوا في غزة جرّاء الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.

منع إدخال المساعدات

وأضاف غيبريسوس أن إسرائيل منعت دخول معدات تشخيص الأمراض إلى قطاع غزة بدعوى أنها ذات استخدام مزدوج، محذراً من أن هناك توقعات من ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض التنفسية والتهاب الكبد جرّاء نقص المياه وسوء الأحوال الجوية.

أطفال فلسطينيون في مخيم للنازحين خلال يوم ماطر شرق مدينة غزة السبت (إ.ب.أ)

إسرائيل مستمرة في منعها من إدخال المساعدات

وفي وقت سابق من اليوم، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن إسرائيل مستمرة في منعها من إدخال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى قطاع غزة.

وحذّرت الوكالة عبر منصة «إكس» من تأثير دخول الشتاء وهطول الأمطار على الأوضاع السيئة للنازحين.

وحذرت السلطات بحركة «حماس» التي تدير قطاع غزة، اليوم السبت، من «كارثة إنسانية معقدة» في المنطقة الساحلية التي مزقتها الحرب بعد أن تسببت العواصف الممطرة في فيضانات واسعة النطاق.

كما أفاد المكتب الإعلامي التابع لـ«حماس» بأن 13 منزلاً انهارت نتيجة للأمطار الغزيرة.

وأضاف المكتب أن أكثر من 53 ألف خيمة تضررت أو تعرضت للتلف أو جرفتها المياه، وأن نحو 250 ألفاً من بين 1.5 مليون شخص يعيشون في خيام أو ملاجئ مؤقتة نتيجة حرب غزة، تضرروا من العواصف.