بعد مضي نحو 6 أشهر على شغور منصب رئيس البرلمان في العراق، تتجه الأنظار الآن نحو عقد جلسة، الأربعاء المقبل، لغرض انتخاب رئيس جديد للبرلمان.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد قررت خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إنهاء عضوية رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، بناء على دعوى قضائية ضده بتهم «تزوير».
ورغم مرور أكثر من 6 شهور على خلو المنصب الذي يديره النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، فإن القوى السياسية العراقية لم تتمكن من التوصل إلى توافق سياسي، يمكن أن يؤدي إلى انتخاب رئيس بديل للحلبوسي، على الرغم من عقد جلسة برلمانية في الثالث عشر من يناير (كانون الثاني) 2024.
لكن الجلسة المذكورة التي تنافس فيها 5 من المرشحين (4 منهم من العرب السُّنة وشيعي واحد) لم يتمكن أيٌّ منهم من الوصول إلى العتبة التي تؤهله لرئاسة المجلس؛ إذ حصل شعلان الكريم عن حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي على 152 صوتاً، بينما يحتاج إلى 165 صوتاً. كما حصل المرشح الثاني سالم العيساوي، عن حزب «السيادة» بزعامة خميس الخنجر، على 97 صوتاً، بينما حل المرشح الثالث محمود المشهداني، مرشح تحالف «عزم» بزعامة مثنى السامرائي، والمدعوم من زعيم «دولة القانون» نوري المالكي، على 48 صوتاً، بينما لم يحصل الاثنان الآخران، طلال الزوبعي وعامر عبد الجبار، على نتائج تذكر.
وفي الوقت الذي أدت فيه مشادات حصلت خلال تلك الجلسة إلى رفعها من قبل رئيس البرلمان بالوكالة، فإنه -بخلاف القانون- لم تُستأنف لغرض التنافس بين أكثر اثنين حصلا على أعلى الأصوات.
وبينما بقي سالم العيساوي رئيس كتلة «السيادة» في البرلمان العراقي مستمراً في الترشح للمنصب، فضلاً عن كونه الآن أبرز المرشحين في ظل تراجع حظوظ المرشح المنافس له، وهو الدكتور محمود المشهداني، الرئيس الأسبق للبرلمان، فإن شعلان الكريم أعلن انسحابه من الترشح مجدداً، كما أعلن انسحابه من حزب «تقدم» الذي يتزعمه محمد الحلبوسي، إثر خلافات تتعلق بما سمَّاه عدم الوفاء له، نتيجة ما تعرض له بعد إثارة فيديو قديم له، ظهر خلاله يمجد رئيس النظام السابق صدام حسين بعد إعدامه عام 2006.
وطبقاً للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصدر مطَّلع، فإن القوى السياسية حسمت أمرها باتجاه عقد جلسة بعد غد الأربعاء، لانتخاب رئيس جديد للبرلمان.
وطبقاً للمصدر المطَّلع، فإن «القوى السياسية توصلت إلى قناعة بأنه لا بد من وضع حد للجدل القائم بشأن كيفية اختيار رئيس جديد للبرلمان، وآلية الترشيح؛ لا سيما بعد توصل قوى (الإطار التنسيقي) إلى قرار بعدم تعديل المادة 12 من النظام الداخلي للبرلمان، بما يتيح إضافة مرشحين جدد، مثلما يطالب حزب (تقدم) بزعامة محمد الحلبوسي».
وأضاف المصدر أن «الزعامات السياسية سوف تعقد خلال اليوم وغد اجتماعات مكثفة لهذا الغرض» مبيناً أنه: «على الأكثر سوف تكون المنازلة بين مرشحين اثنين، هما: سالم العيساوي المدعوم من غالبية القوى السنية وأطراف شيعية كثيرة، فضلاً عن الكرد الذين أعلنوا إنهم مع الإجماع السني، وبين محمود المشهداني الذي دعمه في الجولة الأولى زعيم (دولة القانون) نوري المالكي».
وأوضح أنه: «طبقاً لكل المؤشرات، فإن أبرز المرشحين لتولي المنصب هو سالم العيساوي».
لكن المصدر المطلع أوضح أنه «في حال لم يحصل أيٌّ من المرشحين على الأغلبية اللازمة للفوز، فإن ذلك يعني بقاء المنصب ليُدار بالوكالة حتى يحصل توافق سُني كامل».
وفي هذا السياق، يقول السياسي المستقل الدكتور عمر الناصر لـ«الشرق الأوسط»: «بعد الحراك السياسي الأخير، ووفقاً للمعطيات الموجودة على أرض الحدث، يبدو أن الأمور بدأت تسير باتجاه حسم عقدة رئاسة مجلس النواب»، وأضاف: «حسب المعلومات الواردة التي تم تسريبها بأن الجلسة ستُعقد قريباً، وربما ستكون يوم الأربعاء، فهذا يعني أنه تم قطع الطريق وغلق الباب تماماً أمام تعديل المادة 12 من النظام الداخلي».
وأوضح أن «الفاعل السياسي ذاهب لتطبيق قرار المحكمة الاتحادية، الذي يقضي بعقد الجولة الثانية من جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب المقبل».
وأشار إلى أنه «كان من المفترض أن تصل جميع الكتل السياسية إلى هذه النتيجة؛ لأن القضاء والمحكمة الاتحادية هما الدرع الحامية لها، وأن الأخيرة اختصرت الطريق منذ أن حصلت العقدة، وذهبت للبت بعدم دستورية فتح باب الترشيح مرة أخرى».
على صعيد متصل، يرى الخبير القانوني علي التميمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تعديل المادة 12 من النظام الداخلي للبرلمان هو ترجمة للمادة 55 من الدستور العراقي، التي أوجبت انتخاب رئيس البرلمان عند خلو المنصب بالأغلبية العددية لأعضاء مجلس النواب. يضاف إلى ذلك تفسير لهذه المواد من قبل المحكمة الاتحادية، وهو أن تجري عملية الانتخاب ولا يحصل تأخير، فضلاً عن اقتصار الأمر على المرشحين أنفسهم، وعدم فتح باب الترشيح».
وأضاف التميمي أنه «بعد قرار (الاتحادية) رد الدعوى المقامة بصحة الجلسة، فإن التنافس يكون بين المرشحين أنفسهم، دون مرشحين جدد» مبيناً أن «المادة 12 تتكون من 3 بنود، ويراد إضافة بند جديد هو إمكانية إضافة مرشحين جدد؛ لكنه غير ممكن من الناحية الدستورية والقانونية». وأوضح أن «أي تعديل لهذه المادة يمكن أن يحصل؛ لكن بعد انتخاب رئيس جديد للبرلمان؛ لأنه لن يكون في هذه الحالة مخالفاً لقرار المحكمة الاتحادية».