مدارس غزة... ملاذ النازحين الأخير حولتها قنابل إسرائيل إلى مقابر مؤقتة

فلسطينيون في باحة المدرسة التي تأوي نازحين بعد استهدافها بقصف إسرائيلي في مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)
فلسطينيون في باحة المدرسة التي تأوي نازحين بعد استهدافها بقصف إسرائيلي في مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

مدارس غزة... ملاذ النازحين الأخير حولتها قنابل إسرائيل إلى مقابر مؤقتة

فلسطينيون في باحة المدرسة التي تأوي نازحين بعد استهدافها بقصف إسرائيلي في مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)
فلسطينيون في باحة المدرسة التي تأوي نازحين بعد استهدافها بقصف إسرائيلي في مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

حولت القوات الإسرائيلية المدارس التي يفترض أنها أصبحت ملاذ النازحين الأخير إلى مقابر جماعية، بعدما استهدفت بشكل ممنهج كثيراً منها في الأسابيع القليلة الماضية مخلفة كثيراً من الدمار والضحايا.

وارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي كثيراً من المجازر داخل تلك المدارس في سياسة جديدة لم تعد تكتفي معها باستهداف فصل مدرسي واحد أو غرفة جانبية، بل تتعمد تدمير أجزاء كبيرة منها لتبقيها خارج الخدمة وحرمان النازحين من العودة إليها بعد أن يحل بها دمار كبير.

وشهد السبت أحدث تلك الجرائم في قصف استهدف مصلى داخل مدرسة «التابعين» الخاصة التي تضم نحو 1800 نازح، غالبيتهم من سكان حي الشجاعية المدمر، الذين اضطُرّوا للنزوح قبل أيام إلى المدرسة المستهدفة بعد أن كانت طائرات الاحتلال قد دمرت مدرستين أخريين.

وقالت نيرمين عابد التي فقدت زوجها عبد الله العرعير، من بين نحو 100 فلسطيني قضوا في الهجوم على مدرسة «التابعين»، إنها لم تكن لتصدق أنها سترى زوجها للمرة الأخيرة قبل لحظات من نزوله من الصف المدرسي الذي يعيشون فيه، لأداء صلاة الفجر داخل مصلى صغير في الطابق الأرضي للمدرسة.

فلسطينيون يعاينون الدمار الذي استهدف المدرسة التي تأوي نازحين جراء القصف الإسرائيلي في مدينة غزة السبت (رويترز)

ودَّعت نيرمين عابد زوجها بكثير من الدموع، وانهارت مرات عدة، عندما لم تتمكن من مرافقته لدفنه برفقة عدد آخر في مقبرة مؤقتة قرب حي الشجاعية.

وقال أحمد عابد، شقيق نيرمين لـ«الشرق الأوسط»، إنهم وصلوا إلى مدرسة «التابعين» بعدما نجوا بأعجوبة من مدرسة دلال المغربي التي قُصفت بداية الشهر الحالي في حي الشجاعية، لأنهم لا يجدون سوى هذه المدارس ملاذاً لهم. وأضاف: «لا يوجد مكان آخر نذهب إليه. كل مكان في غزة هو هدف».

وتوجد في قطاع غزة، مدارس حكومية، وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وأخرى خاصة، تحولت جميعها لمراكز إيواء، حيث جرى قصف 175 مركزاً منذ بداية الحرب، منها 154 مدرسة، وقتل بداخلها ما يزيد على 1150 فلسطينياً، وفق إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

وأكدت «الأونروا» إن 190 منشأة تابعة لها في قطاع غزة دمرت كلياً أو جزئياً، في حين أن ثلثي المدارس التابعة لها والتي تضم نازحين قد تعرضت لنفس المصير.

وعلى الرغم من ذلك، فإن محمد الجعبري، أحد الناجين من المجزرة بعدما فقد ما لا يقل عن 11 شخصاً من أبناء عمومته، لا يجد مكانا يأويه سوى هذه المدارس، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المجزرة لم ولن تكون الأخيرة، لكن أعطني مكاناً نذهب إليه. إنهم يستهدفون كل مدارس الشمال».

فلسطينيون يعاينون الدمار داخل المدرسة التي تأوي نازحين وتعرضت لقصف إسرائيلي في مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

ولوحظ فعلاً أن غالبية المدارس ومراكز الإيواء المستهدفة هي في مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، وبدرجة أقل في وسطه وجنوبه.

واستهدف الاحتلال 7 مدارس تأوي نازحين منذ بداية شهر أغسطس (آب) الحالي، جميعها في مناطق متفرقة من مدينة غزة وحدها، وخلّفت ما لا يقل عن 177 ضحية وعشرات الإصابات، وذلك من بين 13 مركزاً لإيواء النازحين في أنحاء القطاع استهدفت.

وتزعم إسرائيل أنها تستهدف مراكز الإيواء خصوصاً المدارس بحجة استخدامها من قبل حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» لتنفيذ هجمات ضدها، لكن كثيراً من الإحصائيات المدعومة بالصور ومقاطع الفيديو تظهر سقوط ضحايا من النساء والأطفال.

ونفت «حماس» وجود مسلحين في مدرسة «التابعين»، وقالت إن ثمة تعليمات صارمة بعدم وجود المسلحين بين المدنيين.

وقالت سماهر أحمد، النازحة في مدرسة بحي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، واختبرت قصف مدارس عدة: «إنهم يكذبون. إنهم يريدون قتل أكبر عدد منا».

فلسطينية تتفحص الدمار في إحدى غرف المدرسة التي تأوي نازحين بعد القصف الإسرائيلي في غزة السبت (أ.ف.ب)

وأضافت سماهر أحمد التي فقدت نجلها الأكبر بعد إصابته بقذيفة إسرائيلية خلال محاولته الحصول على «كيس طحين» عند دوار النابلسي قبل أشهر: «فقدت منزلي ومنزل والدي، والآن يلاحقوننا في المدارس».

وتساءلت أحمد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أين نذهب؟ وين نروح بحالنا وبأولادنا اللي ضايلين عايشين من قلة الموت؟».

ويقول نجلها عبد الله، وهو خريج جامعي: «كل الناس الموجودة بالمدارس هم عائلات، ما فيه مكان يأويها، والشوارع ما بتستر بناتنا، ولا بتستر أي عائلة، ولذلك المدارس هي ملاذنا الأخير».

ويتكدس النازحون في المدارس، متحدين الموت والمرض كذلك.

وكان كثير من مراكز الإيواء تحولت إلى مناطق موبوءة، وأسهمت في انتشار الأمراض المعدية وغيرها في ظل الظروف الصحية والبيئية الصعبة التي يعيشها النازحون، إلا أن النازحين لم يغادروها.

وقال المسن جميل الشعراوي، من داخل أحد مراكز النزوح بحي الشيخ رضوان: «بدنا نضل هان، ما فيه غير المدارس قادرة تأوينا، رضينا أو رفضنا، ما فيه حل غير هيك، وما راح نطلع من هان وننزح على الجنوب». أضاف: «بدهم يحولوا المدارس مقابر إلنا مثل ما عملوا في بيوتنا، يا مرحباً بالموت، لأنه تعبنا وزهقنا وما ضل مكان نروح عليه غير القبر. وهينا قاعدين».


مقالات ذات صلة

«بنك إسرائيل» يبقي على الفائدة دون تغيير مع استقرار التضخم

الاقتصاد مبنى «بنك إسرائيل» في القدس (رويترز)

«بنك إسرائيل» يبقي على الفائدة دون تغيير مع استقرار التضخم

قرر «بنك إسرائيل»، يوم الاثنين، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه السابع على التوالي، حيث استقر التضخم الناجم عن الحرب.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون في أحد شوارع غرب مدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)

حكومة غزة: مئات آلاف النازحين يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن مئات آلاف النازحين في القطاع يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يتحدث خلال مؤتمر حوارات المتوسط ​​في روما بإيطاليا 25 نوفمبر 2024 (رويترز)

مصر تشدد على ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية لاستعادة وضعها في قطاع غزة

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة وضعها في قطاع غزة، قائلاً إن مصر ترفض تماماً تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي جثمانا القتيلين وحولهما أقاربهما في بلدة يعبد غرب جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

مقتل فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل فلسطينيين في شمال الضفة الغربية المحتلة أحدهما طفل.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
العالم العربي عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم الاثنين، إن هناك خطة لتوسيع الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان لتشمل دولاً أخرى.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

حكومة غزة: مئات آلاف النازحين يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى

فلسطينيون نازحون في أحد شوارع غرب مدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون في أحد شوارع غرب مدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
TT

حكومة غزة: مئات آلاف النازحين يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى

فلسطينيون نازحون في أحد شوارع غرب مدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون في أحد شوارع غرب مدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن مئات آلاف النازحين في القطاع يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى.

وأشار المكتب، الاثنين، إن مياه البحر جرفت نحو 10 آلاف خيمة للنازحين في القطاع مع حلول فصل الشتاء، مشيراً إلى تكرار إطلاق نداء استغاثة عاجل لإنقاذ مئات آلاف النازحين قبل فوات الأوان. وأضاف المكتب في تقرير نشره على «تلغرام» أن 81 في المائة من خيام النازحين في قطاع غزة أصبحت غير صالحة للاستخدام، وأن نحو 1.5 مليون نازح في محافظات القطاع يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى.

وأكد أن أعداد النازحين تزداد «يوماً بعد يوم في ظل فرض الاحتلال لجريمة التهجير القسري»، مشيراً إلى أن هؤلاء نزحوا أكثر من 5 مرات متتالية، و«ما زالوا تحت قهر الظروف القاسية التي يفرضها الاحتلال».