القضاء العراقي يدخل على خط الجدل حول تعديل قانون «الأحوال الشخصية»

اجتماع مجلس القضاء الأعلى يوم الأحد 22 سبتمبر 2024 (إعلام المجلس)
اجتماع مجلس القضاء الأعلى يوم الأحد 22 سبتمبر 2024 (إعلام المجلس)
TT

القضاء العراقي يدخل على خط الجدل حول تعديل قانون «الأحوال الشخصية»

اجتماع مجلس القضاء الأعلى يوم الأحد 22 سبتمبر 2024 (إعلام المجلس)
اجتماع مجلس القضاء الأعلى يوم الأحد 22 سبتمبر 2024 (إعلام المجلس)

يتواصل الجدل البرلماني والشعبي في العراق بشأن التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية 188 الصادر عام 1959. وفيما يواصل المعترضون اتهام التعديل بـ«سعيه لتكريس الطائفية والسماح بتزويج القاصرات»، يرفض المؤيدون ذلك، ويتهمون خصومهم بنوع من «ممارسة التضليل».

وفي خضم حالة الجدل المتواصلة منذ بضعة أسابيع، وكانت القبة البرلمانية ساحتها الرئيسية، إلى جانب منتديات منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل، دخل مجلس القضاء الأعلى، يوم الأحد، على خط النقاشات الدائرة من خلال استضافته اجتماعاً لمناقشة مشروع التعديل.

وحضر الاجتماع قضاة من مجلس القضاء الأعلى، ونواب رئيس محكمة التمييز، والقاضي الأقدم في هيئة الأحوال والمواد الشخصية، ورئيس الإشراف القضائي، إلى جانب 5 نواب من البرلمان، وضمنهم النائب رائد المالكي الذي قدم مشروع تعديل القانون المثير للجدل.

ويرى البعض أن مجلس القضاء «تعاطف»، إن لم يكن قد «أظهر انحيازاً» للتعديل المقترح وفق ما ورد في بيان للمجلس، الذي قال في معرض ذكره لمواد التعديل المقترح: «إنه تبين من خلاله عدم دقة التصريحات الإعلامية التي تختزل مشروع التعديل وتصوره بطريقة غير صحيحة بأن الغاية منه تزويج القاصرات أو سلب حضانة الأطفال من الأم، أو حرمان الزوجة من النفقة، وحرمان البنت من الميراث في العقارات».

رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان

المادة 41 من دستور

وأضاف: «إن هذا التصوير يخالف الحقيقة وما يرمي إليه هذا التعديل، إذ اتضح أن أساس فكرة تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، تستند ابتداءً إلى نص المادة 41 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005». وتنص المادة المشار إليها «العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو معتقداتهم أو اختيارهم، وينظم ذلك بقانون».

لذلك طبقاً لبيان المجلس فإن «الموضوع المتعلق بالأحوال الشخصية، خيار للشخص، ولكن وفقاً لقانون يصدر من مجلس النواب».

وتابع أن أصل مشروع القانون المطروح «لم يتناول الأحكام التفصيلية التي تتعلق بأحوال الأسرة من زواج وطلاق وحضانة ونفقة وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالجوانب الشرعية والفقهية، إنما أحال هذه المواضيع إلى مدونة الأحكام الشرعية».

وعند قضية المدوّنة تقف تقريباً جميع الاعتراضات المُسجلة على مشروع القانون؛ حيث يجادل المعترضون حول الطريقة التي يجري من خلالها التصويت على القانون من دون مواد محددة، ويرون أنها طريقة غير مسبوقة في التصويت على القوانين في البرلمان؛ حيث تتم مناقشة القوانين بكل تفاصيلها خلال قراءتين، ومن ثم يجري التصويت عليها بعد إجراء بعض التعديلات داخل المجلس.

عدد من المسؤولين العراقيين خلال مشاركتهم في مؤتمر مناهضة العنف ضد المرأة في بغداد (الرئاسة العراقية)

التصويت أولاً

غير أن الحال مختلفة مع قانون الأحوال الشخصية؛ حيث يقترح التعديل أن يتم التصويت أولاً عليه، ومن ثم يقوم المجلسان العلميان في ديواني الوقف الشيعي والسني بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى في كتابة المدونة الفقهية، استناداً إلى كل مذهب، ومن ثم رفعها لمجلس النواب للموافقة عليها خلال 6 أشهر من تاريخ نفاذ القانون.

ويرفض معظم المعترضين على التعديل انتظار 6 أشهر لوصول تفاصيل القانون، وحتى مع وصولها فإنها في نظرهم «تكريس للطائفية» إلى جانب أن المواطنين العاديين سيضيعون في تفاصيل المدونة الفقهية التي تستند إلى آراء الفقهاء في كل طائفة، وهي آراء غير متطابقة بالضرورة حتى داخل المذهب الواحد.

وشهد البرلمان، الأسبوع الماضي، نقاشاً حاداً حول مشروع التعديل، حين اعترضت النائبة نور نافع على مجلس النواب استلام تواقيع 124 نائباً طالبوا برفع فقرة القراءة الثانية للقانون.

وأعربت نور نافع عن استغرابها من «الرفض المستمر لنتائج التعديل والإصرار على رفض المعترضين، مع أن المعترضين لم يصلهم تبليغ بموعد الجلسة، ولم تتم دعوتهم لحضورها».

وفيما نفى رئيس البرلمان بالنيابة، محسن المندلاوي، واعترضت نافع أيضاً على مسألة «انتظار البرلمان مدونة لمدة 6 أشهر دون معرفة ما تحويه من مواد تتوافق مع روح العصر أو تعارضه». ووصفت ذلك بـ«السابقة الخطيرة».

ونهاية أغسطس (آب) الماضي، أصدرت عشرات المثقفات والناشطات والكاتبات العراقيات بياناً رفضن فيه مشروع التعديل وعددنه يمثل «تراجعاً وتكريساً للمذهبية والطائفية» بالنسبة لحقوق المرأة والطفل، بالقياس مع قانون 188 النافذ الذي يعد من بين أفضل القوانين المدنية المتعلقة بالأحوال الشخصية وأكثرها حداثة في العراق والمنطقة، على حد وصفهن.

وسبق أن أعربت السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانوسكي، عن قلقها من مشروع تعديل القانون.


مقالات ذات صلة

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي)

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

تسير حكومة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، منذ أشهر في خط متقاطع مع الفصائل المسلحة المنخرطة في «وحدة الساحات».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)

بارزاني يحذر من مخاطر الانسحاب الأميركي

رفض رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني» انجرار العراق نحو الحرب، وحذر من مخاطر انسحاب القوات الأميركية خصوصاً في المناطق المتنازع عليها.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

تفاعلت أوساط عراقية مع المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع جمال مصطفى، صهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وسكرتيره الثاني.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
خاص جنود أميركيون يُسقطون تمثال صدام حسين في بغداد 7 أبريل 2003 (رويترز) play-circle 07:43

خاص جمال مصطفى: عجزت عن تأمين الرشوة للقاضي فأبقوني محتجزاً 10 سنوات إضافية

في الحلقة الأخيرة من الحوار معه، يتحدث جمال مصطفى السلطان عن اعتقال عمّه صدام حسين، وسقوط «أمل المقاومة» ضد الأميركيين.

غسان شربل
المشرق العربي جمال مصطفى السلطان

صدام: عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلّفنا محاولة اغتياله

نقل جمال مصطفى السلطان، صهر صدام حسين وسكرتيره الثاني، عن الرئيس العراقي الراحل قوله في جلسة لمجلس الوزراء إن الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم «كان نزيهاً.

غسان شربل (لندن)

ليلة الرعب البيروتية... الغارات الإسرائيلية تزنّر العاصمة اللبنانية

TT

ليلة الرعب البيروتية... الغارات الإسرائيلية تزنّر العاصمة اللبنانية

عناصر الدفاع المدني يبحثون عن الضحايا تحت أنقاض المبنى المدمر في بيروت (أ.ب)
عناصر الدفاع المدني يبحثون عن الضحايا تحت أنقاض المبنى المدمر في بيروت (أ.ب)

تحوّلت العاصمة بيروت إلى هدف أساسي للجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، بعد تحذيرات أطلقها المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، إلى مناطق وأحياء بيروتية للمرة الأولى، ما أثار حالة من الرعب والخوف في أوساط المواطنين الذي خرجوا من منازلهم قبل تنفيذ التهديدات، لا سيما أن المناطق المُحددة مكتظة بالسكان، ومعظمها لا يُعدّ محسوباً على «حزب الله».

وفيما أفادت «القناة 12» الإسرائيلية بأن تل أبيب جهّزت خطة عسكرية كاملة للساعات الأربع والعشرين الأخيرة من الحرب مع لبنان، بدأ استهداف بيروت ظهر الثلاثاء بغارة على منطقة النويري، القريبة من وسط العاصمة، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة آخرين.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية بأن غارة «نفذها الطيران الحربي المعادي» استهدفت مبنى «في المنطقة الواقعة بين النويري والبسطة في بيروت». ودمّرت الغارة «مبنى مؤلفاً من 4 طوابق يؤوي نازحين»، وفق الوكالة.

ومن موقع الغارة في النويري، وقفت رولا إلى جانب زوجها وسام جعفر باكية تحتضن ابنها الذي فقد لوقت قصير: «كنا في البيت، وفجأة وقعت الضربة، طرنا، والجدران كلها تناثرت علينا (...) الصدمة كانت صعبة جداً».

وبعد النويري التي استُهدفت دون إنذار، توالت التحذيرات الإسرائيلية لمناطق في العاصمة بيروت، بحيث قال أدرعي إنها تستهدف فروعاً لـ«القرض الحسن». وقال في منشور له على منصة «إكس»: «يواصل الجيش الإسرائيلي العمل بقوة لتفكيك بنى (حزب الله). على المدى الزمني القريب سنقوم بمهاجمة فروع عدة لجميعة (القرض الحسن)؛ حيث تحتوي هذه الفروع على أموال تمويل إيرانية وأخرى من مصادر الدخل لـ(حزب الله) التي تُستخدم في الواقع لإدارة وتخزين مصالح الحزب»، مضيفاً: «هذه الغارات ستُشكل ضربة إضافية لسلسلة التمويل الإيرانية لـ(حزب الله) الذي يستخدم هذه الجمعية لأغراضه العسكرية».

وفي منشورات متلاحقة، حذّر أدرعي السكان الموجودين في مبانٍ محددة على الخرائط في مناطق رأس بيروت والمزرعة والمصيطبة وزقاق البلاط لإخلائها، إضافة إلى مبانٍ في مدينتي صيدا وصور، علماً بأنها المرة الأولى أيضاً التي يستهدف فيها وسط مدينة صيدا.

وخلال أقل من ساعة على التحذيرات التي جعلت العائلات تخرج من منازلها على وجه السرعة من دون أن تعرف الوجهة التي ستذهب إليها، بدأت الغارات الإسرائيلية باستهداف منطقة النويري مرة ثانية، ومن ثم مارالياس (كانت قد استُهدفت قبل نحو أسبوع)، وبربور والمزرعة وشارع الحمرا، ومناطق أخرى للمرة الأولى.

وفيما أدى هذا الخوف إلى زحمة سير خانقة في كل أحياء وشوارع العاصمة، اضطرت عائلات من بعض المناطق، ولا سيما الفقيرة منها، على غرار منطقة الجناح، للخروج سيراً على الأقدام.

عمليات بحث عن ضحايا تحت أنقاض أحد المباني الذي استهدف في غارة إسرائيلية (أ.ب)

وفي تعليق منه على التصعيد، قال عضو كتلة «حزب الله» النائب أمين شري، بينما كان يتفقد موقع الغارة في بيروت، إن «العدو الإسرائيلي» قبل «التسوية يريد أن ينتقم من كل جمهور المقاومة ومن كل اللبنانيين» مشيراً إلى «عشرات الإنذارات» التي وجهها الجيش الإسرائيلي قبل استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، معقل الحزب.