كرة القدم... ملاذ الغزيين الباحثين عن نسيان ويلات الحرب

يتابعون مباريات فرقهم المفضلة في مخيمات النزوح وعبر جوّالات تُشحن بالطاقة البديلة

شبان يلعبون كرة في حي الشيخ رضوان شمال قطاع غزة (الشرق الأوسط)
شبان يلعبون كرة في حي الشيخ رضوان شمال قطاع غزة (الشرق الأوسط)
TT

كرة القدم... ملاذ الغزيين الباحثين عن نسيان ويلات الحرب

شبان يلعبون كرة في حي الشيخ رضوان شمال قطاع غزة (الشرق الأوسط)
شبان يلعبون كرة في حي الشيخ رضوان شمال قطاع غزة (الشرق الأوسط)

لم تأخذ الحرب الإسرائيلية المدمرة من كرة القدم عشاقها في قطاع غزة، إذ وجد هؤلاء في عودة الدوريات الأوروبية الكبرى ملاذاً نادراً للترفيه ونسيان ويلات الحرب ومآسيها.

وعلى الرغم من الدمار الواسع الذي طال المنازل والمقاهي وبقية مقومات الحياة في القطاع، وانقطاع الكهرباء بشكل كامل، كذلك خدمات الإنترنت، لم يفوّت باسل أبو موسى، من سكان خان يونس، جنوب قطاع غزة، مباراة واحدة لريال مدريد، فريقه المفضّل في الدوري الإسباني.

يعيش أبو موسى نازحاً في خيمة غرب خان يونس بعد أن دمّر جيش الاحتلال منزل عائلته في منطقة بني سهيلا إلى الشرق من المدينة، لكنه دأب على إغلاق هاتفه المحمول ساعات عدة قبل مباراة فريقه من أجل توفير الطاقة وحزمة الإنترنت لوقت المباراة، وعوّد نفسه على الانقطاع الذي يسببه ضعف الإنترنت في مخيمات النزوح.

قال أبو موسى لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ساعة ونصف من الفرح والحماس والترفيه المفقود». ويتذكر أبو موسى قبل الحرب كيف كان يستعد ويضبط مواعيده وأوقاته بما يتلاءم مع أوقات المباريات التي كان يحضرها في مقاهٍ شعبية، مؤكداً أنه يفتقد تلك اللحظات الجنونية التي كان يمتزج فيها الشغف بالنقاش والفرح بالغضب. ويفتقد أبو موسى أيضاً للشاشات العملاقة وضجيج المشجعين والمشروبات.

باسل أبو موسى في خيمة نزوح بخان يونس (الشرق الأوسط)

وإذا كان أبو موسى يستطيع دفع أموال إضافية للحصول على باقات إنترنت، يبدو ذلك أصعب في شمال القطاع الذي بالكاد يتوفر فيه الإنترنت باستخدام شرائح إلكترونية. ويضطر رمضان زيادة إلى دفع 3 شواقل (ما يقل عن دولار بقليل) لشحن هاتفه لمدة ساعتين، كما أنه يضطر لشراء بطاقة إنترنت تعمل لمدة 6 ساعات، بمبلغ 10 شواقل (ما يزيد على دولارين ونصف الدولار)، من أجل حضور مباراة واحدة، وفي أحيان كثيرة لا يستطيع استكمالها للنهاية.

وقال زيادة لـ«الشرق الأوسط» إن كل ذلك لم يمنعه من متابعة المباريات مع عودة الدوريات الأوروبية. وأضاف: «هذا شغفي الحقيقي. المباريات تنسيني الهمّ الذي نحن به».

ويعاني قطاع غزة منذ العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي انقطاعاً كاملاً للكهرباء، فيما انقطعت خدمة الإنترنت بشكل كامل مع نهاية الشهر ذاته بعد تعمّق العمليات البرية الإسرائيلية في منطقة شمال القطاع فقط، قبل أن تبدأ الخدمة بالتضرر جزئياً في مناطق أخرى. ويعتمد السكان على ما يتوفر من طاقة شمسية لدى بعض المقتدرين وما تبقى من محال تجارية. ويسمح لهم ذلك بشحن هواتفهم المحمولة وبطاريات تُستخدم للإنارة ليلاً.

وعمل أكرم المقيد (46 عاماً) من سكان حي النصر بمدينة غزة على استصلاح بعض ألواح الطاقة الشمسية التي كانت في منزله وتضررت جزئياً، قبل أن يشتري ألواحاً إضافية جديدة من أجل متابعة مبارياته. قال المقيد الذي يصف كرة القدم بأنها متعة، إنه اشترى شاشة تلفاز كبيرة لمشاهدة المباريات لأنه يريد قدر الإمكان ممارسة حياته بشكل طبيعي. وفقد المقيد العديد من أقاربه وأصدقائه وجيرانه، واختبر الحزن كثيراً، لكنه ظل يبحث عن لحظة فرح. «الحياة ستستمر، الحياة أقوى ونحن نحب الحياة»، قال المقيد لـ«الشرق الأوسط».

شبان يلعبون كرة في حي الشيخ رضوان شمال قطاع غزة (الشرق الأوسط)

ويحرص المقيد على مشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي الذي يصفه بأنه «دوري مجنون»، ولا يوقفه عن ذلك حتى القصف القريب.

ويعشق الغزيون كرة القدم. كان يمكن ملاحظة ذلك بوضوح عندما تفرغ الشوارع في غزة خلال المباريات الكبيرة مثل كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة، أو المباريات النهائية في دوري الأبطال، أو خلال المباريات التي تجمع الأهلي والزمالك في الدوري المصري.

ويحظى ريال مدريد وبرشلونة بروابط مشجعين في غزة، وكذلك بعض الفرق الإنجليزية.

على بعد نحو كيلومتر واحد من سكن المقيد، وفي ملعب صغير، اعتاد شبان في حي الشيخ رضوان تنظيم مباريات بشكل دوري كل ثلاثة أيام في الأسبوع، وفي أيام الجمعة ينضم إلى اللعب أيضاً بعض كبار السن أو من هم فوق الأربعين عاماً. ويحاول علاء أبو ريالة (43 عاماً)، وهو من سكان تلك المنطقة، ألا يفوّت أي مباراة. قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يحب أن يمارس رياضته المفضلة كما يحب أن يشاهدها. وأضاف: «أحب كرة القدم منذ كنت طفلاً وقد كبرت على ذلك. أتابع الدوريات الأوروبية والعربية، خصوصاً المصرية والسعودية... لا أفوّت أي مباراة تقريباً. أشعر بإنسانيتي وأنا ألعب أو أشجع فريقي. أنسى الواقع الصعب لبعض الوقت». ويشجع أبو ريالة تحديداً نادي برشلونة الإسباني، ونادي الأهلي المصري، والهلال السعودي.

ويستقطب أبو ريالة ورفاقه الكثير من الغزيين من أجل مشاهدة مبارياتهم في مشهد يكاد لا يُصدّق أنه يجري في قطاع غزة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ نحو عام. ففيما كان كل فريق يحاول تحقيق النصر بهجمة من هنا وهجمة مرتدة من هناك، كان الجمهور يهتف بحماسة شديدة... كأنه يريد أن ينسى أنه يعيش في خضم الحرب وويلاتها.


مقالات ذات صلة

نتنياهو يُطْلع بايدن على «تقدُّم» في محادثات الإفراج عن الرهائن

العالم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو يُطْلع بايدن على «تقدُّم» في محادثات الإفراج عن الرهائن

تَحَدَّثَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، الأحد، وأطلعه على التقدم المحرَز في المفاوضات.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أرشيفية - د.ب.أ)

إسرائيل ستستخدم عوائد الضرائب الفلسطينية لسداد ديون شركة الكهرباء

قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، اليوم الأحد، إن إسرائيل تخطط لاستخدام عوائد الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية لسداد ديونها.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)

طبيب أطفال فلسطيني بُترت ساقه في الحرب يصرّ على مواصلة عمله في غزة

يتنقل طبيب الأطفال الفلسطيني خالد السعيدني بلا كلل بساق اصطناعية بين غرف الأطفال الجرحى في مستشفى «شهداء الأقصى» في دير البلح مقدماً الرعاية الطبية اللازمة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي امرأة تغسل ملابس بيديها أمام مقبرة نزحت إليها عائلات هرباً من الحرب في دير البلح بوسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

ملجأ «أشبه بالقبر» في غزة... للاحتماء من البرد والحرب

في مواجهة البرد والمطر في الشتاء، خطرت لرب العائلة الفلسطيني تيسير عبيد الذي لجأ مع أسرته إلى دير البلح وسط قطاع غزة، فكرة الحفر في الأرض. حفر الرجل في التربة…

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى يصل إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن غزة

وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى يصل إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن غزة

قال متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن وفداً أمنياً إسرائيلياً وصل إلى قطر، الأحد، لإجراء محادثات بشأن اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.

«الشرق الأوسط» (القدس)

طبيب أطفال فلسطيني بُترت ساقه في الحرب يصرّ على مواصلة عمله في غزة

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)
TT

طبيب أطفال فلسطيني بُترت ساقه في الحرب يصرّ على مواصلة عمله في غزة

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)

يتنقل طبيب الأطفال الفلسطيني خالد السعيدني بلا كلل بساق اصطناعية بين غرف الأطفال الجرحى في مستشفى «شهداء الأقصى» في دير البلح مستعيناً بمشاية من الألمنيوم، مقدماً الرعاية الطبية اللازمة، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

يلج الطبيب الباب البرتقالي لإحدى الغرف ويبدأ بمداعبة أحد الأطفال مبتسماً قبل أن يفحصه من خلال سماعته الطبية التي يلفها على عنقه.

وكان الطبيب السعيدني قد فقد ساقه جراء إصابته بشظية بعد قصف جوي إسرائيلي تعرّض له منزله العام الماضي؛ لذلك يدرك تماماً طبيعة الإصابات، وخاصة تلك التي لدى الأطفال.

ويقول: «أصبت بشظية، ولأنني مريض بالسكري تفاقمت حالتي واضطررنا إلى بتر الساق».

ويضيف: «ركبت طرفاً اصطناعياً لكنه مؤقت وغير دائم، تجريبي وله كثير من السلبيات، متعب».

وبينما كان الطبيب يفحص الطفل كان الأخير الذي لُفّت يده بضمادات وتم تزويده بأنبوب للتنفس الاصطناعي، يراقبه.

في المستشفى، كانت أسرّة المرضى الذين يرافقهم أقرباؤهم تتوزع بين الممرات، العديد منهم يتلقون العلاج لإصابات تعرضوا لها نتيجة القصف الإسرائيلي.

ويقع مستشفى «شهداء الأقصى» في دير البلح وسط قطاع غزة؛ حيث تواصل القوات الإسرائيلية القتال ضد مقاتلي حركة «حماس».

وشهدت أحياء كبيرة قرب المستشفى معارك عنيفة منذ بداية الحرب، اشتدت حدتها في الأشهر الأخيرة مع توسع الهجوم العسكري الذي تركّز في بادئ الأمر على شمال قطاع غزة.

قتلى العاملين في القطاع الصحي

منذ اندلاعها في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تسببت الحرب في غزة بخسائر فادحة في صفوف العاملين بالقطاع الصحي والمرافق الطبية.

وأشار تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، استند إلى أرقام قدمتها وزارة الصحة في القطاع الذي تديره «حماس»، إلى أن ما لا يقل عن 1057 من العاملين في القطاع الصحي والطبي الفلسطينيين قتلوا في غزة منذ بداية الحرب.

عبّر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر عن أسفه «للهجمات المستمرة على المنشآت الصحية في قطاع غزة»، التي قال إنها تمنع الناس من الوصول إلى العلاج الذي يحتاجون إليه.

وتقول القوات الإسرائيلية، التي نفّذت هجمات على مستشفيات غزة وحولها، إن هذه المنشآت تستخدمها «حماس» في أنشطة ضدها، وهو ما تنفيه الحركة.

ودمرت الحرب معظم مستشفيات قطاع غزة البالغ عددها 36 مستشفى بما في ذلك مستشفى الشفاء الذي يعتبر المنشأة الصحية الرئيسية في القطاع، وقد تحوّل إلى أنقاض بعد أن استهدفته القوات الإسرائيلية العام الماضي.

مع ذلك، يواصل الأطباء مثل السعيدني تقديم ما يمكنهم من علاج للمرضى الذين لا ينقطع توجههم إلى المنشآت الطبية التي بالكاد تعمل.

ويقول الطبيب: «مع أنّي أتعب مع الطرف الاصطناعي، لكنّي سعيد نفسياً، مرتاح وأنا في عملي؛ لذلك قررت العودة إلى عملي».

ويبدو أن ذوي مرضاه سعيدون بمرافقته الطبية لأطفالهم، ومن بينهم والدة الطفلة ميرا حميد المريضة بالكلى، وفقاً لوالدتها.

عن الطبيب تقول الوالدة: «بالرغم من بتر ساقه، يتابع الأطفال وحالتهم ويقدّم خدماته، بوركت جهوده».