بينما احتفل العالم باليوم العالمي للمياه يوم الجمعة الماضي، كان أحمد كميل يثبّت أركان عريشته الصغيرة قبالة البحر في خان يونس بجنوب قطاع غزة حتى تكون أكثر متانة في مواجهة الرياح، بعدما نقلها من داخل منطقة المواصي إلى الشاطئ مباشرة، ليستفيد من مياه البحر في غسيل الملابس والأواني والتنظيف لعجزه عن توفيرها في مكان نزوحه السابق.
يربط الرجل الأربعيني سقف عريشته وجوانبها بالأحبال وأنابيب البلاستيك اللينة المستخدمة في الري الزراعي، لضمان عدم تطاير أجزاء منها ويدعم جوانبها بالرمال لتفادي دخول أمواج البحر، بينما يضيف قطعة قماش تغطي أعلاها لتخفف من وطأة الشمس خلال ساعات النهار.
يقول أحمد، النازح من مدينة غزة مع عائلته المكونة من 8 أفراد، لوكالة «أنباء العالم العربي»، إنه يدرك خطورة قراره النزوح لهذا المكان في تنقله السادس منذ 5 أشهر، كونه سيكون مواجهاً لبحرية الجيش الإسرائيلي التي عادة ما تطلق رصاصها وقذائفها مباشرة على النازحين قبالة الشاطئ بشكل مفاجئ.
وأضاف أن السبب في إقدامه على خطوة كهذه شعوره وأبنائه بالإرهاق جراء البحث عن المياه يومياً لاستخدامها في التنظيف ونحوه، خصوصاً أنه لا يوجد مصدر مياه دائم في منطقة نزوحه السابقة وأنهم كانوا يضطرون لنقلها بالغالونات لنحو كيلومتر ولعدة مرات يومياً، فضلاً عن المعضلة الكبرى في توفير المياه الصالحة للشرب.
وأوضح أن توفير مياه الشرب، أو مياه الاستخدامات الأخرى، يمثل مشكلة كبرى تواجه النازحين في كل مناطق نزوحهم، خصوصاً أن معظم هذه الأماكن عبارة عن كثبان رملية لم يكن يتوفر فيها شبكات المياه التقليدية، أو أي من مقومات الحياة قبل الحرب.
وأشار إلى أن والديه رفضا انتقاله للشاطئ مباشرة خشية تعرض خيمته للقصف، كما حدث مع آخرين، لكنه أصر على هذا الخيار حتى يتخلص من مشكلة توفير المياه عبر استخدام مياه البحر رغم ملوحتها، لافتاً إلى أن هذا الخيار السيئ والخطر أهون من قضاء يومه كاملاً في نقل المياه من أماكن متعددة.
ومضى يقول: «مياه البحر مالحة جداً، ولكن لا يوجد أي بديل آخر، علينا القبول بما هو متاح، وإلا فلن نتمكن من غسل ملابسنا وبعض أواني الطبخ أو حتى الاستحمام». وأضاف: «لا أعلم هل لاستخدامها أي أضرار صحية أم لا، لكن على الأقل مياه متوفرة بشكل مستمر ولا تحتاج لأي جهد خير من افتقاد المياه لعدم أيام متتالية».
مياه البحر مالحة جداً ولكن لا يوجد أي بديل آخر
أحمد كميل النازح في خان يونس بغزة
ويتحدث الرجل وهو يشير إلى ابنيه أمير (11 عاماً) وشمس (7 أعوام)، وهما يحملان غالونات عبر عصا يرفعانها من الجانبين ويسيران باتجاه الخيمة قدوماً من الشاطئ. كما يمكن لزوجته، إن أرادات، استخدام مياه البحر مباشرة دون نقلها، لأن العريشة منصوبة مباشرة على الشاطئ.
يستغرب أحمد احتفال العالم باليوم العالمي للمياه، بينما يُحرم 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة من الحصول على الماء، سواء للشرب أو الاستخدامات المنزلية، لافتاً إلى أن البعض في شهر رمضان يقنن استخدام مياه الشرب لشح المتوفر منها بالمجان والاضطرار إلى شرائها في أغلب الأحيان.
ثمن الماء الموت أو الإصابة
تشهد مناطق نزوح الفلسطينيين في جنوب قطاع غزة، طوابير طويلة أمام صهاريج تابعة لجهات رسمية كسلطة المياه الفلسطينية ومصلحة مياه بلديات الساحل أو مؤسسات إنسانية متعددة، عادة ما تشق طريقها بين خيام النازحين وتفتح صنابيرها ليعبئوا ما لديهم من غالونات.
ويكتظ النازحون بسبب الحرب قبالة بعض محطات تحلية مياه الشرب الثابتة، خصوصاً الرئيسية منها، كالمتوفرة قبالة ساحل دير البلح والتي تعد أكبر محطة توفر المياه الصالحة للشرب للنازحين جنوب ووسط القطاع.
وهم يصطفون على جانبي الطريق الرئيسية قبالة محطة التحلية، ليخصص غرب الطريق لصهاريج المياه التي تحملها شاحنات أو براميل المياه الكبيرة المحمولة على عربات تجرها حيوانات أو سيارات متوسطة وصغيرة، بينما يقف الأفراد على الجانب الشرقي للطريق لتعبئة غالونات صغيرة من أنبوب مياه مخصص لذلك.
ومن هؤلاء عماد العقاد (28 عاماً) الذي يغامر بحياته متنقلاً بين أطراف المواصي، حيث تتمركز دبابات الجيش الإسرائيلي وصولاً إلى المحطة الرئيسية في دير البلح، ليوفر ألف لتر من مياه الشرب لنحو 35 عائلة من أشقائه وشقيقاته وأقاربه النازحين في قطعة أرض يملكها والده.
ويتنقل عماد عبر عربة يجرها حصان ويضع عليها برميل المياه ويسلك طرقاً ترابية وعرة وأراضي زراعية، وسط أجواء من الخوف الذي تسيطر عليه وهو يشاهد قذائف مدفعية الجيش الإسرائيلي تنهال على المنطقة التي يجتازها باستمرار، فضلاً عن الرصاص العشوائي الذي نجا منه بأعجوبة أكثر من مرة.
ويتحدث الشاب أنه كاد يفقد حياته عندما فوجئ بالرصاص ينهال على الشارع الذي يجتازه على بعد نحو كيلومتر من مكان تمركز الدبابات، وأنه اضطر إلى الانبطاح أرضاً لساعتين قبل عودة الهدوء للمكان وتمكنه من الانتقال بعربته سريعاً، لافتاً إلى أن غيره من ناقلي المياه إلى خيامهم أصيبوا أمام عينيه.
وعلى الرغم من المخاطر المحدقة بحياته خلال رحلة حصوله على المياه واضطراره للانتظار ساعات قبل تعبئة برميله من محطة التحلية، يعدّ عماد نفسه أكثر حظاً من معظم النازحين كونه يمتلك عربة وحصاناً لنقل المياه، بينما كثيرون يضطرون لتعبئة غالونات صغيرة وجرها يدوياً.
وقال عماد النازح من وسط خان يونس قبل 3 أشهر ونصف الشهر: «الحصول على المياه قد يساوي الإصابة أو الموت، لأن مصادرها إما قريبة من الجيش الإسرائيلي أو بحاجة للمرور على مقربة منه للوصول إليها، لكن لا بديل عن القيام بهذه المخاطر وإلا فلن نجد مياهاً للشرب».
وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أمس (السبت)، أن عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ارتفع إلى 32142 قتيلاً، في حين ارتفع عدد المصابين إلى 74412 ألفاً.