«يحاولون قتلنا ببطء»... نازحون في شمال غربي سوريا يشكون نقص المياه

وسط وقف برامج الدعم جراء تراجع التمويل

طفل سوري يحمل دلواً فارغاً في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا في محافظة إدلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
طفل سوري يحمل دلواً فارغاً في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا في محافظة إدلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

«يحاولون قتلنا ببطء»... نازحون في شمال غربي سوريا يشكون نقص المياه

طفل سوري يحمل دلواً فارغاً في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا في محافظة إدلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
طفل سوري يحمل دلواً فارغاً في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا في محافظة إدلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

وسط لهيب الصيف، تزداد معاناة النازح حسين النعسان لتوفير المياه لعائلته، في ظاهرة تفاقمت مؤخراً في مئات المخيمات في شمال غربي سوريا، مع توقف منظمات عن دعم خدمات المياه والصرف الصحي جراء تراجع التمويل.

ويقول النعسان (30 عاماً) المقيم مع زوجته وطفليه في مخيم في مدينة سرمدا القريبة من الحدود التركية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «حرمونا في السابق من السلال الإغاثية والخبز، والآن يحرموننا من المياه، كما لو أنهم يحاولون قتلنا ببطء». ويوضح النازح منذ 11 عاماً: «بالنسبة إلينا، المياه هي الحياة، هي كل شيء».

رجل يملأ براميل المياه في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا في محافظة إدلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

تحت أشعة شمس حارقة، يروي الرجل كيف يتشارك مع 3 عائلات أخرى خزّان مياه، يتقاسمون الانتفاع منه وثمن المياه التي ثمة حاجة ماسة إليها خلال فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة داخل الخيم المنتشرة بكثرة في المنطقة.

يُرجع نازحون ومنظمات محلية وعاملون إنسانيون أزمة نقص المياه في المخيمات، مترافقة مع تكوّم النفايات وعدم معالجة الصرف الصحي، إلى توقف منظمات عدة عن تقديم خدماتها، جراء تراجع تمويل الجهات المانحة.

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنّ «4.1 مليون شخص في شمال غربي سوريا يمثلون 80 في المائة من السكان، يحتاجون إلى دعم في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة» خلال العام الحالي، لكن «هذا القطاع هو الأقلّ تمويلاً».

وتؤوي المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية في إدلب ومحيطها أكثر من 5 ملايين نسمة، الجزء الأكبر منهم نازحون، بحسب الأمم المتحدة. ويقول النعسان: «لا يستطيع الإنسان العيش دون مياه، ويحتاج للاستحمام من أجل تخفيف تأثير الحرارة داخل الخيم»، مضيفاً: «نواجه صعوبة كبيرة في الحصول على المياه التي لا نملك ثمن شرائها» بشكل منتظم بسبب قلة المساعدات وفرص العمل.

ويبدي خشيته من أن يؤدي انقطاع المياه والتوقف عن جمع القمامة إلى انتشار الجراثيم والأمراض، ومن ثم انهيار المنظومة الصحية المرهقة أساساً بعد أكثر من 13 عاماً من نزاع مدمر، واصفاً ذلك بـ«الكارثة الكبرى».

سوري يملأ براميل المياه في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا (أ.ف.ب)

«يريدون موتنا؟»

بين خيم مبعثرة وسط أرض رملية جرداء، يركن عبد الكريم عز الدين (45 عاماً)، وهو أب لتسعة أطفال، شاحنته الصغيرة المحمّلة بثلاثة براميل بلاستيكية ملأها بالمياه من بئر قريبة. ويساعده أحد أطفاله على إفراغ الحمولة في برميل قرب الخيمة، حيث يقطنون.

ويسأل عز الدين النازح بدوره منذ 11 عاماً: «هل يُعقل أن يقطعوا الماء عنّا في الصيف؟ هل يريدوننا أن نموت؟»، موضحاً أن حمولة المياه بالكاد تكفيه ليوم واحد. لكنه رغم ذلك يعدّ نفسه محظوظاً لقدرته على نقل المياه بشاحنته، وهو ما لا يقوى كثر على تحمّل أعبائه.

امرأة تملأ دلواً بالماء في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا (أ.ف.ب)

منذ سنوات، يعتمد قاطنو المخيمات المكتظة على مساعدات غذائية وطبية ولوجستية توفّرها منظمات محلية ودولية في ظل فقر مدقع.

وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، يفتقر «41 في المائة من المخيمات، أي 460 من بين 1100 مخيم، إلى دعم أساسي للمياه والصرف الصحي والنظافة من الشركاء الإنسانيين».

وتتوقع الأمم المتحدّة أن يتمّ قطع الخدمات عن 111 مخيماً آخر بنهاية سبتمبر (أيلول)، ما يبرز «الحاجة الملحة إلى زيادة الدعم المالي للحفاظ على العمليات الإنسانية الأساسية في المنطقة».

وفي الربع الأول من عام 2024، «تم تلقي 2 في المائة فقط من التمويل المطلوب للاستجابة في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة»، وفق المصدر ذاته.

ويقول نائب المنسّق الإقليمي للأزمة السورية ديفيد كاردن لوكالة الصحافة الفرنسية: «أوضاع المخيمات في شمال غربي سوريا يُرثى لها... 70 في المائة منها مكتظة، وتواجه العائلات في خيم مهترئة حرارة خانقة»، في وقت «تتراكم القمامة في مخيمات لا تحظى بدعم للصرف الصحي ويمرض الأطفال».

رجل سوري ينقل المياه إلى خزان بالقرب من خيمته في مخيم للنازحين بالقرب من سرمدا (أ.ف.ب)

جرب

تدرك منظمات محلية صعوبة الوضع أمام السكان الذين يعانون كذلك من روائح كريهة تنبعث من قنوات صرف صحي مفتوحة.

وتحاول «حكومة الإنقاذ» التي تتولى إدارة مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها، بصعوبة «إيجاد البدائل»، وفق ما يقول المسؤول في وزارة التنمية في هذه الحكومة فراس كردوش. ويحذّر من أن استمرار انقطاع الدعم «سيؤدي إلى ازدياد معاناة أهلنا في المخيمات وحصول كارثة إنسانية».

ونبّه «منسقو استجابة سوريا»، وهو ائتلاف منظمات محلية في شمال غربي سوريا، إلى انتشار أمراض جلدية في المخيمات بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كميات المياه المتوفرة.

وخلال زيارة ميدانية لمخيم على أطراف سرمدا، لاحظ الطبيب لدى جمعية «العطاء» المحلية فداء الحامض المسؤول عن عيادة متنقلة، أنّ «نسبة الإصابة بالجرب في بعض المخيمات تتجاوز 90 في المائة». وينتج ذلك عن «نقص المياه وانتشار القمامة في الشوارع وعدم وجود شبكات صرف صحي».

في مخيم قرب قرية البردقلي في ريف إدلب الشمالي، تشعر أسماء الصالح (32 عاماً) بأنّها مكبّلة اليدين لصعوبة توفير حاجتها من المياه لإعداد الطعام واستحمام أطفالها الخمسة.

وتقول: «لا أمتلك خزاناً لحفظ المياه (...) ولا قدرة لي على شراء واحد»، مضيفة: «عندما أنقطع من المياه أتوجّه سيراً على الأقدام حاملة أواني فارغة لتعبئتها من الآبار القريبة». وتضيف: «لا نملك حتى مياهاً باردة للشرب».


مقالات ذات صلة

«المرصد»: القوات الأميركية في ريف دير الزور تسقط مُسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران

المشرق العربي دورية مشتركة بقيادة أميركية في ريف القامشلي شمال شرقي سوريا (أرشيفية-رويترز)

«المرصد»: القوات الأميركية في ريف دير الزور تسقط مُسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القوات الأميركية في قاعدة كونيكو للغاز في ريف دير الزور أسقطت طائرة مسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمجموعة من الميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني في دير الزور (المرصد السوري)

العناصر السوريون في الميليشيات الإيرانية بين نيران التحالف وغضب العشائر

أعلنت القـيادة المركزية الأميركية «تقليل قدرة» الميليشيات التابعة لإيران على «التخطيط وشن هجمات» بعد تنفيذ ضربات جـوية ضد 9 أهداف في موقعين لها.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي انفجار سابق لسيارة في سوريا (أرشيفية - رويترز)

مقتل شخصين في انفجار عبوة ناسفة بسيارة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الحسكة

ذكر التلفزيون السوري، اليوم الاثنين، أن شخصين قُتلا في انفجار عبوة ناسفة زُرعت بسيارة تابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الحسكة شمال شرق سوريا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي اجتماع وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران بصيغة «ضامني آستانة» في نيويورك خلال سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)

سياسة ترمب نحو سوريا تتصدّر انطلاقة «آستانة 22»

انطلقت في كازاخستان اجتماعات «آستانة 22» بين الأطراف الضامنة لوقف النار في سوريا، مركّزة على التغييرات المحتملة في سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب نحو دمشق.

رائد جبر (موسكو)
المشرق العربي مؤيدون لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية خلال تشييع مقاتلتَين بعد غارة تركية بالقامشلي شمال شرقي سوريا في يونيو الماضي (أ.ف.ب)

تركيا تحث أميركا على وقف دعم المسلحين الأكراد في سوريا

كثّف مسؤولون أتراك دعواتهم لحث الولايات المتحدة على إعادة النظر في دعمها للمسلحين الأكراد في سوريا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

هوكستين: هناك فرصة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان قريباً

المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)
المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)
TT

هوكستين: هناك فرصة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان قريباً

المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)
المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)

صرّح المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين للصحافيين في البيت الأبيض، الثلاثاء، أن «هناك فرصة» لتأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» قريباً وأنه «متفائل» بشأن احتمالات مثل هذا الاتفاق.

التقى هوكستين في وقت سابق، الثلاثاء، في البيت الأبيض مع وزير الشؤون الاستراتيجية الزائر رون ديرمر الذي قدم موقف إسرائيل المحدث بشأن اقتراح وقف إطلاق النار المطروح حالياً على طاولة المفاوضات، وفق ما نقلته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» الإسرائيلية.

صرّح هوكستين للصحافيين أن الولايات المتحدة ستنتظر الآن سماع رد من الجانب اللبناني.

ويقول المبعوث الأميركي هوكستين إنه لن يحتاج بالضرورة إلى القيام برحلة أخرى إلى المنطقة من أجل تأمين صفقة. وأكد أنه لن يكون هناك أي تدخل روسي في الاتفاق وسط تقارير تفيد بأن المساعدة من موسكو تم طلبها لضمان عدم تمكُّن إيران من مواصلة نقل الأسلحة إلى «حزب الله» عبر سوريا.