«مدرسة على الطريق»... فتاة فلسطينية تنشر العلم والأمل بين أطفال مخيمات غزة

نور نصار مع الأطفال في مبادرة (مدارس بلا حدود)
نور نصار مع الأطفال في مبادرة (مدارس بلا حدود)
TT

«مدرسة على الطريق»... فتاة فلسطينية تنشر العلم والأمل بين أطفال مخيمات غزة

نور نصار مع الأطفال في مبادرة (مدارس بلا حدود)
نور نصار مع الأطفال في مبادرة (مدارس بلا حدود)

تحاول نور نصار أن تنشر العلم والأمل في نفوس أطفال غزة، لتذكرهم بألا ينسوا طفولتهم، وأنهم ليسوا أرقاماً محتملة في حرب جُل ضحاياها منهم ومن النساء.

نور نصار، فتاة فلسطينية عمرها 24 عاماً، كانت تعمل بالمحاماة، حتى وقعت الحرب، فقررت أن تنقل تجربتها من المحاكم إلى عيون وآذان الصبايا والبنات، أطفال غزة، بمبادرة (مدرسة على الطريق).

بحقيبة صنعت من القماش الأسود، وكُتب عليها باللغة الإنجليزية «كن النور للجميع ليروا»، بدأت نور في مارس (آذار) الماضي مبادرتها، وتحكي لـ«الشرق الأوسط» عن محاولتها للخروج من العزلة والخوف في أول أيام الحرب، لكي تغرس فسيلتها، وتسقيها بجهد يبدأ من الصغار.

نور نصار تحمل حقيبة بها أدوات تعليمية في غزة (حسابها في إنستغرام)

الفكرة انطلقت من حديثها للأطفال بين المخيمات في رفح، فوجدت طفلة لا تعرف الأرقام، وطفلاً آخر في الصف الخامس لا يعرف كتابة اسمه بشكل إملائي صحيح، فلم تبرح حتى تبلغ هدفها بالتفكير في مساعدتهم بأقل الأدوات المتاحة، في وقت أغلقت فيه مدارس القطاع بعد الحرب.

ودمّرت إسرائيل منذ بدء حربها على قطاع غزة، نحو 110 مدارس وجامعات بشكل كلّي، و321 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، وفق بيانات رسمية.

وتؤمن الفتاة بأن «إن دُمرت مدارسنا، يبقى صوت القلم والورقة هو الوحيد الذي ينبعث بأمل العودة للمدرسة».

نور نصار خلال الحديث لأطفال في مخيمات غزة (حسابها في إنستغرام)

وتشير إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إلى أن هناك ما لا يقل عن 8 آلاف شهيد في قطاع غزة ممن هم في سن الدراسة، و350 شهيداً من المعلمين والمعلمات، فضلاً عن المفقودين، وهناك أكثر من 12500 طالب جريح، بينهم 2500 أصبحوا من ذوي الإعاقة.

اصطدمت الفتاة الفلسطينية بواقع أليم وسط الحرب الإسرائيلية على القطاع، إذ تدفع الظروف القاسية الجميع للبحث عن الغذاء والماء، ويدفع الأهالي أطفالهم بالبحث عن المأكل والمشرب، لتبدأ نصار رحلتها في إقناع عدد من الأهالي بإتاحة الأطفال لوقت قليل خلال اليوم للتعلم، وتقول نور: «الأهالي كانوا بالبداية يقولون هاتي لهم بسكوت وعصير أحسن، والأطفال كانوا يقولون نروح نجيب مصاري أفضل».

أطفال في أحد المخيمات خلال مبادرة نصار (إنستغرام)

وتردف نصار: «هؤلاء الأطفال تكبدوا عناء ومسؤوليات أكبر منهم فكان الوضع كتير سيئ لدرجة نسيان طفولتهم، فواجبنا أن نذكرهم بأنفسهم وطفولتهم فبلشت (بدأت) مع الأطفال والأهالي جلسات تحفيزية باستخدام الأدوات والألعاب المتاحة».

ورصدت نصار وجود فجوة تعليمية لدى الأطفال، قدرتها بنسبة 40 في المائة من بين الأطفال حولها، ووجدت صعوبة في التعليم، فبدأت في مبادرتها أن تكون متنقلة بالأدوات بين المخيمات. ولم يكن التحدي لابنة غزة فقط فيمن حولها، لكن هي نفسها كانت تحتاج للبحث والقراءة والتعلم، وتفسر: «أنا لست مختصة بالتعليم، لكني بدأت أراجع المواد المتاحة وأستعين بـ(غوغل) لمعرفة ما يحتاجه الأطفال في كل مرحلة عمرية».

كما كتبت نور وفريقها على إحدى اللوحات التعليمية في المبادرة «التعليم يتخطى القيود ويبني المستقبل»، أخذت الفتاة على عاتقها بداية الأنشطة، وتفاجأت بردود فعل الأهالي برغبتهم في تعلم أولادهم، انتابتها الفرحة بعد أن وجدت أطفالاً يرددون أغاني تعليمية بعد جلسات المبادرة.

في شهر مايو (أيار)، بدأت نور رحلة نزوح إلى مخيم النصيرات، فكأنها تبدأ من جديد، ففكرت في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الفكرة، ووجدت إقبالاً كبيراً لدى المتابعين، وتواصل معها أفراد من المخيمات لتنفيذ المبادرة التعليمية.

وكما كل الغزيين، نزحت الفتاة مرة أخرى لدير البلح، لكنها تمسكت بأفكارها ولم ينتابها اليأس في استكمال المبادرة التي حولتها لمشروع كبير باسم (مدارس بلا حدود)، نظراً للإقبال الكبير عليها، وفقاً لحديثها.

ترجع نصار قدرتها على التواصل في المشروع وسط الحرب التي نهشت الأرواح والأجساد إلى إيمانها بالله، ومساعدة أهلها، في الوقت الذي استفاد فيه نحو 530 طفلاً وطفلة من مشروع (مدارس بلا حدود).

وتكرر النزوح في حياة نصار ثلاث مرات، تحلم الفتاة أن يكون النزوح القادم والأخير لمنزلها، وكما آخرين في القطاع، تؤمن بأن نهاية الحرب تعني انطلاقة جديدة لمشروعها، تقول: «سنكمل مع الأطفال بالآلية التعليمية اللي اعتمدناها باستخدام الألعاب والترفيه لأنهم هيرجعوا بعد الحرب للدراسة».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي يحيى السنوار (أ.ف.ب)

«حماس» تختار السنوار خلفاً لهنية... «في رسالة تحدٍ لإسرائيل»

أعلنت حركة «حماس» اختيار رئيسها في قطاع غزة، يحيى السنوار، رئيساً للمكتب السياسي للحركة، خلفاً لإسماعيل هنية، الذي اغتالته إسرائيل في العاصمة الإيرانية طهران.

كفاح زبون (رام الله)
الولايات المتحدة​ المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير تعقد المؤتمر الصحافي اليومي في البيت الأبيض في واشنطن 12 يونيو 2023 (رويترز)

البيت الأبيض: لا نعتقد أن الرد على إسرائيل من إيران أو «حزب الله» بدأ

قالت متحدثة باسم البيت الأبيض إن الولايات المتحدة لا تعتقد أن رداً انتقامياً من إيران أو جماعة «حزب الله» اللبنانية على إسرائيل قد بدأ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية دبابة إسرائيلية بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة في جنوب إسرائيل الخميس 1 أغسطس 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يؤكّد وفاة آخر شخص عُدّ مفقوداً بعد هجوم 7 أكتوبر

أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء الثلاثاء، أنه تأكّدت وفاة آخر شخص عُدّ مفقوداً في إسرائيل بعد هجوم حركة «حماس» في السابع من أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي نصر الله متحدثاً في حفل تأبين فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)

نصر الله يصرّ على الردّ على اغتيال شكر «أياً تكن العواقب»

هدّد أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله بـ«ردّ قوي ومؤثر وفاعل» على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر الأسبوع الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

توسعة الحرب تتقدّم على الحل الدبلوماسي... ولبنان يقاومها بتطبيق الـ«1701»

توسعة الحرب تتقدّم على الحل الدبلوماسي... ولبنان يقاومها بتطبيق الـ«1701»
TT

توسعة الحرب تتقدّم على الحل الدبلوماسي... ولبنان يقاومها بتطبيق الـ«1701»

توسعة الحرب تتقدّم على الحل الدبلوماسي... ولبنان يقاومها بتطبيق الـ«1701»

تبقى الكلمة حالياً في مطلق الأحوال للميدان، مع تقدُّم التصعيد العسكري على الحل الدبلوماسي، الذي وحده يَقِي المنطقة حرباً إقليمية تنطلق شرارتها الأولى من جنوب لبنان، في ضوء استعداد إيران، بالتكافل والتضامن مع «حزب الله»، للرد على إسرائيل، بعد اغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، والقيادي العسكري الأول في الحزب فؤاد شكر، في عقر دارهما، وإصرار تل أبيب على رد الصاع صاعين، ما لم تنجح اتصالات اللحظة الأخيرة في «تنعيم» الردود وتقنينها، على نحو يمنع تفلُّت الوضع بحيث تصعب السيطرة عليه.

ومهما طال أمد الانتظار أو قصر، فإن المواجهة العسكرية بين محور الممانعة بقيادة إيران، وبمعاونة «حزب الله»، وبين إسرائيل، حاصلة لا محالة، وأن الشغل الشاغل للدول المعنية بمنع تفلُّت الوضع في المنطقة على مصراعيه، يكمن في إقناع طهران و«الحزب» بإمكانية الفصل بين الردّين وعدم تلازمهما، بما يسمح للوساطات العربية والدولية بالتدخل لخفض منسوب الردود بشكل يتيح استيعاب تداعياتها؛ لئلا تتطور المواجهة العسكرية، وتنحو نحو التدحرج لتوسعة الحرب لتشمل الإقليم.

سعي غربي لـ«تقسيط الردود»

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية غربية أن تقسيط الردود من قِبل إيران و «حزب الله» على دفعات لئلا تأتي متزامنة لناحية توقيتها، طُرح مباشرة أو بالوساطة على طهران و«حزب الله»، وهما استمعا إلى ما تضمَّنه العرض، لكنهما آثرا عدم الرد، واكتفيا بإبلاغ الوسطاء أن الكلمة تبقى أولاً وأخيراً للميدان، ويعود لهما اختيار التوقيت المناسب للرد على اغتيال إسرائيل لهنية وشكر.

وكشفت المصادر الدبلوماسية عن أن الوسطاء لم يطلبوا من الحزب عدم الرد، وإنما تمنّوا عليه أن يحتفظ لنفسه بالتوقيت الذي يختاره، على ألا يتلازم مع رد طهران، وقالت إن مجرد الفصل بين الردّين يمكن أن يوفر فرصة للتدخل لدى إسرائيل لمنع توسيع الردود.

حراك دبلوماسي حكومي

أما على صعيد التحرك الدبلوماسي، فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومعه وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، لا يزالان يشغّلان محركاتهما، ولم ينقطعا عن التواصل مع المجتمع الدولي لتجنيب لبنان المزيد من الأخطار.

فالرئيس ميقاتي على تواصل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إطار توحيد الجهود لكبح جماح تدحرج الوضع نحو تمدّد الحرب إلى الإقليم، وهو اتصل -كما علمت الشرق الأوسط- بوزراء خارجية مجموعة الدول السبع، وأكّد لهم تمسّك لبنان بوقف النار، مطالباً بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وخرقها لأجوائه، واستعداده لتعزيز الجيش اللبناني لتوسيع انتشاره في الجنوب بمؤازرة القوات الدولية «يونيفيل» حتى الحدود الدولية، والتزامه بتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته، وتأييده مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف النار في غزة، وهذا ما أبلغه أيضاً لدى اجتماعه، بحضور بوحبيب، مع سفراء الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وزملائهم من غير الدائمين فيه، متمنياً عليهم تبنّي الموقف اللبناني برُمّته؛ لأنه يُعِيد الهدوء إلى الجنوب، وسلّمهم، بناءً على رغبتهم، رسالة في هذا الخصوص.

كما أن المصادر الرسمية اللبنانية تستبعد ما يُشيعه البعض من تفاؤل لمنع التدحرج نحو الحرب، وهذا ما يدحضه ارتفاع وتيرة المواجهة، الثلاثاء، بين «حزب الله» وإسرائيل بشكل غير مسبوق يبدّد التفاؤل، وينمّ عن قيام إسرائيل، كما يقول مصدر أمني لبناني رسمي لـ«الشرق الأوسط»، بردود وقائية، تتوخّى منها توجيه رسالة لخصومها بأن ردّها بلا حدود، ولن يكون مقيداً بالأمكنة التي أدرجتها في بنك أهدافها، سواء أكانت في لبنان أو خارجه.

الممانعة واستعادة الهيبة

ورأت المصادر نفسها أنه لم يَعُد أمام «حزب الله» وإيران سوى الرد لاسترداد هيبتهما أمام جمهورهما قبل الآخرين، خصوصاً أن المرشد الإيراني علي خامنئي توعّد من داخل طهران بردّ قاسٍ، وجاراه في موقفه أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، الذي هدّد إسرائيل بردّ مدروس وجِدّي.

حتى إن محور الممانعة لا يأخذ على محمل الجد ما يسرّب إليه بالوساطة على لسان دبلوماسيين غربيين كبار بأن واشنطن تستخدم ما لديها من ضغوط لوقف النار في غزة، ولاحقاً في جنوب لبنان، بوضع المسؤولية على بنيامين نتنياهو، متهمةً إياه بالتمرد عليها، ورفضه التعاون مع المبادرة التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف النار على الجبهة الغزاوية.

وفي المقابل لا تأخذ الجهات الرسمية اللبنانية بكل ما يقال لتبرئة واشنطن، بذريعة أن نتنياهو يتمرّد عليها ولا يتعاون معها، وهذا ما ينسحب أيضاً على مصدر بارز في «الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«حركة أمل»)، بقوله إن الإدارة الأميركية ليست مضطرة لإيفاد قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي إلى تل أبيب، وحشد القطع البحرية في المتوسط، ولو كانت تريد فعلاً الضغط عليه لما سارعت إلى نجدته تسليحاً بقنابل من العيار الثقيل.

نتنياهو والولايات المتحدة وبريطانيا

ويخشى المصدر نفسه أن يستدرج نتنياهو الولايات المتحدة، ومعها عدد من الدول الغربية للصدام مع إيران، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن الإدارة الأميركية تمر حالياً بمرحلة انتقالية تبقى قائمةً إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا ما يدعوها للقلق إذا ما تعاملت معه على أنه أبرز الناخبين الكبار، ما يتطلّب منها مراعاته إلى أقصى الحدود.

وبالنسبة إلى الموقف البريطاني، تأكّد لـ«الشرق الأوسط» أن وزيرَي الخارجية والدفاع لم يحملا معهما إلى بيروت سوى الدعوة إلى ضبط النفس، وأن حضورهما يأتي في سياق رغبة الحكومة الجديدة بتسجيل حضورها ليس أكثر، مع أنهما لم يستبعدا دخول غزة في حرب مديدة، يمكن أن تبقى قائمة إلى الأسابيع الأولى التي تسبق الاستحقاق الرئاسي الأميركي.

وعليه، لم يَعُد بيد الغالبية الساحقة من اللبنانيين سوى الانتظار المديد، الذي لا يُخفي قلقهم على مصيرهم حيال الأخطار التي تهدّد بلدهم، وخشيتهم من المجهول الذي ينتظرهم من جرّاء تدحرجه نحو توسعة الحرب، بينما لا تملك الدولة اللبنانية من سلاح سوى مخاطبتها المجتمع الدولي بالتدخل لتطبيق القرار «1701»؛ كونَ الميدان متروكاً لمحور الممانعة، وهذا ما يزيد من تصاعد وتيرة الانقسام الداخلي بين «حزب الله» والمعارضة التي ترفض أن يتفرّد الحزب بقرار السلم والحرب، الذي يبقى حصراً بيد الحكومة، وتحويل لبنان ساحة لتصفية النزاعات.