ملف النازحين السوريين يجمع خصوم السياسة في لبنان

تحوّل سياسي بدأ في 2019... وتضاعف قبل عامين نتيجة «ضغط الناس»

جنود لبنانيون يراقبون نازحين خلال رحلة عودة طوعية نظمتها السلطات اللبنانية إلى سوريا في 2022 (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يراقبون نازحين خلال رحلة عودة طوعية نظمتها السلطات اللبنانية إلى سوريا في 2022 (أ.ف.ب)
TT

ملف النازحين السوريين يجمع خصوم السياسة في لبنان

جنود لبنانيون يراقبون نازحين خلال رحلة عودة طوعية نظمتها السلطات اللبنانية إلى سوريا في 2022 (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يراقبون نازحين خلال رحلة عودة طوعية نظمتها السلطات اللبنانية إلى سوريا في 2022 (أ.ف.ب)

جَمَعَ ملف النزوح السوري إلى لبنان، ما فرّقته الخلافات الكثيرة بين القوى السياسية الداخلية، حيث أنتج الملف تقاطعاً كبيراً في المواقف، حتى بين الخصوم السياسيين؛ وذلك نتيجة «ضغط الناس» و«المعاناة» التي تفاقمت مع بدء الأزمة المعيشية.

«القوات» و«التيار» و«الكتائب»

ورغم التباينات الكثيرة بين أبرز الأحزاب المسيحية في لبنان، شارك عضو تكتل «لبنان القوي» (التيار الوطني الحر) النائب جورج عطا الله في ورشة عمل حول «الوجود السوري غير القانوني» نظمها عضو تكتل «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) النائب فادي كرم، الاثنين، في الكورة في شمال لبنان، كما شارك رئيس إقليم الكتائب اللبنانية في الكورة المهندس ماك جبور، إلى جانب موظفين رسميين.

وقال النّائب فادي كرم إنّه «لكلّ الفرقاء السياسيّين اللبنانيّين طروحاتٍ ومبادراتٍ خاصّة بهم في ملّف النزوح والوجود السوري غير القانوني في لبنان، والذي بات يُهدّد التركيبة اللبنانية»، لافتاً إلى أن «لهذه الأطراف كافّة مواقف، تحمّل فيها المسؤوليّات بالتقاعس لغيرها من الأطراف».

ودعا كرم إلى «وضع خطة عمل مشتركة، يقوم كلّ طرف فيها، بالالتزام بما يجب أن يقوم به، وصولاً إلى إنهاء هذا الملف في الكورة، بما يحمل من عواقب خطيرة ووخيمة». وقال: «بدأنا العمل بهذا الملف على طاولة اتحاد بلديات الكورة، بحضور النواب الثلاثة، وتابعنا معاً، مع رؤساء الأجهزة الأمنية والقضائية، ووزارة الداخلية والقائمقام، ونستمرّ اليوم، يداً واحدة للبدء بالتّنفيذ، آملين أن نصل إلى نهايات ناجحة».

مشاركون في مؤتمر نظمه النائب فادي كرم في شمال لبنان (المركزية)

إجماع القوى السياسية

ولا ينظر كثيرون إلى أن هذا التقاطع على ملف النزوح السوري، مفاجئ. وتشير نائبة رئيس «التيار الوطني الحر» للشؤون السياسية مارتين نجم، إلى ان رئيس التيار النائب جبران باسيل حين قام بجولة تشاورية على عدد من القيادات السياسية بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، «تبين له أن ملف النزوح السوري كان واحداً من الملفات التي تحظى بإجماع القوى السياسية التي تطالب بالعودة الآمنة لهم». ومن هذا المنطلق، «نظمنا المؤتمر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ودعونا كل البلديات ونواب وفعاليات»، لافتة إلى أن الحضور كان «دليلاً على اهتمام كل القوى السياسية بهذا الملف».

ويأتي هذا الإجماع بعد انقسام سياسي طال نحو 8 سنوات، قبل أن بدأ يتغير تدريجياً لجهة التقارب بين القوى السياسية، منذ الأزمة المعيشية التي ضربت لبنان في عام 2019، وتزايدت التوافقات بين القوى السياسية في العامين الماضيين، حيث ارتفع الصوت إلى مستويات كبيرة، رفضاً للنازحين ومطالبة بإعادتهم.

تقول نجم لـ«الشرق الأوسط»: «الواضح أن الموقف السياسي السابق كان متماهياً مع مواقف الولايات المتحدة ودول أوروبية والمانحين، وكانت هناك برامج للدمج، بهدف تخفيف الضغط عن أوروبا، وأرادوا تحويل لبنان إلى حرس بحار؛ مما أدى إلى تعميق أزمة النزوح في لبنان»، لكن «بات الموضوع خارج قدرة الجميع على التحمل، وتضاعفت شكاوى الناس من النازحين وازدادت الشكاوى من استيلاء النازحين على وظائف معينة، وعلى أنواع من المهن في الصناعة والتجارة وغيرها، وهو ما ساهم في التحول».

وتشدد نجم على أن «ضغط الناس أنتج هذا الموقف بين القوى السياسية اللبنانية»، مشيرة إلى «بعض التحول في المواقف السياسية الداخلية، حيث بات البعض أقل تشدداً مما كان عليه في السابق، وتراجعت الاتهامات بالعنصرية عند فتح هذا الملف، كما كان الوضع قبل سنوات، إلى جانب تحول في اهتمام المجتمع الدولي باتجاه ملفي أوكرانيا وغزة؛ مما أنتج جواً مريحاً إلى حد ما بالنسبة لبعض الأفرقاء السياسيين للتعبير عن موافقهم تجاه الملف».

وتشير نجم إلى أن «العدد الكبير للنازحين صار عبئاً على لبنان»، لافتة إلى «أننا بدأنا نرصد تغييراً بفهم هواجس لبنان من قبل المجتمع الدولي، بانتظار حلول استراتيجية».

تلاقٍ سياسي وطائفي

وإلى جانب «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» اللذين كانا من أوائل القوى السياسية المطالبة بإعادة النازحين، انضمت القوى المسيحية الأخرى، كما انضمت فعاليات سياسية واقتصادية من المسلمين، وانخرطت «غرفة التجارة والصناعة» في جبل لبنان في دعم حملة داعية لإعادة النازحين.

ويقول السياسي والباحث اللبناني خلدون الشريف إن «النزوح بات ضاغطاً على البنى التحتية اللبنانية والبنية الاقتصادية والأمنية، كما بات ضاغطاً على المستويات الاجتماعية؛ مما أنتج هذا التقاطع السياسي اللبناني الواسع على المطالبة بإعادة النازحين»، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك «عبئاً كبيراً مرمياً على كاهل المجتمع اللبناني في ظل عجز الدولة؛ ما يتطلب العمل على إيحاد حلول».

وقال الشريف إن الحلول «لا تُنجز من دون توافق بين المجتمع المحلي والدولي والدولة السورية، ولا يمكن معالجة هذا الملف إلا من خلال حل متكامل لجميع النازحين خارج سوريا، وهو أمر متروك للمجتمع الدولي والعربي»، مشدداً على ضرورة العمل «تحت المظلة العربية»، في إشارة إلى مقررات القمة العربية التي انعقدت في جدة، ودعت إلى «تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا».

ويشير الشريف إلى أن اللبنانيين يرون أن النزوح الأمني والسياسي مشروع، لكن الغالبية الآن في لبنان، هي «نزوح اقتصادي»، بمعنى أن «الفقير (اللبناني) يستقبل الأفقر (السوري)»، وهو ما فرض وقائع ضاغطة حتى على البيئات المتعاطفة مع السوريين. ويلفت إلى أن «الديموغرافيا في البقاعين الغربي والأوسط (التي تسكنهما أغلبية سنية)، تبدلت، حيث باتت كمية النازحين أكبر من السكان المحليين؛ ما يشير إلى أن المجتمع السوري هناك لم يعد نازحاً، بل مجتمع منتج ولديه دورته الاقتصادية؛ مما يتطلب تنظيماً لرخص العمل وإيضاح الحقوق والواجبات على المقيم»، مشدداً على أنه «أمر غير مرتبط بعنصرية، بل بحسابات وطنية واقتصادية».

وتشمل «خطة عودة النازحين عبر البلديات» التي وضعها «التيار الوطني الحر»، ضرورة «تطبيق تعاميم وزارة الداخلية وقانون العمل» بالنظر إلى أن جزءاً كبيراً من النازحين هم عمال يعملون بلا إجازات عمل رسمية، والنزوح اقتصادي.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

المشرق العربي الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (رويترز)

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

سعت إسرائيل، أمس (الجمعة)، إلى التوسّع داخل لبنان فيما يمكن وصفه بـ«الوقت الضائع»، بانتظار بدء لجنة المراقبة عملها لتنفيذ اتفاق وقف النار الذي بدأ تنفيذه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

ملف لبنان على طاولة المباحثات بين الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان، ويدعو لوقف كافة انتهاكات اتفاق وقف النار وانتخاب «فوري» لرئيس الجمهورية.

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الطائرة السعودية الإغاثية حملت مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

واصلت قوافل الإغاثة السعودية التدفق إلى لبنان، إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز) play-circle 00:52

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا: موجة نزوح من حلب وإغلاق المطار

فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
TT

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا: موجة نزوح من حلب وإغلاق المطار

فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)

قال المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا، الجمعة، إن هناك تقارير عن عمليات نزوح واسعة من مناطق في ريف حلب الغربي ومناطق داخل المدينة مع إعلان فصائل مسلحة دخولها مدينة حلب.

وأضاف المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا أن بعض العائلات نزحت من حلب وإدلب إلى أماكن إيواء جماعية في حماة.

وأشار المكتب إلى أنه تم إغلاق مطار حلب الدولي، وتعليق جميع الرحلات، مضيفاً أن «الوضع الأمني في حلب يتدهور بشكل سريع».

وسيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة أخرى على مدينة سراقب في محافظة إدلب، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، في إطار هجوم واسع تشنّه في شمال سوريا دخلت خلاله مدينة حلب.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أهمية سراقب (شمال غربي) أنها تمنع أي مجال للنظام من التقدم إلى حلب، وتقع على عقدة استراتيجية تربط حلب باللاذقية (غرب) وبدمشق».

دخلت مجموعات مسلحة بينها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مدعومة من تركيا، الجمعة، مدينة حلب في شمال سوريا، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بعد قصفها في سياق هجوم مباغت وسريع بدأته قبل يومين على القوات الحكومية، هو الأعنف منذ سنوات.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الفصائل «دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية» لكبرى مدن الشمال السوري.

وأضاف أنّها سيطرت على خمسة أحياء في ثانية كبرى مدن البلاد، مشيراً إلى أنّ الجيش السوري «لم يبدِ مقاومة كبيرة».

وهي المرة الأولى التي تدخل فيها فصائل مسلحة إلى حلب منذ استعاد الجيش السوري السيطرة الكاملة على المدينة عام 2016.

وأفاد مراسل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في حلب بوقوع اشتباكات بين الفصائل، والقوات السورية ومجموعات مساندة لها.

كذلك، قال شاهدا عيان من المدينة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنهما شاهدا مسلحين في منطقتهما، وسط حالة من الهلع.

وأودت العمليات العسكرية بحياة 277 شخصاً، وفقاً للمرصد، غالبيتهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 28 مدنياً قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم الجيش في المعركة.

وبدأ الهجوم خلال مرحلة حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط مع سريان وقف إطلاق نار هش في لبنان بين إسرائيل و«حزب الله» الذي يقاتل منذ سنوات إلى جانب الجيش النظامي في سوريا.

ومع حلول يوم الجمعة، كانت الفصائل سيطرت على أكثر من خمسين بلدة وقرية في الشمال، وفقاً للمرصد السوري، في أكبر تقدّم منذ سنوات تحرزه المجموعات المسلحة السورية.

وكان المرصد أفاد، الخميس، بأنّ مقاتلي «هيئة تحرير الشام» وحلفاءهم تمكّنوا من قطع الطريق الذي يصل بين حلب ودمشق.

وتعرّض سكن جامعي في مدينة حلب الجمعة للقصف، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين، بحسب وكالة «سانا» الرسمية.

وأدت المعارك إلى نزوح أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم تقريباً من الأطفال، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ومن مدينة حلب، قال سرمد البالغ من العمر (51 عاماً)، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «على مدار الساعة، نسمع أصوات صواريخ ورمايات مدفعية وأحياناً أصوات طائرات»، مضيفاً: «نخشى أن تتكرر سيناريوهات الحرب وننزح مرة جديدة من منازلنا».

وقال ناصر حمدو البالغ (36 عاماً) من غرب حلب، في اتصال هاتفي مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نتابع الأخبار على مدار الساعة، وقطع الطريق يثير قلقنا اقتصادياً لأننا نخشى ارتفاع أسعار المحروقات وفقدان بعض المواد».

ووصلت تعزيزات من الجيش إلى حلب، وفق ما أفاد مصدر أمني سوري.

وقبل إعلان المرصد دخول «هيئة تحرير الشام» إلى المدينة، أشار المصدر الأمني إلى «معارك واشتباكات عنيفة من جهة غرب حلب». وأضاف: «وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصاً على سيره، لكن نستطيع القول إن حلب آمنة بشكل كامل ولن تتعرض لأي تهديد».

وتابع: «لم تُقطع الطرق باتجاه حلب، هناك طرق بديلة أطول بقليل»، متعهداً بأن «تفتح كل الطرق قريباً».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 20 غارة على إدلب وقرى محيطة بها، وفق المرصد السوري، أدّت إلى مقتل شخص.

بدوره، أعلن الجيش الروسي، الجمعة، أن قواته الجوية تقصف فصائل «متطرفة».

عناصر تتبع فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)

ونقلت وكالات أنباء روسية عن متحدث باسم مركز المصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية في سوريا قوله إن «القوات الجوية الروسية تنفذ هجمات بالقنابل والصواريخ على معدات وعناصر جماعات مسلحة غير شرعية ونقاط سيطرة ومستودعات ومواقع مدفعية تابعة للإرهابيين»، موضحاً أنها «قضت» على 200 مسلح خلال الـ24 ساعة الماضية.

ودعت تركيا، الجمعة، إلى «وقف الهجمات» على مدينة إدلب ومحيطها، معقل المعارضة المسلّحة في شمال غربي البلاد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، عبر منصة «إكس»، إنّ الاشتباكات الأخيرة «أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية».

أطراف دولية

يعد القتال الناجم عن هذا الهجوم، الأعنف منذ سنوات في سوريا، التي تشهد منذ عام 2011 نزاعاً دامياً عقب احتجاجات شعبية أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص ودفع الملايين إلى النزوح، وأتى على البنى التحتية والاقتصاد في البلاد.

وفي عام 2015، تدخلت روسيا إلى جانب الجيش السوري، وتمكنت من قلب المشهد لصالح حليفها، بعدما خسر معظم مساحة البلاد.

وخلال شهرين من الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، كثّفت الدولة العبرية ضرباتها للفصائل الموالية لإيران في سوريا.

وقدمت هذه الفصائل، وأبرزها «حزب الله»، دعماً مباشراً للقوات السورية خلال الأعوام الماضية، ما أتاح لها استعادة السيطرة على معظم مناطق البلاد.

والجمعة، عدّ المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الوضع في حلب «انتهاك لسيادة سوريا». وأعرب عن دعم بلاده «للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري».

وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في بيان، «على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب»، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.

في إدلب، عدّ رئيس «حكومة الإنقاذ» التي تدير مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» محمد البشير، الخميس، أن سبب العملية العسكرية هو حشد النظام «في الفترة السابقة على خطوط التماس وقصفه مناطق آمنة، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين الآمنين».

وتسيطر «هيئة تحرير الشام» مع فصائل مسلحة أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة.

ويسري في إدلب ومحيطها منذ السادس من مارس (آذار) 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته كل من موسكو الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المسلحة، وأعقب هجوماً واسعاً شنّته القوات السورية بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر.

وشاهد مراسل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، مقاتلين من فصائل عدة في مدينة الأتارب يتقدمون إلى مشارف مدينة حلب، في ظل انسحاب الجيش ودخول دبابات وآليات تابعة للفصائل المعارضة.

وقال مقاتل ملثّم، لمراسل «وكالة الصحافة الفرنسية»: «أنا مُهجَّر منذ خمس سنوات، والآن أشارك في المعارك، وإن شاء الله سنعيد أرضنا وبلدنا اللذين أخذهما النظام، وندعو إخوتنا الشباب الجالسين في منازلهم للانضمام إلينا كي نعيد البلد».