الموظفون في القطاع الحكومي السوري مهددون بالتلاشي

الآثار الكارثية للتسرب بدأت بالظهور في نقص الكوادر وتهالك البنى التحتية

شارع «العدلي» المؤدي إلى سوقي «الحريقة» و«مدحت باشا» في دمشق القديمة (الشرق الأوسط)
شارع «العدلي» المؤدي إلى سوقي «الحريقة» و«مدحت باشا» في دمشق القديمة (الشرق الأوسط)
TT

الموظفون في القطاع الحكومي السوري مهددون بالتلاشي

شارع «العدلي» المؤدي إلى سوقي «الحريقة» و«مدحت باشا» في دمشق القديمة (الشرق الأوسط)
شارع «العدلي» المؤدي إلى سوقي «الحريقة» و«مدحت باشا» في دمشق القديمة (الشرق الأوسط)

تتجدد مشكلة النقص الحاد في الكوادر والعمالة في القطاعات الحكومية السورية، وسط أنباء عن استقالات كثيرة يشهدها قطاع النقل البحري السوري جراء تدني الرواتب والأجور وتعليق العمل بنظام الحوافز و«عدم تناسب رواتبهم وتعويضاتهم الشحيحة مع غلاء المعيشة». وقالت مصادر متابعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، إن النتائج الكارثية لظاهرة تسرب عدد كبير من الموظفين الإداريين والكوادر الفنية المحلية بدأت بالظهور في مختلف القطاعات الحكومية.

وحذرت صحيفة «تشرين» المحلية الرسمية، يوم الاثنين، من «انعدام العمالة الخبيرة قريباً»، ونقلت عن رئيس نقابة عمال النقل البحري والجوي في اللاذقية، سمير حيدر، قوله إن الوضع في القطاع البحري ليس جيداً «إذ لا يوجد عمال ولا آليات ولا بنى تحتية»، لافتاً إلى أن الباخرة التي كانت تؤم المرفأ ويستغرق تفريغ حمولتها البالغة 25 ألف طن، يومين فقط، بات حالياً يستغرق 15 يوماً بسبب قلة الإمكانات والخدمات من عمال وآليات وبنى تحتية، بالإضافة للإجراءات الإدارية والقانونية، مؤكداً وجود استقالات كثيرة في القطاع البحري، مع عدم تعيين عمال لديهم خبرة لشغل شواغر المتسربين والمتقاعدين.

ميناء اللاذقية (سانا)

ولا يبدو الوضع أفضل في مجالات أخرى، وبحسب تصريحات إعلامية لمعاون وزير الاتصالات، فإن أكبر عقبة تواجه التحول الرقمي في سوريا، تتمثل في «قلة الكوادر المتخصصة، خصوصاً في القطاع العام، بسبب ضعف التحفيز المادي»، لافتاً إلى أنه في أحد الاجتماعات جرت «مناقشة إمكانية إنجاز رقمنة السجل العقاري إنجازاً مكتملاً، فكانت الإجابة أنه يحتاج إلى 25 عاماً»، وذلك لنقص الكادر المتخصص في إدخال البيانات.

بعد تضاؤل الطبقة الوسطى في سوريا التي كانت تعد طبقة الغالبة بين السوريين، وتوسع الطبقة الفقيرة بتجاوزها نسبة الـ90 في المائة من السكان، بحسب الأرقام الدولية، بدأ الموظفون والعاملون في الجهات الحكومية بالتلاشي تزامناً مع تهالك وتآكل البنى التحتية في معظم القطاعات الحكومية الصناعية والخدمية.

وقالت مصادر متابعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، إن نتائج ظاهرة تسرب عدد كبير من الموظفين الإداريين والكوادر الفنية المحلية وتقديم استقالات تكاد تكون جماعية، بدأت بالظهور، في مختلف القطاعات الحكومية، مع تعرقل العمل فيها، ما ينذر بكارثة على الاقتصاد على المستويين القريب والبعيد.

ولفتت إلى عجز الحكومة عن مواجهة هذه التداعيات؛ حيث تلجأ إلى زيادة أيام العطل الرسمية لتوفير الإنفاق، ولفتت إلى أن إجازة عيد الفطر وعيد الفصح الغربي، امتدت لنحو أسبوعين، بدل أن تكون 5 أيام، وعطلة عيد العمال وعيد الفصح الشرقي نحو 5 أيام، واعتبرت ذلك «مؤشراً إلى عمق الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة التي لم تعد قادرة على تشغيل إداراتها ومؤسساتها بالنصاب الكامل». ورأت أن المؤشرات باتت واضحة بعد زيادة الرواتب في أغسطس (آب) العام الماضي، والعجز عن تنفيذ نظام الحوافز التشجيعية، رغم صدور مرسوم رئاسي بذلك وإقراره من قبل الحكومة.

وأعلنت الحكومة في فبراير (شباط) الماضي تعليق العمل بمرسوم الحوافز التشجيعية الذي صدر عام 2022، أو التريث في تطبيقه وإعادته للدراسة رغم أنه تمت الموافقة وجرى إقراره، وبررت وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف التجميد بـ«وجود فهم خاطئ للمرسوم سيؤدي إلى هدر المال العام».

متداولة لمستشفى الأسد في دمشق

ومن الآثار الكارثية لظاهرة تسرب العمالة من قطاعات العمل الحكومي، تحذير مدير مستشفى الأسد الجامعي مؤخراً، من توقف الخدمات الطبية نهائياً، جراء ضعف تهالك أجهزة المشافي وتساقطها واحداً تلو آخر لعدم القدرة على صيانتها وتأمين قطع تبديل لها بسبب العقوبات. بينما يعاني القطاع الصحي في سوريا من نقص حاد في الكوادر الطبية بسبب هجرة الأطباء والممرضين لا سيما الشباب، حيث تشير تقارير إعلامية رسمية، إلى أن الآلاف من العاملين في القطاع الصحي استقالوا خلال السنوات الخمس الأخيرة.

أرشيفية لموظفين في المؤسسة العامة السورية للحبوب (فيسبوك)

وجرى الكشف بداية العام الجاري عن نقص يقدر بـ600 عامل في مؤسسة تصنيع وتجارة الحبوب في حماة وسط البلاد، في مختلف المواقع، بينهم 45 سائقاً لنقل القمح والطحين، علماً بأن نحو 327 عاملاً في جهات حكومية بحماة معظمهم في القطاع الزراعي قدّموا استقالاتهم العام الماضي.

وبدأت الاستقالات الجماعية في القطاع العام السوري بالتحول إلى ظاهرة، منذ العام الماضي، مع بلوغ عدد الاستقالات في أول 6 أشهر منه نحو 1800 استقالة، رغم قرار الحكومة وقف منح الاستقالات والإجازات غير المأجورة إلا في حالات خاصة واضطرارية جداً.



«هدنة غزة»: الوسطاء يبحثون عن «حلحلة» قبل زيارة نتنياهو لواشنطن

جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)
جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: الوسطاء يبحثون عن «حلحلة» قبل زيارة نتنياهو لواشنطن

جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)
جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

يواصل الوسطاء محادثاتهم على أمل إقرار هدنة ثانية في قطاع غزة، قبل زيارة تحمل مخاوف على المسار التفاوضي، سيجريها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لواشنطن، بعد أقل من أسبوعين، وسط تبادل طرفي الحرب المستعرة منذ 10 أشهر اتهامات بالمسؤولية عن عرقلة المفاوضات.

مسار التفاوض، وفق خبراء في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بات أمام نقطة مفصلية هامة قبل زيارة نتنياهو الوشيكة لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، التي قد يعود بعدها مدفوعاً بإتمام اتفاق الهدنة أو نسفه، لافتين إلى أن جهود الوسطاء ستستمر في «سياق حلحلة» أي أزمة تعوق التوصل لاتفاق لإنجاز المرحلة الأولى من المراحل الثلاث التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن.

جهود تتواصل

الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي تقود بلاده الوساطة في أزمة حرب غزة، شدد خلال اتصال هاتفي مع نظيره التشيكي بيتر بافل، على ضرورة تكاتف الجهود الدولية للتوصل لوقف فوري لإطلاق النار بقطاع غزة، وفق بيان للرئاسة المصرية، الثلاثاء.

بينما اجتمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن، مع كل من وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، وركزت المحادثات، على «الجهود المبذولة راهناً للتوصل لوقف لإطلاق النار بين إسرائيل و(حماس)»، وفق ما ذكره المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر للصحافيين.

وتأتي زيارة هذين المسؤولين قبل أيام من زيارة سيقوم بها نتنياهو إلى واشنطن، وسيلقي خلالها في 24 يوليو (تموز) كلمة أمام الكونغرس بمجلسيه.

مناورات دبابة إسرائيلية بالقرب من الحدود مع غزة (رويترز)

التحركات المصرية والأميركية تأتي في إطار «حلحلة» العقبات إزاء المفاوضات وفق ما يراه مساعد وزير الخارجية الأسبق المصري، علي الحنفي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، معتقداً أن الوسطاء يريدون تكثيف الجهود وإنجاحها قبل أي متغيرات تمس مسار التفاوض.

فلا يمكن الجزم بما يمكن أن تسفر عنه زيارة نتنياهو لواشنطن على مسار المفاوضات، وفق الحفني، الذي أوضح أن نتنياهو لا يقبل بالضغوط وليس بالضرورة يعود ويغير موقفه مباشرة، ويجمد المفاوضات.

ويعتقد أن الزيارة ستحمل مناقشات سيناريوهات كثيرة بشأن الحرب والمسار التفاوضي، واصفاً نتنياهو بأنه «طرف لا يتنازل عن عناده بسهولة بمواجهة جهود الوسطاء في حل أزمة غزة».

وتهدف جهود الوسطاء، حسب المحلل السياسي الأردني، منذر الحوارات، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى التوصل لاتفاق يهدئ الأوضاع في المنطقة، متوقعاً أن تغير زيارة نتنياهو لواشنطن، مشهد المفاوضات، مع وجود شواهد على أن واشنطن تريد الذهاب لإبرام اتفاق بشأن غزة في مقابل رغبة من نتنياهو لإطالة أمد الحرب لما بعد وصول دونالد ترمب للرئاسة المحتمل في نوفمبر (تشرين الثاني).

ويوم الخميس، قال بايدن عقب أيام من سلسلة اجتماعات بين القاهرة والدوحة: «لا تزال هناك فجوات»، لكننا «نحرز تقدماً، والاتجاه إيجابي»، وأنا مصمم على إنجاز هذه الصفقة، ووضع نهاية لهذه الحرب التي «يجب أن تنتهي الآن».

ويواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية تطالب بالتوصل إلى اتفاق يعيد الرهائن المتبقين المحتجزين في غزة، وذلك عبر احتجاجات منتظمة ومتواصلة من آلاف المتظاهرين الإسرائيليين بشوارع تل أبيب.

بينما قدرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن زعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار، يتعرض لضغوط داخلية كبيرة لقبول اتفاق وقف إطلاق النار، وفق ما أفاد به تقرير نشرته شبكة «سي إن إن»، الثلاثاء، نقلاً عن تصريحات حديثة بمؤتمر مغلق أدلى بها مدير الاستخبارات الأميركية، بيل بيرنز.

جاء ذلك مع تأكيد صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين ودبلوماسي غربي كبير أن إسرائيل ومصر ناقشتا بشكل خاص انسحاباً محتملاً للقوات الإسرائيلية من حدود غزة مع مصر بوصفه جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار مع «حماس».

ووفق «نيويورك تايمز»، فإن استعداد إسرائيل للقيام بذلك يمكن أن «يزيل إحدى العقبات الرئيسية» أمام الهدنة مع «حماس»، التي قالت إن انسحاب إسرائيل من المناطق، بما في ذلك الحدود، شرط أساسي لوقف إطلاق النار.

وفي ظل سيطرة نتنياهو ميدانياً بغزة على مجريات الأمور، سيحاول الوسطاء، وفق منذر الحوارات، الضغط أكثر على «حماس»، مع إصرار نتنياهو على تعظيم مكاسبه وتهميش ورقة الأسرى التي لدى «حماس»، وجعلها ورقة ليست ذات أولوية لديه.

وسيتجه نتنياهو إلى «وضع عراقيل أكبر» سواء بالبقاء في معبر رفح ومحور فيلادلفيا، أو رفض عودة سكان لشمال غزة وغيرها، يضيف المحلل السياسي منذر الحوارات، «لكن هذا يتوقف على رد الفعل المصري» الذي قال إن إسرائيل تضع له «ألف حساب».

ومحادثات الوضع النهائي في معبر رفح ومحور فيلادلفيا تحمل قدراً من الأهمية مثل مفاوضات هدنة غزة، ويجب حلهما معها سواء على طاولة تفاوض واحدة أم مباحثات منفصلة، وفق المصري الحنفي.