«الشرق الأوسط» تعاين مشهد الحرب في شمال الليطاني

قرى تعرضت لعشرات الغارات الإسرائيلية

لبنانيون يعبرون قرب آلية للجيش اللبناني تقف قرب موقع استهداف إسرائيلي لقيادي في «حزب الله» بالضاحية الجنوبية (أ.ب)
لبنانيون يعبرون قرب آلية للجيش اللبناني تقف قرب موقع استهداف إسرائيلي لقيادي في «حزب الله» بالضاحية الجنوبية (أ.ب)
TT

«الشرق الأوسط» تعاين مشهد الحرب في شمال الليطاني

لبنانيون يعبرون قرب آلية للجيش اللبناني تقف قرب موقع استهداف إسرائيلي لقيادي في «حزب الله» بالضاحية الجنوبية (أ.ب)
لبنانيون يعبرون قرب آلية للجيش اللبناني تقف قرب موقع استهداف إسرائيلي لقيادي في «حزب الله» بالضاحية الجنوبية (أ.ب)

خلت شوارع القرى الواقعة بين مدينة صيدا والضفة الشمالية لنهر الليطاني في جنوب لبنان، صباح الأحد، من الحركة بشكل شبه تام. وحدها سيارات الإسعاف تصطف على جانبي الطرقات في تلك القرى، وتجول سيارات «الصليب الأحمر اللبناني» على طرقاتها. تملك الناس انطباع بأن الحرب وقعت فعلياً، واستعد بعضهم للمغادرة إلى بيروت، على غير عادة.

وطوال 24 ساعة منذ بعد ظهر السبت، وحتى ساعات صباح الأحد، نفذت الطائرات الإسرائيلية عشرات الغارات على المنطقة، مستهدفة أطراف القرى ووديانها. أثار القصف رعب السكان؛ كونه «حدثاً غير مسبوق منذ بدء الحرب»، حسبما يقول أهالي القرى؛ في إشارة إلى أن المنطقة لم تتعرض لاختبار مشابه، وبقيت إلى حد كبير بمنأى عن العمليات العسكرية الإسرائيلية.

الشرار يتناثر جراء غارة جوية استهدفت بلدة زوطر في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

ويقول السكان خلال جولة صباحية لـ«الشرق الأوسط» على تلك القرى: «يبدو أن منطقة شمال الليطاني دخلت فعلياً دائرة الحرب». يتذكر حيدر، الذي يحتسي قهوته على كشك صغير إلى جانب قارعة الطريق، مشاهد حرب يوليو (تموز) 2006 ودوي القصف آنذاك. «هي نفسها، مع فارق بسيط أن الحرب السابقة دمرت الجسور والطرقات والمنازل المحيطة بالقرى»، لكنها الآن «لا تزال بمنأى عن هذا المشهد».

وتكررت الغارات في المواقع نفسها منذ بعد ظهر السبت، مما أدى إلى اشتعال الحرائق. وبلغ عدد الغارات التي استهدفت أحد الوديان الفاصلة بين إقليم التفاح وشرق صيدا، 10 غارات خلال يومين، وهو عدد مشابه لغارات استهدفت الوادي القريب من بلدة تفاحتا الجنوبية، وآخر يفصل بين بلدتي أنصار والزرارية. وإلى الشرق، توسعت رقعة النار لتشمل مجرى نهر الليطاني، حسبما قال ناشطون ميدانيون. في الواقع، «تركز القصف على مجاري نهري الزهراني والليطاني»، كما تقول المصادر، لافتة إلى أن الأمر «أثار هلعاً كبيراً».

آثار غارتين إسرائيليتين استهدفتا بلدة زبقين في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

على تخوم مجرى الزهراني، نزحت عائلة من بلدة عزّة الواقعة على ضفاف نهر الزهراني في قضاء النبطية، إلى البابلية في قضاء الزهراني. وضبت العائلة أغراضها، وانتقلت بسيارتين إلى البلدة الواقعة في العمق. «كان القصف عنيفاً... طوال الليل لم نستطع النوم»، يقول الرجل، مشيراً إلى أن زوجته سبقته على الخروج من البلدة «بعدما أثار دوي الغارات رعب أطفالنا».

في بلدات أخرى، يقول السكان إنه تم تعليق نشاطات اجتماعية وإحياء مناسبات تأبين الموتى، «بسبب الظروف الطارئة». بعض السكان ممن يرتادون القرى في عطلة نهاية الأسبوع، وضبوا أغراضهم باكراً وعادوا إلى بيروت، ويقول السكان إن معظم زوار المنطقة، بدأوا بالخروج منها منذ بعد ظهر السبت، ويتخوفون من أن تتطور الأمور.

وتصاعدت المخاوف مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن أنه تم إطلاق نحو 150 صاروخاً وصواريخ كروز وطائرات مسيرة على إسرائيل خلال الليل والأحد وأن أنظمة الدفاع الجوي اعترضت معظمها، ومنها «هدف جوي» كان قادماً من الشرق.

الدخان يتصاعد نتيجة غارة إسرائيلية استهدفت منطقة مرجعيون (رويترز)

وجاء تصعيد الهجمات قبل مرور 48 ساعة على غارة جوية إسرائيلية استهدفت قادة في «حزب الله» يوم الجمعة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وتجاوز عدد القتلى في لبنان 750 قتيلاً منذ أكتوبر (تشرين الأول) بعد مقتل 84 على الأقل الأسبوع الماضي.

وعلى غرار اختيار بعض العائلات التي تسكن في الضاحية، منازل مؤقتة تم استئجارها في السابق في الجبل والشمال، تحسباً لأن تتطور الأمور إلى قصف الضاحية، اختارت عائلات من منطقة شمال الليطاني النزوح مؤقتاً ريثما تتضح الأمور.

وترك عشرات الآلاف منازلهم على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية منذ أن بدأ «حزب الله» إطلاق الصواريخ على إسرائيل في أكتوبر تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.


مقالات ذات صلة

النزوح اللبناني زاد جراح السوريين

المشرق العربي لبنانيون وسوريون فارُّون من الحرب بلبنان ينتظرون في معبر جديدة يابوس الحدودي لدخول الأراضي السورية الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)

النزوح اللبناني زاد جراح السوريين

استياء وسط السوريين من أن جهود الحكومة السورية تركز على تقديم الاستجابة السريعة للوافدين للبنانيين الفارين من الحرب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي حيدر حجازي (5 سنوات) خلال تلقيه العلاج بمستشفى بمدينة صيدا بعد إصابته في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

«يونيسف» تندد بمقتل أطفال «بمعدل مخيف» في القصف الإسرائيلي على لبنان

نددت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» بتصاعد حدة المواجهات، هذا الأسبوع، بين إسرائيل و«حزب الله»، مؤكدة أن الغارات على لبنان تتسبب بمقتل أطفال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

تحليل إخباري كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على بنيامين نتنياهو.

محمد شقير (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (د.ب.أ)

نتنياهو في الأمم المتحدة: لا نريد أن نرى شخصاً بريئاً يموت... هذه دائماً مأساة

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الجمعة)، إن إسرائيل تسعى للسلام لكنها تقاتل من أجل البقاء في مواجهة «أعداء متوحشين» يريدون إبادتها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي سيارة مدمرة في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: لبنان يعيش فترة هي الأكثر دموية «منذ جيل»

أكدت الأمم المتحدة أن التصعيد «الكارثي» للهجمات الإسرائيلية ضد عناصر «حزب الله» ترك لبنان بمواجهة الفترة الأكثر دموية منذ سنوات إذ تغصّ المستشفيات بالضحايا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

مع ارتفاع أعداد النازحين... مطعم خيري في بيروت يكافح لمواكبة زيادة الطلب

متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)
متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)
TT

مع ارتفاع أعداد النازحين... مطعم خيري في بيروت يكافح لمواكبة زيادة الطلب

متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)
متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)

في مطبخ خيري بالعاصمة اللبنانية بيروت، ينخرط متطوعون بلا كلل في ملء عبوات للوجبات بالأرز والخضراوات بينما يقلب آخرون قدوراً ضخمة لطهي الطعام في محاولة لمواكبة زيادة ضخمة في الطلب من نازحين يفرون من الضربات الإسرائيلية.

وتقول جوزفين أبو عبدو، وهي طاهية وأحد مؤسسي «نيشن ستيشن» أو «محطة البلد»، إن هذا المطبخ الخيري يقدم 700 وجبة في اليوم، ويعمل بأقصى طاقته، لكنها علمت بعد ذلك أن هناك حاجة إلى ألف وجبة، بحسب «رويترز».

متطوعون يقطّعون الخضار لإعداد وجبات طعام في المطبخ الخيري في بيروت (رويترز)

تصف ما يمرون به بينما يسارع فريق المتطوعين من مختلف الأعمار ومن شتى أنحاء لبنان من حولها، في تعبئة الغذاء، وتضيف: «الصعوبات هي أننا لا نلحق، ونحس كأننا نقطة ببحر».

وتأسست «محطة البلد» لمساعدة المتضررين من انفجار مرفأ بيروت المروع الذي وقع في 2020، والفريق الذي كان مؤلفاً من خمسة أفراد فحسب، نما سريعاً ليصبح مكوناً من مائة بمرور الوقت.

يقدم المطعم بعض الأطباق اللبنانية التقليدية مثل الكوسة المحشوة بالأرز واللحم والبرغل والطماطم، بالإضافة إلى حساء الخضار وسلطة الملفوف.

جوزفين أبو عبدو من مؤسسي المطبخ الخيري تعد وجبات مع المتطوعين لتوزيعها على النازحين (رويترز)

وعندما اشتدت الضربات الإسرائيلية على لبنان يوم الاثنين مما اضطر نحو 40 ألفاً للنزوح إلى ملاجئ في غضون أيام، بدأ المتطوعون في طهي وتوزيع كميات إضافية من الطعام، دون أي تمويل إضافي، على الأماكن التي تؤوي نازحين، في استجابة طارئة للتطورات الأحدث.

وأوضحت جوزفين أننا «أول ما بدأنا، لم يكن لدينا تمويل. لبّينا فقط من العوائد التي نحصل عليها بالعادة؛ لأننا لسنا فقط مطبخاً اجتماعياً، بل نبيع أكلاً للناس المحتاجة. عملنا من المدخرات الصغيرة التي كانت لدينا أول 3 أيام، ولاحقاً كثير من الناس قدموا التبرعات».

وأضافت: «الآن التبرعات تغطينا يومين أو ثلاثة، ولنرى كل يوم بيومه».

وقتلت الهجمات الإسرائيلية أكثر من 600 شخص في لبنان منذ يوم الاثنين، مع تفاقم الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» المدعوم من إيران، إلى أسوأ مراحله منذ أكثر من 18 عاماً.

ويطلق «حزب الله» صواريخ على إسرائيل منذ ما يقرب من عام لدعم حليفته حركة «حماس» التي تقاتل إسرائيل في قطاع غزة.

متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يرتبون وجبات الطعام التي سيتم توزيعها على للنازحين (رويترز)

ونزح عشرات الآلاف على جانبي الحدود بين إسرائيل ولبنان من منازلهم، وأعلنت إسرائيل أن عودة سكان المناطق الشمالية إلى ديارهم هي أحد أهدافها من الحرب.

وقالت مي عياش، وهي طاهية محترفة متطوعة في المطعم الخيري: «كلنا نحاول بأقصى طاقتنا لنشكل فارقاً ولو ضئيلاً للمساعدة. هذا أقل ما يمكن أن نقدمه، وللأسف اعتدنا على تلك الأوضاع».