العام الدراسي يكوي السوريين في مناطق النظام

تضخم المصاريف يضع العائلات أمام خيارات صعبة... بينها ترك أبنائهم الدراسة أو مزاوجتها مع العمل

بسطة قرطاسية في أحد أسواق دمشق الغربية (الشرق الأوسط)
بسطة قرطاسية في أحد أسواق دمشق الغربية (الشرق الأوسط)
TT

العام الدراسي يكوي السوريين في مناطق النظام

بسطة قرطاسية في أحد أسواق دمشق الغربية (الشرق الأوسط)
بسطة قرطاسية في أحد أسواق دمشق الغربية (الشرق الأوسط)

وضع الارتفاع الفلكي لتكاليف التعليم في المدارس بمناطق الحكومة السورية، الأسر المنهك أغلبيتها من الفقر أمام خيارات صعبة، بينها ترك أبنائهم الدراسة، أو مزاوجة التلميذ للعمل والدراسة معاً.

وفي بلد يعيش أكثر من 90 في المائة من عائلاته تحت خط الفقر، الذي يتعمق وتزداد نسبته بشكل مستمر بسبب موجات الغلاء الهستيرية المتواصلة في مقابل تدني الرواتب الشهرية والأجور، من المقرر حسب ما أعلنت وزارة التربية في دمشق أن يبدأ العام الدراسي الجديد بالمدارس الرسمية والخاصة في 8 سبتمبر (أيلول) المقبل.

محل في أسواق جنوب دمشق يعرض ملابس مدرسية وبداخله عدد من الزبائن (الشرق الأوسط)

ومع بدء أصحاب المحال التجارية والمكتبات بعرض المستلزمات المدرسية من ملابس وأحذية وقرطاسية، أمكن رصد حالة من المزاجية في التسعير، في ظل غياب الرقابة الحكومية شبه التامة عن الأسواق؛ إذ يلاحظ ارتفاع أسعار تلك المستلزمات بنسبة فاقت 100 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وسط إقبال ضعيف على الشراء.

يتدرج سعر المريول (للصفوف الابتدائية) ما بين 75 – 200 ألف ليرة، والبنطال المدرسي للصفوف الإعدادية ما بين 100 - 200 ألف، والقميص ما بين 75 – 150 ألف، فيما حلقت الحقائب إلى نصف مليون ليرة للجيدة و300 ألف للمتوسطة، على حين وصل سعر الدفتر الوسط ذي المائة ورقة إلى أكثر من 6 آلاف وذي السلك إلى 10 آلاف، والقلم الأزرق (الناشف) إلى أكثر من 6 آلاف.

في ظل هذا الواقع المفروض على الأسر، بات التعامل مع هذه الأسعار شبه مستحيل بالنسبة للكثير منها، وفق أبو مروان، الموظف في شركة خاصة ويصل مرتبه الشهري إلى مليون ليرة. ويوضح الرجل، الذي لديه 3 أولاد في مرحلة الدراسة الإعدادية، لـ«الشرق الأوسط» أن «تكلفة تجهيز التلميذ، من قريبو، في بداية العام الدراسي تصل إلى أكثر من مليون ونصف ليرة، ولا ينتهي الأمر بذلك لأن التلميذ خلال العام الدراسي يحتاج أيضاً إلى مستلزمات دراسية ومصاريف مواصلات، ودروس خصوصية، كما باتت المدارس تكلف التلاميذ بشراء الكتب وأوراق المذكرات وغيرها»، ويضيف: «متابعة الدراسة في المدارس باتت عبئاً ثقيلاً جداً. كثير من العائلات، وأنا منهم، باتت أمام خيارين: إما أن تأكل أو تُدرّس أولادها، وتأمين الطعام أولوية».

محل بجنوب دمشق يعرض ملابس مدرسية للذكور لمرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية (الشرق الأوسط)

حال أبو مروان ينسحب على الكثير من العائلات، ولكن بعضها يعقد الأمل على تحسن الأوضاع المعيشية في المستقبل. وتقول سلمى، وهي أم لـ4 فتيات، أجبرتها الظروف المعيشية الصعبة على أن يتركن المدرسة: «حالياً لن يتابعن الدراسة في المدارس، ولكن عندما يتحسن الوضع في البلاد سيقدمن امتحانات الشهادة الثانوية بشكل حر».

ومنذ انتهاء امتحانات تلاميذ صفوف الدراسة الانتقالية في 23 مايو (أيار) الماضي، لم يمنح كثير من هؤلاء التلاميذ أنفسهم أياماً للراحة بعد انتهاء امتحاناتهم؛ إذ وبشكل متسارع انخرطت أعداد كبيرة منهم في العمل.

وطوال فترة العطلة الصيفية تزايد وجود عمال أطفال في البقالات والمقاهي والمحال التجارية، فيما باتت الأرصفة المجاورة للأفران تشهد انتشار أعداد كبيرة منهم تعمل في بيع الخبز، على حين انخرط البعض في العمل لدى أصحاب بسطات خضار وفاكهة، وآخرون في نقل ما يشتريه بعض الزبائن إلى منازلهم بواسطة عربات صغيرة.

ويهدف هؤلاء التلاميذ إلى تأمين مصاريفهم اليومية، بعدما باتت تتضخم بشكل يومي، ولم تعد تقدر عليها أسرهم بسبب التراجع المستمر لقدرتهم على تحمل الأعباء الاقتصادية؛ نتيجة الارتفاع الهستيري للأسعار، إضافة إلى توفير تكاليف الدراسة للعام المقبل.

محل بجنوب دمشق يعرض ملابس مدرسية للإناث لمرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية (الشرق الأوسط)

من هؤلاء، محمد، الذي سيدرس في الصف الثاني الثانوي العلمي في العام المقبل، وعمل طوال العطلة الصيفية في مقهى - ولا يزال - بمرتب شهري قدره 750 ألف ليرة. يقول: «لقد أمّنت ثمن مستلزمات الدراسة واشتريتها، ولكن ما بقي معي لا يكفي لمصاريف العام الدراسي».

والد محمد يعمل مهندساً في مؤسسة حكومية، وقد وافق على ما أقدم عليه ابنه مكرهاً بسبب الفقر وعدم قدرته على تلبية طلبات أولاده. يقول الأب لـ«الشرق الأوسط»: «متابعة محمد لدراسته تتطلب استمراره في العمل خلال العام الدراسي بسبب تضخم مصاريف العائلة، وقد طلبت من أصحاب المقهى تخفيض ساعات العمل له إلى 4 ساعات مقابل تخفيض مرتبه ووافقوا على ذلك، وكل ذلك في سبيل متابعة دراسته»، ويضيف الرجل بحسرة: «أنا مجبر على ذلك لأنه لا يوجد في اليد حيلة».

وتؤكد تقارير أممية أن هناك نحو 2.4 مليون طفل في جميع أنحاء سوريا خارج المدرسة، ويمثلون ما يقرب من نصف الأطفال في سن الدراسة، البالغ عددهم نحو 5.52 مليون طفل. ويقع هؤلاء الأطفال فريسة لعمالة الأطفال، والزواج المبكر والقسري، والاتجار بهم، وتجنيدهم في القتال.

وتلقي الحكومة السورية المسؤولية كاملة عن تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد على العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها.

لكن خبراء اقتصاديين وباحثين اجتماعيين يُحمّلون الحكومة جزءاً من المسؤولية بسبب سياساتها الاقتصادية الخاطئة، ويحذرون من انعكاسات خطيرة لهذه السياسة على شريحة الأطفال «المهددة بالضياع»، بعدما ساهمت في تعميق الفقر وزيادة نسبته ودفعت بأعداد كبيرة من الكفاءات وشريحة الشباب للهجرة.


مقالات ذات صلة

الشرع لجنبلاط: لن نتدخل في لبنان

المشرق العربي الشرع لجنبلاط: لن نتدخل في لبنان

الشرع لجنبلاط: لن نتدخل في لبنان

تعهَّد القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، ألا تمارس بلاده نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة لبنان، مضيفاً خلال استقباله، أمس.

سعيد عبد الرازق (أنقرة) كمال شيخو (القامشلي)
المشرق العربي يحاكي الدمار بين جنبات المخيم مشاهد الحرب في غزة (الشرق الأوسط)

«عاصمة فلسطين» في سوريا... ضحية «القضية»

كان مخيم اليرموك، الذي أنشئ عام 1957 على أطراف دمشق وكان يوصف بـ«عاصمة فلسطين في سوريا»، سوقاً تجارية كبيرة، وسكنه نحو مليون ونصف المليون شخص من السوريين.

بيسان الشيخ (دمشق)
المشرق العربي صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

أعلن رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، الأحد، أنّه طلب الإذن من السلطات الجديدة لبدء عمل ميداني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مقابل الحشد التركي ضد المسلحين الأكراد يعول «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي للإدارة الذاتية على وساطة أميركية - فرنسية لنزع فتيل الحرب مع أنقرة.

كمال شيخو (القامشلي)
المشرق العربي رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق بعد سقوط النظام، التقى رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)

«عاصمة فلسطين» في سوريا... ضحية «القضية»

يحاكي الدمار بين جنبات المخيم مشاهد الحرب في غزة (الشرق الأوسط)
يحاكي الدمار بين جنبات المخيم مشاهد الحرب في غزة (الشرق الأوسط)
TT

«عاصمة فلسطين» في سوريا... ضحية «القضية»

يحاكي الدمار بين جنبات المخيم مشاهد الحرب في غزة (الشرق الأوسط)
يحاكي الدمار بين جنبات المخيم مشاهد الحرب في غزة (الشرق الأوسط)

كان مخيم اليرموك، الذي أنشئ عام 1957 على أطراف دمشق وكان يوصف بـ«عاصمة فلسطين في سوريا»، سوقاً تجارية كبيرة، وسكنه نحو مليون ونصف المليون شخص من السوريين والفلسطينيين وبعض العراقيين، لكن، وفق تقديرات الـ«أونروا»، ليس فيه حالياً سوى نحو 8 آلاف نسمة.

«الشرق الأوسط» جالت على المخيم ورصدت دماراً يحاكي دمار غزة.

يعاني السكان الإهمال التام، وعدم معرفة مصيرهم ومصير ذويهم من المفقودين، ومآلات منازلهم، ووضعهم العام في المرحلة المقبلة، إلا إنَّ الأصعب بالنسبة إليهم يبدو في شكواهم المتكررة من أنَّهم في حالة ضياع، ومتروكون لمصيرهم، دون أي مرجعية اجتماعية أو خدمية أو سياسية، كأنهم أصبحوا فجأة أيتام النظام السابق والفصائل المسلحة والثورة والتحرير دفعة واحدة.