التزمت وزارة النقل العراقية الصمت حيال اتهامات فساد تطول عقداً لإنشاء خط للسكك الحديدية يربط جنوب البلاد بشمالها، وكذلك يصل بين محافظة كربلاء ومنفذ عرعر على الحدود مع المملكة العربية السعودية.
وإذا ما ثبتت هذه المزاعم؛ التي أطلقها رئيس كتلة «الآمال» النيابية ياسر الحسيني ضد العقد، فستكون بمثابة «فضيحة فساد مدوية» تفوق بأضعاف فضيحة سرقة الأموال الضريبية التي تقدر بـ2.5 مليار دولار. ولم تصدر الاتهامات ضد العقد سوى عن النائب الحسيني، ولم تتدخل فيها المؤسسات الرقابية والقضائية حتى الآن، مما يجعل من المبكر الحكم على مدى صدقية مزاعم الفساد التي تُروّج.
وجاء في اتهامات النائب الحسيني أن قيمة العقد أكثر من 22 مليار دولار، وأن شركة يملكها المتهم الرئيسي بسرقة الأموال الضريبية؛ نور زهير، منخرطة في الائتلاف الذي وقّع العقد مع «الشركة العامة للسكك» التابعة لوزارة النقل.
وتأسست أول إدارة للسكك في العراق في مطلع القرن الماضي، إبان الاحتلال البريطاني للعراق (1914)، وكانت من بين أهم مؤسسات النقل العام في البلاد، وتربط بين محافظات البلاد. وظلت فاعلة لعقود طويلة قبل أن تتراجع وتتهالك وتتوقف في بعض الأحيان خلال العقدين الأخيرين.
وأكد الحسيني، في مقابلة تلفزيونية، أن «خط السكك يمتد من البصرة جنوباً ويصل إلى منطقة فيشخابور بمحافظة دهوك شمالاً، وهي المنطقة التي تقع عند المثلث العراقي - السوري - التركي، إلى جانب خط سكك آخر يربط بين كربلاء ومنفذ عرعر الحدودي مع السعودية».
ووفق الحسيني، فقد وقعت «الشركة العامة للسكك» العقد في مايو (أيار) الماضي، مع ائتلاف مكون من شركة كورية وشركتين عراقيتين، مضيفاً أن إحدى هاتين الشركتين يديرها المتهم بسرقة الأموال الضريبية نور زهير. ولم يتسنَّ التأكد من هذه المعلومات من مصادر مستقلة.
ويشدد النائب العراقي على أن العقد يتضمن أن تقدم «شركة السكك» ووزارة النقل «ضمانة سيادية» لائتلاف الشركات التي ستحصل على أموالها من شحنات النفط العراقية.
ويشير إلى أن ائتلاف الشركات تمكن من الحصول على موافقة حكومية بأن يضاف مبلغ 4 تريليونات دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) إلى الخطة الاستثمارية في موازنة عام 2024؛ وذلك بهدف ضمان أن تباشر الشركات مهامها في تنفيذ بنود العقد.
وكان الحسيني رأس، في منتصف يوليو (تموز) الماضي، لجنة للتحقيق في شبهات فساد بالموانئ العراقية، وصرح وقتذاك بأن لجنته تمكنت من «كشف 3 حقائق مُرّة؛ هي أن هدر 20 تريليون دينار ليس شبهات؛ بل حقيقة، وهناك أدلة كثيرة ترافقها عقود طويلة ترهن خيرات العراق لجهات سياسية فاسدة، إضافة إلى أن حجم الضغوط كشف عن هوية من يريد إبقاء آفة الفساد تنخر في الموانئ».
مع ذلك، تتقاطع الاتهامات التي يسوقها النائب الحسيني عن العقد الجديد مع رواية رسمية أخرى كان قد تحدث عنها المدير العام للسكك الحديدية، خالد يونس، نهاية مايو 2023، في معرض حديثة عن السكك المزمع إنشاؤها ضمن إطار «مشروع طريق التنمية» الذي يفترض أن ينقل السلع من آسيا إلى أوروبا عبر العراق ثم تركيا. وقال يونس وقتذاك، في تصريحات صحافية، إن الطريق السككية الواصلة بين الفاو (جنوباً) وصولاً إلى فيشخابور (شمالاً) تبلغ 1200 كيلومتر، وتنفَّذ من قبل 15 شركة. وذكر أن الخط «يمر بالبصرة شمالاً نحو الناصرية والسماوة والديوانية والنجف وكربلاء وبغداد، كما سيمر الخط بقضاءي سامراء وبيجي في محافظة صلاح الدين، قبل وصوله إلى مدينة الموصل، ومن هناك يتجه إلى ناحية الربيعة على الحدود السورية، ومن ثم إلى منطقة فيشخابور قبل دخوله إلى الأرضي التركية». وتحدث يونس عن أن «تكلفة المشروع 17 مليار دولار؛ 10.5 مليار دولار منها لشراء قطارات كهربائية متطورة، و6.5 مليار دولار لإنشاء خط السكك الحديدية الذي يتألف من مسارَي ذهاب وإياب، وسينتهي تنفيذه في عام 2028».