الرصاص الطائش يحصد أرواح العراقيين في «الأفراح والأحزان»

أفراد يتمسكون بسلاحهم لـ«الحماية»... وأطراف تدخر «الثقيل والمتوسط» لتصفية الحسابات

الرصاص الطائش يحصد أرواح مدنيين كثر في العراق دون رادع حقيقي (أ.ف.ب)
الرصاص الطائش يحصد أرواح مدنيين كثر في العراق دون رادع حقيقي (أ.ف.ب)
TT

الرصاص الطائش يحصد أرواح العراقيين في «الأفراح والأحزان»

الرصاص الطائش يحصد أرواح مدنيين كثر في العراق دون رادع حقيقي (أ.ف.ب)
الرصاص الطائش يحصد أرواح مدنيين كثر في العراق دون رادع حقيقي (أ.ف.ب)

يحصد «الرصاص الطائش» أرواح مدنيين في العراق رغم محاولات السلطات الأمنية حصر السلاح المنفلت عبر برنامج حكومي لشرائه من الأفراد والعشائر.

وسلّط تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية الضوء على ضحايا إطلاق نار عشوائي، بينهم أطفال وشباب أصيبوا بالشلل الرباعي أو أنهم فقدوا حياتهم.

ومن بينهم الطفل محمد أكرم ابن الأربعة أعوام الذي اخترقت رصاصة طائشة سقف منزله واستقرت داخل رأسه مهددة بإصابته بشلل رباعي، في مشهد كثيراً ما يتكرر في العراق، حيث ينتشر السلاح المتفلت.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رندة أحمد (30 عاماً) بينما يجلس ابنها بين أحضانها: «كان محمد في غرفة المعيشة حين سمعنا فجأة صوت ضربة»، مضيفة: «جاءت طلقة نارية مباشرة برأسه» في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

رصاصة طائشة كلفت الطفل محمد أكرم شللاً رباعياً وآثار صرع (أ.ف.ب)

رصاص في الأفراح والأحزان

في المناسبات السعيدة كما في الخلافات حتى البسيطة منها، يُطلق الرصاص عشوائياً في العراق، حيث يُعدّ حمل السلاح ظاهرة شائعة في بلد لا يزال يعاني مخلّفات حروب ونزاعات استمرت لعقود. عن مصدر الرصاصة، تقول رندة أحمد: «لا نعرف، إنها رصاصة طائشة”.

وتضيف الأم في منزلها ذي السقف المعدني في الرضوانية غرب بغداد: «حدث له نزف فنقلناه للمستشفى وبقي خمسة أيام تحت المراقبة». وتتابع: «قال الأطباء إن حالته حرجة وخطرة وهناك احتمال أن يُصاب بالصرع»، موضحة: «إذا تحركت الرصاصة ستؤدي لإصابته بشلل رباعي».

وبسبب صعوبة العملية، نصح الأطباء بعدم إجرائها لسحب الرصاصة. بذلك، أصبح اللعب فعلاً ماضياً بالنسبة لمحمد، إذ بدأ يشعر بإرهاق سريع ويعاني من صداع شديد بشكل متكرر. ونهشت أعمال العنف العراق الذي يسكنه نحو 43 مليون نسمة، خلال الحروب والغزو الأميركي عام 2003 وعنف طائفي ومعارك لطرد تنظيم «داعش»، وخلفت مئات الآلاف من القتلى. وانتشرت في تلك الفترات أسلحة خفيفة وثقيلة في العراق، حيث تكثر النزاعات العشائرية وتصفية الحسابات السياسية. ويقول كثيرون إنهم يتمسكون بالسلاح لغرض «الحماية».

صورة أرشيفية نشرتها وزارة الدفاع لإحدى عمليات حصر السلاح في البصرة

كم قطعة سلاح في العراق؟

في عام 2017، كان في حوزة المدنيين في العراق نحو 7.6 مليون سلاح ناري من مسدسات وبنادق، بحسب مسح أجرته منظمة «سمول آرمز سورفي» التي تتعقّب انتشار الأسلحة في أنحاء العالم. ويقول المستشار لدى المنظمة آرون كارب: «يُتوقع أن تكون الأرقام اليوم أعلى بكثير»، ويقدر أن تكون الزيادة «3 إلى 5 في المائة سنوياً» منذ 2017. وبينما كان سعد عباس (59 عاماً) جالساً في حديقة منزله في بلدة اليوسفية جنوب غربي بغداد يستعدّ لصلاة الجمعة في نوفمبر (تشرين الثاني)، شعر بصدمة في كتفه.

ويقول: «اعتقدت في بادئ الأمر أن أحداً ضربني بحجر في كتفي، لكن تبيّن فيما بعد أنني أُصبت برصاصة» اخترقت كتفه واستقرت داخل صدره. ويضيف: «سقطت الرصاصة من السماء».

ورغم مرور أشهر عدة، لا يزال الرجل طريح الفراش بعدما نصحه الأطباء بعدم إجراء عملية جراحية خشية مضاعفات محتملة، إذ يعاني من أمراض مزمنة. ويتابع: «لم تعد حركة يدي كما كانت في السابق لا أستطيع رفعها وأصابعي تؤلمني ولا أستطيع حتى رفع الغطاء (عند النوم)».

ويقول بغضب: «عندما يفوز منتخب (كرة القدم)، الكلّ يرمي رصاصاً، وفي الأعراس كذلك!»، متسائلاً: «أين يذهب كل هذا الرصاص؟ هل تسحبه الملائكة؟ كلّا، إنه يسقط على البشر والحيوانات». ففي أواخر أبريل مثلاً، قُتل رجل برصاصة طائشة خلال إطلاق نار احتفالاً بزفافه في الموصل (شمال). ويشدّد عبّاس على ضرورة أن «يُسحب السلاح من كل الجهات ويبقى بأيدي الدولة» فقط.

سعد عباس أحد ضحايا الرصاص الطائش لا يستطيع إجراء عملية جراحية بسبب مضاعفات مرضية (أ.ف.ب)

خطة «الداخلية»

العام الماضي، بدأت السلطات تنفيذ خطة للسيطرة على السلاح المتفلت بافتتاح 697 مركزاً في عموم العراق لتسجيل أو شراء الأسلحة غير الخفيفة من العامة. وخصصت مبلغ مليار دينار (نحو 750 ألف دولار) لكل محافظة وضعف ذلك المبلغ لمحافظة بغداد، وفقاً للمتحدث باسم الخطة العميد زياد القيسي.

وبموجب القانون العراقي، يعاقب بالسجن لسنة واحدة من يملك سلاحاً من دون إجازة. وستتولى السلطات عملاً بالخطة ذاتها «منح إجازة حيازة قطعة سلاح خفيف لكل مواطن يمتلك داراً ولكل ربّ أسرة مستقل، لغرض الحماية»، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري.

ويوضح المتحدث أن انتشار السلاح مرتبط لحدّ كبير «بثقافة المجتمعات العربية»، إذ إن «هناك مَن يعتبر في المناطق العشائرية والريفية أن السلاح جزء من شخصيته». ويشير إلى أن «كمية الأسلحة التي تركها الجيش العراقي في أحداث تحرير البلد (بعد غزو 2003) كانت كبيرة»، وكذلك «أدخلت الجماعات المسلحة بين 2014 و2018 (في إشارة لتنظيم داعش) الكثير من الأسلحة بحكم ضعف إجراءات الضبط على الحدود، فكثرت الأسلحة الواصلة إلى أيدي المواطنين». ويؤكد ميري أن «المشكلة الرئيسية هي في السلاح المتوسط والثقيل» الذي يجب أن يكون بيد الدولة.

وزارة الداخلية العراقية تحاول شراء الأسلحة من الأفراد لكن ترسانة الميليشيات تبقى معطلة كبرى (أ.ف.ب)

ماذا عن سلاح الميليشيات؟

وتعرض السلطات وفق الخطة مبالغ على المدنيين تصل لنحو أربعة آلاف دولار وفقاً لنوع السلاح وحالته. ويرى خبراء أمنيون أن السيطرة على السلاح وحصره في يد الدولة أمر بالغ الصعوبة. ويوضح الخبير أحمد الشريفي: «هناك مواطنون يتمسكون بسلاحهم (...) وهناك سلاح الأجنحة المسلحة للأحزاب والعشائر»، معتبرًا إياه «الأخطر».

ففي مارس (آذار)، قتل ضابط في الاستخبارات خلال تدخلّه لفضّ خلاف عشائري تخلله إطلاق نار في جنوب البلاد. وسبق ذلك بأسابيع قليلة انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مواجهات مسلحة نهاراً داخل سوق مزدحمة في شرق بغداد سببها خلاف بين أقارب أدى لمقتل شخص واحد على الأقل.

وفي أبريل 2023، كان أحمد حسين (30 عاماً) مستلقياً في سريره حين سقط أرضاً وشعر بحرارة برجله ورآها «ملطّخة بالدم»، إثر إصابته برصاصة يعتقد أنها أطلقت خلال حفلة بجوار منزله، قرب بغداد. ويقول: «عطّلني ذلك عن العمل مدة شهر تقريباً».

ويتابع بسخرية: «أصبح حتى عراك بين أطفال أو خلاف على طير أو شراء خروف هذه الأيام يؤدي إلى رمي رصاص». ويضيف: «الأمر مخزٍ جداً، خصوصاً أن الكثير ممن يصيبهم الرصاص أبرياء يسيرون في الشارع».


مقالات ذات صلة

السعودية والعراق يعززان التعاون العسكري

الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله ثابت العباسي وزير الدفاع العراقي في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)

السعودية والعراق يعززان التعاون العسكري

أبرمت السعودية والعراق، الاثنين، مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري، وذلك خلال استقبال الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، نظيره العراقي ثابت العباسي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي وزير الداخلية الإيراني إسكندر مؤمني يترأس اجتماعاً مشتركاً مع نظيره العراقي عبد الأمير الشمري في طهران اليوم (تسنيم)

وزير الداخلية العراقي بطهران في مهمة «غامضة»

وصل وزير الداخلية العراقي إلى طهران، وسط تكهنات بأنه يحمل رسالة خاصة، لبحث «عدم زج العراق في الصراع الإسرائيلي مع غزة ولبنان»، وفقاً لمصادر مطلعة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة نشرها مكتب السيستاني من استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدى العراق العماني محمد الحسان (أ.ف.ب)

السيستاني يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة ورفض التدخلات الخارجية

حدد المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، 7 عوامل لتحقيق «استقرار العراق»، خلال لقائه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
العالم العربي السيستاني خلال استقبله اليوم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه (واع)

السيستاني: يجب منع التدخلات الخارجية في العراق وحصر السلاح بيد الدولة

قال المرجع الشيعي بالعراق علي السيستاني، اليوم الاثنين، إنه يجب منع التدخلات الخارجية بمختلف صورها وحصر السلاح في يد الدولة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «كتائب حزب الله» العراقية سبق أن هددت بزيادة هجماتها مع قرب الانتخابات الأميركية (إكس)

قلق عراقي بعد تحديد إسرائيل «بنك أهداف»

تسود حالة من القلق في الأوساط الرسمية والشعبية العراقية بشأن طبيعة «بنك الأهداف» الذي أفادت تقارير إسرائيلية بأن تل أبيب حددته رداً على هجمات الفصائل المسلحة.

حمزة مصطفى (بغداد)

مقتل 4 فلسطينيين في عمليتين عسكريتين بشمال الضفة الغربية

جرافة عسكرية إسرائيلية ومركبات تعمل أثناء غارة إسرائيلية على مخيم الفارعة للاجئين بالقرب من مدينة طوباس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
جرافة عسكرية إسرائيلية ومركبات تعمل أثناء غارة إسرائيلية على مخيم الفارعة للاجئين بالقرب من مدينة طوباس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
TT

مقتل 4 فلسطينيين في عمليتين عسكريتين بشمال الضفة الغربية

جرافة عسكرية إسرائيلية ومركبات تعمل أثناء غارة إسرائيلية على مخيم الفارعة للاجئين بالقرب من مدينة طوباس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
جرافة عسكرية إسرائيلية ومركبات تعمل أثناء غارة إسرائيلية على مخيم الفارعة للاجئين بالقرب من مدينة طوباس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

قُتل فجر اليوم (الثلاثاء) 4 فلسطينيين بقصف طائرات مُسيَّرة إسرائيلية، خلال عمليتين عسكريتين شمال الضفة الغربية، حسبما أفادت عدة مصادر فلسطينية «وكالة الصحافة الفرنسية». وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان عن «شهيدين بقصف الاحتلال على قرية الشهداء جنوب جنين».

وقال محافظ جنين كمال أبو الرب لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نفذ جيش الاحتلال هجوماً بطائرة مُسيَّرة على مثلث الشهداء في بلدة قباطية فجر الثلاثاء، ما أدى إلى استشهاد كل من محمد عصعوص (40 عاماً) وقريبه شوقي عصعوص (38 عاماً)».

وتقع قرية قباطية جنوب مدينة جنين ومخيمها، وينفذ فيها الجيش الإسرائيلي بين فينة وأخرى عمليات عسكرية، يقول إنه يستهدف خلالها مجموعات مسلحة فلسطينية. وبالتزامن مع العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن قتيلين في بلدة طمون جنوب محافظة طوباس، شمال الضفة الغربية.

وقال محافظ طوباس والأغوار الشمالية أحمد أسعد، إن «العملية العسكرية الإسرائيلية بدأت بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، وتم خلالها قصف منزل، ما أدى إلى استشهاد هاني بني عودة، وهو من بلدة طمون». وقال أسعد: «هناك شهيد آخر انقسم إلى أشلاء نتيجة القصف»، وقام الجيش بالتحفظ على الجثمان، وهو ما أكدته وزارة الصحة الفلسطينية، وقالت إن هويته «لم تُعرف» بعد. وأشار أسعد إلى أن الجيش الإسرائيلي قام بتجريف عدة طرق داخل مخيم الفارعة القريب من طمون.

من جانبه، أعلن «الهلال الأحمر الفلسطيني» في بيان له، أن طواقمه «انتشلت جثمان الشهيد هاني بني عودة فجر اليوم، من داخل منزل كانت تحاصره قوات الاحتلال». ورداً على استفسارات «وكالة الصحافة الفرنسية» قال الجيش الإسرائيلي إنه يفحص الأمر.

وينفِّذ الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية واسعة في مخيمات شمال الضفة الغربية، في جنين، وطولكرم، ونابلس، وطوباس. وارتفعت وتيرة هذه العمليات عقب الهجوم الذي نفذته حركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.

وبمقتل الأربعة يرتفع عدد الفلسطينيين الذي قتلوا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر إلى ما لا يقل عن 754 فلسطينياً. وقُتل هؤلاء برصاص الجيش الإسرائيلي أو برصاص المستوطنين. وهذه الحصيلة أعدتها «وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى تقارير وزارة الصحة الفلسطينية.

وفي الجانب الإسرائيلي قتل 24 شخصاً على الأقل، في هجمات نفذها فلسطينيون خلال الفترة نفسها، وفقاً لأرقام إسرائيلية رسمية.