عبر طلاب من قطاع غزة عن يأسهم مع مرور أيام امتحانات الثانوية العامة، السنة الدراسية المؤهلة للدخول للجامعات، في خضم الحرب التي لا يلوح في الأفق بادرة لوقف رحاها.
كريم المصري، كان من المفترض أن يبدأ امتحاناته النهائية مطلع هذا الأسبوع في غزة، وبدلاً من ذلك أمضى صباحه في ملء أكياس المياه لتجميدها وتحويلها إلى ثلج، ومن ثم بيعها لإعالة أسرته.
ويقول المصري (18 عاماً) الذي لم يتمكن من أداء امتحانات الثانوية العامة لصحيفة «نيويورك تايمز»: «كان ينبغي عليّ أن أدرس وأستعد لامتحاناتي النهائية. ولكن بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على الحرب، أقضي أيامي في العمل لإعالة أسرتي حتى تتمكن من التكيف مع الحرب».
وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا): «كان من المقرر أن يبدأ السبت نحو 89 ألفاً من طلبة فلسطين امتحان الثانوية العامة في دورته الأولى للعام الدراسي 2023/24، إلا أن نسبة من سيتقدمون لاجتياز الاختبارات تصل إلى نحو 56 في المائة فقط». وأضافت وزارة التعليم الفلسطينية أن الحرب في غزة «حرمت 39 ألف طالب وطالبة من التقدم لامتحانات التوجيهي (الثانوية العامة)».
ونقلت «وفا» عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية «ارتقاء 430 من طلبة الثانوية العامة شهداء في قطاع غزة، في حين استُشهد في الضفة الغربية 20 آخرون، خلال العام الدراسي الذي انطلق في شهر أغسطس (آب) المنصرم».
طلاب تحت الحصار
ويقول براء الفرا الطالب البالغ 18 عاماً والنازح من خان يونس في جنوب قطاع غزة: «كنت أنتظر الامتحانات بفارغ الصبر، لكن الحرب منعت ذلك ودمرت هذه الفرحة». وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «في البداية كنا ننتظر على أمل انتهاء الحرب»، لكننا «لا نعرف إلى متى ستستمر أو كم سنة ستحرمنا من حياتنا التعليمية».
وأعرب الفرا عن رغبته بالخروج من المنطقة لتحقيق أحلامه. وقال: «أتمنى أن يتم فتح المعبر حتى أتمكن من السفر لإكمال دراستي وعدم تضييع سنوات عمري؛ لأنني ما زلت صغير السن وأريد تحقيق طموحاتي». لكن في الوقت الحالي، ليس أمام الفرا سوى مواجهة الحقائق القاسية للحياة تحت الحصار. وأضاف: «أتمنى لو أختبر الآن تعب السهر والدراسة لوقت متأخر وليس تعب الوقوف في طوابير للحصول على مياه حلوة ومالحة» في المنطقة التي تندر فيها المياه النظيفة، مثل العديد من الضروريات الأخرى.
تدمير المرافق التعليمية... أو ملاجئ للنازحين
ودمرت الحرب نظام التعليم في غزة، الذي كان يعاني بالفعل بعد عدة حروب وتصعيدات منذ عام 2008، مع إغلاق المدارس منذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد ما يزيد قليلاً عن شهر من بدء العام الدراسي.
ووفقاً لوزارة التعليم في قطاع غزة، أصبح 85 في المائة من المرافق التعليمية في القطاع خارج الخدمة. وقد تم تحويل الكثير من المدارس في غزة إلى ملاجئ للنازحين، في حين تعرض البعض الآخر لأضرار بسبب القصف.
وقدرت «مجموعة التعليم» المدعومة من الأمم المتحدة في تقرير لها هذا الشهر، أن أكثر من 75 في المائة من مدارس غزة تحتاج إلى إعادة بناء كاملة أو إعادة تأهيل كبيرة لفتحها مجدداً، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
«كتب وليس قنابل»
وفي هذا الصدد، قالت ليليان نهاد البالغة 18 عاماً والنازحة من مدينة غزة في شمال القطاع إلى خان يونس، إنها مع زملائها الطلاب «انتظرنا 12 عاماً لإجراء هذه الامتحانات والنجاح والشعور بالسعادة ودخول الجامعة (...) ولكننا حُرمنا من كل هذا بهذه الحرب اللعينة». وأضافت نهاد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنها كانت تتمنى دراسة اللغة الإنجليزية والحصول على الدكتوراه، «لكن كل ذلك تبخر».
وتعبيراً عن الغضب حيال هذا الوضع، نظّم عشرات الطلاب والمعلمين وقفة احتجاجية في حي الرمال بمدينة غزة السبت. وهتف المحتجون: «نطالب بحقنا في أداء امتحانات الثانوية العامة»، و«نريد كتباً وليس قنابل»، في حين تم وضع كراسة فارغة ترمز للطلاب الذين فقدوا حياتهم خلال الحرب.
وفشل الوساطات في وضع حد للحرب ترك شباب غزة في حالة من عدم اليقين بشأن مستقبلهم. وتقول سلاف موسى البالغة 18 عاماً من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة الذي تعرض لغارة جوية دامية السبت، إنها كانت تأمل في دراسة الطب. وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الآن نأمل أن ننجو بحياتنا من هذه الحرب ولا نخسر أكثر مما فقدناه حتى الآن».
جامعات مدمرة
وتعرضت جميع جامعات غزة الـ12 لأضرار جسيمة أو دُمرت بسبب القتال، وفقاً للأمم المتحدة.
وقال المصري إنه كان يحلم بدراسة تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الإسلامية بغزة أو الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وكلتاهما دمرها القصف الإسرائيلي.
وبدلاً من أن يعلق آماله على العودة إلى المدرسة والتخرج، قال إن الحرب غيرت أولوياته، ويركز الآن على العمل لمواصلة دعم أسرته. أثناء بيع الثلج في مدينته دير البلح في وسط غزة، قال المصري إنه غالباً ما كان يمر أمام مدرسته، حيث «تحولت الفصول الدراسية إلى ملاجئ»، وعندما يلقي نظرة خاطفة على الداخل، «يمتلئ بالعذاب».
وفي سياق متصل، تقول إسلام النجار (18 عاماً)، والتي كان من المفترض أن تؤدي أول امتحان نهائي لها يوم السبت، إن مدرستها في دير البلح، التي فر إليها العديد من سكان غزة بسبب الهجوم الإسرائيلي على رفح، قد تحولت أيضاً إلى ملجأ.
وتابعت النجار لصحيفة «نيويورك تايمز»: «لا أستطيع أن أتخيل العودة لرؤية مدرستي، المكان الذي نتعلم فيه، وقد تحولت إلى مأوى مليء بالنازحين الذين يعيشون في ظروف بائسة». وقالت: «عندما نعود، لن نرى نفس الوجوه»، في إشارة إلى زميلتها في الصف ومدرسيها ومديرتها الذين قُتلوا خلال الحرب.
ولا تزال النجار متفائلة بإمكانية العودة إلى المدرسة والتخرج. وعلى الرغم من «العقبات الكثيرة التي تعترض كل ما تريد تحقيقه في غزة»، قالت إنها تحلم بالدراسة في الخارج، ووضعت نصب أعينها جامعة هارفارد أو جامعة أكسفورد لدراسة إدارة الأعمال.
وتتابع النجار، وهي الأكبر في عائلتها، والتي كانت تخطط لاحتفالات تخرجها قبل بدء الحرب: «كنت متحمسة للغاية للسنة الأخيرة من دراستي ولبدء فصل جديد. لكن بالطبع الحرب أوقفت كل شيء».
وتنهي النجار حديثها للصحيفة بسؤال بلا إجابة: «لماذا يتزامن ربيع حياتنا مع سقوط بلادنا؟ هل ذنبنا أننا تجرأنا على الحلم؟».
«الأونروا»: حرمان الطلاب من الامتحانات أمر مروع
ومن جهتها، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الأحد، إن «حرمان 39 ألف طالب بالثانوية العامة في قطاع غزة من الامتحانات، وأكثر من نصف مليون طفل من التعليم على مدار 8 أشهر، أمر مروع ومحزن».
جاء ذلك في تصريح صحافي لمدير التخطيط بـ«الأونروا»، سام روز، بثته «الأونروا» على حسابها عبر منصة «إكس»، وأضاف روز أن «حرمان 39 ألف طالب بالثانوية العامة في قطاع غزة من الامتحانات يضيف طبقة أخرى إلى حزننا».
كما سلط الضوء على أن «أكثر من نصف مليون طفل بالقطاع محرومون من التعليم على مدار 8 أشهر». وتابع المسؤول الأممي: «من المروع أن هؤلاء الأطفال، علاوة على كل شيء آخر، محرومون من فرصة التعلم».
طلاب يمتحنون في مصر
سيكون بإمكان الطلاب في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل إجراء الامتحانات، وكذلك سكان غزة الذين تمكنوا من الفرار إلى مصر. لكن حتى بالنسبة لهؤلاء، فقد كان تأثير الحرب هداماً.
وبدأ عدد من طلاب الثانوية العامة الفلسطينيين السبت إجراء امتحاناتهم في العاصمة المصرية، وعلى جدار مدرسة تحمل اسم «تحيا مصر» في حي المقطم في وسط القاهرة، تم تعليق لافتة حملت شعار سفارة فلسطين لدى مصر وكُتب عليها: «امتحان الثانوية العامة الفلسطينية».
وقال الطالب الفلسطيني محمد أسامة الذي وفد إلى مصر من مدينة رفح الفلسطينية في مارس (آذار)، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» بعدما أنهى اختباره: «اليوم (السبت) أدينا امتحان التربية الإسلامية». وتابع: «(الحالة) النفسية متعبة ونحن لم نستعد بشكل جيد».
وقال المسؤول في وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية عاهد عباس لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أدى الامتحان اليوم (السبت) 802 من الطلاب المسجلين وعددهم 1095 طالباً»، موضحاً: «نحن نقوم بعملية التجهيز التامة للامتحانات من إعداد لأرقام جلوس الطلاب إلى تسليمها إليهم».