قتيلان في جنوب لبنان... وحرب حرائق مستمرة تقضي على مساحات حرجية واسعة

تراجع «جدار الصوت» بعد استخدام «حزب الله» صواريخ الدفاع الجوي

النيران تتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان إثر استهدافها بالقصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
النيران تتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان إثر استهدافها بالقصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

قتيلان في جنوب لبنان... وحرب حرائق مستمرة تقضي على مساحات حرجية واسعة

النيران تتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان إثر استهدافها بالقصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
النيران تتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان إثر استهدافها بالقصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

سقط قتيلان في بلدة عيترون بجنوب لبنان، إثر القصف الإسرائيلي للمنطقة، إذ تتوسّع الحرب بين «حزب الله» وتل أبيب تدريجياً، مع إدخال الطرفين أسلحة جديدة في المواجهة بشكل تكتيكي، مع بقائهما ضمن قواعد الاشتباك وعدم تجاوز الخطوط الحمراء.

وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام» إن «مسيرة إسرائيلية نفذت، بعد ظهر الأربعاء، عدواناً جوياً بصاروخين موجهين، مستهدفة كافيه (وحيد) الكائن ضمن محال تجارية في (محطة وحيد للمحروقات) في بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل»، مشيرة إلى أنها أدت إلى مقتل صاحب المحل علي خليل حمد (37 عاماً من بلدة عيترون)، والشاب مصطفى. ع. عيسى (وهو من منطقة إقليم التفاح)، وعملت فرق الإسعاف على نقل جثمانيهما إلى المستشفى، في حين تسببت الغارة بأضرار كبيرة في المحل والمحطة والمحال والمنازل المجاورة.

حرب الحرائق تقضي على مساحات شاسعة من الأحراج والغابات

وترتكز المواجهة في الأيام الأخيرة على ما يمكن وصفها بـ«حرب الحرائق»، التي تمتد على جانبي الحدود في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.

وبعدما كان الجيش الإسرائيلي قد أشعل، مساء الجمعة، «الحرائق في حرش خلة وردة في أطراف عيتا الشعب، وعمل على تمشيط المنطقة بالقنابل الحارقة، ورشها بالمواد التي تزيد من اشتعال النيران»، وفق ما أفادت به «الوكالة الوطنية للإعلام»، أشارت، صباح السبت، إلى «اندلاع حريق كبير في تخوم موقعي الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل (الكتيبة النيبالية) قبالة مستعمرة المنارة على أطراف بلدة ميس الجبل الشمالية الشرقية، وبمحاذاة الخط الأزرق، وتوجهت فرق الدفاع المدني وآليات تابعة لـ(اليونيفيل) للعمل على إخماد الحريق».

والسبت أيضاً، قصفت «المدفعية الإسرائيلية بالقذائف الفوسفورية الحارقة أطراف بلدة علما الشعب، إذ خلّف القصف حرائق بالأحراج التي امتدت إلى محيط بعض المنازل. وقد أتت النيران على مساحات واسعة من أشجار الزيتون، وفي مرجعيون انفجر عدد من الألغام، بسبب امتداد الحريق بشكل أوسع، مقابل مستعمرة ‫المنارة عند أطراف بلدة ميس الجبل الشمالية الشرقية».

وتستخدم ذخائر الفوسفور الأبيض، وهي مادة قابلة للاشتعال عند احتكاكها بالأكسجين، بهدف تشكيل ستائر دخانية وإضاءة أرض المعركة، لكن هذه الذخيرة متعددة الاستخدامات قد تستعمل كذلك سلاحاً قادراً على أن يُحدث حروقاً قاتلة لدى البشر، وفشلاً في الجهاز التنفسي والأعضاء، وأحياناً الموت.

وقال علي عباس، عنصر إنقاذ في جمعية الرسالة، التابعة لحركة «أمل»، حليفة «حزب الله»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إسرائيل تتعمد قصف المناطق الحرجية بالفوسفور لإشعال الحرائق»، مشيراً إلى أن سيارات الإطفاء التابعة للجمعية وعناصر إنقاذ آخرين يُكافحون لإخماد الحرائق، في وقت تعذّر إرسال مروحيات للمساعدة في عمليات الإخماد، خشية أن يتم استهدافها من الجانب الإسرائيلي.

وفي الأيام الأخيرة، عمد «حزب الله» إلى استخدام السياسة نفسها، إذ سجلت حرائق في مساحات واسعة في حقول وغابات شمال إسرائيل تقدر بأكثر من 22 ألف دونم، وهو ما عكس استياءً واسعاً في صفوف السكان.

وفي هذا الإطار، يتحدث اللواء الركن المتقاعد الدكتور عبد الرحمن شحيتلي، مشيراً إلى أن إسرائيل كانت قد بدأت حرب الحرائق منذ بدء المواجهات في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، عبر استخدامها الفوسفور، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل تعتمد على سياسة إحراق الأخضر واليابس في المناطق الموجودة على الحدود، لجعلها غير قابلة للسكن والحياة عبر تلويث الأرض والمياه وكل مقومات الحياة». مشيراً إلى أن «حزب الله» يرد على ذلك عبر إشعال الحرائق أيضاً.

صواريخ الدفاع الجوي لـ«حزب الله» تحدّ من «جدار الصوت»

ويُسجّل في اليومين الأخيرين تراجعٌ لتحليق الطائرات الإسرائيلية التي كانت تعتمد على «سياسة الترويع»، مع الخرق المستمر لجدار الصوت في مختلف المناطق اللبنانية، وذلك إثر استخدام «حزب الله» للمرة الأولى، مساء الخميس، صواريخ دفاع جوي على «طائرات العدو الحربية التي كانت تعتدي على سمائنا، ‏وخرقت جدار الصوت في محاولة لإرعاب الأطفال، ما أجبرها على التراجع إلى خلف الحدود»، وفق بيان «حزب الله»، وذلك بعد استخدامه في وقت سابق صواريخ مماثلة لإسقاط مسيّرات من نوع «هيرمز».

ويتوقف شحيتلي عند التطور الأخير المتمثل في استخدام «حزب الله» صواريخ «أرض جو» ضد الطائرات، مشيراً إلى أن ذلك تطور كبير في سياق المواجهات بين الطرفين.

وأوضح: «لطالما كان هدف إسرائيل استدراج (حزب الله) لمعرفة إمكاناته في الدفاع الجوي الذي تعده خطاً أحمر بالنسبة إليها، وهو يدخل في كل الاتفاقات التي تعقدها تل أبيب»، مشيراً إلى أن «حزب الله» الذي يحتفظ بسرية أنواع أسلحته، ويكشف عنها تدريجياً، كان قد حد من سيطرة إسرائيل البرية والبحرية في حرب يوليو (تموز) 2006، لكنها لا تزال تسيطر جوياً بشكل كامل،

ومن ثم فإن استخدام الحزب لهذه الصواريخ هو دخول مرحلة جديدة من الحرب. مشيراً إلى أن هذه الصواريخ التي لم يعلن أي من الطرفين عن نوعها لأهمية الموضوع استراتيجياً بالنسبة إليهما، تختلف عن تلك التي سبق أن استخدمها الحزب في استهداف مسيّرات «هيرميس». لكن ورغم هذا التطور، يرى شحيتلي أن المواجهة لا تزال تسير ضمن قواعد الاشتباك، مستبعداً «وقوع حرب واسعة في المدى المنظور». وكان «حزب الله» قد أعلن في 29 أكتوبر عن إسقاط طائرة مسيّرة إسرائيلية بصاروخ أرض جو، من طراز «هيرميس 450»، وأخرى بصاروخ من طراز «هيرميس 900»، في أبريل (نيسان) الماضي.

وفي شهر مايو (أيار)، كشف «حزب الله» للمرة الأولى عن استخدام صاروخ ثقيل جديد يحمل اسم «جهاد مغنية»، واستخدامه طائرة من دون طيار جديدة باسم «شهاب»، لاستهداف نظام القبة الحديدية الإسرائيلي.

ويشير المحلل الجيوسياسي لدى شركة «لو باك» الاستشارية مايكل هورويتز لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى «تصعيد حقيقي خلال الأسابيع الأخيرة»، لافتاً إلى أن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها على شمال إسرائيل «تضاعف ثلاث مرات خلال شهر مايو مقارنة مع يناير (كانون الثاني)».


مقالات ذات صلة

بايدن يدرس تقديم مقترح نهائي لصفقة غزة «خلال أيام»

الولايات المتحدة​ فلسطينيون يسيرون وسط أنقاض مبانٍ دمرها قصف إسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز) play-circle 00:44

بايدن يدرس تقديم مقترح نهائي لصفقة غزة «خلال أيام»

يدرس الرئيس جو بايدن تقديم اقتراح نهائي لإسرائيل وحركة «حماس» لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم ونظيره النيوزيلندي كريستوفر لوكسون في ماليزيا (أ.ف.ب)

ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة

قال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم ونظيره النيوزيلندي كريستوفر لوكسون، اليوم الاثنين، إنهما متّحدان في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار بغزة.

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور)
شؤون إقليمية جانب من الاحتجاجات المطالِبة بإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجَزين بقطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:43

إضراب عام في إسرائيل للمطالبة باتفاق لإطلاق الرهائن

أعلن الاتحاد العام لعمال إسرائيل تنفيذ إضراب عام، اليوم الاثنين؛ سعياً لدفع الحكومة إلى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجَزين في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا محتجون يحملون توابيت بعد انتشال جثث رهائن من قطاع غزة خلال مظاهرة مناهضة للحكومة في تل أبيب (ا.ف.ب)

ماكرون يعبر عن «سخطه» بعد العثور على جثث الرهائن ويدعو لإنهاء حرب غزة

أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء (الأحد)، عن «سخطه» بعد العثور على جثث «الرهائن الستة الذين قتلتهم حماس في غزة»، داعياً إلى «إنهاء الحرب».

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (رويترز)

سموتريتش يدعو النائب العام الإسرائيلي لمنع الإضراب العام غداً

طلب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش من النائب العام تقديم طلب عاجل للمحاكم لمنع الإضراب المقرر غداً الاثنين، الذي يهدف إلى الضغط على حكومة نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

جعجع: «محور الممانعة» يزجّ بلبنان في حرب عبثيّة لا أفق لها

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في احتفال «ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية» (القوات اللبنانية)
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في احتفال «ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية» (القوات اللبنانية)
TT

جعجع: «محور الممانعة» يزجّ بلبنان في حرب عبثيّة لا أفق لها

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في احتفال «ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية» (القوات اللبنانية)
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في احتفال «ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية» (القوات اللبنانية)

أكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن «اليوم التالي للحرب (في غزة وجنوب لبنان) يجب أن يكون يوماً لإعادة النظر في كلّ شيء، ما عدا حدود لبنان ووحدته»، داعياً إلى عقد طاولة حوار وطنيّة بعد انتخاب رئيس للجمهورية تحت عنوان «أيّ لبنان نريد؟».

جاءت مواقف جعجع في كلمة له في احتفال تحت عنوان «الغد لنا» في «ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية»، حيث هاجم «حزب الله» وحلفاءه، قائلاً: «لا يُحاوِلنّ أحد أن يستغلّ القضيّة الفلسطينية لتقوِية مصالحه وتعزيزِها داخل لبنان والإقليم»، معتبراً أن «محور الممانعة يزجّ بلبنان في حرب عبثيّة لا أفق لها، وهي فُرضت على اللبنانيين ويجب أن تتوقّف».

وفيما عدَّ أن «اليوم التالي للحرب يجب أن يكون يوماً لإعادة النظر في كلّ شيء ما عدا حدود لبنان ووحدته»، شدد على أن «الحرب القائمة لا يريدها اللبنانيون، ولم يكن للحكومة رأي فيها. وعلى من تورط في هذه الحرب أن تكون له شجاعة الخروج منها، وهذا يتطلب الالتزام بالقرار 1701 ونشر الجيش اللبناني في الجنوب وحصر قرار السلم والحرب بيد الدولة وحدها. أما إذا أصر (حزب الله) على الاستمرار في الحرب فعليه أن يتحمل وحده العواقب أمام الله والوطن والشعب والتاريخ».

ودعا جعجع الحكومة إلى إيقاف الحرب، قائلاً: «نطلب من الحكومة اللبنانية دعوة (حزب الله) إلى وقف الحرب».

الطريق إلى الرئاسة

وفي الأزمة الرئاسية، انتقد جعجع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري قائلاً: «يجب على رئيس البرلمان أن يفكّر ويتصرّف من موقعه الدستوري المسؤول كرئيس لمجلسِ النواب وليس من موقعه السياسي كطرفٍ وحليف لحزب لديه حسابات أبعد من رئاسة الجمهوريّة وأبعد من لبنان»، مؤكداً «أن الطريق إلى قصر بعبدا لا يمرّ في حارة حريك (الضاحية الجنوبية لبيروت)، والدخول إليه لا يكون من بوابة عين التينة (مقر رئيس البرلمان) ووفق شروطها وحوارها المفتعل، بل يمرّ فقط في ساحة النجمة (البرلمان) ومن خلال صندوق الاقتراع».

وجدد جعجع دعوة المعارضة إلى عقد جلسة انتخاب مفتوحة لانتخاب رئيس، وقال: «انتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يكون الخطوة الأولى حالياً، وألا يكون موضع مساومة، وعلى برّي أن يدعو، وكما نصّ الدستور، إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية حتى التوصّل إلى انتخاب الرئيس».

وتحدث عمن يتكلمون بلغة الأرقام معتبراً أنهم «يقولون علناً أنهم يريدون تغيير الدستور لأن الدستور لا يتكلم لا بلغة العد ولا الأعداد، وإذا كان البعض يريد تغييره لا مانع لنا فلننتخب رئيساً أولاً وندعو بعدها إلى طاولة حوار».

وفيما عدَّ «أننا نعيش في واقع اصطناعي قائم على سيطرة مفترضة من قبل محور الممانعة»، أكد أن «أحداً لن يقبل بأن يعود الوضع في لبنان إلى ما كان عليه قبل الحرب، وأن تستمرّ الدولة في فقدان قرارها وتفكّكها».

وتوجّه جعجع «لمن يقول لنا أصبحتم قليلي العدد» بالقول: «قليلو العدد كثيرو الفعل والإنتاجِ والخدمة العامة والدستور اللبناني غير مبني إطلاقاً على العدّ والأرقام».