واصل الجيش الإسرائيلي قصف مناطق عدة في قطاع غزة، الأربعاء، مع استمرار القتال في الشمال خصوصاً، بينما فرّ آلاف الفلسطينيين من الجنوب إثر أمر بالإخلاء يثير مخاوف من عملية جديدة واسعة النطاق في المنطقة تعمّق الأزمة الإنسانية الحادة، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».
وبعد أن أعلن في نهاية يونيو (حزيران) أن المرحلة «الكثيفة» من الحرب اقتربت من نهايتها، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إن الحرب لن تنتهي إلا بعد تحقيق أهدافها، بما في ذلك «القضاء على حركة (حماس)، واستعادة جميع الرهائن» الذين خُطفوا خلال هجوم الحركة قبل تسعة أشهر على إسرائيل.
وأقرّ رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال هيرتسي هاليفي بأن الجيش يخوض حرباً «طويلة الأمد».
وفي جنوب القطاع، تتواصل حركة النزوح، منذ أول من أمس، من المناطق الشرقية في رفح وخان يونس، مع فرار العائلات بحثاً عن ملجأ بين الأنقاض والدمار، وفي ظلّ شحّ الماء ونقص الغذاء مع استمرار القصف والمعارك.
وفي درجات حرارة خانقة، فرّ النازحون سيراً، أو تكدّسوا في عربات وسط أنقاض خان يونس، أكبر مدينة في جنوب قطاع غزة، التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي في بداية أبريل (نيسان)، مخلّفاً دماراً هائلاً.
وتقدّر الأمم المتحدة أن نحو 250 ألف شخص كانوا في المنطقة التي أمر الجيش بإخلائها بعد إطلاق صواريخ منها باتجاه إسرائيل، وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إن الأمر الذي يشمل منطقة مساحتها 117 كيلومتراً مربعة، أي ثلث قطاع غزة، هو «الأشمل منذ أكتوبر (تشرين الأول)، عندما صدرت أوامر لسكان شمال غزة بالإخلاء»، في الأيام الأولى من الحرب.
«لا طعام ولا ماء»
وقال عبد الله محارب، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 25 عاماً، إنها ليست المرة الأولى التي يُضطرون فيها للرحيل. وروى كيف انتقلوا من مكان إلى آخر، عندما استهدفت القوات الإسرائيلية خان يونس في ديسمبر (كانون الأول)، وبعد انسحاب الجيش عاد، رغم الدمار، مع عائلته إلى منزلهم، وها هم يغادرونه مرة أخرى، دون أن يعرفوا إلى أين يذهبون.
وأضاف محارب: «نمنا في الشارع بلا مأوى، بلا طعام وبلا ماء، والقصف والغارات من حولنا».
في هذه الأثناء، أعلنت «منظمة الصحة العالمية»، اليوم، أن جميع المرضى تقريباً في مستشفى غزة الأوروبي، والمستشفى الميداني للصليب الأحمر، غادروا بعد أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي.
وأضافت المنظمة أن 270 مريضاً قرّروا المغادرة، أول من أمس، مع الطواقم الطبية.
ولم تفصح إسرائيل عمّا إذا كانت بصدد تنفيذ عملية واسعة أخرى في جنوب غزة، لكن أوامر الإخلاء التي تُصدرها تكون عادة مقدمة لحملة عنيفة.
وبدأ الجيش عملية برية في 7 مايو (أيار) في مدينة رفح الحدودية مع مصر، التي كانت تضمّ مئات الآلاف من السكان والنازحين، الذين اضطروا بمعظمهم للفرار.
وبعد أن ساد الاعتقاد أن معركة رفح ستكون المرحلة الأخيرة من الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحركة «حماس»، استؤنفت في الأسابيع الأخيرة المعارك في مناطق عدة كان الجيش قد قال إنه سيطر عليها، لا سيما في الشمال، حيث بدأ عملية برية في 27 يونيو في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وتسبّب القصف والقتال بنزوح ما بين 60 ألفاً و80 ألف شخص من المنطقة، وفق الأمم المتحدة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم، أنه يواصل عملياته في الشجاعية، مشيراً إلى القضاء على عدد من «الإرهابيين»، وتدمير بنى تحتية لهم. وأضاف أن عملياته مستمرة أيضاً في رفح، وفي وسط قطاع غزة.
وقال مراسل الوكالة إن القصف المدفعي والغارات استهدفت مناطق عدة في مدينة غزة، الأربعاء، بما في ذلك الشجاعية، حيث أفاد مصدر من «حماس» بخوض قتال بري.
وعُثر على 7 قتلى تحت أنقاض منزل تعرّض للقصف في شمال المدينة، بحسب الدفاع المدني في قطاع غزة.
وأفاد شهود بأن القصف المدفعي استهدف وسط قطاع غزة، بما في ذلك مخيم النصيرات للاجئين. وفي الجنوب، استهدف القصف وسط وغرب مدينة رفح، بحسب المكتب الإعلامي لحماس.
«هاوية»
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر بعد هجوم «حماس» غير المسبوق على جنوب إسرائيل، الذي أسفر عن مقتل 1195 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وفقاً لتعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى مصادر إسرائيلية رسمية.
ومن بين 251 شخصاً خُطفوا خلال الهجوم، ما زال 116 محتجزين رهائن في غزة، من بينهم 42 لقوا حتفهم، بحسب الجيش.
وعلى إثر ذلك، تعهّد نتنياهو بالقضاء على «حماس»، التي تولّت السلطة في غزة عام 2007، وتعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل «إرهابية».
وأدى الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة حتى الآن إلى مقتل 37953 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وفقاً لبيانات وزارة الصحة التابعة لحكومة «حماس».
وتسبّبت الحرب بكارثة إنسانية في القطاع المحاصَر، والمعزول عن العالم، حيث يعاني سكانه، وعددهم 2,4 مليون نسمة، من الجوع الحاد، مع نقص المياه والغذاء جرّاء شح المساعدات، بينما اضطر 1.9 مليون، يشكّلون 80 في المائة من السكان، إلى النزوح، وفق الأمم المتحدة.
وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في قطاع غزة سيغريد كاغ، أمس، إن «المدنيين الفلسطينيين في غزة غارقون في هاوية من المعاناة».