لبنان يعلن استعداده لـ«مفاوضات غير مباشرة» مع إسرائيل لوقف الحرب

ميقاتي يطالب مجلس الأمن بإجراءات لوقف الهجمات على المدنيين

لبنانيون يشاركون في تشييع 3 عناصر من الدفاع المدني قتلوا في هجوم إسرائيلي السبت (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاركون في تشييع 3 عناصر من الدفاع المدني قتلوا في هجوم إسرائيلي السبت (أ.ف.ب)
TT

لبنان يعلن استعداده لـ«مفاوضات غير مباشرة» مع إسرائيل لوقف الحرب

لبنانيون يشاركون في تشييع 3 عناصر من الدفاع المدني قتلوا في هجوم إسرائيلي السبت (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاركون في تشييع 3 عناصر من الدفاع المدني قتلوا في هجوم إسرائيلي السبت (أ.ف.ب)

أعربت الحكومة اللبنانية عن استعدادها للقيام بمفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لوقف إطلاق النار ووقف الحرب المندلعة في الجنوب بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، وسط تبادل متصاعد لإطلاق النار، وتهديدات إسرائيلية بتوسعة الحرب.

وأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خلال استقباله السفراء والقائمين بأعمال سفارات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، «الحاجة إلى أن يتخذ مجلس الأمن الدولي إجراءات أكثر فاعلية وحسماً في معالجة الانتهاكات والهجمات الإسرائيلية على المدنيين اللبنانيين»، معتبراً أنه «يجب أن تكون استجابة مجلس الأمن سريعة وقوية، وتهدف إلى حماية المدنيين الأبرياء وعناصر الدفاع المدني، الذين يبذلون قصارى جهدهم لتخفيف آلام المدنيين».

وشدد على «أننا ندين بشدة الاستهداف الإسرائيلي المستمر للمدنيين اللبنانيين، الذي يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وتهديداً لسلامة الشعب اللبناني وأمنه».

وشكر ميقاتي أعضاء مجلس الأمن على «دعمهم لتجديد ولاية اليونيفيل وعلى التزامهم المستمر بالاستقرار في لبنان»، داعياً «مجلس الأمن إلى تحمل مسؤوليته في الحفاظ على القانون الدولي والأمن، من خلال محاسبة المسؤولين عن استهداف المدنيين اللبنانيين».

وشدد على أنّ «لبنان يؤكد التزامه بالسلام والاستقرار وحماية شعبه»، مشيراً إلى «أهمية التعاون والدعم الدوليين في تحقيق الاستقرار الدائم والبناء في المنطقة».

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

وبعد الاجتماع قال وزير الخارجية، عبد الله بوحبيب: «أكد جميع السفراء خلال الاجتماع تأييدهم لعدم استهداف المدنيين، مع التذكير بالقانون الذي صدر في جنيف؛ حيث إن هناك قوانين دولية تحمي المدنيين كافة أثناء الحرب، باعتبار أن عمل الصحافي، أثناء الحروب ولدى تغطيته للعمليات، لا يعني أنه يؤيد طرفاً محدداً، كذلك عمل الدفاع المدني».

وتابع: «أدان معظم السفراء بشكل غير مباشر هذه الاعتداءات، وأكدوا أنهم ضد استهداف المدنيين، وتم الاتفاق على عدم استعمال كلمة (عدم التصعيد) وإنما علينا استعمال كلمة (وقف الاعتداءات)».

وقال بوحبيب: «نحن كحكومة نريد وقف إطلاق النار ووقف الحرب، وأبلغنا معظم المعنيين استعدادنا للقيام بمفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين من أجل ذلك». ولفت إلى قرار أعلنه رئيس الحكومة، وهو «الطلب من بعثتنا في الأمم المتحدة التشاور مع أعضاء مجلس الأمن بشأن جلسة لمجلس الأمن عن لبنان، وخصوصاً عن استهداف المدنيين»، كما لفت إلى أن «هناك دعماً قوياً للبنان من كل الجهات، وهذا الذي يمنع حصول حرب شاملة في جنوبنا».

وأوضح بوحبيب: «نحن لم نطلب من مجلس الأمن وقف القتال، ولكن طلبنا اجتماعاً استشارياً قد يؤدي إلى ذلك، أو يؤدي إلى عدم استهداف المدنيين؛ لذلك نحن نعمل على كل المنابر الدولية. نحن نتكلم مع كل الدول ومع مجلس الأمن وفي حال حصول وقف إطلاق نار يجب أن يكون هناك قرار جديد».

وأشار إلى أن «إسرائيل هي من ترفض، أما (حزب الله) فمن المعقول أن يرفض، ولكنه ليس دولة ليقول نعم أو لا، الدولة اللبنانية هي التي تقول نعم أم لا. إذا كان هناك نوع من قرار جيد نقبل به كدولة، فسنحاول أن نقنع (حزب الله) به، وهذه مسؤولية الدولة اللبنانية، فـ(حزب الله) ليس عضواً في الأمم المتحدة، بل لبنان و(حزب الله) معنا من هذه الناحية».

وأوضح، رداً على سؤال، أن أي قرار سيصدر بوقف إطلاق النار سيكون قراراً جديداً، وليس نسخة معدلة من القرار 1701.

تهديدات إسرائيلية

ويأتي الطلب اللبناني وسط تهديدات إسرائيلية توسعت من كابينت الحرب إلى المعارضة، إذ رأى عضو كابينت الحرب الإسرائيلي السابق ورئيس كتلة «المعسكر الوطني»، بيني غانتس، أن على إسرائيل شن حرب على لبنان، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى بين إسرائيل وحركة «حماس» في الفترة القريبة.

وقال غانتس، خلال كلمة أمام مؤتمر الحوار الشرق أوسطي الأميركي (MEAD) في واشنطن، ليل الأحد: «حان وقت الشمال. ونحن متأخرون، وأعتقد أن علينا تنفيذ صفقة من أجل إعادة المخطوفين، حتى لو كان ذلك بثمن مؤلم جداً، لكن إذا لم نتوصل إلى ذلك خلال أيام أو عدة أسابيع قليلة، ينبغي الصعود إلى حرب في الشمال وضمان أن نتمكن من إعادة السكان إلى بيوتهم». وتابع أنه «بإمكاننا تحقيق هذه الغاية، حتى لو تطلّب ذلك استهداف دولة لبنان نفسها، وأنا لا أرى طريقاً آخر».

الدخان يتصاعد في جنوب لبنان بعد غارة إسرائيلية (رويترز)

ميدانياً، أعلن الجيش الإسرائيلي أن الطائرات الحربية والمروحية هاجمت ليل الأحد - الاثنين مباني عسكرية ومنصة إطلاق تابعة لـ«حزب الله» في مناطق كفركلا والطيبة وحنين ويارين.

وأكد مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة اللبنانية أن غارة «شنها العدو الإسرائيلي على بلدة حانين أدت إلى إصابة 4 أشخاص بجروح استدعت إدخالهم إلى المستشفى للعلاج».

إسرائيلية تتفقد الأضرار بعد هجمات نفذها «حزب الله» باتجاه شمال إسرائيل (رويترز)

في المقابل، أعلن «حزب الله» عن إطلاق مسيّرات انقضاضية هاجمت مقر قيادة لواء غولاني ومقر وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال عكا، كما أعلن عن استهداف موقع جل العلام بمحلقتين انقضاضيتين «أصابتا ‏أهدافهما بشكل مباشر».

وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن هجوم الطائرات المسيّرة لـ«حزب الله» خلّف إصابة مباشرة في شقة سكنية بالطابق الـ14 في مبنى سكني جديد بشمال نهاريا.

وقال «حزب الله» في بيانات أخرى إنه استهدف موقع معيان باروخ بالأسلحة الصاروخية، وإن «وحدة ‏الدفاع ‏الجوي في المقاومة الإسلامية تصدت لطائرة حربية صهيونية، وأطلقت باتجاهها ‏صاروخ أرض جو؛ ‏مما أجبرها على مغادرة الأجواء اللبنانية»، فضلاً عن استهداف موقع المرج بقذائف المدفعية، وموقع حبوشيت بالأسلحة الصاروخية.

«الجماعة الإسلامية»

بدورها، أعلنت «قوات الفجر - الجناح العسكري للجماعة الإسلامية»، في بيان، عن توجيه رشقة صاروخية استهدفت موقع «بيت هلل» في كريات شمونة. وبعد الظهر، أعلنت «قوات الفجر» استهدافها بصلية صاروخية ثانية الموقع نفسه.

أضرار بمبنى في نهاريا انفجرت فيه طائرة مسيّرة أطلقها «حزب الله» (رويترز)


مقالات ذات صلة

المشرق العربي قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقود مركبات تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أمام مبانٍ مدمرة أثناء دورية بقرية كفركلا جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)

«حزب الله» بتأييده وقف النار يضع سلاحه على طاولة المفاوضات

التهديد الناري الذي أطلقه نائب رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» محمود قماطي بقطع كل يد تمتد إلى سلاح المقاومة لا يستهدف الرسائل الإيجابية بين عون والحزب.

محمد شقير (بيروت)
شؤون إقليمية أشخاص يمرون بين أنقاض موقع استهدفته غارة جوية إسرائيلية الليلة الماضية في حوش تل صفية قرب بعلبك شرقي وادي البقاع لبنان (أ.ف.ب) play-circle

الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف مواقع بنية تحتية لـ«حزب الله» في جنوب لبنان

قال الجيش الإسرائيلي الخميس إنه استهدف ليلاً مواقع بنية تحتية تابعة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي تمرين عسكري لفصائل من «الحشد الشعبي» (أ.ب)

العراق «غير مرتاح» من حديث رئيس لبنان عن «الحشد»

عبَّر العراق عن عدم الارتياح من تصريحات أدلى بها الرئيس اللبناني حول قوات «الحشد الشعبي»، داعياً إلى «تصحيح الموقف بما يعزز العلاقات الأخوية بين البلدين».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي موقع استهدفته غارة جوية إسرائيلية في حوش تل صفية (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يستهدف عنصرين من «حزب الله» بجنوب لبنان... ويقصف منازل جاهزة

أغارت مسيّرة إسرائيلية على سيارة «رابيد» على طريق وادي الحجير، ما أدّى الى سقوط قتيل وجريح.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«الإخوان» وحكومات الأردن... من الاحتواء إلى الخصومة

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)
جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)
TT

«الإخوان» وحكومات الأردن... من الاحتواء إلى الخصومة

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)
جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)

يُذكّر قياديون في الحركة الإسلامية بجناحيها: «جماعة الإخوان» غير المرخصة، وحزب «جبهة العمل الإسلامي» دوماً بمواقف سابقة دعمت فيها استقرار الأردن خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. لكن، وإذا كان حديث تلك القيادات صحيحاً خلال عقود مضت؛ فقد تبعته سنوات من المواجهة مع السلطات عند بدء الانقسامات التي شهدتها الحركة خلال العقود الثلاثة الماضية.

وتمثل مرحلة ما بعد كشف السلطات الأردنية عن خلايا اتهمتها بالتخطيط لـ«إثارة الفوضى» وحيازة «مواد متفجرة» محطة مفصلية للحركة الإسلامية في البلاد، خصوصاً بعدما أظهرت تسجيلات لموقوفين في القضية علاقتهم بـ«جماعة الإخوان» غير المرخصة في البلاد.

وتحدثت مصادر سياسية أردنية رفيعة لـ«الشرق الأوسط»، خلال اليومين الماضيين، عن «رسالة واضحة للجماعة بضرورة فك الارتباط مع الحزب»، مؤكدة أن «أي تصعيد لا يهدد فقط بحل (جماعة الإخوان) وعدَّها محظورة، بل قد يطول مصير حزب (جبهة العمل الإسلامي)».

المصادر شددت كذلك على أن «(المرونة) التي تعاملت بها السلطات الأردنية مع الجماعة غير المرخَّصة كانت فرصة لتنظيم الصفوف، واختصار النشاط، عبر ذراعها السياسية (حزب جبهة العمل) المرخَّص والممثل في البرلمان المنعقد حالياً؛ لكنها أساءت التصرف ولم تقابل المرونة الرسمية بضرورة وضع حد لتصرفات بعض قياداتها وأعضائها».

من المرونة إلى الخصومة

خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي ظلت «جماعة الإخوان المسلمين» حليفاً للحكومات، وقد تدرج قياديون منها في مواقع رسمية متقدمة، تمكنوا عبرها من تعريض قواعدهم الشعبية، ونشر خطابهم في المجتمع الأردني، بعد احتكارهم خطاباً دينياً جاذباً لمجتمع محافظ تاريخياً.

تأسست «جماعة الإخوان المسلمين» في الأردن عام 1946، بصفتها جمعيّة دعوية تنشط في تقديم المساعدات من خلال جمع التبرعات. واستقطب نشاطها شباباً تأثروا بدعوات الجماعة ومسلكيات قياداتها في العمل العام.

وكان للمعلمين المنتسبين للجماعة في تلك الفترة الأثر على طلاب المدارس، وقد تم الدفع بهؤلاء الطلبة إلى الاعتصامات في مواجهة القوى السياسية المضادة لهم، وبالأخص الحزب الشيوعي وقتذاك وحزب البعث قبل انقسامه. ووقعت مواجهات بين تلك القوى في وسط العاصمة عمان ومراكز المدن الرئيسية في عدد من مناطق المملكة.

وزارتان في قبضة «الإخوان»

خلال حقبة السبعينات تطورت العلاقة بين الجماعة والحكومات على أرضية الشراكة والتحالف، وتحديداً خلال الحكومة الأخيرة لرئيس الوزراء الراحل وصفي التل، الذي عيّن القيادي الإسلامي البارز الدكتور إسحاق الفرحان وزيراً للتربية والتعليم ووزيراً للأوقاف في فترتين منفصلتين.

وأُسندت للفرحان مهمة تطوير مناهج التربية والتعليم، والذي كان قد أنهى دراساته العليا في هذا المجال من الخارج. ويُعتقد أن برنامج «الإخوان» الدعوي دخل ضمن الكتب المدرسية، خلال تلك الفترة.

لكن تعديل الفرحان للمناهج ليس وحده، فقد كان في الأثناء مبتعثون على حساب الحكومات الأردنية من الجماعة يتلقون دراساتهم المتقدمة في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد عودتهم تسلموا مواقع متقدمة في وزارة التربية والتعليم، كان من أبرزهم القيادي عبد اللطيف عربيات الذي ظل وكيلاً عاماً للوزارة نحو عقد من الزمان، وهذا الموقع ضمِنَ للرجل الثاني في الوزارة استكمال أخونة المناهج.

عبد اللطيف عربيات (بترا)

وبعد نجاح «الثورة الإيرانية» عام 1979، بدأ الإسلام السياسي في البلاد يستلهم من التجربة فرصة لصدارة المشهد السياسي محمولاً على أكتاف قواعده الموزعة على مناطق المملكة، وتحديداً مراكز المدن الرئيسية الثلاث عمّان، والزرقاء، وإربد.

هدف سهل

على خط موازٍ لوزارة التعليم، كانت وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية هدفاً سهلاً للحركة، وتمكنت من التسلل إلى منابر المساجد من خلال الأئمة، ومن هناك كانت المساجد عبارة عن مقار للعمل التنظيمي للجماعة في إطار دعوي قبل أن يتطور إلى عمل سياسي يستقطب مريديه عبر حلقات الذكر والدروس التي كانت الجماعة تنظمها بعد صلاة العشاء.

ثنائية الجماعة والحزب

بعد أحداث «هبة نيسان» من عام 1989 وإقالة الحكومة وقرار العودة للحياة الديمقراطية بعد عقود من الأحكام العرفية، ترشحت الجماعة في انتخابات مجلس النواب الحادي عشر (1989 - 1993) وشكلت كتلة وازنة في ذلك المجلس الذي حظي بثقة شعبية واسعة. مع ذلك المجلس انتهت حقبة الأحكام العرفية وبدء العمل على إقرار قوانين سياسية كان في مقدمتها قانون الأحزاب.

ذهبت الجماعة في ذلك المجلس إلى منح الثقة لأول مرة والمشاركة في حكومة رئيس الوزراء مضر بدران، وكان ذلك تحت شعار دعم الأردن للعراق في مواجهة عدوان قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

مضر بدران (بترا)

وكان لذلك المجلس أن منح رئاسته لثلاث دورات برلمانية إلى القيادي عبد اللطيف عربيات، بعد أن جرى الحديث عن تحالف الجماعة والحكومة من أجل ذلك الموقع المهم في المؤسسات الدستورية في البلاد.

حزب «جبهة العمل»

في عام 1992 تأسس حزب «جبهة العمل الإسلامي»، وأصبح الذراع السياسية لـ«جماعة الإخوان المسلمين» الدعوية. ومن هناك بدأ الحديث عن تبعية الحزب للجماعة، وليس فك الارتباط بين العمل الدعوي والعمل السياسي.

لكن الانقلاب في العلاقة بين الجماعة والحكومات بدأ منذ إعلان الحكومة التي تلت حكومة بدران برئاسة طاهر المصري قرارها المشاركة في «المؤتمر الدولي للسلام» الذي انعقدت أولى جلساته في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1992، وتوقيعهم مذكرة نيابية تدعو لطرح الثقة بحكومة المصري، قبل أن يستقيل المصري بإرادته.

جانب من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 (غيتي)

بعد تلك الأزمة، أُجريت انتخابات مجلس النواب الثاني عشر (1993 - 1997)، وبدأ الحديث عن مستويات من الانقلاب على التحالفات ضمن مستوى الجماعة والحكومات، وكذلك انقسامات وانشقاقات على مستوى الحزب والجماعة نفسيهما.

وبعد إقرار قانون معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية عام 1994 بعد مقاطعة نواب حزب «جبهة العمل الإسلامي» جلسة التصويت، كان لعلاقة «الإخوان المسلمين» مع الدولة ومع منتسبيها كذلك شكل مختلف.

من التحالف إلى الصدام

بعد إقرار قانون معاهدة السلام، ابتعدت الجماعة الإسلامية وحزبها عن تحالفاتهم الرسمية، وبدأت الحركة بتوسيع قواعد رفضها للسلام مع إسرائيل والتطبيع الرسمي معها.

في تلك الفترة قاطعت الجماعة والحزب انتخابات مجلس النواب الثالث عشر الذي جرت عام 1997. ذلك القرار تبعته انشقاقات في صفوف الحركة وخروج قياديين منها احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. ليذهب بعض القياديين المنشقين إلى تأسيس حزب «الوسط الإسلامي» بقيادة عبد الرحيم العكور.

وقتها سيطر على العلاقة بين الجماعة والحكومة غياب الثقة، ودخلت الجماعة والحزب في حالة سكون خلال فترة مرض الراحل الملك الحسين، وتسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية.

أحد مقار حزب «جبهة العمل الإسلامي» في الأردن (الموقع الرسمي للحزب)

قرر حزب «جبهة العمل» المشاركة في انتخابات مجلس النواب الرابع عشر عام 2003 بعد تعطيل الحياة البرلمانية لمدة عامين بسبب أحداث الانتفاضة الثانية. وفعلاً، فقد فاز 16 نائباً يمثلون كتلة «جبهة العمل الإسلامي».

مد وجزر

استمرت علاقات المد والجزر بين الحركة والمؤسسات الرسمية، وبعد الدعوة لانتخابات مجلس النواب الخامس عشر عام 2007 ومشاركة الجماعة والحزب بعد إبرام صفقات مع حكومة معروف البخيت، وهي الانتخابات التي شهدت تجاوزات خطيرة عبر تزوير النتائج؛ ما عدَّها الحزب انقلاباً على ما تم الاتفاق عليه بعد فوز 6 نواب فقط منهم في ذلك المجلس.

شهدت تلك الفترة أصعب الانقسامات داخل الحركة وتحرر تيار الصقور من سطوة تيار الحمائم، وانقلب على قيادات الجماعة والحزب عبر الانتخابات الداخلية وتم إقصاء قيادات تيار الحمائم التاريخية وتصدر المتشددون.

انتهت الأزمة بانشقاق قيادات سابقة اتهمت قيادات فاعلة باختطاف الجماعة والحزب من قِبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وسيطرتها على هوية الجماعة والحزب بعد السعي للانقلاب على أدبيات الحركة وثوابتها.

ونتج عند ذلك انشقاق القيادي البارز رحيل غرايبة الذي أسس «حزب المبادرة الوطنية» (زمزم)، والقيادي سالم الفلاحات الذي أسس «حزب الشراكة والإنقاذ».

كانت تلك الانشقاقات بدأت مع رياح الربيع الأردني خلال سنوات (2010 - 2013)، وبعد اتهام الجماعة الأردنية والحزب بالتبعية لجماعات إخوانية في الخارج، وعلى وجه التحديد في تركيا والقاهرة وغزة، خصوصاً بعد تسلم «الإخوان المسلمين» الحكم في مصر، انتهى مشروع إعادة بناء الثقة بين الجماعة والحكومات.

مظاهرات حاشدة في مصر عام 2013 ضد حكم الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ساهم التيار الصقوري المتشدد الذي سيطر على قيادة الجماعة والحزب في البلاد، إلى استعداء المؤسسات الرسمية والأمنية في المملكة، وانقطعت شعرة الثقة بينهما. إلى أن قررت حكومة عبد الله النسور (2012 - 2016) قبول طلب تأسيس «جمعية الإخوان المسلمين» خلفاً لـ«جماعة الإخوان المسلمين» القائمة، وإلغاء ترخيص الجماعة الأم في العام 2015. ليبقى حزب «جبهة العمل الإسلامي» هو الواجه السياسية للتنظيم. لكن الجماعة غير المرخصة ظلت ناشطة، وذلك على مرأى ومسمع حكومات سابقة.