من ياسين إلى هنية... أشهر الاغتيالات في صفوف حركة «حماس»

فلسطينيون يحملون نعش الشيخ أحمد ياسين (على اليسار) خلال جنازته بمدينة غزة في 22 مارس 2004 (أ.ب)
فلسطينيون يحملون نعش الشيخ أحمد ياسين (على اليسار) خلال جنازته بمدينة غزة في 22 مارس 2004 (أ.ب)
TT

من ياسين إلى هنية... أشهر الاغتيالات في صفوف حركة «حماس»

فلسطينيون يحملون نعش الشيخ أحمد ياسين (على اليسار) خلال جنازته بمدينة غزة في 22 مارس 2004 (أ.ب)
فلسطينيون يحملون نعش الشيخ أحمد ياسين (على اليسار) خلال جنازته بمدينة غزة في 22 مارس 2004 (أ.ب)

مع اغتيال زعيم حركة «حماس» إسماعيل هنية صباح اليوم في طهران، يتجدد فتح ملف الاغتيالات الإسرائيلية لعناصر الحركة، التي تنفذها إسرائيل على مدار سنوات طويلة منذ نشوء الحركة في ثمانينات القرن الماضي.

وتبادلت إسرائيل وحركة «حماس» كثيراً من العمليات، وطالت كوادر في الفصائل الفلسطينية، وتوقفت هذه العمليات مؤقتاً خلال مفاوضات السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتجددت مرة أخرى مع بداية حرب غزة.

أُسست «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)» عام 1987 بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، وأعلنت عن نفسها آنذاك جناحاً من أجنحة «الإخوان المسلمين» في فلسطين، قبل أن تعدل الميثاق بوثيقة جديدة العام الماضي وتتنصل من «الإخوان» في ظل تقارب مع النظام المصري. تعرّف الحركة نفسها على أنها حركة مقاومة شعبية وطنية تعمل على توفير الظروف الملائمة لتحقيق تحرر الشعب الفلسطيني وخلاصه من الظلم وتحرير أرضه من الاحتلال. وأعلنت الحركة عن تأسيس جناحها العسكري «كتائب الشهيد عز الدين القسام» بنهاية عام 1991، وأخذت نشاطات «القسام» تتسع وتتصاعد. وعام 1994 أعلنت الحركة «حرباً شاملة» ضد إسرائيل، تلتها عمليات تفجيرية عدة قادها المهندس يحيى عياش، الذي عُدّ لعامين بعد ذلك، حتى اغتياله في غزة، بطلاً أقلق أجهزة الأمن الإسرائيلية. وواجهت الحركةُ سلطةَ الحكم الذاتي، التي جاء بها الرئيس الراحل ياسر عرفات؛ لكنه كان أكثر جماهيرية ورمزية. وبانطلاق «الانتفاضة الثانية» عام 2000. دخلت «حماس» مواجهة «كسر العظم» مع الإسرائيليين، بعد تنفيذها عمليات عدة كبيرة في العمق الإسرائيلي، وتميزت عمليات الحركة بإسقاط أكبر عدد من القتلى، فردت إسرائيل بسلسلة اغتيالات طالت قادة ورموز «حماس»؛ وبينهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي قاد «حماس» بعد ياسين، وصلاح شحادة القائد العام لـ«كتائب القسام». تركز الطرح السياسي والآيديولوجي لحركة «حماس» على فكرة التحرير «من البحر إلى النهر»؛ أي كلّ فلسطين.

وفيما يلي رصد لأشهر الاغتيالات التي طالت عناصر من حركة «حماس»:

الشيخ أحمد ياسين

ولد الشيخ ياسين في عام 1938، وبعد إصابته بالشلل إثر حادث تعرض له في مرحلة الشباب، كرس حياته للدراسات الإسلامية. انضم ياسين إلى الجناح الفلسطيني من جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه لم يشتهر إلا في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، ثم أصبح رئيساً لتنظيم جديد هو «حركة المقاومة الإسلامية» أو «حماس».

وألقت إسرائيل القبض عليه عام 1989، وأصدروا بحقه حكماً بالسجن مدى الحياة، وأطلق سراحه في عملية تبادل عام 1997 مقابل عميلين إسرائيليين كانا قد حاولا اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمان.

في 2003 تعرض ياسين لمحاولة اغتيال إسرائيلية باستهداف مروحيات إسرائيلية شقة في غزة كان يوجد فيها وكان يرافقه إسماعيل هنية، وأصيب خلالها بجروح طفيفة في ذراعه اليمنى.

هنية مع الشيخ ياسين (رويترز)

وفي 22 مارس (آذار) 2004 قتل أحمد ياسين بهجوم شنته مروحيات إسرائيلية بإطلاق 3 صواريخ عليه وهو خارج على كرسيه المتحرك من مسجد «المجمّع الإسلامي» في حي الصبرة بقطاع غزة.

عبد العزيز الرنتيسي

طبيب، وسياسي فلسطيني، ولد عام 1947، وتخرج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمل طبيباً في «مستشفى ناصر» في خان يونس عام 1976.

وهو أحد مؤسسي حركة «حماس»، وتعرض للاعتقال مرات عدة خلال عمله السياسي، ونجا من محاولة اغتيال في يونيو (حزيران) عام 2003 عندما أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخاً على السيارة التي كان يستقلها في قطاع غزة، لكنه أصيب بجروح فقط.

بعد أقل من شهر من توليه قيادة «حماس» بعد مقتل الشيخ أحمد ياسين، اغتالته إسرائيل في 17 أبريل (نيسان) 2004 بعد إطلاق مروحية إسرائيلية صاروخاً على سيارته في قطاع غزة.

صلاح شحادة

هو القائد العام لـ«كتائب القسام»، التي عرفت باسم «المجاهدون الفلسطينيون». تأسست «الكتائب» عام 1991، أي بعد 4 سنوات من انطلاقة حركة «حماس» الأم عام 1987. ويعدّ صلاح شحادة وعماد عقل ويحيى عياش من أبرز مؤسسيها إلى جانب آخرين، واغتالتهم إسرائيل جميعاً.

اعتقل شحادة لسنوات خلال مسيرته السياسية، وورد اسمه على رأس أكثر من لائحة إسرائيلية للمطلوبين الفلسطينيين.

في 22 يوليو (تموز) 2002 ألقت طائرة حربية قنبلة تزن أكثر من طن على منزل في حي الدرج شرق مدينة غزة أدت إلى مقتله و18 شخصاً بينهم زوجته ومرافقه القيادي في «كتائب القسام» زاهر نصار.

عماد عقل

أحد أشهر المقاتلين في قطاع غزة، ونفذ عمليات عدة؛ منها كمين لدورية إسرائيلية في ديسمبر (كانون الأول) 1992، على طريق بيت لاهيا - الشجاعية، ما أدى لمقتل ضابط وجنديين إسرائيليين. لاحقاً قتل عماد عقل عام 1993في اشتباك مسلح بعد محاصرته في حي الشجاعية.

يحيى عياش

يعرف باسم «المهندس»، ونشط في صفوف «كتائب عز الدين القسام» منذ مطلع عام 1992 وتركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية. وطور لاحقاً أسلوب الهجمات عقب «مذبحة المسجد الإبراهيمي» في فبراير (شباط) عام 1994، وعدّ مسؤولاً عن سلسلة الهجمات؛ مما جعله هدفاً مركزياً لإسرائيل.

ظل ملاحقاً 3 سنوات حتى اغتيل بعد أن جنّدت إسرائيل لملاحقته مئات العملاء والمخبرين.

اغتيل في بيت لاهيا شمال قطاع غزة في 5 يناير (كانون الثاني) عام 1996 باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف جوال كان يستخدمه عياش أحياناً. خرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وحده.

جمال سليم وجمال منصور

هما من كبار قادة حركة «حماس» في الضفة الغربية. في عام 2001 قصفت طائرات إسرائيلية بالصواريخ «مكتب الإعلام والدراسات» التابع لحركة «حماس» في مدينة نابلس بالضفة الغربية وقتلت القياديين.

إسماعيل أبو شنب

أحد أبرز قادة «حماس» السياسيين وأكثرهم حمائمية، وفي يونيو 2003 أطلقت إسرائيل 5 صواريخ على سيارة أبو شنب في غزة. وقتل في العملية أيضاً اثنان من مرافقي أبو شنب وأصيب 15 مدنياً.

يعدّ أبو شنب من مؤسسي «الجمعية الإسلامية» في غزة عام 1976 التي واكبت ظهور «المجمع الإسلامي»، وهما المؤسستان اللتان خرجت من رحمهما حركة «حماس» عام 1987.

أحمد الجعبري

اغتيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، بصاروخ موجه من طائرة على سيارته التي كان يقودها بنفسه في غزة. وكان الجعبري من رجال «حماس» الذين طوردوا لوقت طويل قبل أن يتخلى عن حذره.

أحمد الجعبري القائد في «كتائب القسام»... (وسائل إعلام فلسطينية)

كانت إسرائيل تتهمه بقيادة «القسام» ميدانياً، وتصفه بـ«رئيس أركان حماس». عرف عن الجعبري في إسرائيل أنه من وقف وراء خطف الجندي جلعاد شاليط، وكان هو من نقله إلى مصر بعد توقيع اتفاقية إطلاق سراحه. وأدى اغتيال الجعبري إلى اندلاع حرب «عامود السحاب».

محمود أبو هنود

أحد أبرز قادة «القسام» في الضفة الغربية. نجا من أكثر من محاولة اغتيال، واغتيل في 2001 بصواريخ على سيارته قرب نابلس.

إبراهيم المقادمة

أحد أبرز قادة حركة «حماس» ومفكريها، واغتيل في شهر مارس 2003 بصواريخ على سيارته.

نزار ريان

أحد أبرز قادة «حماس» السياسيين، وكان على صلة وثيقة بـ«القسام». وقصفت إسرائيل منزله في يناير 2009 فقضى مع زوجاته و7 من أبنائه و5 مدنيين.

عدنان الغول

اغتيل في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004 في غزة، وكان أحد أكبر قادة «القسام»، ويعدّ من الجيل الأول من قياديي ومؤسسي «القسام»، وكان من مساعدي يحيى عياش. تمكن الغول؛ الذي درس الهندسة في الخارج، من تصنيع القنابل والصواريخ والقذائف محلياً، مما أكسب حركة «حماس» قدرات جديدة لم تكن تملكها سابقاً.

سعيد صيام

اغتيل في يناير 2009 بقصف على منزل في غزة. كان وزير الداخلية في حكومة «حماس». كان متشدداً بالنسبة إلى إسرائيل ومؤسس القوة التنفيذية للحركة. نجا من محاولات اغتيال كثيرة قبل أن تنجح طائرات سلاح الجوّ في اغتياله مع أحد أشقائه.

محمد أبو شمالة ورائد العطار ومحمد برهوم

كانوا من قيادات الصف الأول في «القسام»، واغتيلوا بصواريخ فتاكة أطلقت على عمارة كانوا بداخلها في رفح جنوب القطاع في أغسطس (آب) 2014.

اغتيالات ما بعد «7 أكتوبر» وحرب غزة

لم يتوقف سلاح الاغتيالات؛ وهو من أدوات إسرائيل التي تستخدمها بشكل مكثف ضد «حماس»، وعاد إلى المشهد مجدداً مع بداية اندلاع حرب غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.

ومن أبزر القيادات التي اغتيلت منذ بداية الحرب:

مروان عيسى

هو اليد اليمنى لمحمد الضيف، وهو أحد الأهداف ذات الأولوية للوحدة الخاصة في «الشين بيت (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)» و«الموساد (جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي)»، المسماة «نيلي»، والتي أنشئت لتعقب المسؤولين عن هجوم «7 أكتوبر» والقضاء عليهم.

ونجا نائب رئيس الجناح العسكري لحركة «حماس» من محاولات اغتيال عدة؛ إحداها في عام 2006، وفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية. كان يشارك وقتها في اجتماع حضره أيضاً محمد الضيف أو «الضيف». ووفق المصدر نفسه، فقد تعرض منزله للقصف مرتين، عامي 2014 و2021. ولم تؤكد «حماس» أو إسرائيل اغتياله، بل جاء الإعلان عن مقتله من الجانب الأميركي.

في إسرائيل يقولون إن «الحرب النفسية مع (حماس) لن تنتهي ما دام مروان عيسى على قيد الحياة»، وفق ما أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت».

أيمن نوفل

أعلنت «حماس» في 17 أكتوبر الماضي مقتل اثنين من قيادييها برفقة عائلتيهما جراء قصف شنه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، ثم أعلنت مقتل قيادي ثالث.

ووفق «وكالة أنباء العالم العربي»، فقد ذكرت الحركة أن القياديين هما تيسير إبراهيم ووائل الزرد، متوعدة بـ«الرد المتين والعميق» على هجمات الجيش الإسرائيلي. وأعلنت لاحقاً مقتل أيمن نوفل القائد العسكري في الجناح المسلح بقصف إسرائيلي على مخيم البريج في وسط قطاع غزة.

لعب دوراً في تطوير المنظومة الصاروخيّة لـ«حماس»، وهو من المخططين لعملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. كما أنه مقرب من الرجل الثاني في «القسام» مروان عيسى.

المبحوح

في مارس الماضي، قتلت إسرائيل فائق المبحوح القيادي في حركة «حماس» الذي كان يتولى مهمة التنسيق مع العشائر و«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)»؛ لإدخال وتأمين المساعدات الإنسانية لشمال القطاع.

رئيس مديرية العمليات التابعة لجهاز الأمن الداخلي بحركة «حماس» فائق المبحوح الذي قتلته إسرائيل في قطاع غزة (إكس)

صالح العاروري

قتل القيادي في حركة «حماس» ورئيس مكتبها السياسي صالح العاروري في يناير الماضي خلال غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية (معقل «حزب الله» اللبناني) ببيروت، وأفادت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام» بأن 6 أشخاص قتلوا وأصيب آخرون في استهداف طائرة مسيّرة إسرائيلية مكتب «حماس» في الضاحية الجنوبية ببيروت.

وأضافت «الوكالة» أن عدداً من الجرحى سقطوا جراء الاستهداف الإسرائيلي لمكتب «حماس» في العاصمة اللبنانية.

عزام الأقرع

هو أحد مؤسسي «كتائب عز الدين القسام»؛ الذراع العسكرية لـ«حماس»، وأحد مُبْعَدِي مرج الزهور في لبنان. اغتيل في 2 يناير الماضي مع صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت.

جميلة الشنطي

هي نائب عن «حماس» وعضو في مكتبها السياسي، كما تعدّ أول امرأة تشغل عضوية المكتب السياسي للحركة. اغتيلت في 18 نوفمبر الماضي.

أسامة المزيني

قيادي بارز في الحركة، فهو رئيس مجلس الشورى. اغتيل في 21 أكتوبر الماضي بقصف على غزة، وهو صهر الشيخ أحمد ياسين، وبرز اسمه في غزة خلال مدة أسر الجندي جلعاد شاليط من عام 2006 حتى 2011.


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية مطار بن غوريون في تل أبيب (أرشيفية - رويترز)

شركات طيران كبرى تعلق رحلاتها إلى إسرائيل

أعلنت شركتا «يونايتد إيرلاينز» و«دلتا إيرلاينز» الأميركيتان، بجانب الخطوط الجوية البريطانية، اليوم (الأربعاء)، تعليق رحلاتها الجوية إلى إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ جندي أميركي يقف حاملاً سلاحه في قاعدة عسكرية قرب الموصل بالعراق (رويترز)

وزير الدفاع الأميركي: لا نتوقع تزايد الهجمات على قواتنا في العراق وسوريا

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (الأربعاء)، إنه لا يتوقع حاليا أن تكثف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران هجماتها ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم الأمين العام للأمم المتحدة أتطونيو غوتيريش (رويترز)

غوتيريش يدين «التصعيد الخطير» بعد الضربتين في بيروت وطهران

اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، اليوم (الأربعاء)، أن الضربتين في بيروت وطهران تشكلان تصعيداً خطيراً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (في الوسط) يلتقي وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي (د.ب.أ)

نتنياهو: وجّهنا ضربات ساحقة لوكلاء إيران ومستعدون لجميع الاحتمالات

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل «مستعدة لجميع الاحتمالات» و«تواجه أياماً صعبة»، مذكراً بأنه قال منذ بداية الحرب إنها «ستطول».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»
TT

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»

اغتيال رئيس حركة «حماس»، إسماعيل هنية، في قلب مجمع الحرس الثوري الإيراني، فجر اليوم (الأربعاء)، واغتيال قائد أركان «حزب الله»، فؤاد شكر، قبله بساعات قليلة في قلب ضاحية بيروت الجنوبية، يجعل التعبير «ضربات محسوبة ومحدودة» موضوع تهكُّم وسخرية كبيرين؛ فهذا الاغتيال يفتح الباب أمام تصعيد في الحرب، بأقل احتمال، وتصعيد كبير جداً قد يتحول إلى حرب إقليمية شاملة، ولا يقل خطورة عن ذلك، يعني اغتيال المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس».

وتشير التقديرات إلى أن المجتمعين توقعوا أسوأ ردّ من الأطراف الأخرى، بما في ذلك عودة «حماس» إلى تنفيذ عمليات انتقام مسلحة داخل إسرائيل وعبر «حزب الله» الذي يهدد بالانتقام الشديد، وحتى دخول إيران بشكل مباشر، لاعتبارها اغتيال هنية إهانة عسكرية استراتيجية.

كل هذه الحسابات طُرِحت في الاجتماع الذي تقرر فيه تنفيذ اغتيال هنية، الذي ضم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، ورئيس «الموساد»، الذي يترأَّس فريق التفاوض مع «حماس»، ديفيد برنياع، ورئيس المخابرات العامة (الشاباك)، رونين بار، الذي يشارك في هذه المفاوضات، وغيرهم من قادة الأجهزة. وقد بدأ الاجتماع في الثامنة من مساء الثلاثاء، واستمر بلا انقطاع. ودُرِست فيه كل السناريوهات ولم ينفضَّ إلا عندما «تأكدوا من إتمام العملية بنجاح»، فجر الأربعاء.

فماذا يعني ذلك؟

أولاً لافت للنظر تركيبة أصحاب القرار؛ فالاغتيال لم يكن قرار حكومة اليمين المتطرف، بل قرار الدولة العميقة في إسرائيل. فهذه المؤسسة تجري عادة حسابات واسعة وعميقة. فما الدافع لأن تتخذ قراراً مغامراً كهذا، تشترك فيه مع نتنياهو، الذي تتهمه بصراحة بالغة بأنه معنيّ بالاستمرار في الحرب لخدمة مصالحه الشخصية والحزبية؟ هل يوجد هنا التقاء مصالح مفاجئ؟

يبدو أن هذا هو السر. التقاء المصالح. وربما أكثر من ذلك؛ رضوخ المؤسسة العسكرية والدولة العميقة لإرادة نتنياهو. فما مصلحتها في هذا؟

هنا نأتي إلى بيت القصيد: الصرعات والصراعات الداخلية، التي لا تقل وزناً عن الحسابات الإقليمية والدولية. فالجيش الإسرائيلي وبقية الأجهزة الأمنية تعيش كارثة معنوية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث وقعت في إخفاق يعتبره قادتها أكبر إخفاق في تاريخ الدولة العبرية. لقد حاولت التغلب على هذه الكارثة بحرب شعواء دمرت فيه قطاع غزة بشكل شبه كامل، فهم بوضوح على أنه ليس موجهاً ضد «حماس» لإبادتها بل ضد الشعب الفلسطيني كله. قتلوا نحو 40 ألفاً، ثلثاهم من النساء والأطفال والمسنين والعَجَزة. دمروا كل الجامعات والمستشفيات ومعظم المدارس والجوامع والكنائس. قتلوا علماء وصحافيين وأطباء ومعلمين وباحثين ومخترعين وفقهاء ورجال دين.

كان من أهداف هذه الشراسة ترك علامات تُحفَر في ذاكرة الشعب الفلسطيني كنكبة ثانية، مثلما حفرت أميركا في ذهن اليابانيين مجزرة هيروشيما، وفي ذاكرة الألمان مجزرة دريزدين. لكن هذا كله لم يحقق أياً من أهداف الحرب. وبقيت الصورة الختامية أن الجيش الإسرائيلي بعظمة قوته (ثلاثة أرباع المليون جندي ومئات الطائرات الحديثة والصواريخ الجبارة وآلاف الأطنان من المتفجرات) وبضخامة وحداثة أسلحته ودعم الولايات المتحدة وحكومات الغرب له، يدير حرباً تستغرق 10 أشهر ضد تنظيم مسلح محدود القوة (30 - 40 ألف عنصر) وفقير الأسلحة، ولم يستطع حسمها.

هذه المشكلة أثارت تساؤلات كثيرة لدى الحلفاء والأصدقاء، الذين كانوا يأتون لتعلم دروس الحرب من الجيش الإسرائيلي. ولكنها أثارت أسئلة أكثر لدى الجمهور الإسرائيلي. وبسبب الصراعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، ومحاولات حكومة اليمين درء الاتهامات عنها بالمسؤولية عن الإخفاق، زاد اليمين على الوقود ناراً، فراح يحرض على قيادة الجيش ويتهمها بالفشل وبالجبن. ودلت الاستطلاعات على أن ثقة الجمهور الإسرائيل بالأجهزة الأمنية انخفضت بشكل حاد من 90 في المائة إلى 70 و60 في المائة.

وصار رئيس أركان الجيش وجنرالاته يتعرضون لإهانات حتى في جلسات الحكومة، من وزراء عديدين وليس فقط بن غفير وسموترتش. وكان نتنياهو يسمع ويسكت. ولكن ابنه لم يسكت فينشر في الشبكات الاجتماعية دعماً لحملة التحريض هذه.

ومن هنا كان الطريق قصيراً، لنرى المستوطنين يعتدون على جنود الجيش الإسرائيلي الذين يحمونهم في الضفة الغربية، وأكثر من ألفي عنصر من نشطاء الليكود والصهيونية الدينية يهاجمون ثلاث قواعد عسكرية، ويعتدون على الجنود برفقة وزراء ونواب، بحجة الدفاع عن جنود متهمين باغتصاب أسري فلسطينيين.

لقد قررت الأجهزة الأمنية استعادة هيبتها المهدورة، أياً كان الثمن، فانتهزت فرصة التراخي الأمني في الضاحية وفي طهران، ووجَّهت ضربتيها. ولديها قناعة بأن هناك مَن سيتدخل من وراء البحار لمنع توسع التوتر إلى حرب شاملة. فهل سيسعفها هذا الاستعراض للعضلات؟ أم أن الجشع لدى اليمين سيطالبها بالمزيد من هذه العضلات؟ هل سيكون الرد محسوباً ومحدوداً، ووفق أي حسابات؟