إسرائيل تتبع التدمير البطيء جنوباً لتطبيق الـ«1701» على طريقتها

مخاوف من تراجع الاهتمام الدولي بلبنان

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ملتقياً المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين في زيارة سابقة له إلى بيروت (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ملتقياً المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين في زيارة سابقة له إلى بيروت (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تتبع التدمير البطيء جنوباً لتطبيق الـ«1701» على طريقتها

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ملتقياً المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين في زيارة سابقة له إلى بيروت (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ملتقياً المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين في زيارة سابقة له إلى بيروت (إ.ب.أ)

يتخوف اللبنانيون من تراجع الاهتمام الدولي ببلدهم بخلاف ما يتوهمه البعض من أهل السياسة؛ نظراً لانشغال الدول بمشاكلها الداخلية وهي المولجة في مساعدته لإخراج انتخاب رئيس للجمهورية من التأزُّم الذي يمكن أن يمتد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، طالما أن الكتل النيابية ترفض التلاقي في منتصف الطريق لتسهيل انتخابه بالتوافق على مرشح يحظى بتأييد الغالبية النيابية.

لكن منسوب المخاوف هذه يمكن أن ينسحب على الوضع المشتعل في الجنوب بين إسرائيل و«حزب الله» في مساندته لـ«حماس»؛ في ظل تعثر الوساطات للتوصل إلى وقف للنار في غزة يُفترض أن يمتد إلى جنوب لبنان، الذي يشهد حالياً تصعيداً غير مسبوق في المواجهة ينذر بتوسعة الحرب، طالما أن الحزب يربط التهدئة جنوباً بوقف العدوان على غزة.

وفي هذا السياق، تسأل مصادر سياسية عن الضمانات التي تمنع إسرائيل من توسعة الحرب في حال توصلت إلى اتفاق مع «حماس» لوقف النار بوساطة عربية - أميركية، من دون أن تكون مقرونة بتسوية مستدامة، من وجهة نظر تل أبيب، تعيد الاستقرار للجنوب بما يسمح باتخاذ إجراءات تقطع الطريق على احتمال تجدد المواجهة في أي لحظة؟

كما تسأل المصادر حكومة تصريف الأعمال ما إذا كان لديها تطمينات بعودة الهدوء إلى الجنوب في حال التوصل لوقف النار في غزة، في ضوء ما يتردد على لسان دبلوماسيين غربيين لدى لبنان بأن تل أبيب تشترط التوصل إلى اتفاق يكون بمثابة تسوية تعيد الاستقرار، بما يضمن عودة النازحين على جانبي الحدود؟

ولا تستبعد المصادر نفسها أن يكون لدى إسرائيل خطة مبيّتة تسعى من خلالها إلى اتباع سياسة التدمير البطيء، لا يقتصر على القرى الأمامية الواقعة على طول الحدود بين البلدين، وإنما تصر على أن تُلحق بها القرى المشمولة بتطبيق القرار الدولي 1701، وهذا ما يدعو الدبلوماسيين الغربيين للقلق من أن يأتي مخطط التدمير البطيء في سياق الضغوط لتطبيق هذا القرار من وجهة نظرها وعلى طريقتها الخاصة.

وتخشى من اتباع إسرائيل خطة التدمير البطيء، بخلاف تلك التي اعتمدتها لتحويل قطاع غزة إلى أنقاض للثأر من حركة «حماس»، والاقتصاص منها؛ كونها مضطرة لاسترداد هيبتها التي أصيبت مباشرة باجتياح «حماس» للمستوطنات الواقعة في غلاف غزة، وبالتالي فهي تعتمد خطة الخطوة خطوة لمواصلة تدميرها البطيء للبلدات الجنوبية، اعتقاداً منها بأن ذلك يعفيها من تدخل المجتمع الدولي للضغط عليها، سعياً وراء التوصل لوقف إطلاق النار.

كما شدّدت على أن المطلوب من حكومة تصريف الأعمال أن تتحسب منذ الآن لمواجهة أسوأ الاحتمالات، وأولها اعتماد إسرائيل التدمير البطيء للمنطقة الواقعة في نطاق جنوب الليطاني، التي يُفترض أن تخضع لسيادة الدولة اللبنانية بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» لوحدات الجيش اللبناني المنتشرة فيها لتطبيق القرار 1701.

فاتباع إسرائيل التدمير البطيء لهذه البلدات، من وجهة نظر المصادر السياسية، يعني أنها تريد تحويل جنوب الليطاني، تحت الضغط الناري المتواصل بكل الأسلحة، إلى منطقة منزوعة السلاح والسكان في آن، وبالتالي يصعب العيش فيها بعد أن أحرقت الأخضر واليابس باستخدامها القنابل الفوسفورية المحرمة دولياً.

لذلك فإن معظم البلدات في جنوب الليطاني، غير تلك الواقعة في الخط الأمامي مقابل الحدود الإسرائيلية، بدأت تتحول أرضاً شبه محروقة وتكاد تكون لا حياة فيها، خصوصاً أن التدمير البطيء يتلازم مع مضي إسرائيل في تنفيذ مسلسل الاغتيالات، الذي لا يقتصر على استهداف أبرز القيادات الميدانية والعسكرية لـ«حزب الله» في الجنوب، وإنما أخذ يطال المدنيين في جنوب الليطاني، وكأنها تتوخى من كل هذا منع التجول في هذه المنطقة، إضافة إلى تعقبها لرموز حزبية خارج نطاقها، امتداداً إلى الحدود اللبنانية - السورية الواقعة على تخوم ريف دمشق.

وعليه؛ تتعامل المصادر مع التدمير البطيء وكأنه يأتي في سياق مخطط تصر إسرائيل من خلاله على تمرير رسالة، لا تقتصر على الحزب وإنما تشمل المجتمع الدولي، تحت عنوان أنها ماضية في مخططها باستهدافها البنى التحتية للحزب ومنشآته، سواء أكانت مدنية أو عسكرية، وصولاً لتطبيق القرار 1701 بقوة النار وعلى طريقتها في إطباق سيطرتها جواً وبراً، ولو عن بُعد، على جنوب الليطاني، لوضع لبنان والمجتمع الدولي أمام أمر واقع بأن ما يطبّق على الجنوب حالياً ما هو إلا عيّنة من تطبيق إسرائيل للقرار 1701.

ويبقى السؤال، بحسب المصادر، هل من خطة لدى الحكومة اللبنانية - في حال قررت إسرائيل المضي في إطالة أمد الحرب في غزة، واضطرار «حزب الله» لمواصلة مساندته لـ«حماس» - تؤمّن الحد الأدنى من التعايش مع الوضع المشتعل في جنوب لبنان والحد من انعكاساته على الداخل؟ أم أنها تصر على إعطاء الأولوية للاتصالات الدولية والعربية التي يتولاها رئيسها نجيب ميقاتي، رغم ضرورتها في محاولة لتأمين شبكة أمان للبنان، وعدم إدراجه على لائحة الانتظار؛ لأن عامل الوقت لن يكون لمصلحة البلد، فيما يترقب الجميع معاودة الوسيط الأميركي آموس هوكستين تشغيل محركاته مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري؛ كونه من يتولى التفاوض بتفويض من الحزب وبالتنسيق مع ميقاتي لإعادة الهدوء إلى الجنوب بتطبيق القرار 1701؟

ولا يبدو حتى الساعة أن الأبواب مشرّعة سياسياً أمام هوكستين، الذي لم ينقطع عن التواصل مع بري وميقاتي، من دون أن يحسم أمر عودته المرتقبة إلى بيروت، ما يعني أن استقراء مستقبل الوضع في الجنوب يبقى عالقاً على المحادثات التي سيجريها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بدءاً من 24 الجاري، وهو الموعد المحدد لوصوله إلى واشنطن.


مقالات ذات صلة

​«حزب الله» يهدد بقصف مستعمرات جديدة... فهل تتوسّع الحرب؟

تحليل إخباري نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم ورئيس المجلس التنفيذي بالحزب هاشم صفي الدين وعدد من المشاركين في إحياء ذكرى عاشوراء (إ.ب.أ)

​«حزب الله» يهدد بقصف مستعمرات جديدة... فهل تتوسّع الحرب؟

انتقل «حزب الله» من مرحلة الدفاع إلى الهجوم سواء عبر استخدامه أسلحة جديدة أو عبر تهديدات أمينه العام بـ«قصف مستعمرات إسرائيلية لم يسبق أن تم استهدافها».

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي أعضاء في «كشافة المهدي» يحملون صورة لنصرالله خلال الاحتفال بذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

نصرالله يعد مناصريه بإعمار القرى الجنوبية اللبنانية المدمرة

قال أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله إن الجهة التي تفاوض باسم لبنان هي الدولة اللبنانية، نافياً وجود اتفاق جاهز للوضع في الجنوب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مواطنون من جنوب لبنان أمام المنازل المدمر نتيجة القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص خلال ساعات في جنوب لبنان

قُتل شخصان في قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية كانا يستقلانها في النبطية، في جنوب لبنان بعد ساعات على مقتل 3 أشخاص هم عنصر في «حزب الله» وشقيقتاه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم مستمعاً لكلمة نصر الله في الاحتفال التأبيني للقيادي محمد ناصر الذي اغتالته إسرائيل (رويترز)

تحليل إخباري «حزب الله» يعود إلى لغة التهديد: أزمة داخلية أم استثمار مسبق للحرب؟

عاد المسؤولون في «حزب الله» للغة التهديد والوعيد و«تخوين المعارضين» على خلفية مواقف عدة مرتبطة بالحرب الدائرة في الجنوب من جهة وبالاستحقاق الرئاسي من جهة أخرى.

كارولين عاكوم (بيروت)
يوميات الشرق ممثلون معروفون يشاركون في المسرحية (روان حلاوي)

روان حلاوي لـ«الشرق الأوسط»: موضوع «يا ولاد الأبالسة» شائك ويحاكي الإنسانية

تحكي المسرحية قصص 4 رجال يمثلون نماذج مختلفة في مجتمعنا. لم تقارب في كتابتها موضوعات محرّمة (تابوات)، وتعدّها تحاكي الإنسانية لدى الطرفين.

فيفيان حداد (بيروت)

منذ بدء حرب غزة... القوات الإسرائيلية اعتقلت نحو 9700 فلسطيني بالضفة

جنود إسرائيليون يسيرون في منطقة تجمع غير معلنة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون يسيرون في منطقة تجمع غير معلنة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

منذ بدء حرب غزة... القوات الإسرائيلية اعتقلت نحو 9700 فلسطيني بالضفة

جنود إسرائيليون يسيرون في منطقة تجمع غير معلنة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون يسيرون في منطقة تجمع غير معلنة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (د.ب.أ)

أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير في فلسطين، اليوم (الأربعاء)، أن الجيش الإسرائيلي اعتقل أكثر من 9700 مواطن من الضفة الغربية منذ بدء «العدوان» على قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأوضحت الهيئة والنادي، في بيان مشترك، اليوم، أوردته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، أن هذه الحصيلة تشمل من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا كرهائن.

ولفت البيان إلى أن «عمليات الاعتقال يرافقها تنكيل واسع واعتداء بالضرب، والتهديد بحق المعتقلين وعائلاتهم، بالإضافة إلى عمليات التخريب والتدمير في منازل المواطنين».

وذكر البيان أن «إسرائيل اعتقلت منذ مساء أمس حتى صباح اليوم 15 مواطناً على الأقل من الضفة، بينهم 3 سيدات، وطفل، ومعتقلون سابقون، وتوزعت عمليات الاعتقال على محافظات الخليل، وجنين، وأريحا، وبيت لحم، وسلفيت».