وافقت إسرائيل على استئناف مباحثات الهدنة في قطاع غزة الأسبوع المقبل، والذي دعت إليه واشنطن والدوحة والقاهرة، لكنها واصلت الجمعة عملياتها العسكرية على الأرض، خصوصا في منطقة خان يونس في جنوب القطاع المحاصر حيث اضطر الفلسطينيون للنزوح مجددا.
وأصدرت الولايات المتحدة وقطر ومصر التي تتوسّط بين إسرائيل وحركة «حماس»، بياناً ليل الخميس الجمعة، حضّت فيه الطرفين على استئناف المحادثات في 15 أغسطس (آب) في الدوحة أو القاهرة «لسدّ كل الثغرات المتبقية وبدء تنفيذ الاتفاق من دون أي تأجيل»، في إشارة إلى بنود اتفاق للإفراج عن رهائن محتجزين في قطاع غزة مقابل معتقلين فلسطينيين في سجون إسرائيلية والالتزام بوقف لإطلاق النار على الأرض.
وأتت الدعوة في ظرف إقليمي بالغ التوتر بعد توعّد إيران وحلفائها بالردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في طهران بعملية نُسبت لإسرائيل، والقائد العسكري لـ«حزب الله» اللبناني فؤاد شكر بضربة إسرائيلية قرب بيروت.
لكن المداولات السياسية لا تزال دون تأثير يذكر على أرض الواقع في القطاع الذي استحالت أجزاء واسعة منه ركاماً، ويواجه سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون أزمة إنسانية كارثية.
وأصدر الجيش الإسرائيلي، الخميس، دعوات جديدة لإخلاء مناطق في خان يونس، متوعداً بالعمل «بقوة» فيها ضد «حماس» والفصائل الفلسطينية التي «تواصل إطلاق القذائف الصاروخية» منها.
وفي أعقاب هذه الدعوة، أظهر فيديو لوكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة، آلاف الفلسطينيين وهم يحملون ما تيسّر من أمتعة وأغراض، ويغادرون خان يونس.
«يكفي!»
وانتقل المئات من الرجال والنساء والأطفال والمسنين، في سيارات غطّت سقفها الأمتعة، أو تكدّسوا في عربات تجرّها حمير أو درّاجات نارية، بينما سار آخرون حاملين حقائب وأكياسا وفرشا على الأقدام وسط الركام والازدحام في شوارع ضيقة تفيض منها المياه.
وقال أحمد النجار، وهو نازح وضع على رأسه قبعة سوداء وبدا منهكا وغاضبا، «يكفي! إلى اليهود وحماس، إلى الاثنين، يكفي. تطلعوا إلى الفلسطينيين، تطلعوا إلى أهل غزة».
وأضاف: «ارحمونا. أولاد صغار ونساء يموتون في الشارع». وقال محمد عابدين الذي كان يقود دراجة نارية تجرّ عربة على متنها عشرات النازحين: «أوقفوا هذه المهزلة».
وأضاف: «هذه حرب قذرة، حرب إبادة... يكفي ما يحصل لنا هذا غير معقول».
وأعلن الجيش، الجمعة، بدء «عملية هجومية في منطقة خان يونس» بعد معلومات عن وجود مقاتلين و«بنى إرهابية» فيها. وأكد شنّ «غارات مكثفة» على «أكثر من 30 هدفاً» لـ«حماس».
«مقترح نهائي»
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) إثر شنّ «حماس» هجوما غير مسبوق داخل إسرائيل أسفر عن مقتل 1198 شخصاً، حسب حصيلة لوكالة الصحافة الفرنسية تستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
واحتجز المهاجمون 251 رهينة، ما زال 111 منهم في غزة، وتوفي 39 منهم، بحسب الجيش الإسرائيلي. وتردّ إسرائيل منذ أكثر من عشرة أشهر بقصف مدمّر وعمليات برية أدت لمقتل نحو 40 ألف شخص غالبيتهم من المدنيين النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في غزة. ولا تعطي أجهزة «حماس» تفاصيل عن أعداد المقاتلين الذين قتلوا.
وليل الخميس، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى استئناف مفاوضات الهدنة.
وأوضح القادة، في بيان، أن الاتفاق الإطاري «مطروح الآن على الطاولة ولا ينقصه سوى الانتهاء من التفاصيل الخاصة بالتنفيذ». وأبدوا استعدادهم «لأن نطرح مقترحا نهائيا لتسوية الأمور المتبقية المتعلقة بالتنفيذ وعلى النحو الذي يلبّي توقعات كافة الأطراف».
وأكد بيان لمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إرسال «وفد من المفاوضين إلى المكان الذي سيتم الاتفاق عليه في 15 أغسطس (آب) للانتهاء من تفاصيل تنفيذ الاتفاق». ولم تعلّق «حماس» بعد على الدعوة. ولم تفلح جولات عدة على مدى الأشهر الماضية في التوصل إلى اتفاق.
وكان مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أكد، ليل الخميس، أنه «لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعيّن إتمامه». وقال البيان الثلاثي: «حان الوقت» للاتفاق، مؤكدا ضرورة «عدم إضاعة مزيد من الوقت».
نتنياهو «في موقع قوة»
ويرى نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشاك فرايليك أن نتنياهو «حقّق بعض النقاط (من خلال اغتيال هنية وشكر)، وهو يتصرّف أكثر من موقع قوة الآن».
وتابع: «لكن أعتقد أنه يحاول كذلك... التماهي مع الولايات المتحدة الآن لأن إسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة من أجل التعامل مع الهجمات المحتملة من إيران وحزب الله».
وأضاف: «لا أعتقد أنه يشعر بأن لديه الكثير ليخسره، الآن يقول إنه سيأتي (للتفاوض). (...) لذا يبدو في موقع جيد، يتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا الآن في التحالف ضد إيران وحزب الله. أعتقد أنه وضع يخرج منه فائزاً في الحالتين».
وأدّت الحرب في غزة إلى إشعال التوترات في الشرق الأوسط بين إيران وحلفائها من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية. وارتفع منسوب التوتر بشكل حاد منذ الأسبوع الماضي بعد اغتيال هنية وشكر.
وقال القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري، لوكالة الصحافة الفرنسية، الخميس، إن اغتيال هنية «كان خطأ استراتيجياً سيتبعه ثمن باهظ جداً»، متهما إسرائيل بأنها «تريد تصدير التوتر والحرب والأزمة من غزة إلى سائر المنطقة».
«الاستجابة للتهديدات»
وأكدت إسرائيل أنها مستعدة هجوميا ودفاعيا للتعامل مع أي هجمات تطولها، من دون أن تعلّق على اغتيال هنية.
بدورها، أعلنت واشنطن تعزيز انتشارها العسكري في المنطقة تحسباً لأي هجمات محتملة ضد حليفتها إسرائيل.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) التي تشمل عملياتها الشرق الأوسط، يزور إسرائيل للمرة الثانية في أقل من أسبوع.
وأجرى كوريلا مع رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي «تقييما مشتركا للأوضاع الأمنية والاستراتيجية وللاستعدادات المشتركة، في إطار الاستجابة للتهديدات في الشرق الأوسط».
وتواصل الجمعة تبادل القصف عبر الحدود اللبنانية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي.
ونعى «حزب الله» اثنين من مقاتليه جراء استهدافهما بغارة أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذها في بلدة الناقورة الساحلية في جنوب لبنان. كما أعلن أنه استهدف بالصواريخ مقر قيادة عسكريا في ثكنة كريات شمونة بشمال إسرائيل.
وعلى جبهة أخرى متصلة بحرب غزة، استهدفت هجمات بصواريخ وقارب مسيّر، سفينة تجارية قبالة سواحل اليمن، من دون وقوع أضرار، وفق ما أفادت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية «يو كا إم تي أو» الجمعة.
ولم تعلن أي جهة بعد مسؤوليتها عن الهجمات. إلا أن المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران يشنون منذ أشهر هجمات ضد سفن يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة.
وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر منصة «إكس»، الجمعة، «الحرب في غزة يجب أن تتوقف. هذا يجب أن يكون واضحاً للجميع»، معتبراً أن ذلك «بالغ الأهمية لسكان غزة، للرهائن، ولاستقرار المنطقة، وهو على المحك اليوم».
وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين من جهتها: «نحتاج إلى وقف لإطلاق النار في غزة حالاً. إنها الطريقة الوحيدة لإنقاذ الأرواح واستعادة الأمل في السلام وتأمين عودة الرهائن».