تتزايد وتيرة الضغوط الإقليمية لدفع إسرائيل لاتخاذ موقف واضح من المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط حديث عن «تقدم بنّاء» بأزمة معبر رفح بين مصر وإسرائيل.
ضغوط يعتبرها دبلوماسي مصري سابق، وخبير استراتيجي وعسكري، «حصاراً وتضييقاً للخناق على تل أبيب لإيقاف أي مناورات تعطل مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن».
وبناء على هذه التقديرات، يرصد المتحدثون «احتمال حدوث انفراجة بالمفاوضات والوصول لاتفاق خلال الأيام المقبلة، شريطة قبول إسرائيلي واضح بالمقترح»، في ظل توافق دولي، وحراك عربي، وضغط أميركي تمثل في طلب دعم مجلس الأمن لإقرار الهدنة.
ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي، تسعى مصر وقطر والولايات المتحدة بصفتهم وسطاء، لإقرار هدنة ثانية، بعد تعثر تمديد الهدنة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) بعد أسبوع من تنفيذها. وفي هذا الإطار، جرت جولات تفاوض بين القاهرة والدوحة وباريس من دون أن تثمر جديداً، كان بينها ورقة مباحثات قبلتها «حماس» ورفضتها إسرائيل باللحظات الأخيرة. قبل أن يطرح بايدن، في خطاب الجمعة، اقتراحاً يستند لمراحل، لإقرار هدنة في غزة، وسط ترحيب مصري وعربي ودولي بهذه المبادرة، وحديث «حماس» عن المقترح «بإيجابية»، وانقسام في إسرائيل بين مؤيد ومعارض.
وفي إطار ضغوط واشنطن لتمرير المقترح، نقلت «سي إن إن عربية» عن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، قولها الثلاثاء: «قدمت واشنطن مشروع قرار أميركياً جديداً لمجلس الأمن يدعم مقترح بايدن لوقف إطلاق النار بغزة مقابل الإفراج عن الرهائن».
مصر أيضاً كشفت الثلاثاء، عبر وزير الخارجية سامح شكري عن ضغوط إقليمية وتوافق دولي للحيلولة دون انهيار صفقة بايدن.
وهناك مساعٍ عربية عديدة في هذا الصدد، مع عدة دول غربية، شملت لقاءات واتصالات وفق ما ذكر الوزير المصري، في مؤتمر صحافي بالقاهرة الثلاثاء مع نظيره القبرصي، مؤكداً أن «هناك توافقاً لدى المجتمع الدولي بأنه حان الوقت لوقف الحرب وتركيز الجهود على ذلك، ولا بد من التجاوب (من الطرفين) بشكل إيجابي ومرن».
وكشف أن الاجتماع الثلاثي بين إسرائيل والولايات المتحدة ومصر، الذي عُقد الأحد، بالقاهرة، تناول أبعاد أزمة معبر رفح، مجدداً تمسكاً مصرياً بانسحاب إسرائيلي من الجانب الفلسطيني من المعبر، والذي سيطرت عليه في 7 مايو (أيار) الماضي.
في الاتجاه ذاته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي الثلاثاء، أن «الدوحة تنتظر موقفاً إسرائيلياً واضحاً» بشأن إتمام الهدنة.
وفي إسرائيل، واصل يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، الثلاثاء، تمسكه بقبول مقترح بايدن، وسط تذبذب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الذهاب للمقترح ذاته، بعدما تحدث عن احتمال قبوله «وقف الحرب 42 يوماً بهدف استعادة المحتجزين دون التنازل عن النصر المطلق». في حين كشف حزب «شاس» الإسرائيلي الثلاثاء، أن هناك «ضغوطاً» على حكومة نتنياهو لقبول الهدنة، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، دون أن توضح طبيعة تلك الضغوط.
وعلى مدار يومي الأحد والاثنين، خرجت بيانات مشتركة، أولها من ثلاثي الوساطة؛ مصر وقطر والولايات المتحدة، يطالب «حماس» وإسرائيل بقبول مقترح بايدن، وتلاه بيان خماسي عربي ضم السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن، يدعم مبادرة الرئيس الأميركي، ويدعو لإقرار الهدنة. في حين كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الاثنين، أن «الولايات المتحدة واثقة بشكل كامل من موافقة إسرائيل على مقترح بايدن»، مؤكداً أنه «تم إجراء مناقشات بنّاءة مع المصريين والإسرائيليين أمس بشأن إعادة فتح معبر رفح».
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يتوقع في حديث مع «الشرق الأوسط»، تحرك الهدنة في «اتجاه إيجابي الأيام المقبلة»، مرجعاً ذلك إلى «أمرين؛ أحدهما تحرك واشنطن بمجلس الأمن لإصدار قرار بشأن خطة بايدن»، واصفاً ذلك «بالتطور الجيد».
والأمر الثاني، وفق الدبلوماسي المصري السابق، «يعود إلى تصريحات نتنياهو الاثنين، التي تحدث فيها عن إمكانية قبول تحرير الرهائن بكل الوسائل، في خطوة قد تمهد لقبول الهدنة في ظل ضغوط إقليمية وعربية».
ويعتقد أن الضغوط الإقليمية والعربية، «يمكن أن تسهم في تعزيز دور الوسطاء، في ظل عزلة دولية تواجه إسرائيل»، متوقعاً «في ضوء تلك العوامل ظهور اتجاه إيجابي الأيام المقبلة بشأن الهدنة».
ويمضي قائلاً: «لن يكون ملف أزمة معبر رفح بين مصر وإسرائيل، بعيداً عن حلول المفاوضات، في ظل الحديث عن تقدم بنّاء في مناقشاته»، معتقداً أن زيارة وفد «حماس» للقاهرة «قد تناقش ضمانات تنفيذ الهدنة».
تفاؤل حذر
الخبير الاستراتيجي، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق بـ«أكاديمية ناصر العسكرية»، اللواء محمد الغباري، يبدي في حديث مع «الشرق الأوسط»، تفاؤلاً حذراً ومشروطاً بشأن الهدنة في ظل استمرار نتنياهو في عدم الاستجابة للضغوط والذهاب لقبول الهدنة.
ويعتقد اللواء محمد الغباري، أن «نتنياهو سيواصل المماطلة والمناورة في وجه مبادرة بايدن، رغم الضغوط الإقليمية والعربية التي تتواصل لوقف الحرب في غزة».
ويرجح أن تستمر مناورة نتنياهو في عدم حسم الرد على مقترح بايدن، من باب «استهلاك الوقت لصالح الحرب، وإرسال رسائل للداخل الإسرائيلي تعزز موقفه الداخلي».
ويستدرك: «لكن الانفراجة ستكون بمزيد من الضغوط على إسرائيل وانسحابها من رفح والجانب الفلسطيني من المعبر الحدودي».