إسرائيل جمعت قاعدة معلومات استخباراتية من معتقلي غزة

استخدمت التعذيب الشديد ضدهم إلى حد الموت

أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)
أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)
TT

إسرائيل جمعت قاعدة معلومات استخباراتية من معتقلي غزة

أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)
أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)

حوّلت إسرائيل المعتقلين الفلسطينيين الذين اقتادتهم من قطاع غزة إلى المعتقل المؤقت في قاعدة «سديه تيمان» بالنقب إلى المصدر الاستخباراتي الأول والأهم في الكثير من مراحل الحرب الحالية، وهو ما ساعد إلى حد ما في الوصول لقيادات من «حماس» وحتى لجثث مختطفين كانوا داخل أنفاق.

وتعمدت القوات البرية الإسرائيلية اعتقال أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من غزة إلى داخل إسرائيل، خصوصاً إلى سجن قاعدة «سديه تيمان» الذي خصص لمعتقلي غزة مع بدء الحرب الحالية المستمرة منذ 11 شهراً، وذاع صيته في العالم في الآونة الأخيرة بسبب الانتهاكات غير العادية بحق المعتقلين فيه.

وقالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن أحد أسباب وصول إسرائيل للمكان الذي يعتقد أنه اغتيل فيه محمد الضيف قائد «كتائب القسام»، الجناح المسلح لحركة «حماس»، بمنطقة مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، هو بعض المعتقلين من أقارب قيادات كانوا في المكان.

وحسب المصادر، فإن جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» حصل على صور حديثة جداً للضيف ورافع سلامة، قائد لواء خان يونس، من معتقلين أدلوا خلال التحقيق معهم تحت التعذيب الشديد بمواقع كان يتردد إليها سلامة ومنها المكان الذي اغتيل فيه، الذي يعود لأقاربه.

وعززت الصور التي قدمها معتقلون صورة كان حصل عليها جهاز «الشاباك» للضيف ورافع سلامة معاً في مقطع فيديو لهما سوياً في أرض زراعية داخل أحد مواقع «كتائب القسام». واعتقلت إسرائيل خلال العمليات البرية الكثير من عناصر «حماس» والنشطاء في جناحها العسكري وكذلك فصائل أخرى، دون أن يعرف العدد النهائي للمعتقلين بشكل كلي من قطاع غزة، رغم الإفراج عن العشرات منهم على فترات متباعدة.

أسرى فلسطينيون في جباليا يوم 14 ديسمبر (رويترز)

6 آلاف أسير

ووفقاً لتقديرات مؤسسات مختصة بالأسرى، فإن العدد يفوق 6 آلاف أسير، يتعرضون لأنواع شتى من التعذيب، ما أثر على بعضهم عقلياً وجسدياً، وظهر ذلك على من أفرج عنهم وهم يعانون من صدمات نفسية رهيبة سيحتاجون معها لسنوات من العلاج النفسي.

وأكدت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» أن عدداً كبيراً من المعتقلين استخدمتهم القوات الإسرائيلية في نصب كمائن لمقاومين تم قتلهم أو اعتقالهم، كما استخدمت بعضهم دروعاً بشريةً بعد أن كانت تدخلهم للأنفاق للكشف عن أي عبوات ناسفة أو كمائن قد تكون منصوبة لهم حتى لا يقتلوا أو يصاب بها الجنود الإسرائيليون.

ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن بعض المقاتلين أسروا بعد إصابتهم، وتم لاحقاً جلبهم لأماكن أنفاق عثر فيها على جثث لأسرى إسرائيليين في خان يونس. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في 20 أغسطس (آب) الماضي عثوره على جثث 6 أسرى دفنوا في نفق شمال غرب خان يونس، فيما أعلن في نهاية يوليو (تموز) العثور على 5 جثامين أخرى في شرق المدينة.

وتقول المصادر الميدانية إن الأسرى الستة كانوا قتلوا في سلسلة هجمات إسرائيلية عندما كانوا فوق الأرض، وبعضهم قتل في حادث إطلاق نار من آليات عسكرية توغلت في محيط مدينة حمد، وهو المكان الذي عثر فيه على جثامينهم بنفق في المنطقة لم تكتشفه القوات الإسرائيلية مسبقاً رغم أنها دخلت قبل ذلك في المنطقة نفسها.

وبينت أن أحد المقاومين الذي أُسر بعد إصابته اعترف بمكان دفنهم بعد تعرضه لتعذيب قاس. أما الأسرى الخمسة فكانوا قد دفنوا في نفق بمنطقة بني سهيلا شرق خان يونس، وقتلوا بغارتين سابقتين في مكانين منفصلين. وبعد اعتقال أحد المقاومين من مبنى بالمدينة وبعد التحقيق معه لأكثر من شهر وتحت التعذيب الشديد اعترف على مكانهم.

قالت «حماس» في عام 2021 إنها قامت ببناء أنفاق بطول 500 كيلومتر تحت غزة (أ.ف.ب)

معلومات استخباراتية دقيقة

وتشير المصادر إلى أنه لم تكن هناك أي فرصة لنقل الجثث من هناك في ظل الظروف الميدانية الصعبة. وأظهر مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي بعد ساعات على اكتشاف جثامين الأسرى الخمسة معتقلاً فلسطينياً مكبل اليدين ويرتدي زياً عسكرياً إسرائيلياً وسترة واقية، وحذاءً رياضياً، يقود القوات الإسرائيلية إلى هناك.

وادعى الجيش الإسرائيلي قبل ساعات من الفيديو من خلال بيانه أن معلومات استخباراتية دقيقة أوصلت قواته إلى جثامين الأسرى الخمسة، وهو الأمر الذي كرره لاحقاً في الوصول لجثث الأسرى الستة شمال غرب خان يونس. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن المعتقل كان من نشطاء «حماس»، وقد أدلى بمعلومات أوصلت الجيش إلى جثث الأسرى.

وحسب مصادر من «حماس»، فإن الأسرى الذين يتعرضون لتعذيب وتنكيل شديدين يضطرون أحياناً لتقديم معلومات. وهذا مفهوم لدى قادة الحركة ومتوقع كجزء من الحرب. ولم تساعد معلومات المعتقلين في الوصول إلى جثث فقط، بل أيضاً بعض القيادات في أنفاق. لكن أيضاً المعلومات تحت التعذيب قادت إلى مجازر مدنيين.

وقالت المصادر إن الاحتلال أجبر مواطنين لا علاقة لهم بالمقاومة على تقديم اعترافات مزيفة أدت لتنفيذ عمليات استهدفت في مراكز إيواء بحجة استخدامها مراكز قيادة ما أدى إلى مجازر. وروت المصادر قصة أحد الشبان الذي اعتقل قبل نحو شهرين لدى تنقله من شمال قطاع غزة إلى جنوبه عبر محور نتساريم مع أفراد من عائلته، وتم اعتقاله وبعد التحقيق معه وتعذيبه الشديد اعترف على أن أحد أقاربه ناشط في «حماس» ما دفع جيش الاحتلال لقصف منزله وأدى لمقتل عائلته وأقاربه النازحين لديهم، فيما لم يكن المطلوب بالأساس داخل البيت الذي لم يصله منذ الحرب.

وتؤكد المصادر أن جيش الاحتلال يعتمد على اعترافات الأسرى تحت التعذيب من أجل تحديث بنك أهدافه الذي أثبت في الكثير من المرات أنه كان مجرد بنك خالٍ من أهداف حقيقية وثمينة. وحسب إحصاءات رسمية قتلت إسرائيل أكثر من 37 أسيراً من قطاع غزة «تحت التعذيب»، في سجن «سديه تيمان». وكشفت اعترافات أسرى وتحقيقات سابقة عن انتهاكات جسيمة تمارسها إسرائيل ضد المعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك موتهم تحت التحقيق القاسي.


مقالات ذات صلة

تحقيق أممي: تدمير منظومة الصحة بغزة يرقى لـ«الإبادة»

المشرق العربي طلبة فلسطينيون في غزة يتلقون دروسهم أمس على أنقاض بيوت دمرها القصف الإسرائيلي (رويترز)

تحقيق أممي: تدمير منظومة الصحة بغزة يرقى لـ«الإبادة»

اتهم تحقيق تابع للأمم المتحدة، إسرائيل باتباع سياسة منسقة لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، وخلُص إلى أنها أفعال ترقى إلى جرائم حرب وجريمة «إبادة» ضد الإنسانية

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في دورية راجلة بقطاع غزة (أ.ف.ب)

مقتل 3 جنود إسرائيليين خلال اشتباكات بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي أن 3 من عسكرييه، هم ضابط برتبة رائد ورقيبان، قتلوا الخميس في معارك شمال قطاع غزة، حيث بدأ بتكثيف عملياته.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)

محادثات «فتح» و«حماس» بالقاهرة... هل «تُقلص فجوات» اليوم التالي لـ«حرب غزة»؟

وفق مصدر فلسطيني، تحدث إلى «الشرق الأوسط»، فإن محادثات «فتح» و«حماس» تسعى إلى قطع الطريق على إسرائيل لعرقلة أي ترتيبات مرتبطة باليوم التالي من «حرب غزة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تحليل إخباري أحد أفراد الشرطة العسكرية الروسية في الجولان السوري المحتل (أرشيفية - أ.ف.ب)

تحليل إخباري تراجع «تكتيكي» لموسكو في سوريا وتبدل أولوياتها

أثارت الانسحابات العسكرية الروسية من نقاط مراقبة قرب خطوط التماس مع الجولان السوري التساؤلات حول التموضع الروسي في إطار المواجهة المتفاقمة في لبنان.

رائد جبر (موسكو)
تحليل إخباري بايدن وهاريس في ولاية ماريلاند في 15 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري عقيدة هاريس في الشرق الأوسط: استكمال لسياسة بايدن أم قطيعة؟

مع اقتراب الانتخابات الأميركية، تتزايد التساؤلات حول مسار هاريس في المنطقة، وما إذا كان سيختلف جذرياً عن مسار الرئيس جو بايدن، أم أنه سيعد استكمالاً لمسيرته.

رنا أبتر (واشنطن)

إسرائيل تريد نقل قوات «يونيفيل» لـ5 كيلومترات شمالاً

جنود إسرائيليون على متن مركبة عسكرية في شمال إسرائيل، بالقرب من الحدود مع لبنان 10 أكتوبر2024 (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون على متن مركبة عسكرية في شمال إسرائيل، بالقرب من الحدود مع لبنان 10 أكتوبر2024 (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تريد نقل قوات «يونيفيل» لـ5 كيلومترات شمالاً

جنود إسرائيليون على متن مركبة عسكرية في شمال إسرائيل، بالقرب من الحدود مع لبنان 10 أكتوبر2024 (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون على متن مركبة عسكرية في شمال إسرائيل، بالقرب من الحدود مع لبنان 10 أكتوبر2024 (إ.ب.أ)

قال داني دانون، مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة، الخميس، إن إسرائيل توصي بنقل قوات «يونيفيل» في لبنان لمسافة 5 كيلومترات شمالاً «لتجنّب الخطر مع تصاعد القتال».

وأضاف دانون، في بيان، أن إسرائيل تُركز على قتال «حزب الله»، وستواصل الحوار والتنسيق مع قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل)، وفقاً لوكالة «رويترز».

وتابع: «إسرائيل لا ترغب في أن تكون موجودة في لبنان، لكنها ستفعل ما يلزم لإبعاد (حزب الله) عن حدودها الشمالية» وحتى يتمكن 70 ألف من السكان من العودة إلى منازلهم في شمال إسرائيل.

وأوضحت «يونيفيل»، في بيان، الخميس، أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار «عمداً» على 3 نقاط لها، خلال يومي الأربعاء والخميس، ما تسبّب في جرح جنديين.

وانتشرت قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان في العام 1978، بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان خلال العام 1978 على خلفية المواجهات بين إسرائيل وفصائل فلسطينية مسلحة كانت متمركزة في جنوب لبنان. ويتمّ تجديد مهامها منذ ذلك الوقت بتصويت دوري في مجلس الأمن.

وجرى تعديل مهامها وتوسيعها على مرّ السنين، لا سيما بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ثم انسحاب إسرائيل في العام 2000، وبعد حرب العام 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل.

وأعلنت إسرائيل منتصف الشهر الماضي نقل «الثقل العسكري» إلى الجبهة الشمالية. وبدأت منذ 23 سبتمبر (أيلول) تكثيف غاراتها الجوية، خصوصاً في مناطق تعدّ معاقل لـ«حزب الله» في الجنوب والشرق والضاحية الجنوبية لبيروت.

وأعلنت إسرائيل أنها بدأت في 30 سبتمبر (أيلول)، عمليات «برية محدودة وموضعية ومحددة الهدف» في جنوب لبنان، تستهدف «بنى تحتية» عائدة لـ«حزب الله».