لبنان يتحرك داخلياً وخارجياً لتطويق تداعيات حادثة مجدل شمس

اتصالات مع واشنطن لمحاصرة «أكبر التهديدات الإسرائيلية جدية»

درزية تبكي على نعش خلال تشييع ضحايا ملعب كرة القدم في مجدل شمس بهضبة الجولان (أ.ف.ب)
درزية تبكي على نعش خلال تشييع ضحايا ملعب كرة القدم في مجدل شمس بهضبة الجولان (أ.ف.ب)
TT

لبنان يتحرك داخلياً وخارجياً لتطويق تداعيات حادثة مجدل شمس

درزية تبكي على نعش خلال تشييع ضحايا ملعب كرة القدم في مجدل شمس بهضبة الجولان (أ.ف.ب)
درزية تبكي على نعش خلال تشييع ضحايا ملعب كرة القدم في مجدل شمس بهضبة الجولان (أ.ف.ب)

تحرك لبنان على المستويين الرسمي والحزبي؛ داخلياً وخارجياً، لتطويق تداعيات حادثة مجدل شمس في هضبة الجولان السوري المحتل وتجنب توسعة الحرب؛ إذ طلبت الحكومة من الولايات المتحدة حث إسرائيل على ضبط النفس، وجدد لبنان تأكيده الالتزام بالقرار «1701» وبقواعد الاشتباك بعدم استهداف المدنيين، بموازاة تحركات قامت بها قيادات من طائفة الموحدين الدروز، وفي مقدمهم الرئيس السابق لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لـ«إحباط محاولات إسرائيلية لاستغلال الحادث وتفجير الوضع بلبنان».

ويتعامل لبنان الرسمي مع «أكثر التهديدات الإسرائيلية جدية بتوسعة الحرب على لبنان»، وفق ما قالت 3 مصادر؛ رسمية، ووزارية، وحزبية، لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن لبنان «بات في مرحلة دقيقة تشبه الأسبوع الأول لانطلاق الحرب» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال أحد المصادر إن لبنان تلقى تحذيراً دولياً من أن إسرائيل «قد تكون عازمة على توسعة الحرب»، وذلك لاعتبارين؛ يتمثل الأول في محاولة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو «الاستفادة من الوضع الانتقالي في الولايات المتحدة»، فيما يتمثل الثاني في «محاولة إسرائيل إخماد الغضب الدرزي في الجولان الذي ظهر في طرد مسؤولين إسرائيليين من تشييع الضحايا في مجدل شمس، وعدم رفع السكان بالكامل رايات إسرائيلية في التشييع»، رغم أن بعض السكان الدروز يخدمون في الجيش الإسرائيلي وتنتشر قوة أساسية منهم على الحدود الشمالية.

ويتخوف المسؤولون اللبنانيون من «مخطط لتهجير بلدات إضافية على المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، وإنشاء منطقة عازلة بالنار أكثر اتساعاً داخل العمق اللبناني». وقال مصدر رسمي لبناني مطلع على المباحثات: «المخاطر إثر الموقف الإسرائيلي والموقف الإيراني بأنه جدي في الانخراط بالحرب في حال توسعتها على لبنان، فعّلت الاتصالات المحلية والدولية، وبدت جميع الأطراف الدولية المنخرطة في الاتصالات جدية لتجنبها».

سكان من مجدل شمس بالجولان يعاينون موقع انفجار الصاروخ في ملعب لكرة القدم (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة وبري

وفي مواجهة هذا الاختبار، سرعان ما تحرك لبنان على جميع المستويات لتطويق التداعيات والحيلولة دون توسعة إسرائيل الحرب، وبدأت الإجراءات من بيان أصدره «حزب الله» مساء السبت، نفى فيه مسؤوليته عن إطلاق المقذوف ضد هدف مدني، تلاه تأكيد من رئيس البرلمان نبيه بري خلال تلقيه اتصالاً من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، أن «لبنان، رغم الانتهاكات الإسرائيلية الفاضحة والصريحة لمندرجات القرار (1701)، كما مقاومته، ملتزمون بهذا القرار وبقواعد الاشتباك بعدم استهداف المدنيين»، مضيفاً: «نفي المقاومة لما جرى في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل يؤكد بشكل قاطع هذا الالتزام وعدم مسؤوليتها ومسؤولية لبنان عمّا حصل»، وفق ما جاء في بيان صادر عن رئاسة مجلس النواب.

«الخارجية» اللبنانية

وعلى الضفة الحكومية، دعا وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب الأحد إلى «إجراء تحقيق دولي أو عقد اجتماع للجنة الثلاثية عبر اليونيفيل لمعرفة حقيقة الأمر» جاء ذلك في تصريح نقلته الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية. كما طالب بـ«التطبيق الكامل والشامل للقرار 1701» الصادر عن مجلس الأمن الدولي من الجهتين. وأشار بوحبيب إلى أن أي «هجوم كبير من قبل إسرائيل على لبنان سيؤدي إلى تدهور الوضع في المنطقة واشتعال حرب إقليمية».

وأضاف بوحبيب لـ«رويترز»، أن الحكومة طلبت من الولايات المتحدة حث إسرائيل على ضبط النفس. وقال بوحبيب إن الولايات المتحدة طلبت من الحكومة اللبنانية نقل رسالة إلى «حزب الله» تطالبه بالتحلي بضبط النفس أيضاً.

وتكرر الموقف الأميركي على لسان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الذي قال، الأحد، إن «كل المؤشرات» تدل على أن «حزب الله» أطلق الصاروخ على الجولان المحتل، ما أدى إلى مقتل 12 من الفتيان. لكن بلينكن أكد «أننا عازمون على وضع حد للنزاع في غزة. لقد استمر لفترة طويلة جداً». وأكد «أننا لا نريد أن نرى النزاع يتصاعد. لا نريد أن نرى توسعاً. لقد كان هذا أحد أهدافنا منذ اليوم الأول؛ منذ 7 أكتوبر الماضي، وسنواصل القيام بذلك».

هوكستين

وفي سياق الاتصالات الأميركية أيضاً، تلقّى الرئيس السابق لـ«التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط اتصالاً هاتفياً من الموفد الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط، آموس هوكستين، الذي أعرب عن قلقه من تطورات الوضع على جبهة جنوب لبنان في ضوء حادثة مجدل شمس. وجدد جنبلاط «التشديد على ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان»، مؤكداً تضامنه «في مواجهة هذا العدوان مع كل اللبنانيين». وأشار جنبلاط إلى أنه «لا فرق بين الشهداء في جنوب لبنان والجولان وفلسطين الذين يسقطون جراء هذا العدوان»، لافتاً إلى أنه «مستمر في موازاة ذلك بالجهود لمحاولة عدم اتساع الحرب ضمن ما هو متاح».

سكان الجولان من طائفة الموحدين الدروز يشيعون 12 ضحية قتلوا في انفجار صاروخ بملعب لكرة القدم السبت (أ.ب)

تحرك جنبلاط

ويحمل الاتصال بجنبلاط دلالة كبيرة، لجهة تأثيره في الواقع الدرزي في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن. ويكرر جنبلاط على مسامع الموفدين الدوليين الذين ينقلون إليه تحذيرات من انفلات الأوضاع، دعوتهم إلى «ضرورة حضّ الجانب الإسرائيلي على وقف إطلاق النار بغية تحقيق تهدئة على حدود إسرائيل الشمالية».

وانطلاقاً من موقعه المؤثر، ساهم تحرك جنبلاط وقيادات درزية لبنانية أخرى، بينهم شيخ عقل الطائفة في لبنان، سامي أبو المنى، في «إحباط محاولات إسرائيلية لاستغلال الحادث وتفجير الوضع بلبنان وتغذية الشقاق بين المكون الدرزي و(حزب الله)»، وذلك استناداً إلى نفي «الحزب» أي علاقة له بحادثة مجدل شمس، وفق ما قالت مصادر مواكبة لتحرك القيادات الدرزية اللبنانية.

بالتزامن، قالت مصادر قريبة من «التقدمي الاشتراكي» لـ«الشرق الأوسط» إن التحركات «ساعدت على استيعاب القسم الأكبر من الغضب، وساهم أهالي الجولان بذلك عبر مواقفهم وعدم السماح بتحميل (الحزب) المسؤولية، مما انعكس على الساحة في لبنان».

وكان جنبلاط أكد في بيان أن «استهداف المدنيين أمرٌ مرفوض ومدان»، وحذر «الجميع في لبنان وفلسطين والجولان من أي انزلاق أو تحريض في سياق مشروع العدو التدميري؛ إذ يبقى المطلوب عدم توسع الحرب والوقف الفوري للعدوان ولإطلاق النار». وفي ضوء بيان «حزب الله»، حذر جنبلاط «ممّا يعمل عليه العدو الإسرائيلي منذ زمنٍ بعيد لإشعال الفتن وتفتيت المنطقة واستهداف مكوّناتها، وقد أسقطنا هذا المشروع في السابق، وإذ يطل برأسه من جديد؛ فنحن له بالمرصاد إلى جانب المقاومة وكل المقاومين الذين يواجهون الإجرام والاحتلال الإسرائيلي».

بدوره، دعا الشيخ أبو المنى «أصحاب القرار؛ دولاً وقيادات وتنظيمات» إلى «التوصل السريع لوقف نهائي للحرب والاعتداءات الإرهابية والأعمال الإجرامية». كما دعا «أهل العقل والحكمة والرجولة إلى تدارك الأمور بوعي وعقلانية وثبات موقف ووحدة كلمة».


مقالات ذات صلة

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

المشرق العربي مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأحد، من بيروت من أن لبنان بات «على شفير الانهيار» بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ضابط شرطة يسير في مكان سقوط المقذوف بعد أن أبلغ الجيش الإسرائيلي عن وابل من المقذوفات التي تعبر إلى إسرائيل من لبنان في معالوت ترشيحا بشمال إسرائيل (رويترز)

«حزب الله»: هاجمنا قاعدة أسدود البحرية وقاعدة استخبارات عسكرية قرب تل أبيب

أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيان، الأحد، أنه شن هجوماً بطائرات مسيَّرة على قاعدة أسدود البحرية في جنوب إسرائيل للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطا في بيروت (رويترز) play-circle 01:54

إسرائيل تطبق الحصار على مدينة الخيام تمهيداً لاقتحامها

قطعت القوات الإسرائيلية خطوط الإمداد إلى مدينة الخيام، وأحكمت طوقاً على المقاتلين الموجودين فيها، بعد تقدمها إلى بلدة ديرميماس المشرفة على مجرى نهر الليطاني

نذير رضا (بيروت)
خاص صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

خاص «وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

بعد قراره التراجع عن «وحدة الساحات» واقتناعه بـ«فصل المسارات»، باتت القوى السياسية لا تتردد باعتبار التزام «حزب الله» السابق بهذه الاستراتيجية خطأ استراتيجياً.

بولا أسطيح (بيروت)

بوريل من بيروت: لبنان بات على شفير الانهيار

مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)
مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)
TT

بوريل من بيروت: لبنان بات على شفير الانهيار

مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)
مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اليوم الأحد، من بيروت من أن لبنان بات «على شفير الانهيار» بعد شهرين من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل. وحثّ على «وقف فوري» لإطلاق النار بين الجماعة اللبنانية واسرائيل.

وصعّدت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول) غاراتها الجوية على معاقل «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، ثم بدأت نهاية الشهر ذاته عمليات توغل بري جنوباً، بعد أكثر من عام على فتح «حزب الله» الجبهة في جنوب لبنان دعماً لحليفته حركة «حماس» في قطاع غزة.

وقال بوريل، خلال مؤتمر صحافي بعد لقائه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، «نرى سبيلاً واحداً للمضي قدماً: وقف فوري لإطلاق النار، وتطبيق كامل لقرار مجلس الأمن الدولي 1701» الذي أرسى وقفاً لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل في العام 2006.

وأضاف بوريل «ينبغي زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية ومواصلة الضغط على حزب الله للقبول بالمقترح الأميركي لوقف إطلاق النار».

وتقود فرنسا والولايات المتحدة جهوداً للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين لبنان واسرائيل. وخلال زيارة إلى بيروت (الثلاثاء) في إطار هذه الجهود، قال المبعوث الأميركي آموس هوكستين إن ثمة «فرصة حقيقية» لإنهاء النزاع، قبل أن يتوجه إلى إسرائيل في اليوم التالي.

وينصّ القرار الدولي 1701 على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.

ويكرر لبنان على لسان مسؤوليه تمسكه بتطبيق القرار 1701 واستعداده لفرض سيادته على كامل أراضيه فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل.

وحذّر بوريل كذلك من أن لبنان بات «على شفير الانهيار» بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

وقال خلال المؤتمر الصحافي «في سبتمبر/أيلول، كنت هنا وكان لدي أمل بأنه من الممكن تفادي حرب مفتوحة تشنّها إسرائيل على لبنان. وبعد شهرين، بات لبنان على شفير الانهيار».

وأعلن كذلك أن الاتحاد الأوروبي مستعدّ لتقديم 200 مليون يورو (نحو 208 ملايين دولار) إلى الجيش اللبناني.

ومنذ بدء تبادل القصف بين «حزب الله» وإسرائيل في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قُتل أكثر من 3670 شخصاً على الأقل في لبنان، وفق وزارة الصحة اللبنانية، ونزح نحو 900 ألف شخص داخل البلاد.