استهداف الضيف... ضربة رمزية لـ«القسام» تعمّق أزمة القيادة

محمد السنوار المرشح الأبرز لخلافته إذا نجحت إسرائيل فعلاً في قتله

جثث ضحايا الضربة الإسرائيلية على المواصي قرب خان يونس السبت (إ.ب.أ)
جثث ضحايا الضربة الإسرائيلية على المواصي قرب خان يونس السبت (إ.ب.أ)
TT

استهداف الضيف... ضربة رمزية لـ«القسام» تعمّق أزمة القيادة

جثث ضحايا الضربة الإسرائيلية على المواصي قرب خان يونس السبت (إ.ب.أ)
جثث ضحايا الضربة الإسرائيلية على المواصي قرب خان يونس السبت (إ.ب.أ)

قتلت إسرائيل أكثر من 70 فلسطينياً، السبت، في محاولة لقتل قائد «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، محمد الضيف، ونائبه رافع سلامة، قائد لواء خان يونس في «القسام»، وهي المحاولة السابعة على الأقل للتخلُّص من الضيف خلال 30 عاماً.

وفيما تنتظر إسرائيل تأكيداً على مقتل الضيف، الذي إذا صح سيمنح تل أبيب «صورة نصر» انتظرتها طويلاً أثناء الحرب الحالية على قطاع غزة، نفت «حماس» الادعاءات الإسرائيلية، وقالت إن ما حدث كان مجرد مجزرة جديدة ارتكبت بحق المدنيين.

لكن بانتظار جلاء مصير الضيف، فإن نجاح هذه العملية، وهو ما يأمل به الإسرائيليون، يثير كثيراً من التساؤلات حول تداعيات ذلك على «كتائب القسام»، خصوصاً أن كثيراً من قادتها البارزين اغتيلوا منذ بداية الحرب الإسرائيلية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والذي بدأته «القسام» بتسلل مئات من عناصرها إلى مستوطنات غلاف غزة، ما أدى إلى مقتل وجرح وأسر المئات من الإسرائيليين.

ومن أجل فهم تأثير الغياب المحتمل للضيف، يجب فهم مكانته.

والضيف هو القائد الثاني لـ«كتائب القسام»، وتسلّم منصبه بعد اغتيال الجيش الإسرائيلي القائد العام الأسبق لها، صلاح شحادة، في 23 يوليو (تموز) 2002. لكن الضيف يُعدّ في الواقع بنظر كثيرين مهندس قوتها العسكرية الكبيرة.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الضيف نجح سريعاً بعد توليه «القسّام» وتحديداً في العام 2003، في الحصول على تفويض من قيادة المستوى السياسي لحركة «حماس»، بتأسيس قوة عسكرية كبيرة (بمثابة جيش)، وباشر فوراً التنفيذ.

وعلى الرغم محاولات اغتياله التي لم تتوقف، وفقدانه كثيراً من مساعديه وأفراداً من عائلته، لم يتوقف الضيف مطلقاً، ومضى في تأسيس «جيش كبير»، أصبح مع السنوات، القوة الفلسطينية رقم واحد، وشكّل إلى حد ما ميزان ردع مع إسرائيل، قبل أن يفاجئها في هجوم بري وجوي وبحري في السابع من أكتوبر الماضي، في عملية قلبت المعادلات.

تطارد إسرائيل الضيف منذ عقود باعتباره المطلوب الرقم 1

ومنذ السابع من أكتوبر أصبح اغتيال الضيف هاجساً إسرائيلياً، بعد 6 محاولات سابقة فاشلة.

وأدت كل هذه المحاولات ونجاة الضيف منها، وقدرته على التخفي إلى الحد الذي لم تستطع إسرائيل حتى نهاية العام الماضي في الحصول على صورة حديثة له، إلى تحوّله إلى رمز فلسطيني تجاوز دوره الوظيفي في «القسّام».

وتقول إسرائيل إن الضيف كان يقف خلف قوة «حماس» العسكرية، ويعدّ مهندس فكرة الأنفاق.

ويمكن أن يكون لغياب الضيف تأثير معنوي على «القسّام»، فلو احتفظت الكتائب بمعظم قادتها، لكانت على الأغلب ستدفع بقائد عام آخر في وقت قصير، مثلما تصرّف الضيف نفسه، عندما اغتالت إسرائيل نائبه أحمد الجعبري عام 2012، وكان يوصف بأنه «رئيس أركان (حماس)»، ويتولى قيادة «القسّام» في بعض الفترات التي كان يتغيب فيها الضيف. فقام فوراً باختيار مروان عيسى خلفاً للجعبري ضمن نظام مرن كان قد ساهم في ترسيخه في الكتائب، وهو نظام عسكري متكامل إدارياً وتنظيمياً، يقوم على 5 ألوية، يضم كل لواء منها هيئة القضاء العسكري، وركن التصنيع، وهيئة الرقابة، وركن أسلحة الدعم والقتال، وركن العمليات، وركن الاستخبارات، وركن الجبهة الداخلية، وركن القوى البشرية، وهيئة المعاهد والكليات. وفي كل لواء هناك عدة كتائب تتشكل من سرايا وفصائل وتشكيلات عسكرية وعقد.

لكن بعد السابع من أكتوبر تغيّر كل شيء، وأصبحت نجاة الضيف باعتباره الرمز، مسألة لها الأولوية، خصوصاً بعدما تعرضت قيادات بارزة، بينهم مقربون منه، لسلسلة عمليات اغتيال. ومن أبرز هؤلاء، وفق ما أعلنت إسرائيل، مروان عيسى، الذي قالت إنه اغتيل في نفق بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، في مارس (آذار) الماضي، وأيمن نوفل، قائد لواء الوسطى في «القسّام»، وأحمد الغندور قائد لواء الشمال في «القسّام».

البحث عن ضحايا في موقع ضربة إسرائيلية استهدفت خان يونس السبت (أ.ب)

وفي حال ثبت نجاح عملية اغتيال الضيف، وقائد لواء خان يونس في «القسّام»، رافع سلامة، فإن إسرائيل تكون قد قضت تقريباً معظم أعضاء المجلس العسكري، باستثناء محمد شبانة قائد «لواء رفح»، وعز الدين الحداد قائد «لواء غزة»، ورائد سعد الذي ما زال مصيره مجهولاً بعدما أعلنت إسرائيل سابقاً أنها اغتالته، ولم يتم تأكيد ذلك، ومحمد السنوار، شقيق يحيى السنوار قائد «حماس» في غزة.

ويعد الشقيقان السنوار من الأكثر قرباً للضيف، ويعتقد أنهما ما زالا حيين.

وفي ظل كل هذه الاغتيالات والعمليات التي طالت أيضاً 14 قائداً من قادة الكتائب في مختلف مناطق قطاع غزة، إضافة إلى نوابهم وقادة سرايا ووحدات قتالية، وقيادات ميدانية، وعلى فرض أن الضيف قُتل ونجا الشقيقان السنوار، فإن مصادر في «حماس» تقول لـ«الشرق الأوسط» إن محمد السنوار يُحتمل أن يكون قائد «القسّام» المقبل.

وقالت مصادر من «حماس» إن مستقبل قيادة الكتائب سيكون بيد المكتب السياسي، ووفق الوضع الميداني الذي ستحدده الظروف، ولكن مع استمرار الحرب ستبقى الأوضاع على ما هي عليه، ضمن طريقة عمل متبعة منذ الشهر الرابع للحرب، وهي أن يقود كل لواء منطقته ضمن نطاق التدرج الهرمي، من قائد اللواء في حال بقي على قيد الحياة، أو من ينوبه، وصولاً إلى قادة السرايا والوحدات والفصائل والمجموعات والعقد العسكرية المختلفة.

ورجحت المصادر أن يسيّر محمد السنوار أعمال المجلس العسكري في حال تأكد نجاح اغتيال الضيف.

وأضافت: «هناك تدرج هرمي واضح في عمل الكتائب، واغتيال الضيف أو أي قيادي آخر لن يؤثر على مسار إدارة المعركة، وهذا ما يظهر جلياً حتى بعد اغتيال قيادات بارزة سابقة».

وفقدت «حماس» لسنوات طويلة كثيراً من قياداتها السياسيين والعسكريين، من بينهم أحمد ياسين، مؤسس الحركة، وعبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم المقادمة، وغيرهم، إلا أن ذلك لم يؤثر على قوتها في قطاع غزة.


مقالات ذات صلة

الديمقراطيون في أميركا يحثّون على التوصل لهدنة في غزة

الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

الديمقراطيون في أميركا يحثّون على التوصل لهدنة في غزة

جدّد عدد من المشرّعين من الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة، الأحد، دعواتهم لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» بعد مقتل 6 رهائن في نفق بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أحد أفراد قوات الأمن الإسرائيلية يحاول إخراج مشارك في مظاهرة خارج مكتب رئيس الوزراء في القدس طالبت بالعودة الفورية للرهائن في غزة (رويترز)

هل تغيرت تعليمات احتجاز الأسرى الإسرائيليين في غزة؟

سلّطت الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل و«حماس» حول التسبب في قتل المختطفين الإسرائيليين الستة الضوء على ظروف احتجازهم وطبيعة التعليمات المعطاة للمكلفين بحراستهم.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا فلسطينيون يتفقدون منازلهم شرق دير البلح وسط قطاع غزة بحثاً عن أشياء يمكن انتشالها من بين الأنقاض (أ.ف.ب)

«مقتل رهائن» و«ضغوط الداخل» الإسرائيلي... هل يعجّلان «هدنة غزة»؟

فجَّر إعلان إسرائيل العثور على جثث رهائن بقطاع غزة موجة احتجاجات واسعة؛ رفضاً لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية جانب من جنازة ألموغ ساروسي في مدينة رعنانا الإسرائيلية اليوم (أ.ف.ب)

إسرائيل: الرهائن قتلوا من مسافة قريبة جداً بين الخميس وصباح الجمعة

أفادت وزارة الصحة الإسرائيلية بأن التشريح الذي أجري صباح اليوم (الأحد) لجثث الرهائن الـ6 أظهر أنهم قتلوا «من مسافة قريبة جداً بين الخميس وصباح الجمعة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا بدر عبد العاطي خلال لقاء سيغريد كاغ في القاهرة (الخارجية المصرية)

مصر تدين سياسة «الأرض المحروقة» في الضفة الغربية

أدانت مصر «استمرار الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي أدت لاستشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين على مدار الأيام الماضية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
TT

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

قال وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، إن سوريا ودول محور المقاومة في «القارب نفسه» وعلى «الجبهة نفسها» يقاتلون إسرائيل، وإن «التعاون المشترك» سيجعلهم أقوى في مواجهة «المحور المتغطرس»، وفق ما أفادت به وسائل إعلام إيرانية قالت إن وزير الدفاع السوري هنأ، في اتصال هاتفي اليوم الأحد، نظيره الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بتعيينه وزيراً للدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.

وفي حين لم تشر وسائل الإعلام السورية الرسمية إلى خبر الاتصال بين الوزيرين حتى إعداد هذا التقرير، فقد أفادت وكالة «مهر» الإيرانية بأن الوزير الإيراني أكد دعم بلاده «إرساء الأمن واحترام وحدة الأراضي السورية»، مشيراً إلى القواسم المشتركة بين البلدين، لا سيما دعم سوريا محور المقاومة، لافتاً إلى أنه «يجب تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين؛ بما في ذلك نتائج زيارتكم إلى طهران».

اللجنة الاقتصادية المشتركة السورية - الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي (سانا)

يُذكر أن وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، زار طهران في مارس (آذار) الماضي في ظل ازدياد احتمالات توسع الحرب مع إسرائيل وتصعيد الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي تستهدف القوات الموالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله».

وعلق الوزير الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، على نتائج الزيارة الماضية من وزير الدفاع السوري إلى طهران، بالقول: «سوف يتوسع التعاون بسرعة أكبر».

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

كما عبر الوزير الإيراني عن أسفه لعدم رؤية بلاده «أي رد فعل مناسب من المجتمع الدولي تجاه جرائم الكيان الصهيوني»، مشدداً على أنه يجب أن يستمر التعاون بين إيران وسوريا، وأن هذا «التعاون سيؤدي حتماً إلى هزيمة الكيان الصهيوني».

ونقلت «مهر» عن وزير الدفاع السوري تطلعه إلى استمرارية العلاقات بإيران، وبذل القوات المسلحة في البلدين «مزيداً من الجهود بما يتماشى مع أهداف البلدين». وقال: «نحن معكم، وعلى الجبهة نفسها. إن أمن البلدين واحد»، وإن «محور المقاومة في القارب نفسه، ويقاتلون كيان الاحتلال الذي ارتكب كثيراً من الجرائم ضد الإنسانية في غزة وسوريا واليمن». وشدد على أن التعاون المشترك «سيجعلنا أقوى في مواجهة هذا المحور المتغطرس» متمنياً تطوير هذا التعاون والاتفاقيات، والاستمرار على «هذا المنوال في مواجهة قوى الشر» وفق «مهر».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

الاتصال الهاتفي بين وزيرَي الدفاع الإيراني والسوري، جاء بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن «موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا»، مؤكّداً أنّ «اجتماعاً جديداً سيُعقد في المستقبل القريب».

ورأت مصادر متابعة في دمشق أن «طهران، ومع كل تطور إيجابي تحققه موسكو فيما يخص ملف التقارب السوري ـ التركي، تبعث برسائل تؤكد نفوذها في سوريا، وتذكّر الجانب السوري بـ(وجوب تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتسديد الديون المستحقة عليه)، في نوع من الضغوط على دمشق حتى لا تمضي في ملف التقارب بعيداً عن المصالح الإيرانية».

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين المُوالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن ضغوطاً قوية تمارَس على دمشق من الحليفين: الروسي؛ للدفع باتجاه التقارب مع تركيا، والإيراني؛ للتريث واستثمار هذا الملف في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة؛ لا سيما مع الجانب الأميركي.

ورجحت المصادر تصدير دمشق موقفين لحليفيها: الأول إظهار التجاوب مع مساعي موسكو وبث رسائل إيجابية تجاه التقارب مع تركيا، والموقف الثاني يهادن الضغوط الإيرانية ويظهر التمسك بثبات الموقف من «محور المقاومة» والالتزام بسياساته، وإظهار التريث تجاه التقارب مع تركيا.

ولفتت المصادر إلى ما سبق أن تناولته وسائل إعلام عربية عن «زيارة سرية من رئيس الأركان السوري، العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، إلى إيران دون إبلاغ الرئيس بشار الأسد، وذلك في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الماضي. ورغم خطورة تلك المعلومات، فإنه لم يصدر رد فعل من دمشق؛ بل جرى تجاهلها تماماً. وهذا يضعنا أمام احتمالين: إما وجود انقسام داخل القيادة في سوريا، وإما هي (عملية توزيع أدوار، وتصدير مواقف عدة للتحايل على ضغوط الحليفين)».

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً