فوضى بين الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا

اشتباكات وانشقاقات في «فرقة المعتصم» انتهت بعزل قائدها

أحد الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا (إكس)
أحد الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا (إكس)
TT

فوضى بين الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا

أحد الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا (إكس)
أحد الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا (إكس)

قرر المجلس العسكري للفرقة الثالثة في الفيلق الثاني للجيش الوطني (فرقة المعتصم) عزل قائد الفرقة معتصم عباس، وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والإدارية، وإحالته للتحقيق الداخلي بتهمة الخيانة والفساد وإساءة استخدام السلطة، وسرقة أموال الثورة والمال العام.

جاء ذلك في بيان للمجلس، الخميس، على خلفية اشتباكات عنيفة وقعت في مقر قيادة الأركان التابع لـ«فرقة المعتصم» على الطريق الواصل بين أخترين وأرشاف بريف مارع ضمن منطقة «درع الفرات» الخاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة بسبب اتهامات لقائد الفرقة بعقد صفقات مشبوهة، وارتكاب أعمال فساد.

ووقعت الاشتباكات إثر محاولة معتصم عباس اعتقال الفاروق أبو بكر، بعدما كشف ملفات فساد كبيرة تشير لتورط عباس بصفقات مشبوهة، وسرقة أموال الفرقة لمصالح شخصية له ولإخوته، وخلافات بين قيادات الفرقة حول تقاسم أموال الفرقة وقيادتها.

معتصم عباس خلال اجتماع لقيادة فرقة المعتصم (إكس)

وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أسفرت الاشتباكات عن مقتل أحد مرافقي عباس وإصابة آخرين بجروح، إثر محاولته اعتقال قياديين من المكتب الأمني، ومدير العلاقات العامة في الفرقة بعد محاولة الانشقاق عن الفصيل.

وفي السياق، أرسل فصيل «الجبهة الشامية» تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مدينة مارع لمساندة قائد «فرقة المعتصم» عباس ضد القياديين الفاروق أبو بكر، ومحمد الضاهر، ومصطفى سيجري على خلفية محاولة الانقلاب عليه، فيما لا يزال مصيره مجهولاً.

وأحال المجلس العسكري أربعة من أقارب عباس للتحقيق الداخلي بالتهم ذاتها، كما تقررت مصادرة جميع الأموال والممتلكات والأراضي والعقارات العائدة لهم، والتي تم تسجيلها بعد العام 2011، وتقرر تشكيل لجنة داخلية متخصصة لاستقبال شكاوى المدنيين والعسكريين المقدمة بحق المعتصم عباس وأقاربه للنظر فيها ومعالجتها أصولاً، وإحالتهم للقضاء العسكري المختص مع التقارير والملفات والأدلة بعد الانتهاء من التحقيقات.

معتصم عباس في صورة تجمعه مع بعض قيادات فرقة المعتصم (من حسابه على إكس)

وكتب القيادي في الفرقة مصطفى سيجري على حسابه في «إكس»: «بيان للرأي العام... بعد تنفيذ قرار المجلس العسكري للفرقة الثالثة في الفيلق الثاني (فرقة المعتصم) القاضي بعزل المدعو معتصم عباس وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والمالية واعتقاله، تم تسليمه وجميع الموقوفين لقيادة الفيلق الثاني أصولاً».

بدوره كتب معتصم عباس على حسابه في «إكس»: «لا تزال فرقة المعتصم قائمة بقواتها ومعسكراتها وقياداتها، ولا صحة للأنباء التي تتحدث عن السيطرة على الفرقة من قبل من يسمون أنفسهم مجلس قيادة الفصيل، وإن القضاء سيأخذ مجراه في محاسبة المجرمين القتلة الذين يدعون الثورية وهم بعيدون عنها بسفكهم للدماء مقابل السلطة والمال بالغدر والخيانة».

فوضى مستمرة

وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها اشتباكات متكررة بين الفصائل والعشائر تؤدي، غالباً، إلى سقوط ضحايا مدنيين يدفعون ثمن فوضى السلاح والاقتتال بين الفصائل، والتي تعد العائق الأساسي لضبط الأمن.

وقتل 4 أشخاص بينهم طفلة وأصيب 7 نساء في اشتباكات وقعت، الاثنين الماضي، في مدينة جرابلس بريف حلب (ضمن منطقة درع الفرات)، بين أبناء عشيرتي جيس وطي، استمرت ليومين وتسببت في توقف الحياة في جرابلس بشكل كامل وإغلاق المحال، مع نزوح من الأحياء التي شهدت اشتباكات.

وأعلنت القوات التركية الاستنفار، وتدخلت لإجلاء أعضاء هيئة تدريس فرع جامعة غازي عنتاب في جرابلس.

وقبل ذلك بأيام وقعت اشتباكات في قرية ليلوة قرب الغندورة بريف جرابلس الغربي، بين أبناء عشيرة الدمالخة وفصيل «الحمزات» الموالي لتركيا، بعدما منع أبناء العشيرة من العمل بأرضهم، وأطلق عليهم الرصاص، لتندلع اشتباكات شاركت فيها الشرطة العسكرية، ما أدى إلى مقتل أحد عناصرها.

وتردد عبر منصات التواصل الاجتماعي أن فصيل «الحمزات» حاصر القرية واقتحمها، ليخرج وجهاءها، وسط أعمال سرقة ونهب للبيوت واعتقال لشباب من القرية.

وقتل وأصيب أكثر من 40 شخصاً في انفجار سيارة مفخخة وسط سوق مدينة أعزاز بريف حلب نهاية مارس (آذار) الماضي تبين أنه نتيجة لخلافات بين فصائل في الجيش الوطني.

اشتباكات بين فصائل موالية لتركيا في شمال سوريا (إكس)

وأعلن فصيل «عاصفة الشمال»، المسؤول عن إدارة الملف الأمني والعسكري في أعزاز، اعتقال 4 أشخاص متهمين بتنفيذ التفجير، واتهم فصيل «أحرار الشام»، بالقطاع الشرقي الموالي لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في أرياف حلب، بالوقوف وراء التفجير.

انتهاكات واسعة

وذكر تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، في فبراير (شباط) الماضي، أن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والجيش الوطني، التي أعلنت تركيا أنها تسعى لتحويلها إلى مناطق آمنة، تزخر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في المقام الأول فصائل من «الجيش الوطني السوري».

وأضاف التقرير أن حياة سكان المنطقة، البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة، تتسم بالفوضى القانونية وانعدام الأمن، ونقل عن أحد السكان السابقين، الذي عاش تحت حكم «الجيش الوطني السوري» لمدة تقل قليلاً عن 3 سنوات، أن «كل شيء بقوة السلاح».

ولفت التقرير إلى أنه رغم أن «الجيش الوطني السوري» يتبع رسمياً وزارة الدفاع في «الحكومة السورية المؤقتة»، وهي هيئة حاكمة معلنة ذاتياً، ومعترف بها دولياً تمثل المعارضة السورية ومقرها أعزاز، فإن فصائله تخضع في نهاية المطاف، بحسب مصدرين مطلعين تحدثا للمنظمة، للقوات العسكرية والمخابرات التركية، ولا شيء يحدث دون علمهم.

لكن «هيومن رايتس ووتش» ذكرت في تقريرها أنها لم تتمكن من العثور على توجيهات منشورة تحدد دور السلطات التركية في هيكل القيادة في الأراضي السورية التي تسيطر عليها.


مقالات ذات صلة

طريق «أبيض - أبيض» تربط محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق نفوذ دمشق

المشرق العربي «ميدان الساعة» في مركز مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

طريق «أبيض - أبيض» تربط محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق نفوذ دمشق

«طريق أبيض» عمرها تجاوز 70 سنة، وهي تصل محافظتَي الحسكة والرقة بمحافظات الداخل السوري، وأُعيدَ افتتاحها بعد توقف الطريق الرئيسية «إم4 (M4)» بسبب التصعيد والقصف.

كمال شيخو (القامشلي)
المشرق العربي صورة نشرتها «الخطوط الجوية السورية» في «فيسبوك» لمسافرين بمطار دمشق

انتقادات لاذعة في دمشق لقرار «شيكات» المائة دولار

أثار قرار الحكومة السورية بأن يحصل المواطن العائد عبر مطار دمشق الدولي على «شيك» ورقي بقيمة 100 دولار ملزم بتصريفها قبل دخوله إلى البلاد بانتقادات عارمة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مسلحون من الفصائل المحلية في مدينة جاسم يستنفرون ضد القوات الحكومية (موقع شبكة كناكرالسوري)

تجدد التصعيد في جنوب سوريا وتفاقم الانفلات الأمني

تجدد التصعيد في درعا، جنوب سوريا، مع قيام مجموعات محلية مسلحة بقطع الطرق الرئيسية ومحاصرة نقاط التفتيش التابعة للقوات الحكومية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي حصيلة المخفيين قسراً لدى أطراف النزاع في سوريا منذ بداية الحرب (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)

منظمة حقوقية: «لا أفق لإنهاء الاختفاء القسري في سوريا»

حذرت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» من أنه «لا أفق لإنهاء جريمة الاختفاء القسري في سوريا».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي علاء حسو صاحب محل لبيع المستلزمات المنزلية بالدرباسية التابعة للحسكة يبيع أنواعاً متعددة من البوابير بسبب الطلب الزائد عليها مؤخراً (الشرق الأوسط)

رجعت أيام «بابور الكاز» في شمال شرقي سوريا

عادَ كثيرون من أهالي مناطق شمال شرقي سوريا إلى «بابور» (موقد) الكاز لطهي الطعام وتسخين المياه بعد فقدان جرة الغاز المنزلي والانقطاعات المتكررة للكهرباء.

كمال شيخو (القامشلي)

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
TT

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

قال وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، إن سوريا ودول محور المقاومة في «القارب نفسه» وعلى «الجبهة نفسها» يقاتلون إسرائيل، وإن «التعاون المشترك» سيجعلهم أقوى في مواجهة «المحور المتغطرس»، وفق ما أفادت به وسائل إعلام إيرانية قالت إن وزير الدفاع السوري هنأ، في اتصال هاتفي اليوم الأحد، نظيره الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بتعيينه وزيراً للدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.

وفي حين لم تشر وسائل الإعلام السورية الرسمية إلى خبر الاتصال بين الوزيرين حتى إعداد هذا التقرير، فقد أفادت وكالة «مهر» الإيرانية بأن الوزير الإيراني أكد دعم بلاده «إرساء الأمن واحترام وحدة الأراضي السورية»، مشيراً إلى القواسم المشتركة بين البلدين، لا سيما دعم سوريا محور المقاومة، لافتاً إلى أنه «يجب تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين؛ بما في ذلك نتائج زيارتكم إلى طهران».

اللجنة الاقتصادية المشتركة السورية - الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي (سانا)

يُذكر أن وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، زار طهران في مارس (آذار) الماضي في ظل ازدياد احتمالات توسع الحرب مع إسرائيل وتصعيد الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي تستهدف القوات الموالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله».

وعلق الوزير الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، على نتائج الزيارة الماضية من وزير الدفاع السوري إلى طهران، بالقول: «سوف يتوسع التعاون بسرعة أكبر».

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

كما عبر الوزير الإيراني عن أسفه لعدم رؤية بلاده «أي رد فعل مناسب من المجتمع الدولي تجاه جرائم الكيان الصهيوني»، مشدداً على أنه يجب أن يستمر التعاون بين إيران وسوريا، وأن هذا «التعاون سيؤدي حتماً إلى هزيمة الكيان الصهيوني».

ونقلت «مهر» عن وزير الدفاع السوري تطلعه إلى استمرارية العلاقات بإيران، وبذل القوات المسلحة في البلدين «مزيداً من الجهود بما يتماشى مع أهداف البلدين». وقال: «نحن معكم، وعلى الجبهة نفسها. إن أمن البلدين واحد»، وإن «محور المقاومة في القارب نفسه، ويقاتلون كيان الاحتلال الذي ارتكب كثيراً من الجرائم ضد الإنسانية في غزة وسوريا واليمن». وشدد على أن التعاون المشترك «سيجعلنا أقوى في مواجهة هذا المحور المتغطرس» متمنياً تطوير هذا التعاون والاتفاقيات، والاستمرار على «هذا المنوال في مواجهة قوى الشر» وفق «مهر».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

الاتصال الهاتفي بين وزيرَي الدفاع الإيراني والسوري، جاء بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن «موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا»، مؤكّداً أنّ «اجتماعاً جديداً سيُعقد في المستقبل القريب».

ورأت مصادر متابعة في دمشق أن «طهران، ومع كل تطور إيجابي تحققه موسكو فيما يخص ملف التقارب السوري ـ التركي، تبعث برسائل تؤكد نفوذها في سوريا، وتذكّر الجانب السوري بـ(وجوب تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتسديد الديون المستحقة عليه)، في نوع من الضغوط على دمشق حتى لا تمضي في ملف التقارب بعيداً عن المصالح الإيرانية».

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين المُوالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن ضغوطاً قوية تمارَس على دمشق من الحليفين: الروسي؛ للدفع باتجاه التقارب مع تركيا، والإيراني؛ للتريث واستثمار هذا الملف في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة؛ لا سيما مع الجانب الأميركي.

ورجحت المصادر تصدير دمشق موقفين لحليفيها: الأول إظهار التجاوب مع مساعي موسكو وبث رسائل إيجابية تجاه التقارب مع تركيا، والموقف الثاني يهادن الضغوط الإيرانية ويظهر التمسك بثبات الموقف من «محور المقاومة» والالتزام بسياساته، وإظهار التريث تجاه التقارب مع تركيا.

ولفتت المصادر إلى ما سبق أن تناولته وسائل إعلام عربية عن «زيارة سرية من رئيس الأركان السوري، العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، إلى إيران دون إبلاغ الرئيس بشار الأسد، وذلك في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الماضي. ورغم خطورة تلك المعلومات، فإنه لم يصدر رد فعل من دمشق؛ بل جرى تجاهلها تماماً. وهذا يضعنا أمام احتمالين: إما وجود انقسام داخل القيادة في سوريا، وإما هي (عملية توزيع أدوار، وتصدير مواقف عدة للتحايل على ضغوط الحليفين)».

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً