إسرائيل توسّع حربها وتطيل بقاء قواتها في جنين

«الشرق الأوسط» دخلت المدينة ورصدت فصول العملية العسكرية الموسعة

جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)
جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)
TT

إسرائيل توسّع حربها وتطيل بقاء قواتها في جنين

جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)
جرافة إسرائيلية تدمر البنية التحتية لمخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية الثلاثاء (د.ب.أ)

تتواصل في جنين العملية العسكرية الواسعة التي أطلقتها إسرائيل في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء، إذ شرع الجيش بتنفيذ عملية في المدينة ومخيمها شمال الضفة الغربية، جاءت مغايرة عن سابقاتها سواء على صعيد شكلها وحجم القوات المشاركة فيها، أو أمدها الزمني.

الجيش الإسرائيلي دفع في عمليته الممتدة منذ 48 ساعة، بأكثر من ألف جندي وعناصر من الوحدات الخاصة إلى جانب عشرات الآليات العسكرية والجرافات الثقيلة، تزامناً مع إعلان المتحدث باسم الجيش عن البدء بـ«حملة عسكرية لضرب الإرهاب» تستهدف المجموعات الفلسطينية المسلحة والبنية التحتية التابعة لها في المدينة.

حملت الدقائق الأولى للعملية العسكرية فصولاً دامية، إذ شرعت القوات الإسرائيلية الخاصة التي تسللت لشوارع المدينة مع بدء العملية، بإطلاق النار بشكل عشوائي، فقتلت ثمانية فلسطينيين بينهم طبيب ومعلم وطالب، وأصابت آخرين لا تزال إصابات بعضهم حرجة.

حرق إطارات في جنين خلال التوغل الإسرائيلي الأربعاء (رويترز)

في حديث مع «الشرق الأوسط»، قال الطبيب وسام بكر، مدير مستشفى جنين الحكومي، إن اليوم الأول للعملية كان «الأكثر سخونة حيث وصل للمستشفيات ثمانية شهداء وعدد كبير من الإصابات الحرجة غالبيتها في الصدر والرأس»، مشيراً إلى أن الاستهداف طال المستشفى وطواقمه كما اقتربت الآليات العسكرية من محيطه.

ومنذ الثلاثاء، تفرض القوات الإسرائيلية طوقاً محكماً على مخيم جنين والأحياء المحيطة به، بعد أن احتلت عدداً من المنازل ونشرت فرقاً من القناصة فيها، فيما شرعت الجرافات العسكرية بتجريف الشوارع المحيطة وهدم بعض المنازل والمنشآت والبنى التحتية المدنية.

وتدور اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش وعناصر المجموعات الفلسطينية المسلحة التابعة لحركتي «الجهاد الإسلامي» و«حماس»، وكذلك لحركة «فتح»، يتخللها سماع دوي انفجار العبوات الناسفة المحلية الصنع التي طالت الآليات العسكرية الإسرائيلية، فيما لم تفارق طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية الإسرائيلية سماء المدينة.

طائرة درون إسرائيلية في سماء جنين يوم الأربعاء (رويترز)

شوارع جنين... ساحة حرب

وسط مناخات التصعيد والتوتر، أضحت مهمة الدخول لشوارع المدينة مهمة صعبة ومعقدة ومحفوفة بالمخاطر، إذ تحولت لساحة حرب مفتوحة. سارت السيارة من مدخل المدينة الجنوبي ببطء نحو وسطها عبر شوارع خالية إلا من دوي الرصاص والانفجارات، ولا تعبرها إلا بعض سيارات الإسعاف التي تشق طريقها مسرعة عبر سحب الدخان الداكنة المتصاعدة من الإطارات المشتعلة قبالة واجهات الأسواق والمحال التجارية التي أقفلت أبوابها.

بدت مسافة الأمتار الأخيرة قبيل الوصول لمدخل الفندق حيث يقيم الصحافيون، ثقيلة وصعبة، وسط خشية من تحركات الآليات العسكرية التي تجول شوارع المدينة ومحاورها، وكذلك من فرق القناصة التي اعتلت أسطح البنايات المرتفعة وشرعت بإطلاق النار على أي تحرك أمام عدسات بنادقها بما فيها الفرق الطبية والصحافية.

جندي إسرائيلي يصوب بندقيته خلال مداهمة لمخيم جنين بالضفة الغربية الثلاثاء (أ.ف.ب)

فور الوصول للفندق، مضينا عبر المصاعد نحو الطوابق العليا حيث يظهر على الجهة المقابلة أمامها، مخيم جنين. لم تنقطع الاشتباكات داخل أزقته الضيقة وبين بيوته المتراصة في مساحة ضئيلة لا تتجاوز 400 متر مربع، فيما تتصاعد أمامنا أعمدة الدخان التي تخلفها الانفجارات المتلاحقة بين الحين والآخر وتهتز معها جدران البنايات المحيطة بالمنطقة.

المخيم منطقة معزولة

أضحى المخيم منطقة معزولة عن باقي المناطق المحيطة به، تحاصره الآليات العسكرية من كل اتجاه، وتتقدم على بعض مداخله الجرافات العسكرية ملحقة دماراً كبيراً بكل ما يقف أمامها.

حرائق مشتعلة في دوار بمدينة جنين خلال اجتياح عسكري إسرائيلي الثلاثاء (رويترز)

وتنفذ القوات الإسرائيلية منذ 48 ساعة عملية عسكرية لم تتضح حصيلة أهدافها بشكل جلي بعد، كما لم تتكشف أيضاً ما خلفته هذه الحملة المستمرة، مع تواصل حصار المخيم ومنع الأطقم الطبية أو الصحافية من الوصول إليه والاطلاع على حقيقة ما يجري بداخله.

أحد سائقي الإسعاف في المدينة سرد لـ«الشرق الأوسط» جانباً من مشاهداته لواقع الحال بعد دخوله مخيم جنين، إذ قال إن «دماراً كبيراً لحق بالبنى التحتية وببعض البيوت هناك، لا سيما في قلب المخيم»، مضيفاً أن القوات الإسرائيلية شرعت بعمليات تفتيش «من بيت لبيت» داخله.

مسعفون يحملون فلسطينياً أصيب بشظايا اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في مدينة جنين الأربعاء (أ.ب)

أطباء ومسعفون وصحافيون في دائرة الاستهداف

وكانت القوات الإسرائيلية قتلت في اليوم الأول، عدداً من الفلسطينيين، بينهم رئيس قسم الجراحة في مستشفى جنين، دكتور أسيد جبارين، الذي كان في طريقه إلى المستشفى. يقول مدير مستشفى جنين الحكومي، دكتور وسام بكر، إن فقدان الدكتور جبارين «خسارة كبيرة» على المستوى الشخصي له ولزملائه، وكذلك خسارة على الصعيد المهني «لما كان يتمتع به دكتور جبارين من خبرة واسعة راكمها عشرين عاماً خلال عمله في المستشفى، لا سيما في التعاطي مع عمليات الجراحة للإصابات الحرجة التي تصل إلينا... إنها خسارة كبيرة للمرضى وكذلك للأطقم الطبية».

تواجه فرق الدفاع المدني والإسعاف في المدينة تحديات صعبة ومعقدة مع انتشار الآليات العسكرية والجنود في معظم أحياء المدينة، وتقييد حركة الإسعاف والأطقم الطبية أحياناً ومنع تحركاتها في أحيان أخرى. يقول ضابط الإسعاف إن طريق الدخول لمخيم جنين «صعبة للغاية»، وإن محاولات إجراء التنسيقات اللازمة لإخلاء الإصابات والحالات المرضية من المخيم «تواجه في أغلب الأحيان بالرفض» من قبل الجيش، فيما تخضع سيارات الإسعاف لإجراءات تفتيش «مضنية» حال السماح لها بالدخول للمخيم.

وأوضح ضابط الإسعاف، أنه على الرغم من إجراء التنسيقات الضرورية مع الجيش، تعرضت 3 سيارات إسعاف لإطلاق نار مباشر، ما أدى لإصابة إحداها خلال محاولة إخلاء بعض الحالات المرضية من المخيم. ويلفت إلى أن هذه العملية، وبخلاف العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة في المدينة، تبدو «غير واضحة المعالم»، سواء على صعيد ما يجري عسكرياً على الأرض أو على صعيد المدى الزمني للحملة العسكرية.

دخان يتصاعد من الإطارات المحترقة وسط اشتباكات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية في جنين بالضفة الغربية الأربعاء (أ.ف.ب)

صحافي: «أصبت... وتملكني الخوف»

نيران القوات الإسرائيلية طالت أيضاً الفرق الصحافية العاملة على الأرض، إذ أصيب الصحافي عمرو مناصرة بشظايا طلقات في فخذه بعد إطلاق الجيش النار عليه خلال عمله على الأرض. يروى الصحافي المصاب لـ«الشرق الأوسط»، تفاصيل اللحظات «المرعبة» التي عاشها هو وزملاؤه خلال الساعات الأولى للعملية العسكرية، إذ خلال وجوده عند أحد مداخل مخيم جنين مع مجموعة من الصحافيين، أطلقت القوات الإسرائيلية النار باتجاههم.

يوضح عمرو: «خلال محاولتنا عبور أحد الشوارع القريبة نحو المستشفى، بدأ الجيش إطلاق النار بشكل مباشر نحونا ما أدى لإصابتي في الفخذ بشظايا الرصاص الذي تناثر حولي». ويروي كيف سارع زملاؤه لسحب حمّالة من سيارة إسعاف قريبة لإخلائه ونقله للمستشفى وسط مخاوف من استهدافهم مرة أخرى. «تملكني الخوف وأنا ملقى على الحمّالة من أن يعاود الجيش إطلاق النار نحونا».

وتتعرض مدينة جنين ومخيمها منذ أكثر من عامين، لعمليات اجتياح متواصلة أخذت تتصاعد أكثر بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، إذ قتلت إسرائيل في جنين وحدها منذ ذلك الحين، أكثر من 120 فلسطينياً، وهو يمثل العدد الأكبر من إجمالي الضحايا في الضفة الغربية الذي تخطى 513 فلسطينياً.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعزّز قواتها في الضفة لأغراض «تشغيلية ودفاعية»

المشرق العربي عناصر من الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية 11 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

إسرائيل تعزّز قواتها في الضفة لأغراض «تشغيلية ودفاعية»

دفع الجيش الإسرائيلي 3 كتائب احتياط إلى الضفة الغربية استعداداً لتصعيد إقليمي محتمل، بغرض تعزيز الوجود الأمني في الضفة عشية الأعياد اليهودية الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
العالم العربي والدة وائل مشة (أ.ف.ب)

قصة فلسطينيَين أفرجت عنهما إسرائيل وقُتلا بعد أشهر في الضفة الغربية

حمل شبّان وائل مشة على أكتافهم في شمال الضفة الغربية ابتهاجاً بإطلاق سراحه من سجن إسرائيلي. بعد بضعة أشهر، حُمل مجدداً على الأكتاف، لكن نحو المقبرة.

«الشرق الأوسط» (مخيم بلاطة)
المشرق العربي طفل فلسطيني وشقيقته يبكيان أمام جثمان والدهما الذي قُتل بغارة إسرائيلية في دير البلح بوسط قطاع غزة الأربعاء (رويترز)

الحرب الإسرائيلية مستمرة على جبهتي غزة والضفة

واصلت إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية بالتوازي مع الهجوم الكبير على جبهة لبنان.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
الاقتصاد طفل فلسطيني ينظر إلى الدمار بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم مزدحم يؤوي نازحين في المواصي بقطاع غزة (أ.ب)

البنك الدولي: غزة والضفة تقتربان من السقوط الاقتصادي الحر وسط أزمة إنسانية تاريخية

تنشر صحيفة «الشرق الأوسط» أبرز ما جاء في تقرير البنك الدولي المحدث حول انعكاس الصراع على الاقتصاد الفلسطيني حيث جاء فيه أنه يقترب من السقوط الحر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي منظر عام لمستوطنة إسرائيلية في غور الأردن (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجوم على هدف في غور الأردن

قالت «المقاومة الإسلامية في العراق»، الأحد، إنها نفذت هجوماً بالطيران المسير على «هدف في غور الأردن بأراضينا المحتلة»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

أعيرة نارية في الهواء ونُواح وعدم تصديق في بيروت بعد مقتل نصر الله

متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله خلال وقفة احتجاجية في مدينة صيدا بجنوب لبنان بعد إعلان مقتله (أ.ف.ب)
متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله خلال وقفة احتجاجية في مدينة صيدا بجنوب لبنان بعد إعلان مقتله (أ.ف.ب)
TT

أعيرة نارية في الهواء ونُواح وعدم تصديق في بيروت بعد مقتل نصر الله

متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله خلال وقفة احتجاجية في مدينة صيدا بجنوب لبنان بعد إعلان مقتله (أ.ف.ب)
متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله خلال وقفة احتجاجية في مدينة صيدا بجنوب لبنان بعد إعلان مقتله (أ.ف.ب)

أطلق مسلّحون أعيرة نارية في الهواء، وأمروا أصحاب المتاجر في أجزاء من بيروت بإغلاقها، وقال أنصار جماعة «حزب الله» اللبنانية إنهم في حالة من الصدمة وعدم التصديق بعد مقتل الأمين العام حسن نصر الله.

وأكّد «حزب الله»، اليوم السبت، اغتيال نصر الله، وأصدر بياناً بذلك بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي أنه قتله في غارة جوية على مقر الجماعة في الضاحية الجنوبية لبيروت، الجمعة.

ويمثّل مقتل نصر الله ضربة قاصمة لـ«حزب الله» الذي يواجه حملة عنيفة من الهجمات الإسرائيلية، وحتى مع ظهور تلك الأنباء كان بعض أنصار الجماعة يأملون بشدة في أنه لا يزال على قيد الحياة بطريقة أو بأخرى.

وقالت زهرة، وهي شابة نزحت من معقل «حزب الله» بالضاحية الجنوبية لبيروت، إنها تتمنى ألا يكون الخبر صحيحاً، «إنها كارثة إذا كان (ما يقال) صحيحاً».

وأضافت لوكالة «رويترز» للأنباء عبر الهاتف وهي تجهش بالبكاء: «كان قائدنا، كان كل شيء بالنسبة لنا، كنا تحت جناحيه».

وقالت إن نازحين آخرين بجوارها فقدوا الوعي، أو بدأوا في الصراخ والعويل، عندما تلقوا إخطارات على هواتفهم ببيان «حزب الله» الذي يؤكد مقتل نصر الله.

وكان نصر الله الذي قاد «حزب الله» منذ اغتيال زعيمه السابق في عملية إسرائيلية عام 1992، معروفاً بخطاباته المصوَّرة التي كان يتابعها كلٌّ من مؤيدي الجماعة ومعارضيها باهتمام بالغ.

وقالت زهرة: «ما زلنا ننتظره ليخرج على التلفزيون في الساعة الخامسة مساءً؛ ليخبرنا بأن كل شيء على ما يرام، وأننا نستطيع العودة إلى ديارنا».

وقال شهود إن مسلحين دخلوا المتاجر في بعض المناطق ببيروت، وأمروا أصحابها بإغلاقها، ولم يتّضح على الفور الفصيل الذي ينتمي إليه الرجال المسلّحون.

وقال سكان إنه تم سماع دوي أعيرة نارية في منطقة الحمرا غرب المدينة، بينما أطلق أنصار للحزب النار في الهواء. وسُمِعت حشود تهتف «لبيك نصر الله»!

وذكرت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» أن مواكب شقّت طريقها عبر الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقال مصدر أمني لوكالة «رويترز»، إن الجيش اللبناني شدّد الإجراءات الأمنية في جميع أنحاء العاصمة، بعد أن انتشر بشكل وقائي حول السفارة الأميركية شمالي بيروت، وذكر مصدر أمني آخر أن قوات الأمن اللبنانية تستعدّ لاندلاع محتمل للتوترات الطائفية.

وبثّت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» آيات من القرآن الكريم حداداً على مقتل نصر الله، كما قدّمت مراسلة من قناة «إم تي في لبنان»، وهي المحطة التي عادةً ما يكون نهجها التحريري مناهضاً لـ«حزب الله»، تعازيها في بث مباشر.