معارك غزة... هل تطول وتصير حرب استنزاف؟

إسرائيل و«حماس» لم تنتقلا من التكتيك إلى الاستراتيجية

جنود إسرائيليون خلال عمليات في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي- أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون خلال عمليات في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي- أ.ف.ب)
TT

معارك غزة... هل تطول وتصير حرب استنزاف؟

جنود إسرائيليون خلال عمليات في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي- أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون خلال عمليات في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي- أ.ف.ب)

حتى الآن، لم ترتقِ الحرب على غزة من المستوى التكتيكي إلى الاستراتيجي. ينطبق هذا القول على التنظيمات الفلسطينيّة، كما على الجيش الإسرائيلي. فالوصول إلى المستوى الاستراتيجي لا بد من أن يكون بعد تحقيق تراكمات ونجاحات على المستوى التكتيكي. بعدها، يتدخّل البُعد السياسي للترجمة العملية للنجاح العسكريّ. لكن البقاء في المستوى التكتيكي لفترة طويلة قد يعني حرب الاستنزاف، وفيها يربح عادة من لديه عمق لوجستي، إن كان في السلاح أو العديد.

لكن أحد أهم شروط حرب الاستنزاف، هو استعداد المجتمع لتقديم التضحية الاقتصاديّة والسياسيّة، والأهم هي التضحية البشريّة. ألم يقل المفكّر البروسي كارل فون كلوزفيتز، إن «الحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى»؟

قد يؤدّي النجاح التكتيكي -في بعض الأحيان- إلى تدمير أو إبادة العدو بشكل كامل. وبذلك لا تتكرّر الحرب. هكذا حصل مع ثوّار التاميل في سريلانكا، خسروا الحرب كما خسروا قضيّتهم السياسيّة. وقد يؤدّي التكتيك إلى تعب الأفرقاء المتقاتلين، وبحيث يصبح الثمن لاستمرار الحرب أكبر بكثير من الأرباح الممكن تحقيقها. عندها، يتدخّل فريق ثالث لترميم الفجوة بين المتقاتلين، ولرسم سيناريو الإخراج السياسي لوقف الحرب، فيُصوّر كل فريق نصره حسب الصورة التي يريد تقديمها إلى مجتمعه. وقد يتضمّن هذا التصوير بُعداً دينيّاً، بحيث لا يمكن النقاش فيه.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية – رويترز)

لا يندرج سيناريو التدمير الكامل والشامل (Annihilation) على الصراع العربي- الإسرائيلي، والذي خرج منذ فترة من صفة العروبة والقوميّة، وقد استمر أكثر من قرن من الزمن. فالقرب الجغرافيّ بين الفلسطينيين واليهود، كما اعتماد الفريقين معادلة الربح الصفريّة (Zero Sum Game) قد يجعل أي إخراج سياسي لاشتباك معيّن بينهما وكأنه استراحة للمحارب، وبحيث يذهب الفريقان بعدها للاستعداد للجولة العُنفيّة القادمة.

التكتيك حالياً

دخلت إسرائيل إلى قطاع غزة عسكريّاً، مع الأمل بتحقيق الأهداف السياسية التي وضعها نتنياهو. كانت الخطة العسكريّة تقول بانتهاء الحرب في أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي حدّاً أقصى. لم تتطابق حسابات الحقل مع حسابات البيدر لدى الجيش الإسرائيلي.

فوجئت إسرائيل بمدى استعداد حركة «حماس» للحرب. كما تفاجأت بكميّة السلاح؛ خصوصاً المُضاد للدروع، ومن التصنيع المحلّي. لم تعتقد إسرائيل أن لدى «حماس» قطاع غزة آخر، تقريباً؛ لكن تحت الأرض.

مقاتل من «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» في نفق بغزة (أ.ف.ب)

وفوجئت إسرائيل أيضاً بأن عقيدتها العسكريّة القتالية لا تتماشى مع هذا النوع من الحروب. وإذا كان خبراء قد صنّفوا الجيش الإسرائيلي بأنه الأحدث في العالم، والأكثر ابتكاراً (Innovative) للتكتيكات الجديدة؛ خصوصاً خلال الحرب وسير المعارك، فهو حتى الآن قد أخفق في إيجاد الحلول للقضاء على «حماس».

في المقابل، اعتمدت «حماس» على فرضيّات متعدّدة الأبعاد، لحساب ردّ الفعل الإسرائيلي بعد عملية «طوفان الأقصى». فهي تعد نفسها خبيرة بالعقل السياسي الإسرائيليّ، كما العقل الأمنيّ. ومن بعض هذه الفرضيّات:

- لن تجرؤ إسرائيل على الهجوم البري الشامل على القطاع، بسبب عدد الرهائن الكبير لدى الحركة. كما أن الهجوم البرّي يتطلّب كثيراً من الفرق العسكرية، وهذه الفرق تعتمد بغالبها على الاحتياط الذين يشكلون العمود الفقري للمجتمع الإسرائيلي. وأن الحرب ستطول لأنها سوف تكون حرب مدن، ومعها ستكون خسائر الجيش الإسرائيلي كبيرة جداً، وهذا أمر غير مقبول لدى المجتمع الإسرائيلي، وبسبب الرهائن ستذهب إسرائيل إلى التفاوض من أجل صفقة ما.

لكن المفاجأة الكبرى لـ«حماس» تمثّلت في ردّ فعل الولايات المتحدة الأميركية الآني والسريع، لدعم إسرائيل بالسياسة والسلاح.

من جهة إسرائيل

ثمة نجاحات تكتيكية؛ لكن دون تراكمات تؤدّي إلى النجاح الاستراتيجي؛ خصوصاً أن الاستراتيجيّة الكبرى التي وضعها نتنياهو غير قابلة للتحقق.

- يُدمّر الجيش الإسرائيلي ما هو فوق الأرض. كما يسعى إلى تجميع الغزيين في مكان ما، وفصلهم عن مقاتلي «حماس»؛ علّه يصل إلى قيادات الحركة، أو إلى الرهائن، وشبكة الأنفاق المترابطة والمتداخلة مع الأبنية، ففي كل بيت هناك فُتحة نفق.

آليات عسكرية إسرائيلية تنقل جنوداً وصحافيين جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

يسعى الجيش الإسرائيلي إلى إيجاد مخرج لتعثّره عبر التسميات لمراحل الحرب. حالياً ينتقل الجيش إلى المرحلة الثالثة التي تقوم على ما يلي: إنشاء فُقاعات إنسانيّة (Bubbles) لتجميع الغزيين بعيداً عن «حماس» مع حكم محليّ، وضمانات أمنيّة ومعيشيّة، ويسعى الجيش الإسرائيلي إلى تثبيت المنطقة العازلة على حدود القطاع بعمق كيلومتر واحد داخل القطاع، والسيطرة والبقاء في محوري نتساريم وفيلادلفيا، وبعدها تأمين الحريّة العملياتية العسكرية داخل القطاع عندما تدعو الحاجة.

من جهة «حماس»

- الاستمراريّة هي الأساس لدى حركة «حماس» (Survival).

- الانتقال إلى حرب العصابات ضد الجيش الإسرائيليّ. أي القتال بمجموعات صغيرة، رهط من 3 إلى 4 عناصر.

- عدم التخلّي عن الرهائن دون ضمانات تؤمّن بقاء الحركة.

- منع قيام بدائل لها في القطاع، من العائلات أو من العشائر.

- وأخيراً وليس آخراً، كسب الوقت، وإنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي.

في الختام، قد يمكن القول إن المستوى التكتيكي هو الذي لا يزال مسيطراً على المعارك في قطاع غزة، ولا يبدو في الأفق أي إمكانية للخروج منه. وللخروج منه لا بد من فرضه من الخارج، أو الذهاب إلى درجة من التصعيد كبيرة جدّاً.


مقالات ذات صلة

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رجل يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية على مدرسة في مخيم النصيرات للاجئين بغزة (أ.ف.ب)

غزة: 71 قتيلاً جراء القصف الإسرائيلي في يوم واحد

أعلنت وزارة الصحة  الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم (الخميس)، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 44 ألفاً و56 قتيلاً، إلى جانب 104 آلاف و268 إصابة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت (رويترز)

بن غفير وسموتريتش يتهمان غالانت بالسماح لـ«حماس» بالاستمرار في حكم غزة

انتقد أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية غالانت بعد أن حذر من أنّ تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية في غزة قد يجر إسرائيل للحكم العسكري.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون جثمان أحد القتلى جراء القصف الإسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ب)

قصف طال مدرسة وخيمة للنازحين... الجيش الإسرائيلي يقتل 16 فلسطينياً بغزة

قتل الجيش الإسرائيلي اليوم (الأربعاء) 16 فلسطينياً على الأقل في هجمات جوية على مناطق مختلفة بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

النزوح يضاعف معاناة المرضى اللبنانيين المصابين بالأمراض المزمنة

مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
TT

النزوح يضاعف معاناة المرضى اللبنانيين المصابين بالأمراض المزمنة

مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)

خرج يوسف زريق (70 سنة) نازحاً من بلدته شقرا الجنوبية، منذ بدء الحرب الموسعة على لبنان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى إحدى قرى شرق صيدا، وبعد 16 يوماً من النزوح خضع لجلسة العلاج الكيميائي الأولى، في مستشفى سبلين الحكومي.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «دواء الوزارة متوفر، لكن الطبيب المتابع ارتأى، بسبب وضعي الصحي ونتائج الفحوص التي أجريت لي، استبدال دواء آخر به، لا تؤمّنه الوزارة، دفعت ثمنه 62 دولاراً، وهي كلفة مرتفعة عليّ، ونحن نازحون، نحاول تأمين احتياجاتنا الأساسيّة والضرورية جداً ليس أكثر»، خصوصاً أن غالبية الناس، ممن نزحوا من مناطقهم، توقفت مصالحهم وأشغالهم، ولا مصدر رزق لهم، ولا يعلمون متى ستنتهي الحرب، وإن كانت أرزاقهم وبيوتهم لا تزال صامدة أو دمرتها الغارات الإسرائيلية.

وزريق، واحد من اللبنانيين المصابين بالأمراض المستعصية والمزمنة، الذين تضاعفت معاناتهم بفعل النزوح، بعدما انتقلوا للعيش في مراكز الإيواء ومساكن مستأجرة، وهم يحتاجون للعلاج والمتابعة المستمرة مثل مرضى السرطان وغسيل الكلى والقلب وغيرها.

ويشكو زريق من «عدم وجود جمعيات أو أيّ جهة تساعد في دفع تكاليف الدواء الخاص بجلسات أو بعلاج مرضى السرطان، على عكس أدوية الضغط والسكري والدهن، المتوفرة في كل مكان».

ويحتاج زريق راهناً إلى صورة أشعة لا تتوفر سوى في المستشفيات الخاصة، أو في المستشفى الحكومي في طرابلس (شمال لبنان) كما يقول، ومن الصعب عليه جداً أن يتنقل على الطرقات في لبنان بسبب تصاعد وتيرة الغارات والاستهدافات الإسرائيلية في غالبية المناطق، في حين كان يجريها سابقاً في أحد مشافي النبطية.

وقد تمّ تحويل مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي والإشعاعي إلى أقسام العلاج النهاري في المستشفيات القريبة لأماكن النزوح، لكن مشاكل عديدة واجهت كثيراً منهم.

مشكلة سابقة للحرب

وعن واقع المرضى والصعوبات والتحديات في ظل النزوح والحرب، يقول رئيس جمعية «بربارة نصّار»، هاني نصّار، لـ«الشرق الأوسط»: «من المعروف في لبنان أن مشكلة مرضى السرطان سابقة لوجود الحرب، رغم التحسن الكبير الذي طرأ في هذا الخصوص لدى وزارة الصحة، لا سيّما لجهة المكننة وتأمين الدواء إلى أقرب صيدلية لمكان السكن أو المشفى الذي يتلقى فيه المريض العلاج، وهذا سهّل تأمين العلاج للنازحين».

ولهذه الغاية، طلبت الوزارة من جميع مرضى السرطان النازحين الاتصال على الخط الساخن رقم 1214 لإعلامها بمكان السكن الجديد. وقد نزح منذ بداية الحرب، أكثر من ألفي شخص مصاب بالسرطان، تبدلت ملفاتهم، وتحولت أدويتهم من منطقة إلى أخرى، وتمّ ترتيب أمورهم، حسبما يؤكد نصّار.

لكن المشكلة المزمنة، والقديمة، تكمن في قدرة المرضى الشرائية، والتي تدنت كما غالبية اللبنانيين الذين يعيشون تبعات الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد؛ إذ يقول نصّار: «الحرب ليس لها تأثير أكبر من تأثير الأزمة الاقتصادية بحد ذاتها على مرضى السرطان؛ إذ تؤمن الوزارة بعض العلاجات بشكل مجاني وليس جميعها، ويتحمل المريض تكاليف كبيرة جداً أحياناً، وتصل كلفة الجلسة الواحدة إلى الألف دولار تقريباً».

مشكلة أخرى يشير إليها نصّار، وهي الأدوية التي رُفع عنها الدعم وليست معتمدة من قبل وزارة الصحة حالياً، ولا تتكفل بإعطائها لمرضى السرطان، وتصل كلفتها إلى 6 و8 آلاف دولار، تؤمن الوزارة البديل عنها أحياناً، لكنه عادة يكون أقل فاعلية.

ووفق نصّار، «أحياناً كثيرة لا يتوافر البديل، كدواء مرضى سرطان المبيض الذي تبلغ تكلفته 6 آلاف دولار، وبالتالي تنجو الفتاة في حال كان لديها القدرة على تأمينه من لبنان أو خارجه، وتفقد حياتها في حال العكس، وللأسف الحالات المماثلة كثيرة». مع العلم أن هناك العديد من الأدوية المزورة التي تصل إلى أيدي مرضى السرطان.

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

مرضى الفشل الكلوي

تتوسع المعاناة لتشمل معظم مرضى الأمراض المستعصية من النازحين. ويُعدّ علي عز الدين (56 سنة) واحداً من بين نازحين كثر يعانون من الفشل الكلويّ، ويحتاجون لإجراء غسيل كلى دورياً، بمعدل ثلاثة أيام أو أكثر في الأسبوع.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أبحث عن مستشفى ألجأ إليه لإجراء غسيل الكلى، ومن ثمّ أؤمن مسكني، لذا تنقلت بين منطقتين، قبل أن أستقر راهناً في منطقة الروشة على مقربة من مستشفى رفيق الحريري الحكومي».

مرّ أكثر من أسبوع على بدء الحرب الموسعة (23 سبتمبر)، حتّى تمكن عز الدين من الخروج من منزله في بلدة العباسية، قضاء صور، لكن «قبلها أرسلت عائلتي إلى مكان أكثر أماناً، وبقيت أنا لوحدي هناك، كي أجري جلسات غسيل الكلى في موعدها ومن دون انقطاع في مستشفى اللبناني - الإيطالي في صور، وإلّا ستتدهور حالتي الصحّية»، كما يقول، علماً بأن محيط المستشفى تعرض للغارات الإسرائيلية مرات كثيرة.

ويضيف: «بداية لم نتوقع أن الحرب ستطول والضربات ستكون متزايدة وكثيفة خلال مدة قصيرة جداً، إلى أن شعرت بأن المسألة خطيرة، وأن سقف المنزل سيقع على رأسي في أيّ لحظة. عشت تجربة القصف في صور، وخاصة حين كنت أتنقل بين المنزل والمشفى».

ويقول: «تمكنت من ترتيب أمور المستشفى الجديد، في قرنايل بالقرب من عاليه، حيث نزحت واستأجرت منزلاً في المرة الأولى للنزوح، أجريت 4 جلسات غسيل للكلى، لكن الطقس لم يلائمني هناك؛ برد قارس وضباب في المكان»، لينزح مرة أخرى إلى منطقة الروشة، حيث يوجد راهناً؛ كونها آمنة نسبياً حتّى الآن، وعلى مسافة قريبة من المستشفى.

يقارن عز الدين بين الأماكن التي تنقل بينها، وفي المستشفيان «لم يتغير عليّ شيء، سوى أن مدة الجلسة انخفضت من 4 إلى 3 ساعات، بسبب الضغط الهائل على المستشفيات التي نزح إليها المرضى. وللصراحة لم أعتد الأماكن الجديدة، فرغم أنني أعاني من الفشل الكلوي، فإنني كنت أعمل وأمارس حياتي بشكل طبيعي قبل بدء الحرب، والآن ننتظر أن تنتهي، ونعود إلى منازلنا وحياتنا وحتّى المستشفى الذي كنت فيه فقط».

وعن شعوره بالخوف في أثناء التنقل، قال: «بالطبع لدي مخاوف، خصوصاً أن لا شيء يردع إسرائيل؛ إذ إنها تقتل بلا رحمة وتدمر المقدسات، وبالتالي يسهل عليها قصفنا، ونحن على الطرقات وحتّى على أسرّة المستشفيات».

متطوعون يعدون وجبات الطعام للنازحين إلى مراكز إيواء مؤقتة في بعلبك بشرق لبنان (أ.ف.ب)

أمراض أخرى أيضاً

تقصد عبير، النازحة من بلدتها في بنت جبيل إلى الفوار، قضاء زغرتا، أحد المستوصفات التي تقدم خدماتها للنازحين، لتحصل على الأدوية الضرورية التي تحتاج إليها وعائلتها؛ كالسكري والضغط والغدة والقلب.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نزحنا إلى هنا، قبل نحو شهرين، قصدت المركز مرتين، وفي المرتين حصلت على ما يحتاج إليه والديّ، فهما يعانيان من أمراض مزمنة، ويحتاجان للدواء باستمرار، أو بالأحرى عند بداية كل شهر».

وتضيف: «يتوفر في المركز أيضاً أطباء باختصاصات مختلفة، وجميع هذه الخدمات كانت مجانية»، لافتة إلى أن الأدوية التي حصلت عليها كانت بديلاً متوفراً في المركز، وأن بعض الأدوية لم تتمكن من الحصول عليها في الزيارة الأولى، بسبب ازدياد طلب النازحين كما أخبروها.

وخصصت الوزارة الخط الساخن رقم 1787 للرد على أسئلة النازحين واستفساراتهم، وقد فاق عددهم أكثر من 1.5 مليون شخص أخرجوا من منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان.