الرئيس السوري: تصريحات الأتراك حول التقارب لا أساس لها

الأسد ألقى خطاباً أمام مجلس الشعب بعد غياب عن الظهور الإعلامي

الرئيس السوري: تصريحات الأتراك حول التقارب لا أساس لها
TT

الرئيس السوري: تصريحات الأتراك حول التقارب لا أساس لها

الرئيس السوري: تصريحات الأتراك حول التقارب لا أساس لها

رأى الرئيس السوري بشار الأسد أن كل يوم يمضي دون تحقيق تقدم على مسار التقارب بين دمشق وأنقرة «يتراكم معه الضرر» على الجانبين السوري والتركي، مشدداً على أن المبادرة يجب أن تكون من الجانب التركي، بقوله: «نحن لم نحتلَّ أراضي بلد جار لننسحب، ولم ندعم الإرهاب كي نتوقف عن الدعم».

كلام الرئيس السوري جاء في خطاب ألقاه، اليوم الأحد، أمام مجلس الشعب، بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع للمجلس، بظهور إعلامي تَرافق مع أنباء متضاربة حول وجوده خارج سوريا منذ بعض الوقت، إذ كان من المتوقع ظهوره يوم الأربعاء الماضي مع انعقاد الجلسة الأولى من الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب السوري، غير أنه جرى تعليقها إلى اليوم الأحد.

مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف زار تركيا مؤخراً لبحث الاتصالات بين أنقرة ودمشق («الخارجية» التركية)

ورداً على تصريحات المسؤولين الأتراك في هذا الخصوص، قال الأسد إنه «لا أساس لها من الصحة»؛ لأن معيار دمشق هو «السيادة»، موضحاً أن «أي عملية تفاوض بحاجة إلى مرجعية تستند إليها كي تنجح. وعدم الوصول إلى نتائج، في اللقاءات السابقة، كان أحد أسبابه غياب المرجعية»، مؤكداً اشتراط دمشق «انسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلُّها، ووقف دعمها للإرهاب».

ورأى الأسد أن الحل هو «المصارحة، وتحديد موقع الخلل لا المكابرة». وقال إن «استعادة العلاقة تتطلب أولاً إزالة الأسباب التي أدت إلى تدميرها، ونحن لن نتنازل عن أي حق من حقوقنا». وتابع موضحاً أن دمشق انطلقت في تعاملها مع مبادرات التقارب التي تقدَّم بها أكثر من طرف - روسيا وإيران والعراق - بالاستناد إلى مبادئها ومصالحها، التي «لا تتعارض عادةً مع الدول المتجاورة في حال كانت النيات غير مؤذية»، وفق تعبيره، لافتاً إلى أن «الوضع الراهن متأزم عالمياً، وانعكاساته علينا تدفعنا للعمل بشكل أسرع، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، بعيداً عن آلام الجروح من طعنة صديق».

وركز الرئيس الأسد، في الجزء الأكبر من خطابه، على الشأن الداخلي والوضع الاقتصادي والمعيشي، وقال إن «مجلس الشعب هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة، وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، بحكم العلاقة الوثيقة بينها»، مع تأكيد أن «الرقابة تكون على المؤسسات، أما المحاسبة فتكون للمسؤولين، وكلتاهما مسؤولية قبل أن تكون سلطة».

ترحيب مجلس الشعب بالرئيس السوري الأحد (سانا)

كما عَدَّ الأسد أن الأولوية في مثل هذه الظروف ليست للطمأنة ورفع المعنويات، رغم أهميتهما، بل «لشرح الواقع كما هو»، داعياً إلى مناقشة السياسة الاقتصادية في ضوء «تغير المنطقة والعالم، وتبدل قواعد الاقتصاد والسياسة والأمن والثقافة وغيرها».

وقال إن «سوريا ساحة من ساحات الصراع في العالم، والخيار أمامنا بين أن نتأثر فقط أو نؤثر ونحقق توازناً»، مؤكداً أن «الخيارات الصعبة» لا تعني الاستحالة، بل تعني أن الرؤى والسياسات والخطط تُبنى على الحقائق.

وركز الأسد على «دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ لأنها جزء أساسي من الاقتصاد، ولكون المشاريع الصغيرة نواة للنمو وليست حلاً لمشكلة مؤقتة، وهي ليست فحسب محوراً داعماً للاقتصاد، بل هي عصب الاقتصاد».

رجال دين دروز في الجولان المحتل يلوّحون لأقربائهم على الجانب الآخر من الحدود السورية نهاية يوليو (أ.ب)

وفي نهاية خطابه، أكد الرئيس السوري موقفه من محور «المقاومة»، وقال إن المقاومين في فلسطين ولبنان والعراق واليمن «قدوة وأنموذج ومثال نقتدي به في طريق التحرير والكرامة والشرف والاستقلال الناجز»، وأن أبناء الجولان قدّموا برهاناً على أن «غياب السيادة عن أرضهم لا يعني سقوط الوطنية»، وأن «احتلال الأرض لا يعني بيع العِرض».

هذا، وقد شهد صباح الأحد استنفاراً أمنياً وسط العاصمة دمشق، وانتشاراً مكثفاً لعناصر الأمن في محيط مبنى مجلس الشعب بالوسط التجاري. وقبيل بث الخطاب أعلنت رئاسة الجمهورية، عبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، خطاباً رئاسياً مرتقباً أمام مجلس الشعب.

أرشيفية لوسط العاصمة دمشق

وشكّل حضور الأسد رداً غير مباشر على أنباء تداولتها وسائل إعلام معارضة عن وجوده خارج سوريا منذ زيارته موسكو، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوليو (تموز) الماضي، وسط تكهنات بوجوده وعائلته إلى جانب زوجته أسماء الأسد، التي تخضع لعزل علاجي بعد إعلان إصابتها بمرض ابيضاض الدم «اللوكيميا». وتشير الأنباء إلى أنها تتلقى العلاج في موسكو، دون أي تأكيد رسمي لذلك.

يُذكر أنه جرت انتخابات مجلس الشعب في 15 يوليو الماضي، وعاد حزب البعث ليستحوذ على 170 من مقاعده، من أصل 250 مقعداً، وصل إلى بعضها أمراءُ حرب وزعماء ميليشيات تدعمهم طهران.


مقالات ذات صلة

تجدد التصعيد شرقاً وغرباً في سوريا بعد فترة هدوء نسبي

المشرق العربي مجموعة من الميليشيات التابعة لإيران خلال اشتباك مع قوات «قسد» (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

تجدد التصعيد شرقاً وغرباً في سوريا بعد فترة هدوء نسبي

عاد التوتر للتصاعد في سوريا خلال الساعات القليلة الماضية، وتجددت الاشتباكات شرقاً بين ضفتي الفرات بعد فترة هدوء نسبي.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الهلال الأحمر الكردي بمخيم «واشوكاني» (الشرق الأوسط)

مرضى مخيمات مكتظة شمال شرقي سوريا: «نموت ببطء»

يكافح فريق «الهلال الأحمر الكردي» لتأمين الطبابة والأدوية لإنقاذ حياة المرضى في 11 مخيماً شمال شرقي سوريا بعد توقف تمويل منظمة الصحة العالمية.

كمال شيخو (الحسكة)
المشرق العربي تلبيسة شمالي حمص 2017 (أرشيفية - أ.ف.ب)

مهلة أسبوع لرافضي التسوية في تلبيسة قبل البدء بحملة أمنية

أعطى اللواء حسام لوقا رئيس شعبة المخابرات العامة في سوريا مهلة أسبوعاً واحداً لأهالي تلبيسة، تنتهي الخميس المقبل، لتسوية أوضاع 120 شاباً، قبل البدء بحملة أمنية

المشرق العربي عدسة المرصد السوري رصدت تحركات أمنية شمال محافظة حمص يوليو الماضي

سوريا: الانفلات الأمني يكشف هشاشة «تسويات» هندستها موسكو

تكشف حالة الانفلات الأمني التي تتصاعد بين حين وآخر في مناطق التسويات الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، عن هشاشة تلك التسويات التي انطلقت بإشراف روسي منذ 2018

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مسلحون يمنعون شاحنات من عبور معبر أبو الزندين (المرصد السوري)

مسلحون يغلقون معبر «أبو الزندين» بعد افتتاحه رسمياً

تحدى متزعمو مجموعات مسلحة في ريف حلب الشرقي فتح معبر «أبو الزندين» مرة أخرى، بعد أن منعوا عبور شاحنات محملة بالقمح والشعير بقوة السلاح.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رادار أميركي متطور ووحدة إسرائيلية خاصة لملاحقة السنوار

صورة أرشيفية ليحيى السنوار زعيم «حماس» الجديد (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية ليحيى السنوار زعيم «حماس» الجديد (أ.ف.ب)
TT

رادار أميركي متطور ووحدة إسرائيلية خاصة لملاحقة السنوار

صورة أرشيفية ليحيى السنوار زعيم «حماس» الجديد (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية ليحيى السنوار زعيم «حماس» الجديد (أ.ف.ب)

في يناير (كانون الثاني) الماضي، اعتقد المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون أنهم حصلوا على فرصة جديدة في رحلة بحثهم عن أحد أكثر الرجال المطلوبين في العالم، إذ اقتحمت قوات الكوماندوز الإسرائيلية مجمع أنفاق معقداً في جنوب قطاع غزة، يوم 31 يناير، بناءً على معلومات استخباراتية تفيد بأن زعيم حركة «حماس»، يحيى السنوار، يختبئ هناك، وفقاً لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين.

وصحيح أنه اتضح أنه كان يختبئ هناك بالفعل، لكنّ السنوار كان قد غادر المخبأ، الذي يقع تحت مدينة خان يونس، قبل أيام قليلة، تاركاً وراءه وثائق وأكواماً من عملة الشيقل الإسرائيلية تُقدر في مجموعها بنحو مليون دولار أميركي، واستمرت عملية البحث، بعد ذلك، في ظل نقص الأدلة القاطعة على مكان وجوده.

ومنذ الهجمات، التي وقعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بإسرائيل، والتي خطط لها السنوار وأدارها، فإنه أصبح أَشبه بالشبح، إذ لم يظهر في العلن قط، ونادراً ما يرسل رسائل لأتباعه، كما لم يوفر سوى القليل من الأدلة حول المكان الذي يُحتمل أن يكون موجوداً فيه.

ويُعدّ السنوار، بلا شك، الشخصية الأكثر أهمية في حركة «حماس»، لذا فإن نجاحه في تفادي الأَسر أو القتل حَرَم إسرائيل من القدرة على تقديم ادعاء أساسي بأنها انتصرت في الحرب وقضت على «حماس»، في الصراع الذي لم يدمّر صفوف الحركة فحسب، لكنه دمَّر قطاع غزة أيضاً، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين هناك.

ويقول المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون إن السنوار تخلى عن استخدام الاتصالات الإلكترونية منذ فترة طويلة، كما تجنَّب استخدام شبكات الاستخبارات المتطورة، ويُعتقد أنه يبقى على اتصال بالحركة التي يقودها، من خلال شبكة من حاملي الرسائل البشريين، لكن كيفية عمل هذا النظام لا تزال تمثل لغزاً لإسرائيل والولايات المتحدة.

جلعاد إردان مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة يرفع صورة ليحيى السنوار (لقطة من فيديو للجلسة)

وقد استخدم قادة «حماس» هذه الاستراتيجية في الماضي، كما استخدمها قادة آخرون مثل زعيم «تنظيم القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، ومع ذلك فإن وضع السنوار يبدو أكثر تعقيداً وأكثر إحباطاً للمسؤولين الأميركيين والإسرائيليين.

وعلى عكس بن لادن في سنواته الأخيرة، فإن السنوار يدير حملة عسكرية بنشاط، ويقول الدبلوماسيون المشاركون في مفاوضات وقف إطلاق النار بالعاصمة القطرية، الدوحة، إن ممثلي «حماس» يصرّون على أنهم يحتاجون إلى سماع رأي السنوار، قبل اتخاذ أي قرارات كبيرة في المحادثات، وبوصفه الزعيم الذي يحظى بأكبر قدر من الاحترام في «حماس»، فهو الشخص الوحيد الذي يمكنه ضمان تنفيذ أي قرار يجري اتخاذه في الدوحة، بشأن قطاع غزة.

وتكشف المقابلات، التي أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مع أكثر من عشرين مسؤولاً في إسرائيل والولايات المتحدة، أن كلا البلدين ضخَّ موارد هائلة؛ في محاولة العثور على السنوار،

حتى إن المسؤولين أنشأوا وحدة خاصة داخل مقر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك»، وجرى تكليف وكالات التجسس الأميركية باعتراض اتصالات السنوار، كما قدّمت الولايات المتحدة لإسرائيل راداراً يمكنه اختراق الأرض؛ للمساعدة في البحث عنه وعن قادة «حماس» الآخرين.

ولا شك في أن قتل السنوار أو القبض عليه سيكون له تأثير دراماتيكي على الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة «حماس»، إذ يعتقد المسؤولون الأميركيون أن حدوث ذلك مِن شأنه أن يمنح فرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لادعاء تحقيق انتصار عسكري كبير، وربما يجعله أكثر استعداداً لإنهاء العمليات العسكرية في قطاع غزة.

لكن مِن غير الواضح طبيعة التأثير الذي قد يُخلفه قتل السنوار على المفاوضات الجارية بشأن إطلاق سراح الرهائن، الذين جرى احتجازهم في السابع من أكتوبر، إذ إن قتله قد يؤدي إلى جعل خلفائه أقل رغبة في إبرام اتفاق مع إسرائيل.

ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين وقطريين ومصريين وأميركيين، فإن التواصل مع السنوار أصبح الآن أكثر صعوبة، إذ إنه عادةً ما كان زعيم «حماس» يرد على الرسائل في غضون أيام، لكن المسؤولين قالوا إن الأمر بات يستغرق وقتاً أطول بكثير للحصول على ردّ منه في الأشهر الأخيرة، وأن بعض مساعديه كانوا، في بعض الأحيان، يقومون بالرد نيابةً عنه في تلك المناقشات.

وفي أوائل أغسطس (آب) الحالي، جرى إعلان أن السنوار (61 عاماً) سيكون هو زعيم المكتب السياسي لحركة «حماس»، وذلك بعد أيام من مقتل رئيس المكتب السياسي السابق للحركة إسماعيل هنية، في عملية اغتيال إسرائيلية بالعاصمة الإيرانية طهران.

يحيى السنوار وإسماعيل هنية خلال احتفال بذكرى مرور 30 سنة على تأسيس «حماس» بمدينة غزة عام 2017 (رويترز)

لكن السنوار كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة بوصفه الزعيم الفعلي لـ«حماس»، حتى لو كان المسؤولون السياسيون للحركة، الموجودون في الدوحة، يحملون الألقاب القيادية الرسمية.

وكانت الضغوط المفروضة على السنوار قد جعلت من الصعب عليه التواصل مع القادة العسكريين، وتوجيه العمليات اليومية، وذلك على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه لا تزال لديه القدرة على تحديد استراتيجية الحركة.

وبعد أسابيع من هجمات السابع من أكتوبر، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1200 شخص، وافقت لجنة خاصة من كبار مسؤولي الاستخبارات والجيش الإسرائيليين على قائمة اغتيالات لكبار قادة «حماس» والمسؤولين السياسيين، وقُتل عدد من الرجال الذين جرى إدراجهم في القائمة بالفعل، بما في ذلك هنية، خلال الأشهر التي تَلَت ذلك.

ومع كل عملية اغتيال، عادةً ما يضع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، علامة «X» فوق الاسم المُدرَج على المخطط الخاص بقيادة «حماس»، الذي يحتفظ به على حائط مكتبه، لكن السنوار، الذي يُعدّ الاسم الأكثر أهمية بين كل هؤلاء، لا يزال طليقاً.

الحياة تحت الأرض

وكان السنوار يتمتع بحضور طاغٍ في غزة قبل الحرب، إذ كان يُجري مقابلات، ويشرف على التدريبات العسكرية، حتى إنه ظهر على شاشات التلفزيون، في إحدى المرات، لتسليم جائزة لعمل فني يصور هجوماً لـ«حماس» على إسرائيل، وهو ما كان بمثابة تمهيد غريب لهجوم السابع من أكتوبر الماضي.

وخلال الأسابيع الأولى من الحرب، كان المسؤولون الاستخباراتيون والعسكريون الإسرائيليون يعتقدون أن السنوار يعيش في شبكة من الأنفاق تحت مدينة غزة، وهي أكبر مدينة في القطاع وواحدة من أولى المدن التي استهدفتها القوات العسكرية الإسرائيلية.

وخلال إحدى الغارات التي جرى شنها، في وقت مبكر من الحرب، على نفق بمدينة غزة، عثر جنود إسرائيليون على مقطع فيديو كان قد جرى تصويره قبل أيام، للسنوار أثناء نقل عائلته إلى مكان اختباء جديد تحت المدينة، ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الإسرائيليون أن زعيم «حماس» أبقى عائلته معه، خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب على الأقل.

وفي ذلك الوقت، كان السنوار لا يزال يستخدم الهواتف المحمولة، وتلك التي تعمل بالأقمار الصناعية؛ وذلك بفضل شبكات الهواتف الخلوية الموجودة داخل الأنفاق، وكان يتحدث من وقت لآخر مع مسؤولي «حماس» في الدوحة، وتمكنت وكالات التجسس الأميركية والإسرائيلية من مراقبة بعض هذه المكالمات، لكنها لم تتمكن من تحديد موقعه.

یحیی السنوار مع مقاتلي «كتائب عز الدين القسام» في صورة تعود لعام 2021

ومع نفاد الوقود في غزة، ضغط غالانت من أجل إدخال شحنات جديدة القطاع لتشغيل المُولّدات اللازمة لاستمرار تشغيل شبكات الهواتف المحمولة؛ حتى تتمكن عمليات التنصت الإسرائيلية من الاستمرار، وذلك على الرغم من اعتراضات بعض الأعضاء من اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، الذين أرادوا وقف إدخال شحنات الوقود لمعاقبة سكان غزة.

وخلال هذه الفترة، تمكنت وكالات التجسس من الحصول على لمحات من حياة السنوار تحت الأرض، بما في ذلك متابعته بشدةٍ وسائل الإعلام الإخبارية الإسرائيلية وإصراره على مشاهدة نشرة أخبار الساعة الثامنة مساءً، التي يجري بثها على التلفزيون الإسرائيلي.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وصف أحد الرهائن الإسرائيليين، الذين جرى إطلاق سراحهم، كيف خاطب السنوار عدداً كبيراً من الأسرى الإسرائيليين، بعد وقت قصير من هجوم السابع من أكتوبر. ووفقاً لرواية الرهينة الإسرائيلي، فإن زعيم «حماس» تحدَّث إليهم باللغة العبرية، التي تعلَّمها خلال سنوات أَسْره في السجون الإسرائيلية، وأخبرهم بأنهم في أمان حيث هم، وأنه لن يَلحقهم أي أذى.

وقال المسؤولون الإسرائيليون إن جميع عناصر «حماس» المختبئين تحت الأرض، بما في ذلك السنوار، يخرجون من الأنفاق بين الحين والآخر، لأسباب صحية، لكن شبكة الأنفاق واسعة ومعقدة جداً، كما أن مقاتلي الحركة لديهم معلومات استخباراتية جيدة حول أماكن وجود القوات الإسرائيلية، لدرجة أن السنوار يخرج، في بعض الأحيان، فوق الأرض دون أن يجري اكتشافه.

ووفقاً لما يعتقده المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون، فإن زعيم «حماس» انتقل بعد ذلك إلى الجنوب في خان يونس؛ وهي المدينة التي وُلِد فيها، وربما كان يسافر في بعض الأوقات من هناك إلى مدينة رفح عبر أحد الأنفاق الممتدة.

وقال مسؤولون إسرائيليون إنه بحلول الوقت الذي جرت فيه مداهمة مخبأ خان يونس، في 31 يناير الماضي، كان السنوار قد فرَّ من هناك، وظل متقدماً بخطوة واحدة على مطارديه، الذين أدلوا، في بعض الأحيان، بتعليقات يتفاخرون فيها بمدى اقترابهم من العثور عليه. وفي أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما بدأت الوحدات العسكرية الإسرائيلية حفر الأنفاق في إحدى مناطق المدينة، تفاخر غالانت، أمام الصحافيين، بأن السنوار «يسمع جرافات الجيش الإسرائيلي فوقه»، قائلاً إنه «سيواجه مدافعنا قريباً».

لكن يبدو أن السنوار فرَّ من مخبأ خان يونس أيضاً بسرعة، تاركاً وراءه أكواماً عدة من عملة الشيقل الإسرائيلية.

مصالح مشتركة

وبعد هجوم السابع من أكتوبر مباشرةً تقريباً، أنشأت المخابرات العسكرية الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك» خلية داخل مقر الجهاز، والتي كانت مُكلفة بمهمة واحدة تتمثل في العثور على السنوار.

كما أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» قوة مهامّ خاصة، وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» قوات عمليات خاصة إلى إسرائيل؛ لتقديم المشورة للجيش الإسرائيلي بشأن الحرب الوشيكة في غزة.

وأقامت الولايات المتحدة، التي تُصنف «حماس» على أنها منظمة إرهابية، وإسرائيل قنوات لتبادل المعلومات حول موقع السنوار وغيره من كبار قادة «حماس»، فضلاً عن معلومات حول الرهائن.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى جانب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في لقاء سابق (رويترز)

وقال جيك سوليفان، وهو مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض: «لقد كرّسنا جهوداً وموارد كبيرة للإسرائيليين، من أجل البحث عن القيادة العليا لـ(حماس)، وخصوصاً السنوار، وأرسلنا أشخاصاً إلى تل أبيب، للجلوس مع الإسرائيليين؛ من أجل العمل على حل هذه المسألة، فبطبيعة الحال، لدينا خبرة كبيرة في مطاردة الأهداف عالية القيمة».

وعلى وجه الخصوص، نشرت الولايات المتحدة راداراً يمكنه اختراق الأرض للمساعدة في رسم خرائط لمئات الأميال من الأنفاق التي يعتقدون أنها موجودة تحت غزة، وجرى دمج الصور الجديدة بالمعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، والتي جرى جمعها من مقاتلي «حماس» الذين جرى أَسرُهم وكميات كبيرة من الوثائق لبناء صورة أكثر اكتمالاً لشبكة الأنفاق. وقال أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين إن الدعم الاستخباراتي الأميركي «لا يُقدَّر بثمن».

ولدى إسرائيل والولايات المتحدة مصلحة مشتركة في تحديد أماكن قادة «حماس» والعشرات من الرهائن، بما في ذلك الأميركيون، الذين ما زالوا بقطاع غزة.

لكن أحد الأشخاص المطّلعين على ترتيبات تبادل المعلومات الاستخباراتية، والذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته، يصف هذه الترتيبات بأنها تكون، في كثير من الأحيان، «غير متوازنة تماماً»، حيث تُقدم الولايات المتحدة معلومات أكثر مما يقدمه الإسرائيليون في المقابل.

وأوضح الشخص أن الولايات المتحدة تُقدم، في بعض الأحيان، معلومات عن قادة «حماس» على أمل أن يوجه الإسرائيليون بعض مواردهم الاستخباراتية نحو العثور على الرهائن الأميركيين.

الصعود إلى القمة

وخلال ثمانينات القرن الماضي، في السنوات التي تَلَت تجنيده من قِبل مؤسس حركة «حماس»، الشيخ أحمد ياسين، نما نفوذ السنوار في الحركة بشكل مطّرد، إذ تولَّى منصب رئيس وحدة الأمن الداخلي للحركة؛ وهي مجموعة مكلفة بالعثور على الفلسطينيين المشتبَه في تعاونهم مع السلطات الإسرائيلية ومعاقبتهم، بالإضافة إلى معاقبة أي شخص يرتكب التجديف.

يحيى السنوار لدى وصوله إلى احتفالية إحياء «يوم القدس» في غزة 14 أبريل 2023 (غيتي)

وأمضى السنوار سنوات في سجون إسرائيل، لكن جرى إطلاق سراحه في أكتوبر 2011 مع أكثر من 1000 سجين، في جزء من صفقة تبادل مع جلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي الذي كانت «حماس» قد أَسَرَته. وفي عام 2017 جرى تعيينه قائداً لـ«حماس» في قطاع غزة.

وبينما كان له تأثير كبير على عملية صنع القرار داخل «حماس»، كان السنوار يتخذ مواقفه بالتنسيق الوثيق مع مجموعة من القادة السياسيين والعسكريين داخل الحركة في غزة، وفقاً للمحللين الذين درسوا شؤون «حماس».

وشملت دائرة المقرَّبين من السنوار: مروان عيسى، القائد العسكري لـ«حماس» الذي قُتل في مارس (آذار) الماضي، وروحي مشتهى، عضو المكتب السياسي للحركة في غزة، وعز الدين الحداد، وهو قائد كبير في الجناح العسكري، ومحمد السنوار، شقيق يحيى السنوار وأحد كبار المسؤولين في الجناح العسكري، ومحمد الضيف، قائد الجناح العسكري، وفقاً لما يقوله إبراهيم المدهون؛ وهو خبير مقيم في إسطنبول، والذي يحافظ على علاقة وثيقة مع «حماس».

لكن شبكة مستشاري السنوار باتت تتقلص بشكل مطّرد، إذ قُتل بعض كبار قادة «حماس»، وجرى أَسْر بعضهم، كما كان آخرون خارج غزة عندما بدأت الحرب، ولم يتمكنوا من العودة منذ ذلك الحين.

ويُعدّ الضيف المستشار الأقدم للسنوار، لكنه أقل التزاماً من رئيسه؛ وذلك لأنه يخرج من الأنفاق بانتظام بشكل أكبر بكثير، مما سمح لوكالات الاستخبارات الغربية بتحديد مكان وجوده، ويدَّعي مسؤولون إسرائيليون أنه قُتل في إحدى هذه المرات خلال غارة جوية.

* خدمة نيويورك تايمز