نصر الله يتوعّد إسرائيل بضربة أكثر من رد وأقل من حرب

لم يشمل لبنان بالظروف التي تعفي سوريا من التدخل

نصر الله متحدثاً في حفل تأبين فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)
نصر الله متحدثاً في حفل تأبين فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)
TT

نصر الله يتوعّد إسرائيل بضربة أكثر من رد وأقل من حرب

نصر الله متحدثاً في حفل تأبين فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)
نصر الله متحدثاً في حفل تأبين فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)

يفضّل اللبنانيون بغالبيتهم الساحقة الجلوس على مقاعد الانتظار السياسي يترقبون بحذر شديد يلفّه القلق مبادرة «حزب الله» لتوجيه ضربة مدروسة وجدّية لإسرائيل رداً على اغتيالها أبرز قادته العسكريين فؤاد شكر في العمق الأمني الاستراتيجي للحزب في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وإن كان يحتفظ لنفسه، كما قال أمينه العام حسن نصر الله، باختيار التوقيت المناسب على نحو لا يؤدي إلى توسعة الحرب، تاركاً كلمة الفصل للميدان للتأكد ما إذا كانت الضربة ستأتي متلازمة مع رد إيران على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في عقر دارها في العاصمة طهران، والأمر نفسه بالنسبة إلى جماعة الحوثي في اليمن رداً على قصفها ميناء الحديدة.

وعلى الرغم من أن نصر الله لم يطلب من سوريا وإيران التدخل في القتال تقديراً منه للظروف السياسية الداخلية التي يمر بها النظام السوري، فإنه لم يكن مضطراً، كما يقول خصومه وبعض حلفائه، إلى تقديم الأعذار له بتبرير إعفائه من الانخراط في المواجهة تأكيداً لوحدة الساحات التي يُفترض بالقوى المنتمية إلى محور الممانعة أن تتموضع تحت سقفها لمنع إسرائيل من أن تستفرد بطرف من دون أن يبادر الآخر لمناصرته.

أعضاء في «كشافة المهدي» يحملون صورة لنصر الله خلال الاحتفال بذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

تبريرات تحييد سوريا

ويحاول الفريق السياسي المنتمي إلى محور الممانعة إيجاد التبرير الذي يكمن وراء عدم طلب نصر الله من سوريا التدخل في القتال بقوله بأن لا مصلحة، على الأقل في المدى المنظور، في إقحامها في المواجهة، وأن هناك ضرورة إلى تحييدها مؤقتاً؛ كونها تشكل الشريان اللوجيستي الذي يتنفس منه «حزب الله» لتوفير ما يتطلبه من احتياجات تسمح له بالاستمرار في مساندته «حماس» وتصديها للعدوان الإسرائيلي.

ويلفت الفريق نفسه إلى أن مخاطبة نصر الله جمهوره ومحازبيه في ذكرى مرور أسبوع على اغتيال شكر اتسمت بواقعية ولم تحمل تهديداً لإسرائيل بتوسعة الحرب بمقدار ما أنه توعّد باستهدافها بضربة مدروسة بحجم الخسارة التي أصابت الحزب، ويقول إنه ذهب في مصارحته حاضنته الشعبية إلى حد اعترافه لإسرائيل بتحقيق إنجاز باغتيالها شكر وهنية. ويؤكد أنه توخى في مخاطبته جمهوره إبقاءه على أعلى درجة من الجهوزية والاستنفار للرد على الرد الإسرائيلي على خلفية الضربة العسكرية التي ستكون مدروسة ويراد منها أن تكون أشد إيلاماً لإسرائيل من ضربة اغتيال شكر، ويتوقع بأن تكون أكبر من الرد التقليدي وأقل من الانجرار إلى الحرب.

صورة تجمع قاسم سليماني ونصر الله وعماد مغنية مرفوعة على مبنى بضاحية بيروت الجنوبية قرب موقع الاستهداف الإسرائيلي في حارة حريك (إ.ب.أ)

أسباب تخفيفية للنظام السوري

وفي المقابل، يرى بعض المتعاطفين مع «حزب الله» من خارج محور الممانعة، وفريق المعارضة على السواء، أن نصر الله لم يكن مضطراً إلى إيجاد الذرائع والأسباب التخفيفية للنظام السوري لتبرير عدم دخوله في القتال، وإلا لماذا أحجم عن مساواته للوضع اللبناني بالظروف الداخلية التي تمر بها سورية مع أنها أشد قسوة على اللبنانيين في ظل تعذر انتخاب رئيس للجمهورية كأساس لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية بإعادة تشكيل حكومة فاعلة توقف تدحرج إدارات ومؤسسات الدولة نحو الانحلال باستثناء تلك الخاصة بالأسلاك الأمنية والعسكرية التي ما زالت تتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على الاستقرار ومنع تفلت الوضع الأمني؟

ويؤكد هؤلاء أن لبنان يعاني عجزاً في الموازنة وتراجعاً في نسبة النمو وعدم الاستجابة حتى الساعة لشروط المؤسسات المالية الدولية، وهذا ما يتجاوز الظروف التي تمر بها سوريا وتستدعي التوقف أمامها والتعاطي معها بجدية للعبور بلبنان تدريجياً إلى بر الأمان.

ويسأل هؤلاء: هل طلب نصر الله من سوريا عدم التدخل في القتال يأتي استجابة لنصيحة روسية أُعلم بها الحزب بواسطة قنوات الاتصال المفتوحة مع موسكو؟ أم أنه يعود إلى انشغال دمشق في ترتيب أوضاعها العربية والدولية مع استعداد دول أوروبية للعودة عن قرارها بمقاطعة النظام السوري تستدعي عدم الانخراط على نطاق واسع في المواجهة، إلا في حال أن المواجهة تدحرجت نحو توسعة الحرب؟ وهل إيران مع وصول الإصلاحي مسعود بزشكيان إلى سدة رئاسة الجمهورية تتمهل في الرد على اغتيال هنية من دون أن تصرف النظر عنه؟ وأين تقف موسكو حيال كل هذه الاعتبارات؟

إسقاط المواجهة العسكرية

لكن يبدو أن لا خيار أمام إيران و«حزب الله» سوى الرد على اغتيال إسرائيل هنية وشكر كونهما في حاجة إلى التعويض عن هذه الخسارة بتوجيه ضربة تعيد إليهما هيبتهما، إلا إذا تسارعت الاتصالات وأدت إلى فتح كوّة في انسداد الأفق تعيد الاعتبار للجهود الناشطة لوقف النار في غزة، بما يُسقط المواجهة العسكرية على أكثر من جبهة لصالح الحل الدبلوماسي.

لذلك؛ يشتد السباق بين تعويم الوساطات المؤدية إلى ترجيح كفة الحل الدبلوماسي على إقحام المنطقة في حرب إقليمية، شرط أن تتوّج بوقف للنار في غزة بما يسمح بالوصول إلى تسوية لتهدئة الوضع في الجنوب، خصوصاً وأن الوساطات الدبلوماسية المتنقلة بين الأطراف، أكانت مباشرة أم بالواسطة، أخذت تنشط وبرعاية أميركية تشمل الأطراف المعنية بالقتال وتبقى نتائجها مرهونة بخواتيمها.


مقالات ذات صلة

عشرات آلاف اللبنانيين يتهافتون إلى بلداتهم الجنوبية

المشرق العربي نازحون عائدون إلى البقاع في شرق لبنان بعد إعلان وقف إطلاق النار (أ.ب) play-circle 01:37

عشرات آلاف اللبنانيين يتهافتون إلى بلداتهم الجنوبية

لم ينتظر آلاف الجنوبيين بزوغ الفجر ليتوجهوا إلى بلداتهم وقراهم التي تركوها مرغمين نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي النائب عن «حزب الله» حسن فضل الله يزور بنت جبيل بعد سريان وقف إطلاق النار (رويترز)

نائب في «حزب الله»: تعاون كامل مع الجيش لتعزيز انتشاره جنوب لبنان

أكّد النائب حسن فضل الله، المنتمي إلى «حزب الله»، اليوم (الأربعاء)، أن هناك «تعاوناً كاملاً» مع الدولة اللبنانية لتعزيز انتشار الجيش في جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي «حزب الله» يستعد لتشييع شعبي لأمينه العام السابق حسن نصر الله (رويترز)

«حزب الله» يُعدّ تشييعاً «شعبياً» لأمينه العام السابق حسن نصر الله

يُحضّر «حزب الله» لإقامة تشييع «شعبي» لأمينه العام السابق حسن نصر الله الذي قُتل في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية، أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون بعد دخول وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيز التنفيذ في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)

«حزب الله»: إذا هاجمتنا إسرائيل فمن حق الجماعة الدفاع عن نفسها

قال النائب عن جماعة «حزب الله» اللبنانية حسن فضل الله، اليوم الأربعاء، إن الجماعة تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها إذا هاجمتها إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بالقصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز) play-circle 00:50

ميقاتي: متمسكون بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الأربعاء، التمسك بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً

«الشرق الأوسط» (بيروت )

«قرار متسرع وغير مسؤول»... غضب في إسرائيل تجاه اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان

إسرائيليون يقومون بمعاينة موقع استهدفته صواريخ «حزب الله» في تل أبيب وأدت إلى أضرار بالمنازل والسيارات (أرشيف - أ.ف.ب)
إسرائيليون يقومون بمعاينة موقع استهدفته صواريخ «حزب الله» في تل أبيب وأدت إلى أضرار بالمنازل والسيارات (أرشيف - أ.ف.ب)
TT

«قرار متسرع وغير مسؤول»... غضب في إسرائيل تجاه اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان

إسرائيليون يقومون بمعاينة موقع استهدفته صواريخ «حزب الله» في تل أبيب وأدت إلى أضرار بالمنازل والسيارات (أرشيف - أ.ف.ب)
إسرائيليون يقومون بمعاينة موقع استهدفته صواريخ «حزب الله» في تل أبيب وأدت إلى أضرار بالمنازل والسيارات (أرشيف - أ.ف.ب)

دخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية حيز التنفيذ، في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء، بعد أن وافق الجانبان على اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا، في انتصار نادر للمساعي الدبلوماسية في منطقة تعصف بها الحرب منذ أكثر من عام.

وقد قدَّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق، في سياق ما قال إنها «إنجازات غير مسبوقة» حققتها إسرائيل، على مدار العام الماضي، من حرب على سبع جبهات.

وقال إن إسرائيل أعادت «حزب الله» عشرات السنين إلى الوراء، وأنه لم يعد الجماعة نفسها التي كان عليها من قبل، وفق شبكة «بي بي سي» البريطانية.

وأشار نتنياهو إلى أن وقف إطلاق النار أيضاً سيسمح لإسرائيل «بالتركيز على التهديد الإيراني»، مؤكداً أن بلاده ستحتفظ بالحرية العسكرية الكاملة لمواجهة أي تهديد جديد من «حزب الله».

ولا يريد أي من الجانبين أن يُنظَر إلى اتفاق وقف إطلاق النار هذا بوصفه استسلاماً منهما.

إلا أن منافسي نتنياهو السياسيين، بل بعض حلفائه أيضاً، ينظرون إلى الاتفاق على أنه «استسلام بالفعل».

وأشار استطلاع للرأي، أُجريَ أمس، إلى أن أكثر من 80 في المائة من قاعدة دعم نتنياهو تُعارض الاتفاق، وأن السكان في شمال إسرائيل، الذين جرى إجلاء أعداد كبيرة منهم من منازلهم بسبب الضربات التي شنها «حزب الله» بالمنطقة، غاضبون أيضاً.

وعلى المستوى الداخلي في إسرائيل، كان هناك انقسام شديد بشأن الاتفاق. فقد أظهر أحد استطلاعات الرأي أن 37 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون وقف إطلاق النار، و32 في المائة يعارضونه، و31 في المائة لا يعرفون أن هناك اتفاقاً من الأساس.

وقالت شيلي، وهي معلمة لغة إنجليزية في بلدة شلومي، إن وقف إطلاق النار كان «قراراً سياسياً غير مسؤول، ومتسرعاً».

من جهتها، قالت رونا فالينسي، التي جرى إجلاؤها من كيبوتس كفار جلعادي بشمال إسرائيل، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، إنها تريد العودة إلى ديارها، وأن وقف إطلاق النار ضروري، لكن فكرة عودة السكان اللبنانيين إلى القرى القريبة من كفار جلعادي، مثل قرية العديسة اللبنانية، أعطتها «شعوراً بالقلق والخوف».

وأضافت: «الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أتمناه هو ألا يتسلل (حزب الله) إلى مثل هذه القرى القريبة ويبني شبكة جديدة له هناك».

وتابعت: «لا يوجد شيء مادي حقيقي يمكن أن يجعلني أشعر بالأمان إلا محو هذه القرى تماماً، وعدم وجود أي شخص هناك».

وقالت «بي بي سي» إنها تحدثت إلى كثير من سكان إسرائيل يرون أن على نتنياهو مواصلة الحرب في لبنان، ويتساءلون: لماذا يوقّع رئيس الوزراء، الذي تعهّد بمواصلة القتال في غزة حتى «النصر الكامل»، على وقف لإطلاق النار في لبنان؟!

وعارض وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الاتفاق، ووصفه بأنه «خطأ تاريخي».

وكتب بن غفير، في منشور على موقع «إكس» يشرح فيه معارضته الاتفاق: «هذا ليس وقف إطلاق نار، إنه عودة إلى مفهوم الهدوء مقابل الهدوء، وقد رأينا بالفعل إلى أين يقود هذا». وتوقَّع أنه «في النهاية سنحتاج مرة أخرى إلى العودة للبنان».

وعلى النقيض، أكد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن «هذا الاتفاق ربما يضمن أمن إسرائيل للأبد».