في ضوء التصريحات المتبادلة بين الرسميين في كل من العراق وتركيا، فضلاً عن الملفات التي حملها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى العراق، خلال زيارته الاثنين، فإن كل المؤشرات تدل أن كلاً من بغداد وأنقرة في طريقهما إلى طيّ صفحة الخلافات المعقدة التي أرهقت هذه العلاقة على مدى عقود طويلة من الزمن.
وبينما أكدت الحكومة العراقية أهمية هذه الزيارة، إلى بغداد وإربيل، وآفاقها المستقبلية على صعيد العلاقات بين البلدين، وصف رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني زيارة إردوغان إلى بغداد بأنها «تاريخية»، مرحباً به في ذات الوقت لزيارة أربيل ومناقشة القضايا المهمة.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن «تركيا تعتزم تطوير التعاون مع العراق في مختلف المجالات بما فيها مكافحة الإرهاب»، مشيراً إلى أن «مثل هذا التعاون مهم للأمن الإقليمي، وسيصب في مصلحة البلدين».
مذكرة تفاهم رباعية
ورعى رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وإردوغان، في بغداد الانثن، توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين العراق وتركيا وقطر والامارات للتعاون في مشروع طريق التنمية، تهدف الى التعاون المشترك بشأن «مشروع طريق التنمية» الإستراتيجي.
ووقع المذكرة عن الجانب العراقي وزير النقل رزاق محيبس، وعن الجانب التركي وزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، فيما وقع عن الجانب القطري وزير المواصلات جاسم بن سيف السليطي، وعن الجانب الإماراتي وزير الطاقة والبنية التحتية سهيل محمد المزروعي.
وتتضمن المذكرة قيام الدول الموقعة بوضع الأطر اللازمة لتنفيذ المشروع.
يشار الى أن مشروع طريق التنمية الإستراتيجي، سيسهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والسعي نحو اقتصاد مستدام بين الشرق والغرب، كما سيعمل على زيادة التجارة الدولية وتسهيل التنقل والتجارة، وتوفير طريق نقل تنافسي جديد، وتعزيز الرخاء الاقتصادي الإقليمي، وفق بيان صادر عن مكتب رئاسة الوزراء العراقية.
زيارة مختلفة
من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «زيارة الرئيس التركي مختلفة عن كل الزيارات المتبادلة السابقة بين البلدين على مدى السنوات الماضية»، مضيفاً أنه «في الوقت الذي كانت آخر زيارة للرئيس التركي إلى العراق قبل 12 عاماً فإنها، وفي هذا الوقت تبدو مختلفة لجهة اتجاه البلدين نحو التنمية المستدامة سواء عبر مشروع طريق التنمية الذي سيجري التوقيع عليه بين 4 دول في بغداد خلال هذه الزيارة وهي العراق وتركيا والإمارات وقطر أو من خلال الاتفاقات الثنائية في مختلف الحقول والميادين».
وأوضح العوادي أن «من بين أهم الملفات التي بحثت خلال هذه الزيارة الملف المائي وملف حزب العمال الكردستاني والملف الاقتصادي بين البلدين».
وبعيداً من التصريحات الرسمية، أجرى المحلل السياسي إحسان الشمري قراءة لزيارة إردوغان بعد 12 عاماً، مؤكداً أنها «تضع العلاقات العراقية ـ التركية في مسار مختلف، خصوصاً أن هذه الزيارة جرى الإعداد لها بشكل كبير على مدى 8 أشهر، وبالتالي فهي تأتي في سياق رغبة وحاجة مشتركة لكل من البلدين».
وقال الشمري، وهو أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك ملفات ضاغطة بين البلدين، وهي من تدفع باتجاه هذا التقارب الذي يؤكد أهمية الزيارة، حيث يقع الملف الأمني في مقدمة الملفات التي ستكون مدار بحث الطرفين، لا سيما أن تركيا تريد أن تحسم هذا الملف كي تتوجه إلى مسارات أخرى، فضلاً عن قضايا الطاقة والنفط والغاز وما يمكن أن تحققه تركيا من منافع داخلية وخارجية ومن قدرتها على التحكم في خطوط نقل الطاقة إلى أوروبا».
منافسة إيران
وأوضح الشمري أن «الجانب الآخر المهم في هذه الزيارة هو رغبة تركيا في الاستحواذ على السوق العراقية ومنافسة إيران، حيث يمكن أن تأخذ أكبر مساحة في هذا الاتجاه». وبشأن الرؤية العراقية لهذه الزيارة يقول الشمري إنه «بالنسبة للعراق فإنه يرى أن لديه فرصة لن تتكرر في حسم بعض الملفات، والوصول إلى تقارب بين الطرفين على مستوى آخر، خصوصاً إذا تحدثنا عن طريق التنمية الذي يعد مشروعاً استراتيجياً، وهو ما يمكن أن يجعل العراق استثمار هذه الرغبة التركية لجهة الاهتمام بطريق التنمية، وما يمكن أن يتحقق على المدى البعيد فضلاً عن قضية المياه».
وبيّن الشمري أنه «مع كل ما طرحناه، فإن هناك كثيراً من الأمور التي يمكن أن تلقي ظلالاً من الشك على ما إذا كانت هذه الزيارة سوف تحقق كل الأهداف المرجوة منها؛ حيث إنه من الصعب القول إن إردوغان سوف يوقع على اتفاقية دولية ويودعها بالأمم المتحدة على صعيد حقوق العراق المائية، وربما أقصى ما يمكن أن يصل إليه هو تشكيل لجان لدراسة الوصول إلى اتفاق، وهو لا يحقق مصلحة عراقية، فضلاً عن انسحاب القوات التركية في شمال العراق، وكذلك موضوع إعادة تصدير النفط التي ربما لن تتحقق إلا بالشروط التركية والمستحقات التي أقرتها محكمة باريس».