«منصة» حقوقية للكشف عن مصير المفقودين في شمال وشرق سوريا

الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية تقدّر وجود 100 ألف مغيّب ومختفٍ قسراً

«رابطة تآزر للضحايا» التي تعمل في شمال شرقي سوريا نظمت منتدىً ثانياً للضحايا بمدينة القامشلي في أكتوبر 2023 ونسقت اللقاءات بين عائلات المفقودين والجمعيات المحلية لتوحيد جهود البحث عن المفقودين (الشرق الأوسط)
«رابطة تآزر للضحايا» التي تعمل في شمال شرقي سوريا نظمت منتدىً ثانياً للضحايا بمدينة القامشلي في أكتوبر 2023 ونسقت اللقاءات بين عائلات المفقودين والجمعيات المحلية لتوحيد جهود البحث عن المفقودين (الشرق الأوسط)
TT

«منصة» حقوقية للكشف عن مصير المفقودين في شمال وشرق سوريا

«رابطة تآزر للضحايا» التي تعمل في شمال شرقي سوريا نظمت منتدىً ثانياً للضحايا بمدينة القامشلي في أكتوبر 2023 ونسقت اللقاءات بين عائلات المفقودين والجمعيات المحلية لتوحيد جهود البحث عن المفقودين (الشرق الأوسط)
«رابطة تآزر للضحايا» التي تعمل في شمال شرقي سوريا نظمت منتدىً ثانياً للضحايا بمدينة القامشلي في أكتوبر 2023 ونسقت اللقاءات بين عائلات المفقودين والجمعيات المحلية لتوحيد جهود البحث عن المفقودين (الشرق الأوسط)

«خرج ولم يعد»؛ عبارة أوجعت عائلات سورية كثيرة فقدت أحبتها. زوجات وآباء وأشقاء المفقودين والمختفين قسراً يتعاملون مع حالات يصعب نسيانها مع الزمان؛ مثل زوجة تبحث عن مصير زوجها المختفي عند فصائل موالية لتركيا منذ سنوات، فيما ينتظر الأب المتحدر من مدينة الرقة معرفة مصير ابنه الوحيد المختطف لدى عناصر تنظيم «داعش» منذ 10 سنوات.

وبعد مرور نحو عام على تأسيس «المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا» التابعة لمنظمة الأمم المتحدة؛ أطلق نشطاء و«رابطة تآزر للضحايا» حديثاً «منصّة أُسر المفقودين في شمال وشرق سوريا»، وتعدّ أول منصة حقوقية ذات اختصاص، بغية تنظيم الجهود وتبادل المعلومات وإطلاق حملات لمعرفة مصير المفقودين والمغيبين قسراً. ويسعى القائمون عليها إلى تكثيف الدعوات للكشف عن مصير آلاف المفقودين لدى جميع أطراف النزاع في سوريا.

حصيلة المخفيين قسراً لدى أطراف النزاع في سوريا منذ بداية الحرب (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)

يقول الناشط الحقوقي، عباس علي موسى، منسق «منصّة أُسر المفقودين» في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فكرة المنصة تبلورت نهاية العام الماضي بعد تنظيم «رابطة تآزر للضحايا» منتدى ومجموعة أنشطة ولقاءات مباشرة؛ مع أسر وعائلات الضحايا في مدينتي الحسكة والقامشلي، و«أفضت النقاشات لتشكيل إطار غير رسمي يمثّل وجهة نظر الأهالي، بغية تكثيف الجهود واستثمار الزخم الدولي في قضية المفقودين»، بالتزامن مع إعلان الأمم المتحدة تشكيل «المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين» في سوريا.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات دولية ومحلية إنسانية؛ فإن عدد المفقودين في سوريا منذ بداية الحرب في 2011 يفوق 100 ألف شخص، ومن المرجح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير.

صالحة؛ النازحة في مخيم «واشوكاني» الذي يقع شمال غربي محافظة الحسكة، تروي قصة زوجها المفقود منذ 5 سنوات على يد الفصائل السورية الموالية لتركيا.

فبعد سيطرة فصائل عسكرية؛ في إطار عملية «نبع السلام» التابعة لتركيا، على قريتهم «مبروكة»، بريف مدينة رأس العين، سنة 2019، تمكنت من الوصول برفقة أبنائها الأربعة إلى منطقة آمنة وهربوا آنذاك إلى المخيم، ليبقي زوجها وأحد أقربائه في مدينة رأس العين، ولا يزال مختفياً منذ ذلك الوقت.

قالت صالحة بحسرة لـ«الشرق الأوسط»:: «كنا جميعاً في القرية عندما هاجمت الفصائل المسلحة قريتنا. سارعنا بالخروج إلا زوجي وأحد أبناء عمومته، كانا ليلتها في رأس العين، خرج ولم يعد، وحتى اليوم لا أعرف مصيره (إذا كان عايش أو ميت)».

ولم تستطع هذه النازحة البالغة من العمر 40 عاماً أن تحبس قهرها؛ فانهمرت دموعها وأخبرت أن جميع محاولاتها في البحث عن زوجها باءت بالفشل، ليدرج ضمن قائمة المفقودين والمختفين قسراً، ولم يتبق لها سوى مجموعة صور محفوظة على ذاكرة هاتفها الجوال، وعبرت عن حزنها العميق قائلة: «مرارة العيش تحت هذه الخيمة وعدم معرفة شيء عن زوجي يضاعفان معاناتي. أولادي كبروا ويسألون عن والدهم، ولا يوجد لديّ أي جواب».

عز الدين صالح المدير التنفيذي لـ«رابطة تآزر للضحايا»... (الشرق الأوسط)

واتسم الصراع بين الأطراف العسكرية في سوريا بممارسات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، مثل الشاب عيسى، الذي غيبه عناصر «داعش» الإرهابي قبل 10 سنوات... يقول والده، ويدعى خلف (62 عاماً)، المتحدر من مدينة الرقة شمال سوريا، إنه لا يزال يبحث عن ولده الوحيد عيسى على الرغم من انتهاء معركة الباغوز عام 2019 والقضاء على آخر جيب لسيطرة «داعش» العسكرية والجغرافية، لكنه يتمسك بالأمل وقرب عودة ولده لمنزل العائلة. وقال: «بعد تشكيل لجنة لاستجلاء المفقودين بسوريا تابعة للأمم المتحدة، تجدد الأمل عندي؛ لأني إذا فقدت الأمل فسأفقد ابني».

قصة خلف واحدة من آلاف القصص المماثلة التي يناضل أصحابها طويلاً في سبيل الوصول إلى مجرد معلومة عن أحبائهم، وخلال حديثه ارتسمت علامات الحزن ليضيف: «ننتظر أنا ووالدته وبقية عائلتنا معرفة مصير عيسى وغيره من المختفين قسراً. حقيقةً أشعر بأن (روحه تحوم فوقنا ولم تفارقنا ولا لحظة)».

وتضم «منصّة أُسر المفقودين» نحو 500 عضو، وهم أسر المفقودين والمختفين قسراً لدى أطراف النزاع في عموم سوريا، وتتبنى نهجاً شاملاً لدعم قضية المفقودين ورؤية قضيهم بوصفها ذات بعد إنساني بعيداً عن التجاذبات السياسية والصراعات الفصائلية بين الأطراف العسكرية المتحاربة منذ سنوات.

مخيم «واشوكاني» بمدينة الحسكة خاص بالنازحين الفارين من مناطق العمليات التركية شمال سوريا (الشرق الأوسط)

ويحمل الناشط عباس موسى مختلف الأطراف الفاعلة في سوريا والمسيطرة على الأرض مسؤولية التورط في عمليات الإخفاء القسري والفقدان. ويقول: «بالتالي؛ فإن المنصة تمثل أصوات أسر المفقودين لدى جميع هؤلاء الأطراف من دون تحيّز؛ بما فيها النظام السوري وتنظيم (داعش) وفصائل المعارضة والجهات الإسلامية و (قوات سوريا الديمقراطية) وكل القوى المسيطرة أو التي كانت تسيطر على أراضٍ سورية».

ويرى عز الدين صالح، وهو المدير التنفيذي لرابطة «تآزر للضحايا» أن معالجة قضية المفقودين والمعتقلين والمخفيين قسراً، في النزاعات طويلة الأمد، مثل النزاع السوري المستمر منذ عام 2011، قد تتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، ليقول: «جميع الأطراف متورطة في ارتكاب الجرائم، وعدم تعاونها مع الأسر والمؤسسات والهيئات التي تعمل من أجل الكشف عن مصيرهم، يزيد من التحديات التي تواجه عملنا وعمل المؤسسات الدولية ذات الصلة».

وأكد أن إنشاء «المؤسسة المستقلة» لإجلاء المفقودين التابعة للأمم المتحدة و«منصّة أُسر المفقودين» وغيرهما من الجهود، ثمرة نضال استمر سنوات قادته منظمة «تآزر» مع أسر وروابط جمعيات الضحايا السوريّة وشركائها من منظمات المجتمع المدني، وختم حديثه قائلاً: «يعكس هذا الدور ضرورة استمرار عائلات المفقودين في قيادة الجهود الهادفة للكشف عن مصير أحبائهم. لا بد من استثمار الزخم الدولي الحالي والإرادة السياسية لدعم جهود تلك الأسر السورية».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، الأحد، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة.

من جانبها، لم تصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مختزل أعلنت فيه عن اللقاء دون تفاصيل.

وكانت تقارير إعلامية محلية قد أفادت في وقت سابق بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف اللجنة الدستورية اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، المقربة من الحكومة، عن مصادر قولها إن بيدرسن «بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها، وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف».

وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات، ولم يتم التوافق على مكان آخر. وحسب صحيفة «الوطن»، يجري بيدرسن مباحثات مع المسؤولين السوريين في دمشق التي وصلها يوم الأربعاء، حول إمكانية استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، صرّح في وقت سابق لوكالة «تاس» الروسية بأن جنيف هي المكان الوحيد المرفوض من قبل الجانب الروسي، لافتاً إلى قبول موسكو بأي من الأماكن الأخرى المقترحة. وفيما يتعلق بمقترح عقد الاجتماع في بغداد، قال لافرنتيف إن المعارضة السورية رفضت هذا الاقتراح باعتبار بغداد مكاناً غير محايد لها؛ لأن الحكومة العراقية داعمة لدمشق. وأضاف: «لا تزال المعارضة تصر على رفض هذا الخيار، رغم أنه لا يمكن أن يؤثر على سير المفاوضات الدستورية». وحسب المسؤول الروسي، فقد أكدت موسكو لبيدرسن ضرورة مواصلة الجهود لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، كما دعته لبذل الجهود بدلاً من الدعوة إلى ممارسة النفوذ على هذا الجانب أو ذاك.

ومنذ بدء النزاع في سوريا، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافاً إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع المواجهة المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع «حزب الله» في لبنان المجاور. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 105 أشخاص، معظمهم مقاتلون موالون لإيران، في حصيلة جديدة لغارات إسرائيلية استهدفت، الأربعاء، 3 مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، ضمّ أحدها اجتماعاً «لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة (النجباء) العراقية و(حزب الله) اللبناني». وكان المرصد أحصى مقتل 92 شخصاً في حصيلة سابقة لهذه الغارات. ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول في الفترة الأخيرة إنها تعمل على منع «حزب الله» من «نقل وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.